أسلحة الليزر في الميدان


لقد بدأت تجارب استخدام الليزر كسلاح ضد الأفراد منذ عدة سنوات، ونجحت بعض الدول - مثل انجلترا وأمريكا والاتحاد السوفيتي - في ذلك، حتى أنه قد تم فعلاً تزويد بعض القطع البحرية بهذا السلاح. وتم فعلاً رصد المدمرة الانجليزية (أندروميدا) ANDROMEDA في الخليج العربي وهي تحمل ذلك السلاح الذي أطلق عليه LASER DAZZIE SIGHT (LDS). وقد تردد فعلاً تزويد عدد من حاملات الطائرات والسفن الحربية البريطانية بهذا النظام، كما أنه استخدم في حرب

فوكلاند وتم إسقاط عدة طائرات بواسطته عن طريق إطلاق شعاع الليزر في اتجاه الطائرات المهاجمة على الارتفاعات المنخفضة حتى يؤدي إلى إصابة الطيار بالعمى المؤقت مما ينتج عنه إسقاط الطائرة. على أن النظام الإنجليزي ليس معقداً على أي حال، إذ يتكون من أنبوبة مربعة المقطع تستخدم فى إطلاق شعاع الليزر في اتجاه الهدف وتزود به القطع البحرية بواقع نظام على كل جانب للتعامل مع الأهداف البحرية.
وقد تردد أيضاً اسم النظام الأمريكي DAZER الذي يزن حوالي 20 رطلاً ويستخدم في مجال الإعماء الليزري، وقد بدأت محاولات الإنتاج عام 1988م. ويمتاز هذا الجهاز بأن شعاع الليزر يمكن توليفه - أي تغيير تردده - في حيز الطيف المؤثر على العين البشرية، وذلك لتقليل فاعلية أنظمة الوقاية من هذا الجهاز الذي يبلغ ثمنه حوالى 50 ألف دولار ويصاحب الإعلان عنه تأثير نفسي جد رهيب.


سلاح الليزر ومركبات الاستطلاع


لا شك أن الاهتمام الدولى بسلاح الإعماء بالليزر يزداد على نطاق واسع، كما أن فترة التعمية التي تصيب الطاقم المعادي يمكن أن تستغل بصورة جيدة لصالح أطقم الاستطلاع الصديقة لتوفير الهروب الآمن.
ولقد قامت أمريكا أخيراً بتجهيز عدد من مركبات الاستطلاع المدرعة برادلي المجتمع -3 بسلاح ليزر للإعماء، أطلقت عليه اسم (الشعاع القارص) STING RAY وذلك بغرض التأثير على أطقم مركبات القتال المعادية من خلال وسائل الرؤية البصرية، كما يمكن للجهاز إعطاب وإعاقة أنظمة الرؤية الليلية وأنظمة التصوير، حيث يتسبب في عمى مؤقت أو دائم للأطقم التي تقبع خلف تلك الوسائل المستخدمة للرصد والرؤية.
والمركبة مزودة بمدفع 25 مللم، تم تثبيت أنبوبة صغيرة جداً طولياً على ماسورة المدفع، وهي تمثل جهاز الإعماء، وتمت تجربة السلاح في الظروف الصحراوية الحارة وأثبت كفاءة بالغة، وتم تطويره لزيادة مدى التأثير وحيز الطيف الذي يؤثر فيه. ويمثل ذلك بلا شك أحد التطورات الهامة في مركبات الاستطلاع لزيادة فاعليتها، حيث يتيح لها فرصة الهرب تحت تأثير العمى المؤقت أو الدائم أو إعطاب أنظمة الرؤية الليلية المعادية؛ وعلى الجانب الآخر، فإن ذلك سوف يضيف تكلفة إضافية لمركبات الاستطلاع برادلى المجتمع -3 قد تصل إلى حوالى مليون دولار للمركبة الواحدة.
إن ذلك بلا شك يدق ناقوس الخطر بانتشار مثل هذا السلاح القذر الذى يهدد العنصر البشري في أغلى ما يملك وهو العين البشرية.
ولا شك أن إسرائيل تهتم كثيراً بهذا السلاح، وكان لمشاركتها في أبحاث مبادرة الدفاع الاستراتيجي الأمريكية SDI أكبر الأثر في مساعدتها على نقل الكثير من تكنولوجيا استخدام الليزر كسلاح في أرض المعركة، ونظراً لعلمها بالتأثيرات الفعالة لسلاح الإعماء الليزري فإنها - تحسباً لامتلاك العرب لهذا السلاح - تجري الأبحاث الطبيعية على وسائل الحماية للفرد وللأنظمة الكهروبصرية فى أرض المعركة.


