http://www.oloommagazine.com/articles/Categories.aspx

نظرية كل شيء اللّامُدرَكة (*)
لأمد طويل، سعى الـفيـزيائيونجاهدين إلى إيجاد نظـرية تُوَّحِدُ
جميع نظـريات الفيـزياء بِنظـرية واحدة نهائية (1). ولكـن، ربما عليهم
التخلي عـن هذا الطموح وأن يَرْتَضُوا بتعددية تلك النظـريات.
<S.هوكنگ> - <L.ملودينو>


باختصار
يمكن القول إن أبحاث< ستيڤـن هوكنگ> حول الثـقوب السوداء ونشأة الكون تُشكـِّل أكبـر تقدم ملموس حققه الفيـزيائيون النظـريون نحو العمل على توفيق تثاقل آينـشـتايـن(2) مع الفيـزياء الكمومية مـن خلال محاولة إيجاد نظـرية نهائية لكل شيء.

لدى الفيـزيائيــين «نظـرية الأوتار»(String Theory(3 كمُرشّحة مفـضلة عندهم لمثل تلك النظـرية. غيـر أن نظـرية الأوتار تأتي بخمس صيغ مخـتلفة، وكل واحدة منها تـغطـّي مجالا مقصورا على ظواهـر محددة.

ولكـن مـن ناحية أُخـرى، هناك شبكة مـن العلاقات الـرياضياتية التي تـربط الصيغ المختلفة لنظـريات الأوتار بعضها ببعض مُشَكِّلة منظومة شاملة واحدة تسمى النظـرية(M(4، وقد تكون هذه الشبكة هي نفسها النظـرية النهائية المنـشودة.

وفي كــتـاب جـــــديـــد بعنوان «التصــمـيم الحـــاســم»TheGrandDesign يحاول مؤلفا هذه المقالة إثبات أن السعي إلى اكتشاف نظـرية نهائية ربما في واقع الحال لن يؤدي على الإطلاق إلى مجموعة وحيدة مـن المعادلات. وقد جاء في كتابهما أن كل نظـرية علمية تـأتي بنموذج للواقــع خاص بها، وربما لا يكون ثمة معنى للإعراب عما هي الحقيقة فعلا. وهذه المقالة مستقاة من هذا الكتاب.


َقبل بضع سنوات مَنَع مجلسُ مدينة مونـزا الإيطالية أصحابَ الحيوانات المدللة مـن حفظ الأسماك الذهبـية في الأحواض السمكية المقعّـرة. ويُردُّ ذلك وفقا لمقدمي اقـتـراح هذا الإجـراء، إلى أنه مـن القساوة بمكان حفظِ سمكة في حوض من هذه الأحواض لأن جوانبه المقوّسة تزوِّد السمكة بِمنظـر مشَوَه عـن الواقع. وبِغض النظـر عـن أهمية هذا الإجـراء بالنسبة إلى السمكة المسكينة إلا أن القصة تـثيـر سؤالا فلسفيا جديـرا بالاهتمام ألا وهو: كيف نعلم أن الواقع الذي ندركه هو حقيقي؟

صحيح أن السمكة الذهبـية تـرى صيغة مـن واقع مختلفة عـن صيغة ما نراه، ولكن هل بمقدورنا التأكد مـن أن صيغتَها أقلُ أصالة؟ جميع ما نعـرفه هو أنـنـا أيضا قد نـقـضي حياتـنـا كلها محدِّقيـن بالعالَم الخارجي عبر عدسات مُشوِّهة.

في الفيـزياء، لا يعتبر هذا السؤال سؤالا أكاديميا. في الحقيقة، يجد الفيـزيائيون والكوسمولوجيون أنـفسَهم في موقف مماثل لموقف السمكة الذهبـية. فخلال عقود من الزمن، سعينا جاهدين إلى أن نضع نظـرية نهائية لكل شيء أي مجموعةٌ واحدة كاملة ومتسقة مـن القوانيـن الأساسية للطبـيعة التي تُفَسِّـر كل جانب من جوانب الواقع. ولكـن يـبدو الآن أن هذا السعي ربما لا يؤدي إلى نظــرية واحدة بل إلى مجموعة نظـريات مترابطة فيما بـينها تصِف كُلٌ منها صيغة واقع خاص بها، كأنما تـنظـر إلى الكون مـن خلال حوضها السمكيّ الخاص بها.

قد يصعب على كثيـر مـن الناس ومـن ضمنهم بعض العلميـيـن تَقَبّل هذا المفهوم؛ إذ يعتقد معظم الناس بوجود واقع موضوعي objective reality وأن حواسنا وعلومنا تـنـقل المعلومات مباشـرة عن العالـَم المادي. فالعِلم التقليدي مؤسس على الاعتقاد بوجود عالَم خارجي ذي صفات مـحـددة ومـستـقلـة عـن الراصد الـذي يـلاحـظـه. ويُطلق على هذا الاعـتـقاد فـي حـقـول الـفلـسـفـة مصطلحُ «الواقعية» realism.

والذيـن يتذكـرون< T.لِيـري> (5) وستينات القـرن الماضي يعلمون جيدا أن ثمة إمكانية أُخـرى ألا وهي أن مفهوم الواقع يمكـن أن يعتمد على عقل ملاحِظه أو راصِده. وتُسمى وجهة النظـر هذه، مع اختلافات دقيقة متـنوعة، بِمسميات مـثل: لاواقعية أو مثالية أو وسائلية(6) instrumentalism. ووِفق تلك المبادئ يُنشِئُ العقل البشـري العالـَم الذي نعـرفه مستخدما بيانات حسية كمادته الخام والبنى التـفسيـرية لأدمغـتـنا هي التي تُسبِغ عليه شكلـه. وقد يصعب قبول وجهة النظـر هذه، ولكـن ليس مـن الصعبِ فهمها. إذ لا توجد طـريقة لإزالة الـراصد (الملاحظ) - الإنسان - مـن إدراكنا للعالـَم.

إن مسيـرة تقدم علم الفيـزياء صَيّـرتّ الدفاعَ عـن الفلسفة الواقعية أمـرا صعبا. ففي الفيـزياء التـقليدية - فيزياء نيوتن التي تصف خبراتنا اليومية الاعتيادية بدقة إلى حد بعيد - ينسجم تأويلُ أغلب المفاهيم مثل «جسم» و «موضع» انسجاما مـتـناغما مع الفهم «الواقعي» الحصيف لتلك المفاهيم. ولكـن مـن ناحية أُخـرى، إننا أدوات فجة كوسائل قياس. فقد وجد الفيـزيائيون أن الأجسامَ الاعتيادية والضوءَ الذي بواسطته نشاهدها، جميعها، مكوّنةٌ مـن جسيمات - كالألكتـرونات والفوتونات - لا نعيها مباشـرة ولا تنص عليها قوانيـن الفيـزياء التـقليدية وإنما قوانيـن الفيـزياء الكمومية.