في إحدى أمسيات ربيع عام 1905، قرر ألبرت أينشتاين وهو أكثر من مجرد كاتب براءات اختراع في برن ان يستقل القطار للعودة إلى منزله على غير عادته اليومية وهي العودة إلى منزله مشيا على الأقدام. وكان يستغل فترة العودة في التأمل في حقائق الكون.
لقد كانت تجاربه الفكرية التي أجراها في خياله على متن القطار في تلك الأمسية هي التي أحدثت أعظم ثورة في الفيزياء الحديثة.
تخيل اينشتين ما سيحدث لو سارت عربة القطار بسرعة الضوء، وذلك عند مروره بجوار برج ساعة زيتجلوج في سويسرا.
لقد أدرك أنه إذا كان مسافرا بسرعة 300،000 كيلومتر في الثانية، فإن الساعات ستبدو متوقفة تمامًا. في الوقت نفسه، أدرك أينشتاين أيضا أنه عند برج الساعة، سوف تكون حركة عقارب الساعة كالمعتاد. أما بالنسبة له وهو في داخل عربة القطار المتحركة بالنسبة لبرج ساعة، فإن عقاربها سوف تتحرك بشكل أبطأ اذا تحرك بسرعة اقل من سرعة الضوء. هذه الفكرة بحد ذاتها احدثت ثورة فكرية داخل عقله.
خلص أينشتاين إلى استنتاج وهو أنه كلما أسرع في التحرك عبر الفضاء، كلما كانت حركته أبطأ في الزمن.
كيف يكون ذلك ممكنا؟
تأثرت أعمال أينشتين بشكل كبير بواحد من أكثر علماء الفيزياء شهرة في كل العصور.
newton and maxwell نيوتن وماكسويل
أولا، كانت هناك قوانين الحركة التي اكتشفها إسحاق نيوتن Isaac Newton، والثانية قوانين الكهرومغناطيسية التي وضعها جيمس كلارك ماكسويل James Clerk Maxwell.
أكدت قوانين نيوتن بإصرار أن السرعات ليست مطلقة. ولكن دائمًا نسبيًا، حتى انه يجب ان نذكر مقادر السرعة وبعدها نقول “بالنسبة إلى ….”.
على سبيل المثال، يتحرك القطار بسرعة 40 كم/ساعة بالنسبة لشخص ما في حالة سكون. أو أن نقول يتحرك القطار بسرعة 60 كم/ساعة بالنسبة لقطار يتحرك في الاتجاه المعاكس بسرعة 20 كم/ساعة.
هذا صحيح أيضا لسرعة الأرض والشمس ومجرة درب التبانة بأكملها.
من ناحية أخرى، وجد ماكسويل أن سرعة الموجة الكهرومغناطيسية مثل الضوء ثابتة عند قيمة كبيرة وقدرها 299،792،458 م/ث بغض النظر عمن يلاحظها أو يقيسها.
وهنا، يبدو ان مفهوم ماكسويل غير متوافق مع مفهوم نيوتن للسرعات النسبية.
إذا كانت قوانين نيوتن عالمية بالفعل. لماذا يجب أن تكون سرعة الضوء مستثناه!؟
هذا الأمر قدم لآينشتاين معضلة كبيرة. يمكننا توضيح هذا التناقض بين أفكار نيوتن وماكسويل مع تجربة آينشتاين الرائعة.
تخيل أينشتاين نفسه على متن قطار يشهد صاعقتين يصطدمان مقدمة ونهاية القطار. الآن، لأن أينشتاين يقف على وجه التحديد في منتصف الصاعقتين، فإنه سوف يرصد شرارة اصطدام الصاعقة بطرفي القطار في نفس الوقت.
ومع ذلك، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا عندما يشاهد شخص ما على متن قطار آخر يمر بجوار قطار اينشتين ويشهد الحدث نفسه الذي رصده اينشتين. إذا كانت سرعة الضوء تتوافق مع قواعد النسبية، فإن الشخص المتواجد في القطار لن يشهد ضربة البرق في نفس الوقت كما رصده اينشتين في القطار الساكن.
ومن الناحية المنطقية، فإن الضوء الذي يقترب من الرجل في القطار سيصل إليه أولاً.
قد يختلف قياس سرعة الضوء الذي قام به الرجلان من حيث المقدار، وهذا يتناقض مع حقيقة جوهرية للكون على ما يبدو. كان على آينشتاين أن يتخذ خيارًا صعبًا. اما ان قوانين نيوتن غير مكتملة أو ان سرعة الضوء ليست ثابت عالمي كما جاء في نظرية ماكسويل.
