بناء ناقل بُعدي
إن إحدى الطرائق الفعالة لإنتاج أزواج متشابكة من الفوتونات هي التحويل التخفيضي الوسيطي التلقائي spontaneous parametric down-conversion: إذا مرر فوتون مفرد عبر بلورة خاصة فإنه يولّد أحيانا فوتونين جديدين يكونان متشابكين بحيث يبديان استقطابين متعاكسين حين يقاسان [انظر الشكل العلوي في الصفحة 41].
بث البيانات العشوائية...
ينبغي أن ترسل بيانات القياس إلى محطة الاستقبال البعيدة بالوسائل التقليدية. ولما كان هذا الإجراء
محدودا بسرعة الضوء فإن النقل البعدي لشخص ما بسرعة أكبر من سرعة الضوء أمر مستحيل.
أما المشكلة الأصعب بكثير فهي تشبيك فوتونين مستقلين موجودين من قبل، وهو ما ينبغي أن يحدث أثناء عمل محلل حالة بِل. وهذا يعني أنه ينبغي للفوتونين (A و X) أن يفقدا بطريقة ما مقوماتهما الخاصة. وقد وجدت مجموعتي (<D. باوميستر> و< W .J. پان> و<K. ماتل> و< M. إيبل> و<H. واينفورتر>) في عام 1997 حين كانت في جامعة إينسبروك، حلا لهذه المشكلة في تجربة النقل البعدي التي أجريناها [انظر الشكل في الأعلى].
في تجربتنا تمر نبضة قصيرة من ضوء ليزري فوق بنفسجي عبر بلورة، فتولّد الفوتونين المتشابكين A و B. يسير أحدهما نحو سمر ويذهب الآخر نحو أحمد. وتعكس مرآةٌ النبضةَ فوق البنفسجية فتعيدها عبر البلورة مرة ثانية حيث يمكنها أن تولّد زوجا آخر من الفوتونات C وD. (هذان سيكونان متشابكين أيضا ولكننا لا نستخدم تشابكهما.) يذهب الفوتون C إلى المكشاف الذي ينبهنا إلى أن شريكه D جاهز للنقل البعدي. ويمر الفوتون D عبر مقطّب نستطيع توجيهه حسبما نشاء. إن الفوتون المستقطب الناتج هو فوتوننا X، الفوتون الذي سوف ينقل نقل بعديا، ويرتحل نحو سمر.
تبدأ تجربة إينسبروك بنبضة ضوء ليزري فوق بنفسجي قصيرة. تنتج هذه النبضة، أثناء مرورها من اليسار إلى اليمين خلال بلورة، الفوتونين المتشابكين A و B ويسير أحدهما نحو سمر والآخر نحو أحمد. ولدى انعكاس النبضة مرتدة خلال البلورة فإنها تولد فوتونين آخرين C و D. ويحضِّر مقطب الفوتون D في حالة محددة هي X. يؤكد كشف الفوتون C أن الفوتون X أرسل إلى سمر. تركّب سمر الفوتونين A و X بوساطة شاطر حزمة [انظر الشكل في الصفحة 44] فإذا كَشَفت فوتونا واحدا في كل من المكشافين (كما يحدث في أحسن تقدير في 25 في المئة من الحالات) فإنها تُعلم أحمد بذلك ويستخدم شاطر حزمة مقطِّب ليتحقق من أن فوتونه اكتسب استقطاب الفوتون X، ويبرهن بهذه الصورة على نجاح النقل البعدي.
وبمجرد أن يمر X خلال المقطب يصبح فوتونا مستقل ولا يعود متشابكا. وعلى الرغم من أننا نعرف استقطابه لأننا نحن الذين وجّهنا المقطب فإن سمر لا تعرف. ونعيد استخدام النبضة فوق البنفسجية نفسها بهذه الطريقة للتأكد من أن الفوتونين A و X وصلا إلى سمر في الوقت ذاته.
نصل الآن إلى مسألة إجراء قياس حالة بِل. لذا تجمع سمر بين فوتونيها (A وX) باستخدام مرآة نصف عاكسة، وهي أداة تعكس نصف الضوء الساقط عليها. إن فرصة أي فوتون في النفوذ من المرآة أو في الانعكاس عليها هي 50 في المئة. وحسب التعابير الكمومية يصبح الفوتون في حالة تراكب superposition لهذين الإمكانين [انظر الشكل في الصفحة 44].
