س49: ما مراتب توثيق ابن حبان كما ذكرها المعلمي في كتابه "التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل " ؟وهل تُعُقِّبَت بشيء؟

ج49: قال المعلمي - رحمه الله - في ( التنكيل 1/450) : والتحقيق أن توثيقه (يعنى توثيق ابن حبان ) على درجات:
الأولى: أن يصرح به كأن يقول: "كان متقناً" أو " مستقيم الحديث" أو نحو ذلك.
الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.
الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يُعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.
الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذلك الرجل معرفة جيدة.
الخامسة: ما دون ذلك.
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، الثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة ، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل، والله أعلم. انتهي كلامه رحمه الله.
هذا وقد علق الشيخ ناصر الدين الألباني- رحمه الله –على هذا الكلام بقوله:
قلت: هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف _ رحمه الله تعالى _ وتمكنه من علم الجرح والتعديل، وهو ما لم أره لغيره فجزاه الله خيراً غير أنه قد ثبت لدى بالممارسة أن من كان منهم من الدرجة الخامسة، فهو على الغالب مجهول لا يُعرف، يشهد لذلك صنيع الحُفَّاظ كالذهبي والعسقلاني وغيرهما من المحققين، فإنهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة والتي قبلها أحياناً، ولقد أجريت لطلاب الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة يوم كنت أستاذاً للحديث فيها (سنة1382هـ) تجربة عملية في هذا الشأن في بعض الدروس (الأسانيد) فقلت لهم: لنفتح على أي راو ٍفي كتاب خلاصة تذهيب الكمال تفرد بتوثيقه ابن حبان، ثم لنفتح عليه في الميزان (للذهبي) والتقريب (للعسقلاني) ، فسنجدهما يقولان فيه: (مجهول)، أو ( لا يعرف)، وقد يقول العسقلاني فيه: (مقبول) يعنى لين الحديث، ففتحنا على بضعة من الرواة تفرد بتوثيقهم ابن حبان فوجدناهم عندهما كما قلت، إما مجهول، أو لا يعرف، أو مقبول.
هذا وقد تُعُقِّبَ عداب الحمش في رسالته (رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ص69) بقوله: إن هذا الكلام على إطلاقه من الشيخين فيه نظر؟!.
فالرواة المترجمون في كتاب الثقات قسمان: قسم انفرد ابن حبان بالترجمة له ، أو كان اعتماد مَن ترجمه بعده عليه، وهؤلاء يزيد عددهم على ألفي ترجمة في الكتاب، والقسم الثاني: الرواة الذين اشترك مع غيرهم في الترجمة لهم، وهؤلاء صنفان:
الصنف الأول: الرواة الذين أطلق عليهم ألفاظ الجرح والتعديل، وهؤلاء يقرب عددهم من ثلاثة آلاف راوٍ.
وقد تعددت ألفاظ النقد وتباينت دلالاتها كما قدمت بعض ذلك فبينما تجده يصف الرجل بالحفظ والإتقان أو الوثاقة أو الصدق أو استقامة الحديث، إذا بك تجده يصف الرجل بأنه قد يخطيء أو يخطيء أحياناً، أو يخطيء كثيراً، أو يخطىء ويخالف، أو يخطىء ويُغْرب، ويدلس ويخالف. والراوة الذين يصرح فيهم بالتوثيق ليسوا على درجة واحدة في نفس الأمر في كل مصطلحات التوثيق.
فقد وجدته وصف خمسة وخمسين رجلاً بالإتقان بيد أنني لم أجد لغيره كلاماً في ثمانية منهم، والذين وجدت لهم تراجم كانوا جميعاً من الحفاظ أو الثقات.
أما لفظ (مستقيم الحديث) وما دار في فلكه فقد أطلقه ابن حبان على ستةٍ وخمسين راوياً ومائتي راوٍ، وقد جاءت ألفاظه الدالة على الاستقامة متعددة، فتارة يصف الراوي بأنه مستقيم الحديث جداً، وتارة يصفه بأنه مستقيم الأمر في الحديث، وتارة يقيد الاستقامة بشروط فيقول مثلاً: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات، أو إذا روى عنه الثقات، وتارة يقول: روى أحاديث مستقيمة، وأنه مستقيم الحديث يغرب، ومستقيم الحديث ربما أخطأ.
كما أطلق عبارات أوضحت لنا مقصوده من الاستقامة، ولكنه أكثر ما أطلق هذا المصطلح بلفظ (مستقيم الحديث) مجرداً، وله ألفاظ أخرى مشابهة، ولكنها قليلة. وقد وجدت فيمن وصفه ابن حبان بأنه (مستقيم الحديث) الحافظ والثقة والصدوق، ووجدت فيهم المجروح والمضعف والمجهول حسب اصطلاح المتأخرين، وقد كانت ألفاظ النقد التي أطلقها ابن حبان في كتابيه (الثقات والمجروحين) تسعة عشر لفظاً ومائتي لفظ درستها جميعاً دراسة نقدية في رسالتي سالفة الذكر، وأعددت لها ملاحق خاصة بألفاظها، ولذلك فإنني أرى أن هذه الإطلاقات من فضيلة الشيخ اليماني - رحمه الله - عامة وعائمة.
وما ذكره فضيلة الشيخ الألباني من أن كلام الشيخ المعلمي (تفصيل دقيق)، غير دقيق ولا مفيد في التحقيق العلمي شيئاً . انتهي المراد من كلام عداب الحمش.