اقترح أينشتاين ان الزمن بالنسبة للرجل في القطار، يجب أن يتباطأ لتعويض النقصان في السرعة بحيث تبقى مقدار سرعة الضوء ثابتة.
وصف آينشتاين هذا الشيء الغير معقول بـ “تمدد الزمن Time Dilation”
اعتقد نيوتن أن الزمن يتحرك بلا هوادة في اتجاه واحد إلى الأمام. ولكن، أدرك أينشتاين أن الزمن يتمدد وينكمش بمقدار يعتمد على السرعة النسبية.
بعد أن أدخل اينشتين الزمن كبعد رابع بالاضافة إلى الأبعاد المكانية الثلاثة، اكد اينشتين ان كلا من الأبعاد المكانية والبعد الزمني هما شيء واحد يشكلان معا نسيج الزمان والمكان space-time.
الزمن والجاذبية
اقترح آينشتاين أن الأجسام الضخمة مثل الشمس لم تجذب اجسام مثل الأرض بالطريقة التي وصفها نيوتن وكأن الأرض مرتبطة بالشمس بحبل، لكنها تجذب الأرض من خلال تحدب في نسيج الزمان والمكان. وينطبق هذا أيضًا على جاذبية الأرض. اننا ثابتين على الأرض لأن الفضاء مشوه بسبب كتلة الأرض ويعمل هذا الفضاء على الإبقاء علينا كما لو كان يؤثر علينا بقوة من الاعلى إلى الاسفل. ان هذا التشوه حول الأرض ليس منتظما ولها فان الجاذبية تكون أعلى ما يمكن عند مركز الأرض حيث التشوه في نسيج الزمان والمكان أكبر ما يمكن وتقل الجاذبية كلما ابتعدنا عن مركز الأرض حيث يقل التشوه في نسيج المكان والزمان.
وفقًا للنسبية الخاصة فانه، كلما زادت سرعة الحركة عبر الفضاء، كلما كانت الحركة ابطأ عبر الزمن. وهذا يعني أن الوقت يمر ببطء على سطح الأرض أكثر مما يحدث في الغلاف الجوي، وذلك لان التشوه في نسيج المكان والزمان يكون أكبر على السطح منه عند الغلاف الجوي.
هذا تماما ما نقله لنا أحد المشاهد في فيلم interstellar عندما هبط بطل الفيلم على كوكب بالقرب من الثقب الأسود. لقد كانت الجاذبية على ذلك كوكب شديدة لدرجة أن ساعة واحدة على السطح تعادل سبع سنوات على الأرض!
كيف تؤثر الحركة على الزمن؟
لفهم كيفية تؤثر الحركة على الزمن، دعنا نفترض ان لدينا ساعة ضوئية، والتي تتكون من مرآتين عاكستين بينهما مسافة d تنعكس بينهما نبضة ضوئية. الآن، لنتخيل شخصين واحد منهما في سفينة فضائية فوق الغلاف الجوي للأرض، والثاني يقف على قمة تلة صغيرة تقع مباشرة فوق سطح الأرض. كلاهما يراقب رجل يسقط من الفضاء نحو الأرض. لنفترض أن الرجل الساقط يحمل ساعة ضوئية.
ماذا يرصد كل من الرجلين أثناء سقوط الرجل أمامهما؟
ما يلاحظونه مشابه بشكل غريب لما يلاحظه شخص ثابت عند مشاهدة كرة ترتد في قطار متحرك. فبينما يسقط الرجل من الفضاء، يبدو أن الضوء في ساعته الضوئية يتحرك في شكل مثلثاث بالنسبة إلى المراقبين. وهذا يعني أن الضوء ينتقل لمسافة أطول، مما يؤدي بالتالي إلى إطالة مدة الثانية الزمنية. من الواضح أن طول المثلثات التي يتبعها الضوء وبالتالي مدة الثانية سوف تتناسب مع سرعة الرجل الساقط.
عندما نسترجع معلوماتنا حول سقوط الأجسام القريبة من مركز الكوكب نرى انها تسقط بشكل أسرع. يمكننا اذا ان نحسب الزمن الذي يمر أبطأ بالنسبة إلى الرجل على التل. كذلك الزمن بالنسبة للرجل في سفينة الفضاء. وسنجد ان الفرق سيكون متناهي الصغر لا يتعدى بضعة نانوثانية.
يؤثر التأخير الزمني على كل ساعة سواء كانت تعتمد على مبادئ الكهرومغناطيسية الأساسية أو قوانين نيوتن للحركة. كما انها في الواقع تجعل العمليات البيولوجية تتباطأ، فلا تستغرب عندما نقول لك ان رأسك أكبر عمرا بقليل من قدميك.
مواقع النشر (المفضلة)