... إعادة تشكيل المسافر
يعيد المستقبِل تشكيل المسافر تشكيل دقيقا يتناول الحالة الكمومية لكل ذرة وكل جزيء،
وذلك بترتيب حالة المادة النظيرة وفقا لبيانات القياس العشوائية المرسلة من المحطة الماسحة.
لنفترض الآن أن فوتونين يرتطمان بالمرآة من وجهيها المتقابلين، وأن مساريهما يقعان على الاستقامتين نفسيهما بحيث إن مسار انعكاس أحدهما ينطبق على مسار نفوذ الآخر، والعكس بالعكس. ولنفترض وجود مكشاف في نهاية كل من المسارين. ينعكس الفوتونان عادة بصورة مستقلة وهناك فرصة 50 في المئة لكي يصلا إلى مكشافين منفصلين. فلو كان الفوتونان لا متمايزين ويصلان إلى المرآة في اللحظة ذاتها فإن تداخل كموميّا يحدث عندئذ: هذا يعني أن الإمكانات يلغي بعضها بعضا وبالتالي لا تحدث، في حين تَقْوى إمكانات أخرى وتحدث بتواتر أكبر. وعندما تتداخل الفوتونات لا يبقى لديها سوى احتمال 25 في المئة أن تصل إلى مكشافين منفصلين. وإذا ما حدث ذلك فإنه يقابل كشف واحدة من حالات بِل الأربع الممكنة للفوتونين ـ وهي الحالة التي سميناها "محظوظة" فيما سبق. أما في الاحتمالات ال75 في المئة الأخرى فيصل الفوتونان كلاهما إلى مكشاف واحد، وهذا ما يقابل حالات بِل الثلاث الأخرى لكنه لا يميز فيما بينها.
حين تكشف سمر فوتونا في كل من المكشافين في آن واحد يصبح فوتون أحمد في اللحظة نفسها نسخة من فوتون سمر الأصلي X. وقد تحققنا من حدوث النقل البعدي هذا بأن بينّا أن لفوتون أحمد الاستقطاب نفسه الذي فرضناه على الفوتون X. لم تبلغ تجربتنا حد الكمال، لكننا كشفنا الاستقطاب الصحيح في 80 في المئة من الحالات (أما الفوتونات العشوائية فما كانت لتعطي سوى 50 في المئة). وقد أثبتنا الإجراء باستخدام مختلف الاستقطابات: الشاقولي والأفقي والخطي المائل 45 درجة، كما استخدمنا نوعا من الاستقطاب اللاخطي يدعى الاستقطاب الدوراني.
تكمن الصعوبة الكبرى في محلل حالة بِل الذي استخدمناه في جعل الفوتونين A و X لا متمايزين. إذ يمكن، على سبيل المثال، التحكم في توقيت زمن وصول الفوتونين بحيث يمكننا تمييز أحدهما عن الآخر، ولذلك فمن المهم "إزالة" معلومة الزمن التي يحملها الجسيم. وقد استخدمنا في تجربتنا حيلة ذكية كان أول من اقترحها <M. جوكوفسكي> [من جامعة گدانسك]: نرسل الفوتونين عبر مرشِّحات أطوال موجية عرض نطاقاتها ضيق جدّا. وهذا ما يعطي الفوتونين طول موجة محددا بدقة، وبالتالي يوسع الرقعة الزمنية للفوتونين كما تقتضيه علاقة الارتياب لهايزنبرگ.
يعكس شاطر الحزمة، أو المرآة نصف العاكسة (a)، نصف الضوء الذي يسقط عليه ويسمح للنصف الآخر بالنفاذ منه. وهكذا فإن احتمال الانعكاس أو النفاذ لكل فوتون مفرد هو 50 في المئة. فإذا ارتطم فوتونان متطابقان بشاطر الحزمة في الوقت نفسه، كل منهما من إحدى الجهتين (b)، تداخل الجزآن المنعكس والنافذ وفقد الفوتونان هويتيهما الخاصتين. وسوف نكشف فوتونا واحدا في كل من المكشافين في 25 في المئة من الحالات، وسيكون من المستحيل عندئذ أن نقول ما إذا كان كلا الفوتونين قد انعكس أو أن كليهما نفذ. ولا تكون قد قيست سوى الخاصة النسبية ـ أي إنهما ذهبا إلى مكشافين مختلفين.
