ولكن هل حلا لـ " تيللر " وأصدقائه السياسيين أن يتركوا " أوبنهايمر " في عزلته الجديدة سالما ؟ كلا ـــ ومن هنا بدأت الدراما السياسية الرهيبة التي عرفت باسم " مسألة أوبنهايمر " . ولكن ما هي هذه المسألة ؟ .
في ديسمبر 1953 تسلم " أوبنهايمر " وهو في معمله بجامعة " برنستون " خطابا من لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي يتضمن أربعة وعشلرون اتهاما !! . وكانت خلاصة هذه الاتهامات أنه ليس صالحا للعمل في لجنة الطاقة الذرية الأمريكية وأنه قد تقرر بناء على ذلك سحب الترخيص الذي كان ممنوحا له بالإطلاع على الوثائق السرية للجنة .
وأحيل " أوبنهايمر " للمحاكمة . واستمرت المحاكمة ثلاثة أسابيع ، ونشرت وثائقها بعد ذلك في تقرير كبير بعنوان " حول مسألة أوبنهايمر " . وأدانت اللجنة " أبو القنبلة الذرية " بتعتباره خطرا على أمن الولايات المتحدة .
وقد كانت كل الاتهامات التي وجهت إلى " أوبنهايمر " ، باستثناء الاتهام الأخير ، تتعلق باتصالاته قبل الحرب بعناصر ومنظمات يسارية أمريكية ، ومع أنه لم ينكر هذه الاتصالات ، ورغم أن جنرال " ليزلى جروتز " عندما اختاره للعمل معه خلال الحرب كان يعرف كل هذه الارتباطات السياسية ، إلا أن اللجنة قد صممت على أن تحاكمه حول هذه الاتصالات ــ أي محاكمة بأثر رجعي !! .
جاليليو ... يعود من جديد !!
وأما الاتهام الأخير ، الرابع والعشرون ، فقد كان أخطر لأنه يتعلق بموقفه المعارض لإنتاج القنبلة الهيدروجينية . وحول هذا الاتهام كان " تيللر " هو شاهد الإثبات الأول ، وكان رئيس لجنة الطاقة الذرية هو شاهد الإثبات الثاني . وبطبيعة الحال كانت شهادة هذين الاثنين ، غريمه وخليفته ، كافية لإدانة " أوبنهايمر " .
ومع أن " أوبنهايمر " كان بالفعل معارضا لإنتاج القنبلة الهيدروجينية على أسس فنية وسياسية واضحة كما ذكرنا ، ولأن ضميره كان يعذبه للدور الذي لعبه في قنابل اليابان الذرية بشكل مؤلم وواضح كما ذكرنا كذلك ، إلا أن موقفه خلال المحاكمة لم يكن مع الأسف بهذا الوضوح ! . فلقد تردد في ردوده على أسئلة اللجنة وتذبذب ، وكان هذا الموقف لم يكن في صالحه فادين .
لقد فقد عالم فيسزيقي كبير شجاعته في اللحظة التاريخية الحاسمة ، وبدلا من أن يدافع في جرأة عن رأيه بدت محاكمته وكأنها تكرار مأساوي لموقف " جاليليو " عند محاكمته من قبل محاكم التفتيش .
ولكن قد يكون هذا الموقف غير الشجاع نفسه من " أوبنهايمر " هو الذي شفع له بعد ذلك أيام حكومة " كنيدى " ، عندما قررت أن تمنحه أرفع جائزة علمية في أمريكا وهي جائزة " فيرمى " . وعندما اغتيل " كنيدى " فبل تسليمه الجائزة قام " جونسون " بهذه المهمة وقال له : " لقد كانت من أعز أمنيات كنيدى ، أن يقوم هو شخصيا بتسليمك الجائزة والميدالية " .
مواقع النشر (المفضلة)