أنواع مختلفة للترتيب المغنطيسي والناقلية الفائقة :

تنشأ المغنطيسية الحديدية عندما يقوم عدد كبير من الذرّات أو الإلكترونات برصف سبيناتها في الاتجاه نفسه. هنالك في الحقيقة مصدران من المغنطيسية في المعادن وهما العزوم المغنطيسية المتوضعة و "بحر" إلكترونات النقل. تحصل المغنطيسية الموضعية في المعادن الترابية النادرة (مثل الغادولينيوم) والأكتنيدات (مثل النبتونيوم) نتيجةً لعدم امتلاء الطبقات الذرّية الداخلية بالإلكترونات بشكل كامل. وبالتالي يقود هذا إلى عزم مغنطيسي محدّد تماماً في كل موقع ذرّي ثابت، الذي يُنتج بدوره اقتراناً مغنطيسياً طويل المدى نتيجة لتبادل إلكترونات النقل.
ينشأ النوع الثاني من المغنطيسية – والمعروف باسم المغنطيسية العُصابية – من العزوم المغنطيسية لإلكترونات النقل نفسها. تكون الإلكترونات في المعادن "متجوّلة" أي أنها حرّة في التحرّك من موقع ذرّي إلى آخر، وتميل لأن ترصف عزومها المغنطيسية في اتجاه حقل مطبق. يحصل هذا أيضاً في سبائك اليورانيوم والجرمانيوم و ، الناقلين الفائقين المغنطيسيين الحديديين اللذين اكتُشفا حديثاً من قبل فريق لدى جامعة كمبردج في المملكة المتحدة وفي مختبرات مفوضية الطاقة الذرّية الفرنسية (CEA) في غرونوبل.
تملك المغانط الحديدية فقط عزماً مغنطيسياً صافياً في الدرجات المنخفضة من الحرارة. ويظهر الحقل المغنطيسي الداخلي بشكل تلقائي عند ما يسمى بدرجة حرارة كوري Curie، التي تقع بشكل نموذجي في المجال من 10 إلى 1000 درجة كلفن. لكن في الدرجات الأعلى من الحرارة، تغيّرُ العزوم المغنطيسية للذرّات بصورة مستمرة اتجاهها مما يجعل العزم النهائي مساوياً للصفر. يحصل انتقال مغنطيسي مشابه في المغانط الحديدية المضادة – وهي مواد تكون فيها سبينات الذرّات المتجاورة متوجّهة في اتجاهين متعاكسين – ويتمّ هذا الانتقال عند درجة حرارة نيل Neel ويؤدي إلى اختفاء الحقل المغنطيسي الداخلي.
وبالرغم من أن الناقلية الفائقة والمغنطيسية تبدوان ظاهريتين متضادتين، لكن هل توجدان معاً في المركّب نفسه؟ إن أول من طرح هذا السؤال هو الفيزيائي النظري الروسي فيتالي غينسبرغ V. Ginzburg عام 1957، لكن التجارب السابقة التي قام بها بيرند ماتثياس B. Matthias في عام 1959، في لوس ألاموس آنذاك أثبتت أن تركيزاً ضئيلاً جداً من شوائب مغنطيسية من العناصر الترابية النادرة – ولو بنسبة قليلة في المئة – كافٍ أن يحطّم الناقلية الفائقة كلياً عند وجود الترتيب المغنطيسي الحديدي.
إن أصل هذه الظاهرة الهدّامة هو التآثر الكمومي بين سبينات الإلكترونات والعزوم المغنطيسية الذريّة. يحاول هذا "التآثر التبادلي" تحت درجة حرارة الانتقال إلى الناقلية الفائقة أن يرصف أزواج كوبر، ولهذا فإن تآثرات التبادل تضع حدوداً ضيّقة على وجود الناقلية الفائقة.
ومع ذلك، يمكن لبلّورات النقل الفائق التي تملك شبيكة تحتية مغنطيسية حديدية مضادّة من الذرّات الترابية النادرة أن توجد بشكل أكيد. اكتُشِفت أولى هذه المواد – مركبات ثلاثية من العناصر الترابية النادرة (RE) وكبريتيد الموليبديونوم () – عام 1975 من قِبل فريق أويتاين فيشر Fischer. في جامعة جنيف، وبعد ذلك بسنتين، وجد ماتثياس في مختبرات بيل في نيوجيرسي ومعاونوه السلوك نفسه في سلسلة سبائك بوريد الروديومخ ( ). تكون معظم هذه المركّبات ذات نقل فائق تحت درجة حرارة حرجة بين 2k و 10k. وتخضع إلى انتقال طوري مغنطيسي في المجال -.5-k4 .
أثبتت تجارب التبعثر النتروني أن طور النقل الفائق لجميع هذه المواد من الناحية العملية له ترتيب مغنطيسية حديدية مضادة طويل المدى. وبالفعل، يمكن للناقلية الفائقة والمغنطيسية الحديدية المضادة أن توجدا معاً بشكل مريح لأن العزوم المغنطيسية في هذه المركّبات ليس لها، في المتوسط، غالباً أيّ تأثير على أزواج كوبر، ونعني بأن تآثر التبادل يساوي صفراً.

