وجدت الفيزياء نفسها في نهاية القرن التاسع عشر في أزمة: هناك نظريات جيدة تماماً، الميكانيكا (نيوتن) و الكهرومغناطيسية (ماكسويل) ، لكنها لا تبدو متوافقة. الضوء معروف أنه ظاهرة الكهرومغناطيسية، لكنه لا يخضع لقوانين الميكانيكا نفسها كمادة. و أظهرت تجارب ألبرت نيكلسون (1852-1931) و غيرهم في 1880م أن الضوء ينتقل دائماً بنفس السرعة، بغض النظر عن سرعة مصدره. أقدم الفيزيائيين جادل عن هذا التناقض بطرق مختلفة ففي عام 1892 استطاع كلاً من جورج فيتزجيرالد (1851-1901) و هندريك لورنتز (1853-1928) و بشكل مستقل، أن يتمكنا من التوفيق بين النظرية و التجربة إذا ما افترض أن الجهاز الكاشف يتغير حجمه و شكله بطريقة مميزة تعتمد على حالة حركته. اقترح في عام 1898م هنري بوانكاريه (1854-1912) : أن فترات من الزمن، فضلاً عن طولها، يمكن أن تعتمد على المراقبة، و أنه تكهن (عام 1904) أن سرعة الضوء قد تكون "حد لا يمكن تجاوزه ".

و مع ذلك و لا أحد من هؤلاء الفيزيائيين البارزين وضع القصة كلها معاً بل تُرك ذلك لألبرت أينشتاين الشاب (1879-1955) الذي بدأ بالفعل تناول المشكلة بطريقة جديدة في سن السادسة عشرة (1895) عندما تساءل عما سيكون عليه اذا سافر مع شعاع الضوء. أظهرت نتائج فيتزجيرالد و لورينتز قبل 1905 أنها نابعة من فرضية بسيطة و لكن أساسية: قوانين الفيزياء و سرعة الضوء يجب أن تكون هي نفسها بالنسبة لجميع المراقبين الذين يتحركون بشكل منتظم، بغض النظر عن حالة حركتهم النسبية. و لكي يكون هذا صحيحاً، فالمكان و الزمان لم يعد يمكن أن يكونا مستقلين بل هما "متحولين" إلى بعضها البعض في مثل هذه الأسلوب للحفاظ على سرعة الضوء ثابتة لجميع المراقبين. (و هذا هو السبب في أن الأجسام المتحركة تبدو تتقلص، على النحو الذي أظهره فيتزجيرالد و لورينتز، و السبب في أن المراقبين المتحركين قد يقيسون الزمان بشكل مختلف، على النحو الذي تكهن به بوانكاريه.) المكان و الزمان نسبي (أي أنهما يعتمدان على حركة المراقب الذي يقيسهما) – و الضوء هو أكثر أساسية منهما. هذا هو أساس نظرية اينشتاين في النسبية الخاصة (لفظة "خاصة" تشير إلى التقيد بالحركة المنتظمة).

البعد الرابع
لم يتم آينشتاين إنهاء المهمة تماماً بعكس الاعتقاد الشائع، فهو لم يتوجه إلى استنتاج أنه يمكن أن ينظر إلى المكان و الزمان باعتبارهما مكونات من نسيج واحد ذي أربعة أبعاد زمكان. جاء ذلك من بصيرة هيرمان مينكوفسكي (1864-1909)، الذي أعلن ذلك في عام 1908 في ندوة بكلمات مثيرة: "من الآن فصاعداً المكان والزمن في حد ذاته، محكوم عليها بالتلاشي إلى مجرد ظلال و مجرد نوع من أنواع الوحدة بين الاثنين ستحفظ في واقع مستقل ".

يُصور زمكان مينكوفسكي رباعي الأبعاد في كثير من الأحيان في شكل رسم بياني لمخروط ضوء ذي بعدين بمحور أفقي يمثل "المكان" (x) و المحور الرأسي "الزمن" (ct). جدران المخروط يتم تعريفها من قبل تقدم ومضة الضوء المار من الماضي (المخروط الاسفل) إلى المستقبل (المخروط الاعلى) من خلال الحاضر (نقطة الأصل).كل واقع فيزيائي متضمن في هذا المخروط، و خارج المنطقة ("في مكان آخر") هو الذي يتعذر الوصول إليه بسبب أنه يجب السفر أسرع من الضوء للوصول إليه. المسارات لكافة الأجسام الحقيقية تقع على طول "خطوط العالم worldliness" داخل المخروط (هو موضح هنا في بالأحمر). الطبيعة الساكنة على ما يبدو من هذه الصورة في أي تاريخ الذي لا يبدو أنه "يحدث" بل هو "بالفعل هناك" قد أعطى الكتاب والفلاسفة وسيلة جديدة للتفكير في القضايا القديمة التي تنطوي على الحتمية و الإرادة الحرة.

رفض أينشتاين في البداية تفسير مينكوفسكي رباعي الأبعاد لنظريته لأنه "تعلّم زائد عن الحاجة". و لكن لأهميته، غيّر رأيه بسرعة. فلغة الزمكان (المعروف تقنياً باسم tensormathematics ) ثبت أنها أساسية في استنباط نظريته في النسبية العامة.
__________________

i نشرت هذه المقالة الاصليةةفي أكتوبر 2007 م على موقع جامعة ستانفورد الأمريكية
iii رياضيات التنسور : نوع من الرياضيات المتقدمة عن هندسة السطوح ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر.

نشرت هذه المقالة في منظمة المجتمع العلمي العربي

http://www.arsco.org/detailed/fe23ff...5-157c392d1d55
او بشكل ملف pdf من هنا
http://www.arsco.org/file/Get/a57487...d-29355c85c1c2