كان مقدرا عل جاليليو ، على الرغم من حذره ، أن يصبح شهيدا وعالما معا . فقد كانت محاكم التفتيش تبسط سلطانا غير محدود ورقابة لاتكل فوق جميع أراضي فلورنسا . وكان كبير محققي التفتيش قد لاحظ أن جاليليو قد أعلن اعتقده بدوران الأرض حول الشمس وإنه من أتباع عالم الفلك كوبر نيق في ذلك . وبناء على هذا فقد طلب من جاليليو في عام 1616أن يمثل أمام محكمة التفتيش . وعندما وصل إليها نصحه كبير محققيها بأن يتخلى عن هرقطته عن الأرض والشمس والنجوم .
ووقع جاليليو صاغرا ، على إقرار بنبذ معتقداته وتعهد بالطاعة وعندئذ أطلق الكاردينال سراحه وعلى شفتيه ابتسامة الظفر ، لأنه تمكن بأمر رسمي أن يوقف حركة الكواكب حول الشمس .
وعاد جاليليو إلى فلورنسا خاسئا محسورا ، واستمر يجري تجاربه في صمت ، ولا يجرؤ على إعلان نتائجه على الناس . ولكن العبقرية خلقت لتعرف ،مثل البذرة خلقت لتنمو .ولم يستطع جاليليو آخر الأمر أن يخنق نفسه ، أقصد أفكاره ، وما أفكاره إلا أنفاسه التي بها يحيا . وأصدر كتابا في الفلك ، واصطدم من جديد مع عقائد المتزمتين ، ودعي مرة أخرى للمثول أمام محكمة التفتيش ، وكانت تهمته في هذه المرة ؟أكبر وجرمه أعظم أي تهمة وأي جرم ؟
العودة أي تكرار ارتكاب الجريمة بعد أن عوقب على ارتكابها من قبل جزاء هذه الجريمة (المزدوجة) هو الإعدام .
وكان جاليليو مريضا عندما جاءته الدعوة الثانية للمثول أمام محكمة التفتيش ، وأصدر الأطباء شهادة رسمية بذلك ، وقالوا : " إن جاليليو طريح الفراش وانتقاله يجعله لا لأن يذهب إلى روما ، بل إلى أن يذهب إلى العالم الآخر!"
ولكن رجال التفتيش لم تلن لهم قناة ، وردوا عل ذلك قائلين " يجب القبض عليه مهما كانت حالته ، وتقييده بالسلاسل وحمله إلى روما "
وذهب إلى روما في صقيع الشتاء في يناير عام 1633 ، ووصل إلى هناك وهو أقرب إلى الموت منه إلى الحياة ، وعندما صار أمام قضاته لم تكن حالته الجسمية أو الذهنية تسمح له بالدفاع عن نفسه .
ومضت ست شهور والمحاكمة مستمرة ، ورغم التأييد الذي كان يلقاه جاليليو من المفكرين الأحرار ومن العلماء الكاثوليك بل ورجال الكنيسة أيضا ، فقد حققت المحكمة غرضها وأرغمته في 22 يونيو عام1633 على أن ينكر اعتقده في دوران الأرض وأن يقسم على ذلك قسمه المشهور :" أقسم أمام الكتب المقدسة التي المسها بيدي ، إنني انبذ واحتقر أقاويلي السابقة ، وأقر بأن خطئي كان ناتجا عن الطموح والغرور والجهل المطبق . وأنا أعلن الآن وأقسم أن الأرض لا تدور حول الشمس "
ويقال أنه بينما كان أصدقاؤه يقودونه إلى خارج المحكمة ، وهو يرتعد ، أخذ يتمتم :"ولكن الأرض مع ذلك تدور"
كلمــــــــات ... تقطـــــــر أسى
وأصدر كرادلة محكمة التفتيش حكمهم بتحريم كتب جاليليو وسجن مؤلفها في السجن الرسمي التابع للمحكمة للفترة التي يحلو لهم تحديدها .
وفي السجن ألف جاليليو أعظم كتبه على الإطلاق قوانين الحركة ملخصا فيه كل المبادئ الأساسية لعلم الميكانيكا . وقد ألف كتابه سرا وقام بتهريبه للخارج ليطبع في هولندا.
ولم ير جاليليو نسخة مطبوعة من كتابه هذا ، لأنه فقد بصره وهو في السجن . ولكن مما أراح باله ، أنه استطاع أن يضم هذا الكتاب بين ذراعيه وهو على سرير الموت في 8 يناير 1642، وأخذ يتمتم :" إن تقديري لكتابي هذا يفوق تقديري لكل كتبي الأخرى ، فهو محصلة عذابي "
وما أن كف بصره حتى استبد به الأسى قائلا" إن هذا الكون الذي كبرته مئات المرات بكشوفي الغريبة وآلاتي العجيبة ، قد انكمش بالنسبة لي من الآن فصاعدا إلى مجرد الحيز الصغير الذي يشغله جثماني ".
انتهــــــــــــــــــــى
مواقع النشر (المفضلة)