بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية أود أن أتوجه بالشكر لكل من الدكتور حازم .. والاستاذ تمام ... والأخت الموحدة لله علي تبنيهم هذه الفكرة .. وفتح باب المناقشة في أخطر الظواهر الاجتماعية العلمية

إن السر في عزوف الطلاب عن دراسة الفيزياء من وجهة نظري المتواضعة ومن خبرتي القليلة في مجتمع الفيزياء .. ليس سبباً واحداً بلا شك .. بل مجموعة معقدة من الأسباب التي يعد المجتمع أحدها ... والوزارة .... والإعلام ... والطالب نفسه ...


إن المحور الاجتماعي لهذه الظاهرة يتلخص في المستوي المادي للأسرة والمستوي التعليمي، وندرة فرص العمل العلمية .... ومجموعة الاصدقاء


فالكثير من الأسر ذات الدخل المحدود توجه أبنائها إلي البحث عن فرص عمل سريعة .. تدخلهم سوق العمل مبكراً .. نظراً للحالة المادية الصعبة للأسرة .. ومن ثم لا تحب الأسرة الدخول في متاهات التعليم العلمي والذي تعتقد بعض الأسر ذات المتسوي التعليمي المنخفض ... أنه ليست للتعليم العلمي فرص عمل متوفرة وكثيرة في السوق ..


لذا تدفع الأسر بكل ما أوتيت من قوة أبنائها إلي الابتعاد عن دراسة العلوم بشكل عام والفيزياء بشكل خاص .. لأنهم يعتقدون أنه لا مستقبل لها ... ولا يجد الأبناء مفراً من طاعة والديهم ...


ومما يشكل حافزاً لذلك هم مجموعة الاصدقاء ... الذين يكونوا في معظم الأحيان غير محبين للفيزياء .. مما يدفعهم إلي التأثير علي صديقهم للابتعاد عنها لما لها من صعوبة كبيرة كما يعتقدون ... بل ويدفعهم أحياناً إلي السخرية منه عندما يحاول التحدث في الكيمياء أو الفيزياء ...


وبالتالي تصبح بعض المجتمعات أو البيئات نابذة للعلوم بشكل عام والفيزياء بشكل خاص.


إن المحور الوزاري لهذه الظاهرة يدور حوله المنهج .. والمعلم ... والمدة الدراسية للمنهج .... والمواد المكملة


بالنسبة للمنهج .. تعاني الكثير من المناهج الفيزيائية من الضخامة الغير مبررة .. وعدم التبسيط ... وعدم التميهد ...


فالطالب يدرس المنهج دون أن يعلم ما هو الهدف منه .. وما المحفز له ... ويجد نفسه محشوراً بين كم هائل من المعادلات والمسائل .. لا يعلم من أين أتت ... ولا أين تذهب


ولا يجد أمامه متسع من الوقت ليفحص ويدقق في المحتوي الدراسي .. وذلك عن العكس من المناهج الأدبية أو العلمية الأخري .. نجد أنها أقل في المحتوي وأسهل في الاستيعاب


فلا تأخذ وقتاً طويلا في الاستيعاب .. فتكون أسهل عليه ... فيختارها .. ويترك الفيزياء.


وفي نفس الوقت .. نري أن بعض المعلمين ليسوا علي مستوي عال يسمح لهم بفهم الفيزياء بحذافيرها ... أو كبر حجم المنهج وقلة وقت التدريس .. أو أن المعلمين الأكفاء يريحون أنفسهم من الشرح علي اعتبار أن الطالب لن يفهم في كل الأحوال ... مما يزيد المشكلة تعقيداً


كما أن بعض المعلمين لا يستخدمون أساليب التشويق والاثارة وزيادة الدافعية لاستثارة الطلاب نحو الفيزياء .. كما أن نقص الامكانيات المتاحة في المدرسة يعرقل المعلم أحيانا عن آداء وظيفته .. لأن الفيزياء علم تجريبي في المقام الأول قبل أن يكون نظري.


ويجدر الاشارة إلي أن الفيزياء تحتاج إلي مواد مكملة لها وضرورية جداً وأهمها الرياضيات .. والتي يعاني الطلاب من قصور شديد في فهمها ... وعدم وجود تطبيق لها علي أرض الواقع .. ونقص دافعيتهم نحوها .. وبالتالي ينعكس ذلك علي الفيزياء بشكل كبير.



والمحور الأعلامي لها أكبر دور من وجهة نظري في هذا العزوف ...


الاعلام يعد حالياً هو الدافع والمحرك لكل الأفراد ... وهو الشغل الشاغل لهم ...