وسائل الحماية

إن الطرق المتيسرة لحماية الجندي من تلك الأسلحة القذرة تتطلب تغييراً في طرق مراقبة أرض المعركة، مع ضرورة استحداث بعض الإجراءات المضادة لأسلحة الإعماء الليزري.
وتتمثل أولى الطرق في حرمان شعاع الليزر من الوصول إلى العين البشرية باستخدام مرشحات FILTERS مناسبة، وليس هذا بالأمر السهل نظراً لصعوبة تحديد تردد الليزر المعادي مسبقاً، علاوة على دخول الليزر الذي يمكن توليفه، مما يصعّب كثيراً من إجراءات المواجهة. ففى حالة صعوبة تحديد التردد يتم حجب حيز من الترددات يتوقع وجود الشعاع ضمنه، ولكن حجب حيز من الترددات يؤثر بلا شك على كفاءة ووضوح الصورة التي يتم رصدها في ميدان المعركة.
إن تحديد التردد الليزري الذي يهدد الجندي أمر حيوي في المعركة، ونظراً لأن الرؤية تقل أصلاً بسبب الدخان والضباب والأثرية، علاوة على أن الرؤية تكون محددة أصلاً في الظلام، فإن إضافة مرشحات تحجب حيزاً من الطيف تشتم خطورته، لأن ذلك يقلل كثيراً من كفاءة مراقبة أرض المعركة، وهكذا فإن كفاءة المراقبة تتناسب عكسياً مع درجة الحماية المطلوبة للعين، الأمر الذي لا يوفر الرؤية المناسبة للقتال.


استخدام طريقة المراقبة غير المباشرة


لعل أحد المخارج يتمثل في استخدام طريقة الرؤية غير المباشرة، INDIRECT VIEING وذلك كأن يستخدم الجندي جهاز تليفزيون تظهر عليه الصورة الواردة من مستشعرات مراقبة أرض المعركة، الأمر الذي يؤمن الجندي، فإذا تم مثلاً إعطاب أحد المستشعرات فإن ذلك يمكن إصلاحه، فى حين يتعذر ذلك كثيراً فى حالة إعطاب عين الجندي، إلا أن ذلك يعقد كثيراً فى أنظمة المراقبة. وتكون المراقبة غير المباشرة فعالة إذا ما تم تكاملها ضمن أنظمة دبابة أو سفينة أو عربة مدرعة مدرعة أو طائرة، غير أن ذلك لا يغني عن استخدام أنظمة الرؤية المباشرة، وأهم ما يؤخذ على أنظمة الرؤية غير المباشرة أنها ليست الطريقة المناسبة لاستخدام جندي المشاة المقاتل، حيث إن درجة تعقيد النظام تصعب كثيراً من استخدامه محمولاً.