تبرز حالة تحير العقل حين يكون الفوتون المنقول نقل بعديّا نفسه متشابكا مع فوتون آخر مما يعني أنه لا يملك استقطابا خاصا به. وقد أثبتت مجموعتي في جامعة إينسبروك هذا السيناريو في عام 1998 بأن أعطت أليس الفوتون D من دون أن تقطبه؛ أي إنها تركته متشابكا مع الفوتون C. وقد بينا أنه حين ينجح النقل البعدي فإن فوتون أحمد B يصبح متشابكا مع C. وهكذا يكون التشابك مع C قد نقل من A إلى B.
حالات محمولة
لقد بينت تجربتنا النقل البعدي بوضوح، لكن معدل نجاحها كان منخفضا. ولكوننا تمكنا من تحديد حالة بِل واحدة فقط فإننا تمكنا من نقل فوتون سمر نقل بعديا في 25 في المئة فقط من المرات ـ وهي المرات التي حدثت فيها تلك الحالة. لا يوجد محللُ حالِة بِل كامل بالنسبة إلى الفوتونات المستقلة أو بالنسبة إلى أي جسيمين كموميين يُستحدثان بصورة مستقلة، ولذلك لا توجد في الوقت الحاضر أية طريقة مؤكدة تجريبيّا لتحسين كفاءة مخططنا إلى 100 في المئة.
في عام 1994 اقترح <S. پوپسكو> [حين كان في جامعة كامبردج] طريقة للالتفاف على هذه المشكلة، وذلك بأن تكون الحالة المراد نقلها نقل بعديّا حالة كمومية محمولة على متن فوتون سمر المساعد A. ثم نجحت مجموعة <F. دي مارتيني> [في جامعة روما I "لاساپينزا"] في بيان هذه الخطة بوضوح في عام 1997. فقد عمدوا إلى تشبيك زوج الفوتونات المساعد وفق موقعي الفوتونين: فشُطِر الفوتون A، بوساطة شاطر الحزمة beam splitter، وأُرْسِل إلى جزأين مختلفين من جهاز سمر، علما بأن هذين البديلين مرتبطان تشابكيّا بتشطير مماثل لفوتون أحمد B. أما الحالة التي يراد نقلها نقل بعديّا فقد كانت أيضا محمولة على فوتون سمر A، وهي حالته الاستقطابية. ولما كان فوتون واحد يقوم بالدورين معا فإن كشف حالات بِل الأربع الممكنة كلها يصبح أمرا لا يتعدى قياسا عاديّا يُجْرى على جسيم واحد: كشف فوتون سمر في أحد الموقعين الممكنين وفي إحدى الحالتين الاستقطابيتين الممكنتين. ويعيب هذه الطريقة أنه لو كلفت سمر بنقل حالة منفصلة مجهولة X نقل بعديّا لكان عليها أن تحول الحالة بشكل ما على استقطاب فوتونها A، وهذا أمر لا يعرف أحد كيف يقوم به في الواقع العملي.
إن استقطاب الفوتون، وهو الخاصة التي استخدمت في تجارب إينسبروك وتجارب روما، هو مقدار منفصل بمعنى أنه يمكن التعبير عن الحالة الاستقطابية بشكل تراكب حالتين منفصلتين لا غير، كالاستقطاب الشاقولي والاستقطاب الأفقي. ويتمتع الحقل الكهرمغنطيسي المرتبط بالضوء أيضا بخواص مستمرة ترقى إلى تراكب عدد لانهائي من الحالات الأساسية. فعلى سبيل المثال يمكن لحزمة ضوئية أن "تُعتصر"(2) squeezed؛ بمعنى أن تُحدَّد إحدى خواصها بدقة كبيرة لتصبح خالية من الضجيج على حساب ارتفاع عشوائية خاصة أخرى (وفق هايزنبرگ). وقد نقلت مجموعة <J.كِمبل> [في معهد كاليفورنيا للتقانة] عام 1998 حالة معتَصَرة من هذا القبيل من حزمة ضوئية إلى أخرى، مبرهنة بذلك على النقل البعدي لخاصة مستمرة.
