منذ أكثر من قرن, تحدّث المراقبون عن رؤية ومضات غريبة من الضوء أثناء حدوث الزلازل أو الهزات الأرضية, واليوم, بدأ العلماء بتفسير هذه الظاهرة. وجدت دراسة حديثة أن احتمالية حدوث ومضات غامضة من الكهرباء؛ التي تعرف باسم ’أضواء الزلازل‘؛ تكون أكبر بالقرب من الشقوق أو الصدوع؛ أي حيث تبتعد أجزاء من القشرة الأرضية عن بعضها البعض.إذ اكتشف الباحثون أن التراكم السريع للضغط, في تلك الشقوق الرأسية, قد يسبب مرور تيار كهربائي خلالها, ليصل إلى السطح, ويسبب هذه العروض الغريبة للأضواء. تمّ استنتاج هذه المعلومات؛ والتي نشرت في العدد الأخير من مجلّة بحوث الزلازل, والصادر قبل أيام قليلة, بعد أن تمّ تحليل أكثر من 65 حالة موثّقة لرؤية أضواء الزلازل, خلال أربعمئة سنة مضت.
ظاهرة مبهمة
قد تبدو هذه الأضواء كالشعلة المتذبذبة, أو كالأجرام السماوية العائمة والمتوهجة, بحسب من شاهدها, كما كان من الممكن رؤيتها خلال, أو ربما قبل, حدوث عدد كبير من أعظم الزلازل في العالم؛ منها ما شوهد قبل يومين من حدوث زلزال مدينة سان فرانسيسكو الأميركية في العام 1906.
رغماً عن ذلك, لم يصدّق معظم علماء الزلازل أن هذه الأضواء حقيقيّة حتّى فترة قريبة, ذلك لأن التقارير كانت بمثابة أقوال متناقلة, وكان من الصعب تفسيرها بصورة واقعيّة أو علمية.
"من المؤكد أن التقارير عن أضواء الزلازل قليلة, كونها أحداث تتم خلال جزء من الثانية", بحسب فريدمان فروند؛ خبير علم البلّوريات في جامعة سان هوسيه, ومركز بحوث "أميس ناسا"- الواقع في مدينة "ماونتن فيو" الأميركية, وكاتب مشارك في الدراسة.
يضيف فروند أن من النادر تواجد شخص في منطقة قريبة لملاحظة الأضواء, وحتى عندما يحاول أحد الأشخاص الابلاغ عن مشاهدتها, غالباً ما تهمل القصّة من قبل المجلات العلمية.

دراسات حديثة
غيّر استحداث طرق توثيق أفضل, وانتشار كاميرات الفيديو, من توجّه الدراسات؛ فعلى سبيل المثال, أبلغ المارة عن تصاعد أضواء شبيهة بألسنة اللهب من الرصيف, قبل ثوان من وقوع الزلزال الذي هزّ مدينة "لاكويلا"؛ عاصمة إقليم "أبروتسو" الإيطالي؛ في العام 2009.
أيضاً وصف شهود عيان- كما بيّنت أفلام الفيديو- عدداً من الأضواء الغريبة خلال حدوث زلزال مدينة "بيسكو" في البيرو, العام 2007, الذي بلغت قوّته ثماني درجات بحسب مقياس العزم الزلزالي.
في إحدى الحالات, اعتقد البعض من مقاطعة "يوكون" الكنديّة, أن الكرات المضيئة الطافية عبارة عن صحون طائرة, عند رؤيتها في أوائل سبعينيات القرن الماضي, لكن تأكّد ارتباطها بأضواء الزلازل في وقت لاحق.

مصدرها
إن الأسباب الدقيقة لظهور تلك الأضواء بقيت مجهولة لفترة طويلة, وللإجابة عن الأسئلة المطروحة, درس فروند وزملاؤه وثائق تؤكد رؤية الأضواء منذ العام 1600.
وجد الفريق 65 حالة, موثقة بصورة جيدة, في مناطق مختلفة من شمال وجنوب أميركا وكذلك أوروبا, وقعت 97 بالمئة منها في صدوع داخل الصفائح القارية؛ وهي تقسيمات تحدد حركة الغلاف الأرضي الصخري؛ بدلاً من حدوثها في نطاقات الإندساس؛ أي الحدود التي تغوص عندها إحدى الصفائح إلى أسفل الصفيحة الاخرى, رغم حدوث غالبية الزلازل الضخمة في مناطق الإندساس.
شرح فروند لموقع "لايف ساينس": "عندما تتباعد قطعتان من الصفائح القارية عن بعضهما, يتولّد جزء وسطي يسقط في المنتصف بصورة عمودية", وقد يصل الجزء الوسطي إلى أميال بمرور ملايين السنوات.

الكهرباء سبب رئيس
تشكل الشقوق صدوعاً عمودية شديدة الانحدار قد تمتد حتى صهارة الأرض, ما يسمح للصخور المنصهرة البدائية- المستقرة في عمق الأرض- بالتحرك حتى مناطق قريبة من السطح.
وبسبب التركيب البلوري لتلك الصخور المنصهرة, يعتقد كاتبو الدراسة أنها تولّد الكهرباء عند تعرضها للضغط, وتسبب الكهرباء تأيُّن الهواء عندما تطفو إلى سطح الأرض, وبالتالي تولّد ومضات من الضوء.
تظهر أضواء الزلازل في مناطق الصدوع عمودية؛ كالصدع المتحول في مدينة "سان أندرياس" الأميركية, إذ غالباً ما تسهل هذه الصدوع وصول الشحنات الكهربائية- في الصخور المنصهرة الداكنة- إلى السطح, كما يقول الكاتب المشارك في الدراسة؛ جون دير؛ خبير الزلازل في "مختبر ألباكركي لرصد الزلازل" في ولاية نيومكسيكو.

مجاهيل عديدة
يعتقد فروند أن هنالك اختلافا كبيرا بين حدوث الزلزال, وتوقيت ظهور الأضواء؛ ففي بعض الأحيان, لا يتم ربط الزلازل بأضوائها, لأن من الممكن للتيار الكهربائي أن يتحرر بصيغة تكسّر كارثي, أو بالتدريج على مدى أيام عديدة دون حدوث زلزال.
يتم الإبلاغ عن حالات أكثر لأضواء الزلازل قرب صدوع الصفائح القارية؛ لكونها مناطق مأهولة بالسكان, بينما لا يتم الإبلاغ عنها فيما لو نشأت من المحيطات, إذ تتسبب المياه بإخماد الكهرباء, وبالتالي تمنع الأضواء من
الظهور.
لم تعرف بعد أسباب كون نطاقات الإندساس غير جيدة لانبعاث أضواء الزلازل, والاحتمال الأقرب هو كون الصدوع القارية ناقلا أفضل للضغوط المتكونة في عمق الأرض إلى سطحها؛ بحسب باتريك هوغان؛ مدير مشروع "ورلد ويند" التابع لوكالة ناسا الأميركية, في مدينة ماونتن فيو, غير إنه لم يشارك في تلك الدراسة.


عن صحيفة كرستيان
ساينس مونيتر الأميركية