السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الاخوة الكرام
أشكركم جزيل الشكر على الموضوع القيم و المشاركات الرائعة
و التي تناولت الموضوع تناولا شاملا
و حبذا لو جمعت معلوماتها و حللت و استخلصت منها العبر
و أود هنا التركيز على قضية واحدة
و هي كيف أن المدرس الجيد عامل مؤثر قوي جدا، و حتى يمكنني القول بثقة
أنه يكفي مدرس جيد واحد في حياة الطالب ليغير ليس فقط استيعابه للمادة
و لا يقتصر تأثيره على تلك المادة فقط بل يغير مجرى حياته و طريقة تفكيره
و يعطيه دفعة قوية و طاقة لا متناهية قد تجعل منه عضوا مؤثرا في الأمة و فعالا فيها لأقصى حد
و هذا ينبهنا للحقيقة بأن سياسة المتبعة في كثير من دولنا العربية للأسف و هي
وضع الانسان الصحيح في المكان غير الصحيح تجعلنا ندفع ثمنا باهظا يجعلنا دوما في الخلف
لن أتحدث عن نفسي فتجاربي تتعلق أكثر بتخصصي في الرياضيات
و لكني أورد هذه المقتطفات لأخي الكريم عبد الله التونسي
و التي برأيي لا تخلو من فائدة لو تأملناها من أبعاد مختلفة
و أوكد من خلال هذه المفتطفات أننا يجب أن نحاول كل في مجاله أن نغير للأفضل
طريقتنا في الدراسة و طريقتنا في التدريس و أن نفعل كل ما بوسعنا للنهوض بأمتنا
و حبذا لو شاركنا الاخوة بتجاربهم في مجال التدريس
كيف أنهم استطاعوا النهوض بطالب أو بمجموعة من الطلاب
فبلا ريب كل ذلك يعود بالفائدة على الجميع
يقول اخي الكريم عبد الله التونسي
"
كنت ضمن مجموعة من الأصدقاء في الثانوية نكوّن "عصابة تشويش" في المدرسة و خارجها,
و كانت لنا إبتكارات في هذا المجال. فمثلا عندما تشير إلينا أستاذة اللّغة العربية بوجوب بناء النصّ,
نأتيها من الغدّ بأكياس صغيرة فيها إسمنت و آجر,
وهذا مثال "لطيف" لحركاتنا أيامها,
و أرجو من الله أن يغفر لي الأمثلة "الغير لطيفة".
كانت كلّ العلوم تدرس بالفرنسية من الكيمياء و الفيزياء و الرياضيات و إحياء و تقنية...
و كان من مقادير الله أن أصيب مدرسنا في الفيزياء بمرض و قد عافاه الله منه لاحقا, حفظه الله,
و عيّن عوضه أستاذ سأسمح لنفسي بذكره لما أكنّه له من إحترام رغم غياب أخباره عنّا.
نرجو من الله أن يحفظه و يجعل ما فعله من أجلنا في ميزان حسناته.
هوّ السيد "الطاهري" درّسنا في المعهد الثانوي في مدينة باجة بالشمال الغربي التونسي
حيث إنتقل والدي للعمل هناك.
كانت لهذا الأستاذ طريقة عجيبة في إحترامنا, أذكرها لكم لجمالها,
لم يكن درسه مميّزا عن دروس بقية الأساتذة حيث كان متكاملا قيّما مثل بقية الدروس
و لكنّه في نهاية كلّ درس يأتينا بأمر فيزيائي مرتبط بالدرس لم تستطع الفيزياء حلّه
أو ثبتت إستحالة حلّه.
و الإحترام هنا أنّه إستفزّ طبع المراهقة الحادّ عندنا وآستغلّه في الفيزياء وآحترم عقولنا
بوضعنا أمام تحديّات فيزيائية دون النظر إلى أعمارنا (في حدود 15 أو 16 سنة) و دون أفكار
مسبّقة عن جديّة أخذنا للأمر, كأن يقول بعضهم
"ماذا تفعل أتتصوّر من هؤلاء الأشقياء التفكير في مثل هذه الأمور".
نعم إستفزّتنا تحدّيات السيد الطاهري و تسابقنا في مجموعات لكسرها.
فمثلا
عندما إنتهينا من درس الطاقة صمت قليلا ثمّ تحولت نظرات الطيبة و التقوى في وجهه, نحسبه كذلك و لا نزكي على الله أحدا من عباده,
إلى شرارات تحدّي مع إبتسامة مخفية.
" يا شباب يستحيل إختراع محرّك يشتغل بصفة لانهائية بكميّة أولية من الوقود دون زيادة "
يرمي جملته دون أن يقول أتحداكم, تأتي في قالب الدرس دون أن يجبرك على البحث فيها.
هكذا. يتركك و يذهب.
طيّب يا أستاذ. نحن لها.
تلتقي المجموعة في منزلي الليلة, نرسل إلى شباب الحيّ المجاور أننّا لن نلعب الكرة غدا.
(في أحيان أخرى نلغي المعركة).
نبدأ في رسم المخططات لمحرك يعمل بشكل لانهائي بدفعة وحيدة من الوقود.
نتدارس. وقع الإتفاق على إقتراحي. رسمناه. و قدمناه في الأسبوع التالي للسيّد الطاهري.
أمعن النظر, دققّ, فكر مرّة أخرى, نظر إلينا, أرجع بصره للورقة
و غابت هذه المرّة شرارة التحدي من عينيه
"لا أعرف أين يوجد الخطأ في هذا المخطط, رغم يقيني بوجوده".
كانت لحظة قوية لي. في نهاية الأمر بإمكاني الإنتاج في الفيزياء,
بإمكاني البحث, ليس الأمر فوق طاقة البشر,
ليس الأمر حكرا على أجنبي أو أعربي, ليس الأمر مهولا.
و كانت اللحظة أيضا درسا عظيما في التواضع من السيّد الطاهري عندما لم يرّد علينا بعنف
عندما لم يجد الخطأ و لم يعتبر الأمر طعنة لغرور,
بل تعجب بفرح من بحثنا و أقّر بأخلاق العلماء أنّه لا يعلم مكمن الخطأ.
للمعلومة, لقد وجدت مكمن الخطأ عندما درست في الجامعة
Thermodynamique أطنّها باللغة العربية "الديناميكا الحرارية""
مواقع النشر (المفضلة)