إن هذه التجارب، على روعتها، تبقى على بون شاسع من النقل البعدي الكمومي للأشياء الكبيرة. فهناك معضلتان رئيسيتان: إحداهما هي أن المرء يحتاج إلى زوج متشابك من النوع نفسه من الأشياء. والأخرى هي وجوب عزل الشيء المراد نقله بعديّا والأزواج المتشابكة عن البيئة المحيطة بصورة كافية، إذ إن تسرب أية معلومات من البيئة أو إليها نتيجة تآثرات شاردة يقوض الحالة الكمومية للأشياء، وهي سيرورة تدعى زوال الترابط decoherence. ويصعب تصور كيفية تحقيق هذا العزل الصارم لقطعة كبيرة من المعدات، ناهيك عن كائن حي يتنفس الهواء ويشع الحرارة. ولكن من يدري بأية سرعة سيجري التطور في المستقبل؟
زاوية المرتابين
إجابات المؤلف عن الأسئلة المألوفة المتعلقة بالنقل البعدي
ألَيْس من المبالغة أن ندعو هذا نقل بعديّا؟ فما نُقل نقل بعديّا، في نهاية المطاف ليس سوى حالة كمومية وليس جسما حقيقيّا. يطرح هذا السؤالُ السؤالَ الفلسفي الأعمق حول ما نعنيه بالهوية. فكيف نعرف أن شيئا ما ـ وليكن السيارة التي نجدها في مرآبنا صباحا ـ هو الشيء نفسه الذي رأيناه منذ برهة خلت؟ مادام له جميع الأوصاف والخواص الصحيحة. إن الفيزياء الكمومية تؤكد هذه النقطة: فالجسيمات من النوع نفسه وفي الحالة الكمومية ذاتها لا متمايزة حتى من حيث المبدأ. فلو استطاع المرء مقايضة ذرات الحديد في السيارة بذرات حديد من كومة خامات وتمكَّن من إعادة تشكيل الحالات الكمومية للذرات بالضبط لكانت النتيجة النهائية مطابقة، في أعمق المستويات، للسيارة الأصلية. فالهوية لا يمكن أن تعني أكثر مما يلي: أن يكون الشيء مماثل في جميع خواصه.
أَلَيْس الأمر أشبه "بالفاكس الكمومي"؟ إن إرسال فاكس يولد نسخة يسهل تمييزها عن الأصل، في حين لا يمكن تمييز الشيء المنقول نقل بعديّا حتى من حيث المبدأ. أضف إلى ذلك أن الأصل يجب أن يُدمر في حالة النقل البعدي الكمومي.
هل يمكن أن نأمل بالفعل بنقل شيء معقّد نقل بعديّا؟ هناك العديد من العوائق الصعبة. أول يجب أن يكون الشيء في حالة كمومية صافية، ومثل هذه الحالات هشة جدا. لا تتآثر الفوتونات مع الهواء كثيرا، ولذلك يمكن أن نجري تجاربنا في أمكنة مفتوحة، لكن التجارب التي تستخدم الذرات والأجسام الكبيرة يجب أن تجرى في الخلاء vacuum لتجنب التصادمات مع جزيئات الغاز. أضف إلى ذلك أنه كلما كان الجسم كبيرا كان من الأسهل إحداث اضطراب في حالته الكمومية. إن كتلة صغيرة جدّا من المادة يمكن أن يسبب اضطرابها حتى الإشعاع الحراري الصادر عن جدران الأجهزة. وهذا هو السبب في أننا لا نرى عادة الآثار الكمومية في عالمنا اليومي.
لقد بُرهن تجريبيّا على التداخل الكمومي، وهو أثر توليده أسهل من التشابك أو النقل البعدي، باستخدام الكرات المؤلفة من 60 ذرة كربون. ومثل هذا العمل سوف يتطور نحو أجسام أكبر، ربما حتى الڤيروسات الصغيرة، ولكن لا تحبسوا أنفاسكم وتظنوا أنه يمكن أن يكرر باستخدام أجسام في حجم كرات القدم!
والمشكلة الأخرى هي قياس حالة بِل. ماذا يمكن أن يعني إجراء قياس حالة بِل على ڤيروس مؤلف من 107 ذرة مثل؟ كيف يمكن أن نستخلص 108 من بتات المعلومات التي يولدها مثل هذا القياس؟ أما بالنسبة إلى جسم لا يتعدى عدة غرامات فيصبح العدد مستحيل: 1024 بتة من البيانات.
هل سيتطلب النقل البعدي للإنسان الدقة الكمومية؟ لا يبدو أن كون شخص ما في الحالة الكمومية نفسها أمر ضروري لأن يكون هو الشخص ذاته. فنحن نغير حالاتنا طوال الوقت ونبقى الأشخاص ذاتها ـ على الأقل بقدر ما نعلم! وعلى العكس من ذلك فإن التوأمين المتطابقين، أو النسيلتين البيولوجيتين، ليسا "الشخص ذاته" لأن لديهما ذاكرتين مختلفتين. فهل يمنعنا ارتياب هايزنبرگ من نسخ شخص بصورة دقيقة تكفي لأن تجعله يعتقد أنه مثل الأصل تماما؟ لا أحد يعلم. من المثير للاهتمام على أية حال أن مبرهنة عدم الاستنساخ الكمومية تمنعنا من صنع نسخ كاملة الدقة من شخص ما.
