عجائب الدنيا ... ثمانية .

ولكن الرحلة قي ذلك الطريق لم تكن سهلة مريحة ، وإنما كانت شاقة عسيرة ، وكانت تتطلب منذ الخطوة الأولى رجل وامرأة لديهما خيال فائق وشجاعة نادرة وصبر طويل .

فقد قابلا منذ البداية عقبات من الصعب قهرها ، وقهراها . وكان المعمل الذي أعطاه لهما مدير مدرسة الطبيعة لإجراء تجاربهما فيه عبارة عن مخزن أخشاب قديم متهدم . وفي ذلك المعمل البارد الرطب الذي يشبه العشة اندفعت الباحثة الصغيرة المصابة بالدرن ومعها زوجها نحو المجهول بكل تصميم . وكان متوسط درجة حرارة المعمل يهبط في الشتاء إلى نحو سبع درجات مئوية . كما كانت أجهزته قليلة وعتيقة . ولكنهما أخذا يختبران بها خواص اليورانيوم وطبيعته . واكتشفا أن الاشعاع الغامض لذلك العنصر كان خاصة ذرية ، وكان ذلك كشفا علميا أدى فيما بع (عام 1945) إلى أختراع القنبلة الذرية !

وتستمر المسيرة الصعبة ، وتذهب مدام كوري ذات يوم إلى أختها وقلبها يدق دقا عنيفا وهي تقول " أتعرفين يابرونيا إن الإشعاع الذي لم اتمكن من تفسيره إنما مصره عنصر كيماوي جديد ؟ إن ذلك العنصر موجود وعلي اكتشافه "

وشرعت الآن ، بصحبة زوجها ، في العمل على اكتشاف ذلك العنصر الجديد . كانت قد لاحظت وجود تلك القدرة الهائلة على الإشعاع في مادة البتشبلند وهي إحدى أكاسيد اليورانيوم . وظنت مدام كوري أن الجزء ذا النشاط الإشعاعي من البتشبلند ربما لا يبلغ أكثر منت جزء من مائة جزء من البتشبلند ولكن كم تكون دهشتها لو أنها عرفت – في ذلك الوقت- أن ذلك العنصر الجديد الذي كانت تحاول فصله كان يبلغ جزاء من عشرة آلاف جزء من خام البتشبلند !

يالها من نسبة جدا ضئيلة ! يضاف يضاف إليها أن ثمن الطن الواحد من البتشبلند وما يحتويه من يورانيوم أكبر ما يطيقان دفعه . وكانت تلك المشكلة تبدو مستعصية الحل .

ولكن لابد من حل ... |إذا كان العنصر الجديد موجود في البتشبلند ، وهو في نفس الوقت مختلف عن اليورانيوم ، فإنه إذا يمكن الحصول عليه وفصله من المتخلفات الباقية من البتشبلند بعداستخلاص اليورانيوم منه ..هكذا تساءلا . وإن صح هذا . فإن الحلم وشيك الوقوع . خصوصا وإن هذه المتخلفات تعتبر عديمة القيمة وفي وسعهما أن يحصلا على كميات كبيرة منها بمالا يزيد كثيرا على تكاليف نقلها .

وانتابت الدهشة الناس كلهم عندما بدأ هذان العالمان العجيبان يأمران بأن تشحن أطنان من النفايات إلى مخزن الأخشاب الذي يعملان فيه . وعندما وصلت النفايات أمسكا بجاروف وأخذا يقذفانها شيئا فشيئا داخل مخزن قذيم من الحديد الزهر ذي أنبوبة صدئة . واستمرا أربعة أعوام في عملهما هذا كما لو كانا وقادين يعملان في جوف سفينة ، فهما يجرفان ويلهثا ن ويسعلان من أثر الأبخرة الضارة . وقد تناسياكل هذا العذاب ، وركزا فكرهما في شيء واحد وهو أن يستدرجا سر العنصر الجديد ليخرج إليهما من وسط المعدن الملتهب .

واستدرجا سران ! فبدلا من أن يجد عنصرا واحدا وجدا عنصرين جديدين : أسميا أولهما بولونيوم على اسم وطن ماري الاصلي بولندا وأسميا الآخر راديوم .

وكانت خواص البولونيوم مدهشة فعلا ، إذا كان نشاطه الاشعاعي أكبر بكثير من نشاط اليورانيوم . ولكن خواص الراديوم كانت هي العجيبة الثامنة الكبرى في الدنيا حقا . فقد وجدا أن قدرته الاشعاعية تزيد عن قدرة اليورانيوم بنحو مليون ونصف مليون في المئة



أخلاق ...

كانت القاعدة المتبعة مع من يتسلمون جائزة نوبل هي أن يذهبوا لاستلامها بأنفسهم في ستوكهلم . ولكن الكوريين كانا غير قادرين على القيام بالرحلة فقد كانا مريضين .وهكذا استمرا في عملهم في هدوء وتواضع كما استمرا في الحرمان والعوز وأنفقا كل نقودهما على تجاربهما الجديدة متناسيين في تسام روحي مجيد ، مصالحهما الشخصية . وعندما تقررت قيمة الراديوم الع8لاجية ووجد أن له تأثيرا في معالجة أمراض كثيرة من بيتها السرطان ، حثهما أصدقاؤهما على أن يسجلا لنفسيهما عملية استخلاص الراديوم . ولو فعلا ذلك لضمنا لنفسيهما ثروة طائلة ، حيث أن ثمن الجرام الواحد من الراديوم كان يقدر آنذاك بحوالي 150000دولار. ولكنهما رفضا الحصول على أي ربح من اكتشافهما قائلين : " الراديوم هو أداة للرحمة وليست للتجارة ".