السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

المعلوم والمجهول في هذا الوجود


المعلوم والمجهول في هذا الوجود

الاستسلام المطلق للاعتقاد في الخوارق والقوى المجهولة خطر ،
لأنه يقود إلى الخرافة ... ويحول الحياة إلى وهم كبير ! ...

ولكن

التنكر المطلق لهذا الاعتقاد ، ليس أقل خطراً : لأنه يغلق منافذ المجهول كله ،
وينكر كل قوة غير منظورة ، لا لشيء إلا لأنها قد تكون أكبر من إدراكنا البشري ،
في فترة من فترات حياتنا ! وبذلك يُصَغِّر من هذا الوجود – مساحة وطاقة ، وقيمة كذلك ، ويحدّه بحدود " المعلوم " ، وهو إلى هذه اللحظة حين يقاس إلى عظمة الكون – ضئيل .. جِدُّ ضئيل ! ...

إن حياة الإنسان على هذه الأرض سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية ،

أو سلسلة من القدرة على إدراك هذه القوى ،
كلما شب عن الطوق ،
وخطا خطوة إلى الأمام ، في طريقه الطويل ! .

إن قدرة الإنسان في وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون ، التي كانت مجهولة له منذ لحظة ،
وكانت فوق إدراكه في وقت ما .. لكفيلة بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى أخرى لم يدركها بعد ،
لأنه لا يزال في دور التجريب ! .

إن احترام العقل البشري ذاته لَخليقٌ بأن نحسب للمجهول حسابه في حياتنا ، لا لنكل إليه أمورنا ،
كما يصنع المتعلقون بالوهم والخرافة ، ولكن لكي نحس عظمة هذا الكون على حقيقتها ،
ولكي نعرف لأنفسنا قدرها في كيان هذا الكون العريض .
وإن هذا لخليقٌ بأن يفتح للروح الإنسانية قوى كثيرة للمعرفة ،
وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا ،
وهي بلا شك أكبر وأعمق من كل ما أدركناه بعقولنا حتى اليوم ، ب
دليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن مجهول جديد ؛
وأننا لا نزال بعد نعيش ! .

سيد قطب