عندما ننظر إلى النجوم في سماء ليلة صافية فاننا نرى اشعاع مرئي من نجوم تبعد عنا ببلايين أو حتى ترليونات الأميال. وبالمثل عندما تستقبل وهج الشمس عليك تشعر بالدفء من خلال نفس الاشعاع، انها الطاقة التي تتحرر من نجوم النظام الشمسي. ما لا يعلمه الكثيرون ان هذه الطاقة هي ناتجة عن تفاعلات الاندماج النووي الذي يحدث في مركز الشمس. هذا التفاعل النووي يستهلك كميات هائلة من الهيدروجين كمصدر للطاقة.

تخيل ان الشمس مازالت مشتعلة منذ أكثر من 5 بلايين سنة فكيف لم ينتهى وقود الهيدروجين حتى الآن! والاهم من هذا من أين تأتي الشمس بالهيدروجين؟
بداية الكون

بعد الانفجار العظيم Big Bang، والتي حدثت تقريبا منذ ما يقارب 13.8 بليون سنة تمدد الكون بمعدل مذهل وكان عندها اندفاع الطاقة والجسيمات التحت ذرية في حالة اثارة لم يسبق لها مثيل. كل شيء في الكون المعروف هو ناتج عن الانفجار العظيم.
أدت الطاقة الابتدائية المتحررة إلى تكوين جسيمات تحت ذرية مثل البروتونات والنيوترونات والالكترونات لكنها تحمل طاقة هائلة ودرجات حرارة عالية وتنطلق بسرعات كبيرة. واستمر الامر حتى اصبحت هذه الجسيمات تبرد تدريجيا مع استمرار تمددها في الفضاء وبدأت البروتونات والإلكترونات في الاقتراب من بعضها البعض وترتبط تحت تأثير قوة الجاذبية الكهربائية وتشكل غاز الهيدروجين من ارتباط بروتون والكترون. والجدير بالذكر ان الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة في الكون ويمثل حوالي ¾ من كتلة الكون، ومن ثم الهيليوم وبعدها الاكسجين.
الان، وفي بدايات نشأة الكون حدث اندماج لذرات الهيدروجين والهيليوم وشكل هذا سحب هائلة من الجسيمات تمتد على مسافات شاسعة تصل إلى مئات الآلاف من السنوات الضوئية. ولمدة زمنية طويلة حدث توازن بين طاقة الجاذبية بين جسيمات السحب الهائلة مع الضغط الناتج بينهم ولكن في مرحلة ما تغلبت قوة الجاذبية بين الجسيمات على قوة الضغط ادى ذلك إلى اقتراب جسيمات السحب الهائلة من بعضها البعض لتتحول هذه السحب إلى نجوم.
ولادة النجم

عندما تتشكل الجسيمات في صورة شكل كروي تزداد الحرارة والكثافة بشكل كبير تحت تأثير قوة الجاذبية وتنجذب المزيد من الجسيمات إلى المجسم الكروي وتزداد تباعا شدة الجاذبية. عندما يصبح ضغط جسيمات الشكل الكروي مساويا لقوة الجاذبية يصبح لدينا نجم جديد.
هنا يمكن ان يحدث احتمالان وهو إما ان تكون المواد الخام المكونة للنجم ذات كثافة منخفضة وعندها لا تكون الكتلة المادية كافية لحدوث تفاعلات اندماج نووية ويطلق على النجم اسم القزم البني brown dwarfs. واما الاحتمال الثاني هو ان تكون كثافة المواد كافية والحرارة مرتفعة في قلب النجم وهذا يؤهل النجم لتفاعلات الاندماج النووي على النحو التالي: في البداية يحدث اندماج الديتيريوم حيث تقوم ذرة الهيدروجين باقتناص نيوترون. وهذا يعتبر أبسط شكل من أشكال الاندماج وعندها يتوقف انكماش النجم على نفسه. وهنا نقول ان النجم وصل إلى الطور الرئيسي للحياة بمجرد بدأ الاندماج الهيدروجيني.
بشكل أساسي، يتسبب الضغط المرتفع والكثافة العالية المدعمة بحرارة مرتفعة في بدء سلسلة تفاعلات نووية في بروتونات الهيدروجين ويتحول الهيدروجين إلى عنصر الهيليوم.
هذا النوع من التفاعل النووية يولد كمية هائلة من الطاقة، وعندما تتصادم آلاف البروتونات وتندمج مع بعضها البعض كل ثانية يصبح لدينا كرة منفجرة من الغاز تعرف باسم النجم.
خلال فترة حياة النجم تتغير نسبة الهيدروجين إلى الهيليوم (في البداية تكون حوالي 70% هيدروجين مقابل 30% هيليوم). ومع تحول المزيد والمزيد من الهيدروجين إلى هيليوم خلال تفاعل الاندماج النووي، تزداد نسبة الهيليوم في قلب النجم ويصبح أكثر كثافة، ويستمر الهيدروجين الخارجي في الاحتراق بدرجة أقل. والان لا عليك ان تقلق بشأن نقصان كمية الهيدروجين وتذكر ان 75% من الكون عبارة عن الهيدروجين وهذا يعني ان الكثير منه لا زال متوفرا!




فترة حياة النجم


من الصعب تحديد الحجم الهائل للنجم تماما كما يصعب علينا تخيل حجم جزيئ الهيدروجين أو حتى مدى اتساع الكون، ولكن يكفي ان نقوم انه عندما يتكون النجم فإنه يستمر في تفاعلاته النووية الاندماجية حوالي 3 إلى 5 بلايين سنة. ومن الجدير بالذكر ان بعض النجوم الغير اعتيادية مثل النجوم العملاقة تستنفذ وقودها الهيدروجيني بمعدلات مرتفعة وتستهلكه في بضع ملايين من السنوات وينتهي به الأمر بحدث فلكي يعرف باسم السوبرنوفا supernova او المستعر الأعظم، حيث يحدث انفجار نجمي هائل يقذف فيهِ النجم بغلافهِ في الفضاء عند نهاية عمره، ويؤدي ذلك إلى تكون سحابة كروية حول النجم، ولها بريق شديد من البلازما. ولكن من جانب آخر تكون بعض النجوم مثل القزم الأحمر red dwarfs تمتلك وقود كفاية لتستمر مئات البلاين من السنوات ولكن في النهاية كل شيء يموت.