بسم الله الرحمن الرحيم

أعضاء المنتدي الكرام

حاولت منذ فترة تجميع قدر من المعلومات حول تطور النظرية الذرية والتي تعد مدخل للعلوم النووية ...

لذا وددت أن أشارككم أفكاري ومعلوماتي حول هذا الموضوع .... والذي سأبدأ فيه بإذن الله علي حلقات منفصلة

وها هي أولي حلقة ... في سلسلة موضوعات سأضعها بإذن الله تحت عنوان " الذرة .. بين المنطق والتجريب "

وأتمني أن تحوز علي اعجابكم

والله الموفق.....


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ

الذرة بين المنطق والتجريب

يرجع الفضل لبعض فلاسفة الإغريق القدماء لكونهم أول من قدم مفهوم الذرات Atomsفى نظرية المادة، ويجب أن نستدرك أن ذرات القدماء ليست بالتأكيد نفس الأشياء التي نتحدث عنها فى وقتنا هذا كذرات، فيجب أن نفهم بدقة حقيقة ما قصده الفلاسفة الإغريق بمعنى هذا اللفظ، ولكن المسألة الرئيسية التي كانت تعنيهم ما إذا كانت المادة يمكن أن تتفتت نهائيا أم لا، فكل ما نفعله أن نأخذ قطعة كبيرة من مادة ثم نعيد تقسيمها مرة بعد أخرى أصغر فأصغر وبالضرورة يصل هذا التقسيم إلى نهاية، لنجد شيئا لا يمكن أن ينقسم، وتلك هي الذرة، وتعنى الذرة فى حقيقتها كلفظ يعنى « غير قابل للانقسام »، وقد اعتقد الذريون الإغريق بأن المواد مبنية بالفعل من ذرات، وفى أغلب الظن قد شعروا بأن الملامح المتباينة للمادة يمكن أن تشرح بشكل ما بدلالة تشكيلات مختلفة للذرات وحركتها، ونحن اليوم نعتقد بشئ مماثل ولكنه مشوب بالغموض والتعقيد، لكن يوجد بالتأكيد فرق شاسع بين نظريتنا العددية والكمية وبين التخمينات الغامضة للقدماء.

إن أول إنسان حاول تفسير تركيب العالم من حولنا هو الفيلسوف الإغريقي
Empedocles والذي عاش علي جنوب ساحل مدينة Sicily في الفترة ما بين عامي 492 – 432 قبل الميلاد، افترض هذا الفيلسوف أن جميع المواد من حولنا تتكون من أربعة عناصر رئيسية: ( الماء – الهواء – النار – الأرض أو التراب )، حيث تؤثر النسب بين هذه العناصر في خواص المواد، فالحجر علي سبيل المثال طبقاً لهذه النظرية يتكون من التراب بنسبة كبيرة، بينما الأرنب يتكون من الماء والنار بنسبة كبيرة، وتعتبر هذه النظرية غاية في البساطة لكنها تضمنت بعض التساؤلات المبهمة والتي لم تجد لها النظرية تفسيراً، فعلي سيبل المثال عند تكسير الحجر مرة بعد أخري تحصل علي نفس الحجر في كل مرة ولن تحصل أبداً علي أي من العناصر الأربعة المشار إليها.



Empedocles

وعلي الرغم من هذه المشكلات التي واجهت هذه النظرية إلا أنها تعد تطوير علمي هام، حيث دلت ضمنياً علي أن بعض المواد التي تبدو لنا نقية هي في الحقيقة مزيج من عدة عناصر مختلفة.

بعد ذلك بعدة عقود وتقريباً في الفترة ما بين 460 – 370 قبل الميلاد عاش فيلسوف شهير حاول إيجاد نظرية ذرية
Atomism معتمدة علي الفلسفة أكثر منها من العلم متأثراً في ذلك باثنين من الفلاسفة الإغريق عاشا قبله وهم Leucippus و Anaxagoras ، كان هذا الفيلسوف هو ديمقراط Democritus والذي قدم نظرية جديدة للتغلب علي المشكلات السابقة، اعتقد ديمقراط أنه لو قام بتقسيم جحراً ما مرة بعد أخري فإنك ستصل في النهاية إلي قطعة صغيرة جداً لا يمكن تقسيمها، أطلق عليها ديمقراط مصطلح Atomos بمعني غير قابل للانقسام.



Democritus

افترض ديمقراط أن الذرات atomos تختلف حسب المادة التي صنعت منها، بمعني أن ذرات الحجر الواحد متماثلة بينما تختلف عن ذرات المواد الأخرى، وأن هذه الذرات تتحرك في فراغ لا متناهي، ولنا أن نبدي إعجابنا بهذا الفيلسوف فلقد توصل بفكره المجرد منذ قروناً طوال إلي طبيعة المادة وتركيبها بشكل أكثر من مذهل علي الصورة التي نعرفها الآن، وإننا لنعتقد أن هذا الفيلسوف لو كانت أتيحت له إمكانيات اليوم أو حتى إمكانيات بداية القرن العشرين لاستطاع أن يكشف لنا عن المزيد من أسرار الكون والمادة ربما لم نكن لنصل إليها.