لو نقلنا جسم شخص نقل بعديّا، فهل يبقى العقل في مكانه الأول؟
لا شك في أننا قد نستطيع استخدام التقانة المتوفرة حاليا للنقل البعدي للحالات الأولية elementary، كمثل حالات الفوتون في تجربتنا، عبر مسافات تبلغ عدة كيلومترات، وقد نوصلها إلى السواتل (الأقمار الصنعية). فالتقانة التي تسمح بنقل حالات الذرات المفردة متاحة الآن: فقد برهنت المجموعة التي يقودها < S. آروش> في المدرسة العليا للأساتذة في باريس على تشابك الذرات. ومن المعقول أن نتوقع تشابك الجزيئات ومن ثم نقلها نقل بعديّا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. أما ما يحدث بعد ذلك فمتروك لخيال من يشاء.
قد يكون مجال الحوسبة الكمومية أحد أهم تطبيقات النقل البعدي، حيث يعمَّم المفهوم العادي للبتات (الأصفار والواحدات) إلى البتات الكمومية qubits، التي يمكن أن توجد بشكل تراكبات وتشابكات من الأصفار والواحدات. وربما أمكن استخدام النقل البعدي لتبادل المعلومات الكمومية فيما بين المعالِجات الكمومية. كما يمكن للنواقل البعدية الكمومية أن تقوم بدور مكونات أساسية لبناء حاسوب كمومي [انظر ما هو مؤطر في الصفحة 46].
ربما كان الميكانيك الكمومي إحدى أعمق النظريات التي اكتُشِفت حتى الآن. وقد دفعت المسائل التي يطرحها أمام حدسنا اليومي بآينشتاين إلى انتقاد الميكانيك الكمومي بشدة. فقد كان يصر على أن مهمة الفيزياء هي محاولة فهم وإدراك الواقع القائم مستقل عن رصدنا له. ومع ذلك فقد كان يعرف جيدا أننا سنقع في مشكلات عميقة عندما نحاول إعطاء حقيقة فيزيائية لكل فرد من الزوج المتشابك. أما نظيره الفذ، الفيزيائي الدنمركي <N. بور>، فقد كان يصر على ضرورة أخذ المنظومة جميعها بعين الاعتبار ـ أي ترتيب كل الجسيمين معا في حالة الزوج المتشابك. وما أمنية آينشتاين في أن تكون لكل جسيم حالة حقيقية مستقلة سوى شيء خال من أي معنى بالنسبة إلى منظومة كمومية متشابكة.
الحواسيب الكمومية
لعل أكثر تطبيقات النقل البعدي الكمومي واقعية ـ عدا البحث الفيزيائي البحت ـ هو في مجال الحوسبة الكمومية.إن الحاسوب الرقمي العادي يتعامل مع البتات التي تأخذ إحدى قيمتين محددتين 0 أو 1، لكن الحاسوب الكمومي يستخدم البتات الكمومية [انظر: "الحوسبة الكمومية باستخدام الجزيئات"،مجلة العلوم، العددان 8/9 (1999) ، ص 36]. يمكن للبتات الكمومية أن تكون في تراكبات كمومية من 0 و1 تماما مثلما يمكن للفوتون أن يكون في تراكب من الاستقطابين الأفقي والشاقولي. وفي الواقع يبث الناقل البعدي الكمومي الأساسي، لدى إرسال فوتون مفرد، بتة كمومية واحدة من المعلومات.
قد تبدو تراكبات الأعداد غريبة، لكن كما قال عنها <R. لانداور> من الشركة IBM: "حين كنا أطفال صغارا كنا نتعلم كيف نعدّ على أصابعنا الدبقة الكلاسيكية، ولم نكن نعرف شيئا عن الميكانيك الكمومي وعن التراكبات، فاكتسبنا الحدس الخاطئ، واعتقدنا أن المعلومات كلاسيكية. وظننا أنه بإمكاننا رفع ثلاث أصابع، ثم أربع. ولم نكن ندرك أنه يمكن أن يكون هناك تراكب منهما معا."