التعارضات الداخلية :

ولكن هل يمكن للناقلية الفائقة والمغنطيسية الحديدية أن توجدا معاً؟ إن الإجابة على هذا السؤال أكثر إثارة بكثير. يمكن أن توجد بعض المعلومات المفتاحية في بوريد الروديوم والإرييوم ( ) وكبريتيد الموليبدينوم والهولميوم () – تتحطم الناقلية الفائقة في كل من هاتين المادتين عند بدء تطبيق انتقال طوري مغنطيسي حديدي من المرتبة الأولى.
يكون مثلاً، ناقلاً فائقاً تحت درجة 8.7 كلفن. وعند تبريده إلى درجة حرارة كوري، وهي الدرجة 1 كلفن، تظهر بنية مغنطيسية "معدّلة" بدلاً من ترتيب مغنطيسي حديدي (الشكل 1). ويعني هذا بأن العزوم المغنطيسية المتجاورة تصطفّ في الاتجاه نفسه، بالرغم من أن سعة التمغنط تتغير جيبياً في المكان. ولكن يبقى ناقلاً فائقاً عند هذه الدرجة من الحرارة. وعلى وجه الدقة، فإن المادة ليست مغنطيسية حديدية لأنها تحتوي على بُنى "شبيهة بالمناطقية" مع عزوم مغنطيسية متناوبة. لقد كُشفت هذه البنية بتجارب التبعثر النتروني، وتبيّن من قياس دورها أنه يبلغ حوالي 10 نانومتر.

1- المناطق والتيارات الفائقة :





