نوف صناعية.. تشم رائحة الأمراض


لماذا تبدو الآلات التي تشم الورود شيئا غريبا؟ ربما ذلك عائد إلى أن حاسة الشم هي من الخصائص البشرية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالأسلوب الذي نفكر به، ونتذكر.
لكن الأبحاث المتتالية أظهرت بوضوح أن وسائل تحليل التنفس بواسطة الأنوف الصناعية، باتت قريبة جدا من أن تكون أدوات عملية سريعة واسعة التطبيق لأغراض التشخيص اليومي، كما تقول الأبحاث المقدمة أمام مؤتمر الجمعية الكيميائية الأميركية في إنديابوليس أخيرا، وأمام الاجتماع السنوي للجمعية الأوروبية للأمراض التنفسية الذي عقد أيضا في برشلونة.
روائح الأمراض تعتبر الروائح من معايير التشخيص الأساسية طالما وجد هنالك بشر. وحتى في أيامنا هذه يدرك الأطباء والآباء والأمهات أن الأنف عامل مهم في عمليات التعرف والتشخيص، فالرائحة المعدنية لنفس الطفل تعني أنه مصاب بعدوى بكتيرية. كما تبدو رائحة بول المصاب بالسكري حلوة، لكن نفسه يبدو برائحة كالأسيتون والتفاح العفن. والأمراض المعدية مثل الكوليرا، والدفتيريا، والجدري، وذات الجنب، والسل، وحمى التفوئيد، والحمى الصفراء، تنتج جميعها روائح محددة، كذلك أنواع السرطانات المختلفة. وتبدو رائحة عرق الطفل الملفوف ببيلة «الفينيل كيتون» مثل المناشف الموضبة في الأدراج. وتولد أمراض الأيض (التمثيل الغذائي) الأخرى روائح شبيهة بالرائحة الجيدة لعرق القدمين، أو قطر القيقب (مايبل)، أو حتى نبات الجنجل (هوبس)، أو البيض الفاسد. وحتى الاختلالات مثل انفصام الشخصية، يمكن ربطها برائحة العفن.
وفي اجتماع برشلونة قدمت مجموعة من مستشفى جامعة «بولس سترادينس» الطبية، وجامعة لاتفيا، وكلتاهما في ريغا، خمس دراسات تتعلق بتشخيص الأمراض التنفسية عن طريق التحليلات التي تتم بواسطة الأنوف الصناعية الشامة للزفير.
ومن بين الدراسات التي أجريت، استخدمت إحداها أنفا إلكترونيا لمسح تنفس 475 مريضا، بينهم 252 شخصوا بإصابتهم بمرض سرطان الرئة، و223 شخصا سالمين. وتمكنت هذه الاختبارات من التعرف على 96 مريضا من المصابين بالسرطان. أما بالنسبة إلى المرضى غير المصابين بالمرض، فقد كان معدل الخطأ نحو 9 في المائة.
وشملت دراسة أخرى مرضى مصابين بأنواع مختلفة من الحالات التنفسية: 31 منهم بسرطان الرئة، و19 آخرون باختلال رئوي احتقاني معوق COPD، و11 من الأصحاء. وقام الباحثون بفحص تنفسهم بحثا عن مستويات سبعة مركبات عضوية طيارة، فوجدوا بصمات تشخيصية واضحة، ومستويات من أربعة مركبات هي الميناثول، والإيثانول، والديكاين، والدوديكاين، التي كانت منخفضة لدى المرضى المصابين بالسرطان، مقارنة مع المجموعات الأخرى. أما المرضى المصابون بذات الرئة وCOPD فأظهروا معدلات عالية من «بي - كزيلول» والديكاين. في حين أن مرضى COPD كانت لديهم معدلات منخفضة من الميثانول، مقارنة بمرضى النيمونيا، ومثل هذه الفحوصات التنفسية قد تكون وسيلة سريعة ومفيدة في تشخيص الاضطرابات الرئوية.
رصد العدوى وفي اجتماع إنديابوليس وصف جيمس كاري وزملاؤه من جامعة كاهوسينغ الوطنية في تايوان، جهازا للتحسس بالأمراض المعدية، الذي هو ليس أنفا صناعيا بالتدقيق، لكنه عبارة عن لسان تقني حيوي بألوان مرمزة. وهو على شكل قنينة بلاستيكية بحجم راحة اليد يمكن التخلص منها بعد الاستخدام، مملوءة بوسط لتنمية الميكروبات. وإلى جانب القنينة، وبصورة مفصولة عن الوسط التنموي بغشاء نفاذ قابل للاختراق، هناك مجموعة تتألف من 36 نقطة من الأصباغ المختلفة التي تستجيب للكيميائيات. ويقوم المسؤول عن التشخيص بحقن عينة صغيرة من دم المريض في القنينة هذه متيحا للمواد العضوية المعدية أن تتكاثر. ومع نمو البكتريا، أو الفطريات، فإنها تفرز تركيبات لها خصائص معينة من المنتجات الكيميائية الجانبية.
وتمر هذه المستقلبات (نواتج الأيض) عبر الغشاء لتتفاعل مع النقاط الصبغية هذه. وتجري مراقبة هذه التغيرات مع مرور الوقت على ماسحة للألوان ذات سطح مستو، مع تسجيلها لكشف البصمة الفريدة للعضو الحي. وتستغرق العملية 24 ساعة، وهو ثلث الزمن الذي تستغرقه عمليات الزرع التقليدية، مما يشكل ميزة مهمة لدى الشروع بالعلاج الصحيح، بشكل سريع، مما يعني فرقا طبيا مهما.
هذه هي بعض الاتجاهات الحديثة، لكن أفادت حديثا نشرة IEEE Spectrum الصادرة عن جمعية المهندسين الكهربائيين الأميركية عن سكاكين ومشارط طبية خاصة بالعمليات الجراحية، يمكنها شم ما إذا كانت الأنسجة التي تقوم بتقطيعها هي أنسجة سرطانية، أو صحيحة، فضلا عن روبوتات يمكنها التجاوب مع تنفس المريض، والتمييز عن طريق الشم بين التفاح والكمثرى، وبالتالي الكشف عن المتفجرات.
ومن التقارير الأخرى مستشعرات «رامان» الطيفية التي هي بحساسية أنف الكلب، التي يمكنها تحري وجود الأبخرة الكيميائية بأقل المقادير التي يمكن تصورها، هذا من دون أن نذكر نشر نحو 1200 تقرير حول «الأنف الإلكتروني» وغيره من الابتكارات الجديدة.