عصابة القرصان


إن تقليل الخطر الناشئ عن سلاح الليزر يمكن قبوله، وفي معرض الإجراءات المضادة اقترح الإنجليز استخدام عصابة سوداء BLACK PATCH توضع على أحد الأعين ليقوم الجندي بمراقبة أرض المعركة من خلال أنظمة الرؤية المباشرة بعين واحدة، فإذا حدث وأتلفت إحدى عينيه فإن ذلك يقلل من هول الكارثة بعض الشيء، وتبقى العين الثانية سليمة، ولكن مع حالة نفسية سيئة يتعذر معها استخدامها. وإذا كان هذا الحل يبدو بدائياً بعض الشيء، إلا أنه يكون مقبولاً، ولقد ظهرت مشكلة في هذا الحل تتعلق بالقناصة لأنهم يستخدمون غالباً العين اليمين أثناء تنفيذ المهام فإذا ما فقدوها فلابد من إعادة تدريبهم حيث يختلف العمل ويصعب كثيراً عند فقد العين التى تعود القناص استخدامها.


إجراءات أخرى


نظراً لأن سلاح الليزر يعتبر سلاحاً مباشراً، فعلى الجندي أن يتخذ الإجراءات المضادة المناسبة والتي تشبه إجراءات الحماية من طلقات النيران المباشرة، وهنا يلزم أن يستغل الجندي الثنيات الأرضية لتوفير الحماية، ولكن ذلك لن يحميه تماماً إذ لابد من مراقبة أرض العدو ولو للحظات قد يكمن فيها الخطر، وهنا يتطلب الأمر توفير الإنذار للجندي بإنه يهاجم فعلاً بشعاع الليزر، وأن يتوفر له هذا الإنذار بجهاز صغير قد يحمل في خوذات الجند، فإذا لم يتوفر ذلك فلابد من لجوء القادة إلى تقليل عدد الجنود المستغلين في أعمال المراقبة، مع ضرورة استخدام نظام المراقبة بأوامر وعندما تقتضي الحاجة ذلك فقط.


أجهزة الإنذار الليزري


تستخدم في هذه الحالة مستقبلات ليزرية للإنذار LWR تختص بحيز التهديد للعين البشرية (4ر0 - 4ر1) ميكرون فتكشف عن وجود الشعاع المعادي، وهنا يخرج من الجهاز صوت تحذيري بنغمة معينة يكون تصرف الجندي عند سماعها النظر فوراً فى اتجاه الأرض، اتقاءً لشر الخطر المدمر، غير أن ذلك قد يكون سلاحاً ذا حدّين، حيث يمكن أن يحمل العدو أو يبث أجهزة تصدر نغمة التحذير نفسها، الأمر الذي يجعل الجنود ينظرون إلى الأرض، وهنا تكون كارثة من نوع جديد يساعد العدو على التقدم الآمن، ومن هنا يجب الاهتمام بالنغمة الصادرة بحيث تتغير تبعاً لكود يمكن ضبطه والتدريب عليه.
ويمكن تطوير نظام الإنذار الليزري بأن يوصل الكاشف الليزري بنظام للتحكم الآلي، بحيث يتم توصيل المرشح المناسب ضمن نظام الرؤية لتوفير الحماية للعين، أو يتم تشغيل (درفه) SHUTTER معتمة خاصة تغطي النظارة فوراً، وذلك لتوفير الحماية الآلية في ميدان المعركة، ومع بشاعة التهديد فإن زمن الاستجابة لتلك الأنظمة التحذيرية لابد وأن يكون في حدود جزء صغير من مليون من الثانية حتى يتوافق مع أزمنة التهديد، حيث لا جدوى للمرشح أو الدرفة المعتمة بعد تلف العين.