يمكن أن توجد الناقلية الفائقة الأحادية في النواقل الفائقة المغناطيسية الحديدية مثل بوريد الإربيوم الروديوم () بفضل تشكل بنية شبيهة بالمناطقية يكون ناقلاً فائقاً تحت الدرجة 8.7 كلفن، ولكن عند تبريده إلى حوالي الدرجة 1 كلفن فإن البنية المغناطيسية المعدّلة هذه تظهر بدور d يكون هذا الدور أصغر من قدّ زواج كوبر ، تتجه جميع العزوم المغنطيسية في كل منطقة إلى الاتجاه نفسه، ولكن سبينات المناطق المتجاورة تتناوب. وعلى وجه الدقة، لا يكون مغنطيسياً حديدياً حتى يبرّد إلى ما تحت الدرجة 0.8 كلفن. وتحت درجة الحرارة هذه تحطم الجدران المناطقية، وتتجه جميع السبينات نحو الاتجاه نفسه وتتدمر الناقلية الفائقة .
وعلاوة على ذلك، وفي عام 1983 أنجز سونيل ك سينها S.K. Sinha وجورج كرابتري G. Crabtree ومعاونوه في المختبر الوطني في آرغون في فترة متزامنة تجربة التبعثر النتروني والمقاومية على . وبيّنوا أن زيادة التبريد إلى الدرجة 0.8 كلفن يؤدي إلى انتقال طوري من المرتبة الأولى إلى الطور الماغنطيسي الحديدي وتختلفي الناقلية الفائقة. يعتبر مثالاً نادراً جداً لمركّب تتحطم خواصه في الناقلية الفائقة في درجات الحرارة المنخفضة جداً.
ما هو أصل مثل هذا السلوك، وما هي طبيعة طور التواجد معاً في مجال من درجات الحرارة يتراوح ما بين 0.8 و 1 كلفن؟ في الحالة المغنطيسية، يؤثر وجود العزم المغنطيسي الذرّي المتموضع على توزيع سبينات الإلكترونات المتجاورة بسبب التآثر التبادلي. ويتآثر سبين الإلكترون "المحرَض" بدوره مع العزوم المغنطيسية للذرّات الأخرى والذي يدعى تآثر روديرمان – كيتيل – كاسويا – يوسيدا – Ruderman – Kittel – Kasuya – Yosida. وتزيد الطاقة المكتسبة بالذرّات، بسبب الانتقال المغنطيسي، بشكل أكبر بكثير عن الطاقة المكتسبة بالإلكترونات عندما تُشكل أزواج كوبر عند الانتقال المغنطيسي، بشكل أكبر بكثير عن الطاقة المكتسبة بالإلكترونات عندما تُشكل أزواج كوبر عند الانتقال إلى النقل الفائق. وهكذا فإن المغنطيسية ظاهرة أكثر قوة ونشاطاً بالمقارنة مع الناقلية الفائقة. وكنتيجة لذلك فإن الناقلية الفائقة لا تستطيع أن تمنع الانتقال المغنطيسي، إنها تَقْدِرُ فقد أن تُعدّله .
يظهر الطور المغنطيسي الحديدي المعدل عندما يُبرّد و إلى درجة حرارة أقل من درجة حرارة كوري الخاصة بهما. أشار فيل أندرسون Ph. Anderson وهاري سوهل H. Suhl عام 1959 إلى أن دور مثل هذه البُنى المغنطيسية تشبه، من وجهة النظر الواسعة للناقلية الفائقة، مغنطيساً حديدياً مضاداً لأنّ المناطق المجاورة تتوجه في اتجاهات متعاكسة، ولكنها تشبه من وجهة النظر المجهرية للمغنطيسية مغنطيساً حديداً لأنّ العزوم المغنطيسية للذرّات المجاورة تتوجه في الاتجاه نفسه.
وعلى كلٍّ، فإن خلق جدران مناطقية يحتاج إلى طاقة، ولهذا فإن من الملائم طاقياً عند الدرجات المنخفضة من الحرارة أن تتوجه جميع العزوم المغنطيسية في الاتجاه نفسه. ولهذا فإن ينقلب إلى مغنطيس حديدي تحت الدرجة 0.8 كلفن وتتحطم الناقلية الفائقة.
وعلى وجه الدقة، لا توجد أمثلة عن مواد توجد فيها الناقلية الفائقة الأحادية والمغنطيسية الحديدية معاً. ففي جميع النواقل الفائقة الأحادية والمغنطيسية الحديدية معاً. ففي جميع النواقل الفائقة المغنطيسية الحديديّة الأحادية مثل و يظهر طور مغنطيسي غير منتظم في حالة النقل الفائق بدلاً من طور المغنطيسية الحديدية. وبصورة مشابهة فإنّه ليس من المحتمل إطلاقاً أن تظهر الناقلية الأحادية في حالة المغنطيسية الحديدية لأنّ تآثر التبادل يمنع تشكّل أزواج كوبر، ويبدو أنّه من المقدّر للناقلية الفائقة وللمغنطيسية الحديدية أن تبقيا بعيدتين عن بعضهما البعض.


يتبع ....