هل وصف ميكانيكا الكم للحقيقة الفيزيائية هو وصفاً كاملاً؟
هاكذا عنون كل من انشتآين و بودولسكي و روزين ورقتهم الشهيرة التي صاغو فيها متناقضة الـ epr تلك المتناقضة التي ظلت "كما هو حال معظم متناقضات انشتآين" من دون حل لمدة 30 عام. والعنوان يوحي بشكل صريح بان انشتآين ورفاقه لم يكونوا مقتنعين بادعاء مهندس مدرسة كوبنهاجن لتفسير ميكانيكا الكم، نيلز بور القائل: إن وصف ميكانيكا الكم للحقيقة الفيزيائية عن طريق الدالة الموجية هو وصفاً كاملاً. و لكن انشتآين الذي لم يقبل ابداً ميكانيكا الكم كنظرية كاملة في وصفها للواقع الفيزيائي، كان يرى ان النظرية الكاملة هي تلك النظرية التي اي عنصر فيها بالضرورة يقابل حقيقة موضوعية، والشرط الكافئ للكمية الفيزيائية لكي تكون قادرة على وصف الحقيقة هو إمكانية التنبؤ بمقدارها بصورة يقينية (اي من دون شك او ارتياب) و من دون تشويش للنظام. وهنا يقف انشتآين في الجانب الآخر متحدياً مبدأ اللايقين في ميكانيكا الكم الذي ينص على انه اذا كانت هناك كميات فيزيائية وهذه الكميات كانت تقابلها مؤثرات كمومية غير متبادلة (قوس التبادلية لهذه المؤثرات لا يساوي الصفر) فانه لا يمكن قياس هذه الكميات بيقين في نفس اللحظة، اي ان معرفة احد هذه الكميات يعوق معرفة الكمية الاخرى. و يأتي هجوم انشتآين على هذا المبدأ من جهتين
1-اما ان وصف هذه الكميات عن طريق الدوال الموجية هو وصف غير كامل
2-او ان هذه الكميات غير المتبادلة لايمكن ان تمثل معاً حقيقة فيزيائية في نفس الوقت
اذن منذ البداية نجد ان انشتآين ورفاقه يرون ان اي اعتبار جاد لنظرية ما، يجب ان يأخذ في الحسبان التمييز بين الحقيقة الموضوعية والتي هي مستقلة عن النظرية، وبين المفاهيم الفيزيائية التي تعمل على ضوءها النظرية. وهذه المفاهيم يُراد منها ان تقابل الحقيقة الموضوعية ومن خلال هذه المفاهيم نستطيع ان نتصور الواقع بانفسنا. اذن من هنا يبدو جلياً ان انشتآين و رفاقه يرسمون خطاً فاصلاً بين الحقيقة الموضوعية التي نريد ان نصِفها من خلال النظرية الفيزيائية وبين المفاهيم الفيزيائية المستخدمة في النظرية كوسيلة لتصور الواقع.
اما في اي محاولة للحُكم على مدى نجاح نظرية ما، فيجب ان نسأل انفسنا
1-هل النظرية صحيحة؟
2- هل الوصف الذي تقدمه النظرية هو وصف كامل؟
وفي احسن الاحوال حتى لو كانت النظرية صحيحة و كانت تُعطي وصفاً كاملاً فان النظر بعين المنهجية العلمية (النظرة العلمية تكون دائماً حذرة حيال التعميم الاعتباطي) تعتبر هذه النظرية مُرضية. اما الحُكم على مدى صحة النظرية فهو مرهون بمدي التوافق بين نتائج النظرية والخبرة الانسانية. انشتآين يعتبر ان الخبرة الانسانية وحدها تمكننا من إستنباط استدلالات حول الحقيقة، والخبرة في الفيزياء تأخذ شكل التجربة والقياس. وهكذا نرى ان انشتآين ورفاقه يعولون كثيراً على الخبرة الانسانية (الحس العام) في محاولة الحكم على صحة النظرية وموافقتها مع الحقيقة.
وحسب انشتآين ورفاقه فإن النظرية الصحيحة تُعرف بانها النظرية التي اي عنصر فيها يقابل بالضرورة نظير في الواقع الفيزيائي.
اما بالنسبة للنظرية الكاملة فاننا نقول ان النظرية كاملة اذا كان اي عنصر من الحقيقة يقابل بالضرورة نظير في النظرية.
وطالما ان عناصر الحقيقة الفيزيائية لا تستُنبط من الاعتبارات الفلسفية وانما نحصل عليها من الاحتكام الى نتائج التجارب والقياسات، فاننا لا نحتاج الى تعريف شامل لمعنى الحقيقة الفيزيائية و لكن يمكن بشكل ما ان نضع المعيار التالي " اذا كانت هناك وسيلة للتنبؤ بيقين(احتمال يساوي الواحد) بقيمة الكمية الفيزيائية من دون تشويش للنظام، فانه يوجد عنصر من الحقيقة الفيزيائية يقابل هذه الكمية الفيزيائية. و نلاحظ هنا ان هذا المعيار يتوافق مع النظرة الكلاسيكية كما انه ايضا يتوافق مع مفهوم الحقيقة في مكيانيكا الكم..
يتبع
مواقع النشر (المفضلة)