ولكن اهتمام الاعلام بالمواد الاعلامية الربحية مثلا الاعلانات .. وكرة القدم .. والأفلام والمسلسلات ... أدي إلي صب محور اهتمام الطالب في هذه المواضيع


وفي نفس الوقت نجد قلة .. إن لم يكن عدم وجود برامج علمية هادفة ... وقلة المساحة الاعلامية المتاحة لها


إيضا بعض البرامج العلمية لا تتبع اسلوب التشويق في عرضها للمادة العلمية .. مما يجعل المشاهد يمل من تلك المادة المعروضة


ويدفع الاعلام بكل ما أوتي من قوة حالياً في تهميش دور المعلم والمدرسة .. وإظهارهما في أدني الصور .. وفي نفس الوقت تعمل علي إظهار عيوب المواد العلمية دون مميزاتها


مما يؤدي إلي أثر سلبي كبير في نفس المشاهد علي المواد العلمية وخاصة الفيزياء .. فيبتعد عنها .. بل ولا يطيق أحياناً ذكر اسمها



ويعد الطالب الذي هو محور العملية التعليمية كلها ... أحد الأسباب في هذا العزوف


ليس بسبب ضعف ذكاءه .. ولكن بسبب ميوله التي اكتسبها من الاسرة والاصدقاء والاعلام ضد الفيزياء.


كما أن ضعف إرادة الطالب واستسهاله للمواد الأدبية يجعله دائما يفر من الفيزياء .. فبمجرد أن تقع أمامه مسألة لا يفهمها جيداً ... يسارع في غلق الكتاب ولا يجهد نفسه بالمذاكرة ومحاولة الفهم وذلك علي اعتقاد منه بأنها لا تفهم


كما إن اعتماد الطلاب علي اسلوب الحفظ والاستظهار ... يجعل مادة الفيزياء عقبة في طريقه لأنها تعتمد علي الفهم بشكل أساسي


وحتي الطالب الذكي أحيانا يستغل ذكاءه بعيداً عن مادته الدراسية .. بل وقد يتجه به نحو أعمال إجرامية




لذا ما هي الحلول الواجب اتخاذها حيال هذه الظاهرة ..؟؟؟؟



1- تخصيص مساحات إعلامية ملائمة للبرامج العلمية ... والاعتماد في عرضها علي التشويق والتبيسط والكثير من التجارب .. واستضافة فيها كبار علماء الوطن العربي مثل الدكتور أحمد زويل .. والدكتور مصطفي السيد ... والدكتور فاروق الباز وغيرهم.

2- عدم السماح لوسائل الاعلام بمهاجمة المؤسسات التعليمية وابرازها في ادني صورها .. ويأتي من اعتزاز المعلم بنفسه ... وأن يشعر أنه قدوة طلابه.

3- زيادة فرص العمل المعتمدة علي خريجي كليات العلوم والهندسة.

4- تشجيع رجال الاعمال للطلاب المتفوقين .. خاصة من الاسر الفقيرة .. وتبنيهم دراسياً ... واتاحة فرص عمل لهم جيدة بعد التخرج.

5- اقامة مسابقات فيزيائية علي مستوي وزارة التربية بين طلاب المدارس ... مثل مسابقات كرة القدم ...

6- تأهيل المعلم تأهيلاً أكاديمياً قوياً .. ويجب إن يكون التاهيل الأكاديمي له مرتبط ارتباط وثيق بآخر المستجدات علي الساحة العلمية.

7- توفير مستوي مادي للمعلمين مريح .. يسمح لهم بأداء واجبهم علي أكمل وجه.

8- وضع مناهج تعمل في بدايتها علي التمهيد الجيد لعلم الفيزياء .. مع تفسير بعض الظواهر الفيزيائية التي يمكن للطالب أن يشاهدها امامه

9- يجب أن يبتعد المنهج عن المعادلات الكثيرة ... ويعتمد بشكل أساسي علي فلسفة المعادلة وكيفية استنباطها .. ومعناها الفيزيائي

10- يجب أن تكون المسائل في المنهج معتمدة علي مشاكل واقعية يمكن للطالب أن يراها في حياته ... ويلمسها بحواسه

11- تنظيم المدارس لرحلات علمية استكشافية للمراصد .. والمعامل .. ومراكز الأبحاث .. وغيرها.

12- اتاحة الوقت الكافي لمادة الفيزياء حتي يسهل علي الطالب مذاكرتها .. أو بمعني آخر تقليل المحتوي الدارسي بحيث يعتمد فقط علي الجوانب الأساسية في علم الفيزياء.

13- زيادة الامكانيات المعملية بالمدارس بحيث تغطي كل جوانب المنهج.

14- عمل انشطة فيزيائية صيفية تحت اشراف المعلم .. تضاف إلي درجات الطالب خلال العام.

15- يجب أن يحتوي المنهج علي سير ذاتية لكبار العلماء وما هي الخطوات التي ساروا عليها حتي يصلوا إلي ما هم عليه.

هذا والله تعالي أعلي وأعلم


مع وافر احترامي وتقديري