نظرة للحماية الذاتية



إذا كانت القوات الصديقة تستخدم الليزر أيضاً في تحديد المسافة، فلابد من توفير قدر من الحماية للجندي المستخدم حتى لا يصاب بنوع من الخطأ، ففى البداية كان ليزر الياقوت RUBY (69ر0ميكرون) يؤذي العين، بالإضافة إلى إمكانية كشفه بالعين المجردة حيث يقع ضمن الطيف المرئي، ومنذ عام 1970م وباكتشاف ليزر NdYAG ازداد الاعتماد عليه لتقدير المسافة، حيث إنه خارج حيز الطيف المرئي، وتميز استخدامه أيضاً بإمكانية توفير تردد تكراري كبير، الأمر الذي يتواءم مع خصائص العمل ضد الحوامات والطائرات وأنظمة قيادة النيران، الأمر الذي يؤذي الشبكية (06ر1 ميكرون) ويؤدي إلى الإعماء، خصوصاً إذا كانت العين غير محمية أو خلف نظارة.
وباكتشاف ليزر ثاني أكسيد الكربون Co2 (6ر10ميكرون)، الذي يتميز بعدم إيذائه للعين وبنفاذه خلال النافذة الفضائية (8-14) ميكروناً، علاوة على اختراقه للعوائق مثل الدخان والأتربة، إلا أن الطول الموجي يتطابق مع امتصاص كبير فى النافذة الفضائية، كما ثبت أيضاً ضعف الأداء مع الأهداف الرطبة، كما تقل الانعكاسية لكثير من الأهداف عند الطول الموجي (6ر10) ميكرون، حيث تعتمد إلى حد بعيد على هندسة شكل الهدف؛ أضف إلى ذلك أن النظام يكون أكثر تعقيداً وتصل تكاليفة (2-3) مرات مثل النظام (NdYAG).
وكان الحل الأمثل لتوفير ليزر مأمون للعين EYE SAFE LASER هو اللجوء إلى زحزحة التردد الخاص بليزر NdYAG ليكون (43 5ر1) ميكرون بدلاً من (06ر1) ميكرون، ولقد اكتشفت تكنولوجيا زحزحة التردد في الستينيات. إن الحماية الذاتية من الآثار الجانبية للمُعَدَّة تزيد ثقة الجندي فى استخدام النظام وهو واثق تماماً من توفير الحماية وأنه لن يصاب - خطأً - إصابة قد تقعده مدى الحياة.

مع المستقبل القريب، سوف يزدهر سلاح الليزر لإعماء الجنود في أرض المعركة، حيث يتميز برخص الثمن، وخفة الوزن، مما يساعد على الانتشار عملياتياً فى القرن الحالي، الأمر الذي يزيد من هول وفاعلية أسلحة الليزر في ميدان القتال، وسوف يؤدي ذلك إلى تأثيرات بالغة على رجل المشاة، حيث يجد نفسه مضطراً لمجابهة تهديد صامت يختلف في كنهه عن باقي التهديدات التقليدية.
وهكذا يلزم إدراج هذا التهديد ضمن برامج التدريب، مع تصميم المناهج وإصدار التعليمات وتوفير الإجراءات المضادة للتعامل الآمن مع هذا التهديد الخطير. ولا شك أن معدلات إصابة العيون ستزداد إلى الحد الذى يجعل من أطباء العيون في هذا المجال شيئاً نادراً؛ وما لم يتوجه الأخصائيون للتعمق في هذا المجال في وقت السلم، فلن يتوفر في زمن الحرب العلاج اللازم.
أما الشيء الأدهى والأمر فهو: إلى أي حد سوف تتأثر الروح المعنوية للجندي في أرض المعركة بينما يجد نفسه معرضاً لأن يفقد بصرة كليةً فى لمحة بصر خاطفة نحو أرض العدو؟ وإن لم يتوفر إخصائيو العلاج فإن الأمر سوف يستعمل للتأثير أساساً على الروح المعنوية، ولن يغامر أحد ببصره ما لم تتوفر الحماية التامة والعلاج الناجح.
وهكذا يتفنن العقل البشري في تقديم واستنباط أسلحة قذرة تفتك بالعين البشرية، حيث يستخدم شعاع الليزر فى إعماء العيون البشري، وهو الشعاع نفسه الذي يستخدمه الأطباء في غرف العمليات لإنقاذ آلاف العيون من العمى!

سلامي لكم وارجوا ان يكون الموضوع قد اعجبكم