تحية لكم جميعا ،
من الممكن أن يكون التساؤل حول محدودية الكون أو لا محدوديته يتبع بحثا فلسفيا . أنا من المؤمنين بأن لاحدود للكون بالمعنى المتبادر إلى أذهاننا وأفهامنا من التجسيم والتحديد . ولو كان للكون حدودا لتساءلنا عن ماذا وراء الحدود ! هل هو العدم المحض ؟ والعدم ، ما هو ؟ هل العدم حقيقة أم مجرد تصور نتصوره في أذهاننا ؟ ولو كان لدينا فهم آخر لطبيعة المادة والطاقة غير الذي نفهمه الآن ، لكان من المحتمل أن يكون معنى المحدود واللامحدود في تصورنا يختلف عما ألفناه له من معنى . الكون وما فيه ، ما عرفنا منه وما لم نعرف ، من إبداع الخالق جل وعلا عن التجسيم والمحدودية ، وكذلك صنعه وإبداعه ، سبحانه ، لن يكون له حد يحيط به أبدا . وما دمنا نؤمن أن الخلق نفخة من روح الله ، فليس هناك من حد يحيط بروحه تعالى؟!!
قيل : إن اليونان القدماء نظروا في أمر تفتيت المادة حتى أصغر ما فيها ، وافترقوا إلى فريقين اثنين : فريق يقول بما معناه : " إن الوصول إلى الأصغر ، الذي ليس بعده أصغر منه Atom ، ممكن عقلا "، وفريق يقول : " إننا لن نصل إلى الأصغر أبدا لأن هذا الأصغر لا بد أن يكون هناك ما هو أصغر منه إلى ما لا نهاية ". وشبيه ٌقول الفريق الثاني بمن يأخذ بقسمة الواحد الصحيح فلن يصل إلى كسر يقف عنده أبدا ، وكذلك إن يزد على الواحد الصحيح ما شاء من زيادة فلن يصل إلى العدد الأكبر أبدا . وما قاله دالتون عن المادة ذات الذرات المصمتة أبطله رذرفورد بالدليل التجريبي ولم يقل أن الكهرب (الإلكترون) ليس بعده أصغر منه . والفيزياء الحديثة تقول إن الفوتون ( الدقيقة التي يتألف من أعدادها الضوء ) طاقة ، وقد سبق أن قالت إن الطاقة شكل من أشكال المادة .
إن ما سبق ذكره يمكن أن يروح بنا إلى الإيمان بانتفاء الحدود مثل إيماننا بأن المادة لا تفنى مهما طرأ عليها من تحولات ، ومهما كان لها من أشكال لا يعلمها إلا الذي شكّلها .
وإن شئنا ان نبقى في حدود عقولنا ، وأظن أن في هذا راحتنا وسلامنا ، واعتمدنا على ما فطرنا الله تعالى عليه من إيمان ، فإن الأسلم لنا أن نؤمن إيمان العجائز ، ولو أنه ليس هو الإيمان الأفضل . والله تعالى أعلم .
مواقع النشر (المفضلة)