أشار اثنين من أفضل الفلاسفة الإغريق هما أرسطو
Aristotle وبلاتو Plato إلي عدم قبولهم لنظرية ديمقراط، في حين قبل أرسطو بنظرية Empedocles بإضافة فكرة أن العناصر الأساسية يمكن أن تتحول من عنصر إلي آخر، وبسبب تأثير أرسطو الكبير علي الفلسفة الإغريقية ظلت نظرية ديمقراط الرائعة تلك طي النسيان علي مدي ألفي عام قبل أن يعاد اكتشافها مرة أخري.


Aristotle

إن ذرات الفلاسفة الإغريق لا تناظر ذراتنا اليوم، لأن ذراتنا قابلة للتقسيم فهي مكونة من بروتونات ونيوترونات والكترونات، ويمكن القول بأن الجوهر فى فكرة أن المادة غير قابلة لتقسيم لانهائي هو أننا لا نستطيع الاستمرار إلي الأبد فى تحليل الأشياء أصغر فأصغر، ففي النهاية يفقد هذا الأسلوب معناه، حيث تصادف جسيمات غير قابلة للاختصار، وهى جسيماتنا الأولية، بمعنى آخر يسمي الجسيم بجسيم أولي إذا تعذر وصفه كنظام مركب من أجزاء، وبالطبع لم تكن لدي الفلاسفة الإغريق أي وسيلة لإثبات تلك الفرضيات.

خلال القرنين السابع والثامن عشر ظهرت بعض المشاهدات أعادت نظرية ديمقراط مرة أخري للوجود، ففي عام 1643 أبدى رياضي إيطالي شهير تتلمذ علي يد العلامة جاليليو
Galileo أثناء تجاربه علي قياس الضغط الجوي أن الهواء يضغط علي عمود من الزئبق ويجعله يهبط إلي الأسفل في جهازه المعروف لنا حتى الآن باسم البارومتر barometer، بالطبع كان هذا الإيطالي هو توريشلي Evangelista Torricelli، اكتشف هذا العلامة شيئاً مذهلاً، أن الهواء الذي لا نراه أو نحسه أو نشمه له وزن، بمعني أنه صنع من شيئاً ما فيزيائياً، وتساءل: كيف امتلك الهواء وجوداً فيزيائياً ..؟ في حين أننا لا يمكننا أن نمسك به أو أن نراه ...!


Torricelli

أجاب علي هذا السؤال الرياضي السويسري Daniel Bernoulli حيث افترض أن الهواء والغازات تحتوي علي جزيئات غاية في الصغر لدرجة أننا لا يمكننا أن نراها، وهي غير مترابطة مع بعضها البعض بإحكام في الفراغ، لذا لا يمكننا أن تدركها حيث أن لها حرية الحركة بانفراد مما يمكن جميع الأجسام الصلبة الأخرى من حرية الحركة خلالها وكأنها غير موجودة في الأصل، وبذلك صور دانيال أن جزيئات الهواء مثل كرات بلياردو billiard ball صغيرة جداًَ غير مترابطة إلي بعضها البعض تتحرك باستمرار وتقفز من هنا لهناك.


Daniel Bernoulli

عام 1660 أشار روبرت بويل Robert Boyle إلي خطأ التعريف الإغريقي للعنصر ( الماء – الهواء – النار – التراب ) ومن ناحية أخري أوضح أن العنصر هو مادة أولية أو أساسية fundamental substance، ونحن الآن نعرف العنصر element علي أنه الوحدة الأولية التي لا يمكن أن تنقسم بالوسائل الكيميائية، ويمكننا أن نطلق عليه مجازاً لبنات بناء الكون فهي تشكل أساس جميع المواد من حولنا.


Robert Boyle

وفي الوقت الذي انشغل فيه العلميين بدراسة طبيعة العالم، بدأ الانجليزي جوزيف بريستلي Joseph Priestly عام 1773 تجاربه علي تلك المادة المبهرة حينها والمعروفة بالزئبق الأحمر red Mercury Calx اشتهر الزئبق الأحمر حينها أنه عند تسخينه فإنه يتحول من اللون الأحمر إلي اللون الفضي البراق، لم يهتم بريستلي بهذه الظاهرة بل اهتم بشيئاً آخر لم يلحظه أحد قبله، وهو تصاعد غاز شفاف غريب، عبأ بريستلي هذا الغاز في قنية زجاجية وسهر عليه ليالٍ طوال لدراسته، وبعد تقريب عود ثقاب مشتعل من هذا الغاز لاحظ ما قال عنه " الذي فاجئني أكثر مما توقعت أن الشمعة تحترق في هذا الغاز مصحوبة بنشاط ملحوظ للهب " بالطبع كلنا عرفنا هذا الغاز وما هو تركيب الزئبق الأحمر ولكننا سنتعرف علي مفاجأة أخري كانت في انتظار بريستلي، فعندما قام بتجربة هذا الغاز علي الفئران أدرك أن هذا الغاز غازاً ضروري للحياة لذا أطلق عليه اسم dephlogisticated air، اكتشف بريستلي اكتشافاً هاماً أن المواد إذا اتحدت معاً أو تفككت فإنها تشكل مواد جديدة ذات خواص مختلفة.



Joseph Priestly


لتحميل الموضوع اضغط الرابط التالي


http://hazemsakeek.com/up/download.php?id=1538
................................... ................................... ................................... ......................

للاطلاع علي الحلقة الثانية اضغط الرابط التالي

http://hazemsakeek.com/up/download.php?img=1801