مصير الثقوب السوداء البدئية[1]
موسى ديب الخوري
إن وجود ثقوب سوداء صغيرة أو دقيقة تشكلت خلال المراحل الأولى من عمر الكون أمر ممكن نظرياً. ويمكن أيضاً لهذه العفاريت الصغيرة أن تفقد طاقة وبالتالي أن تكون قابلة للكشف. لكن كافة التجارب الرصدية باءت بالفشل حتى الآن. ومع ذلك فإن الفيزيائيين متفائلون: طالما أنهم فكروا في وجود هذه الثقوب، فلم لا توجد فعلاً؟
المسألة باختصار
كان يمكن لثقوب سوداء صغيرة الحجم، بمقدار نواة ذرة إنما أثقل من جبل، أن تكون قد وجدت خلال المراحل الأولى من عمر الكون. وكان ستيفن هوكنغ قد بين في الستينات أن مثل هذه الثقوب السوداء إن كانت قد وجدت فإنها يمكن أن تتبخر مطلقة طاقة قابلة للرصد. لكن البحث عنها باء بالفشل حتى الآن، غير أن هناك طرقاً لم يتم اختبارها بعد. فالعلماء يحاولون الكشف عن هذه الثقوب حالياً من خلال الكشف عن جسيمات مضادة للمادة وأشعة غاما، وحتى أنهم يأملون بتخليق هذه الثقوب السوداء من جديد داخل مسرعات الجسيمات المستقبلية
إن الثقوب السوداء موجودة في كل مكان. وهي موجودة في قلب المجرات كما هو الحال في قلب مجرتنا درب التبانة حيث يقبع ثقب أسود هائل كما يقدر العلماء تساوي كتلته 2,6 مليون مرة كتلة الشمس. وهناك ما لا تتجاوز كتلته منها بضعة عشرات من المرات كتلة الشمس*، وهي عبارة عن بقايا نجوم انهارت تحت تأثير الثقالة. وهناك ثقوب سوداء تتراوح كتلها بين الحدين السابقين. لقد بات من المؤكد أن الثقوب السوداء لم تعد أجساماً تصورية. فالثقوب السوداء لم تعد مجرد حلول أصيلة لمعادلات أينشتين التي تصف نظرية النسبية العامة. فمنذ أكثر من أربعين عاماً أعطى علم الفلك الحديث أسساً صلبة لوجود مثل هذه الأجرام الغريبة. ويمكن بالمقابل أن توجد كينونات أكثر فتنة وفرادة: ألا وهي الثقوب السوداء البدئية. ووفق النظريات الحديثة فإن هذه الأخيرة هي في النهاية أصغر بكثير من الثقوب السوداء التي نتحدث عنها، كما أنها تشع بكثافة عالية جداً بحيث تتبخر بشكل أسرع فأسرع! وبما أن هذه الأجسام ليست ذات كتلة كبيرة جداً فقد تطلب تشكلها ولا بد آليات مختلفة عن الانهيار الثقالي المعروف بالنسبة للثقوب السوداء الأخرى. لقد نتجت هذه الثقوب السوداء الدقيقة عن التخلخلات fluctuations الموجودة في الكون عندما كان عمر هذا الأخير أقل من جزء من المليار من المليار من الثانية (الشكل 1). وفي الحالات القصوى يمكن لكتلة هذه الثقوب الدقيقة أن تكون من الصغر بحيث تقارب كتلة بلانك، أي نحو بضعة أجزاء من المائة من الميليغرام فقط.
مواقع النشر (المفضلة)