يمكن للحاسوب الكمومي أن يؤثر في تراكب العديد من المدخلات المختلفة دفعة واحدة. فهو، على سبيل المثال، يمكن أن يشغّل خوارزمية algorithm لمليون من المدخلات في آن واحد مستخدما عددا من البتات الكمومية يساوي عدد البتات التي يحتاج إليها حاسوب عادي لتشغيل الخوارزمية مرة واحدة في مدخل واحد. وقد برهن النظريون على أن الخوارزميات المُشغَّلة على الحواسيب الكمومية يمكنها أن تحل بعض المسائل بصورة أسرع (أي في عدد أقل من الخطوات الحاسوبية) مما تستطيعه أية خوارزمية معروفة تُشَغَّل على حاسوب كلاسيكي. وتشتمل هذه المسائل على إيجاد مفردات في قاعدة البيانات وتحليل الأعداد الكبيرة إلى عوامل، مما له أهمية كبيرة في فك الكودات السرية.
ولم تُبْنَ حتى الآن سوى العناصر البدائية جدّا من الحواسيب الكمومية: بوابات منطقية يمكنها أن تعالج بتة كمومية واحدة أو اثنتين. ولا يزال صنع حاسوب كمومي صغير أمرا بعيد المنال. فإحدى المشكلات الأساسية هي نقل البيانات الكمومية نقل موثوقا بين مختلف البوابات المنطقية أو المعالجات سواء كان ذلك داخل حاسوب كمومي واحد أو عبر شبكات كمومية. والنقل البعدي الكمومي هو أحد الحلول.
وإضافة إلى ما سبق فقد برهن <D. گوتِسْمان> [من الشركة مايكروسوفت]
و<L .I تشوانگ> [من الشركة IBM] حديثا أن حاسوبا كموميّا عمومي الغرض general-purpose quantum computer يمكن أن يُبنى من ثلاثة مكونات أساسية: جسيمات متشابكة ونواقل بعدية كمومية وبوابات تعمل على بتة كمومية واحدة كل مرة. توفر هذه النتيجة طريقة منهجية لبناء بوابات تعمل على بتتين كموميتين. إن الأساس في بناء بوابة بتتين كموميتين من ناقل بعدي هو النقل البعدي لبتتين كموميتين من مدخل البوابة إلى مخرجها باستخدام الأزواج المتشابكة المعدّلة بعناية. تعدَّل الأزواج المتشابكة بطريقة يَستقبل فيها مخرج البوابة البتات الكمومية المعالجة معالجة مناسبة. وهكذا يُختزل إجراء المنطق الكمومي على بتتين كموميتين مجهولتين إلى مهمة تحضير حالات متشابكة معينة سبق تحديدها، يليها النقل البعدي. ومما لا شك فيه أن قياس حالة بِل الكامل، الضروري للنقل البعدي الناجح 100 في المئة، هو نفسه نوع من معالجة البتتين الكموميتين.
إن النقل البعدي الكمومي هو سليل مباشر للسيناريوهات التي تَجادل حولها آينشتاين وبور. فلدى تحليل التجربة سيقودنا تساؤلنا حول الخواص الحقيقية للجسيمات المفردة حين تكون متشابكة إلى مختلف أنواع المشكلات. وينبغي لنا أن نحلل بعناية ماذا يعني "امتلاك" استقطاب. إننا لا نستطيع التهرب من استخلاص ما يلي: إن كل ما بوسعنا الحديث عنه هو نتائج تجريبية معينة حصلنا عليها نتيجة لقياسات. ففي قياسنا الاستقطاب تجعلنا "تكّة" click صادرة عن المكشاف نبني صورة في أذهاننا "يمتلك" فيها الفوتون بالفعل استقطابا معينا لحظة القياس. ومع ذلك يجب أن يبقى ماثل في أذهاننا أن هذه ليست سوى قصة جرى تأليفها made-up، لا تصلح إلا حين نتحدث عن تلك التجربة بالذات، كما يجب أن نكون حذرين لدى استخدامها في ظروف أخرى.
وفي الواقع فإنني أود أن أحاج، متبعا خطى بور، أننا نستطيع أن نفهم الميكانيك الكمومي إذا أدركنا أن العلم لا يصف الطبيعة "كما هي" وإنما يعبر عما "نستطيع قوله" عن الطبيعة. وفي هذا بالضبط تتجلى القيمة العملية للتجارب الأساسية مثل تجارب النقل البعدي: مساعدتنا على الوصول إلى فهم أعمق لعالمنا الكمومي الغامض.
المؤلف
Anton Zeilinger
يعمل في معهد الفيزياء التجريبية بجامعة ڤيينا، انتقل إليها (نقلا بعديا) في عام 1999 بعد تسع سنوات أمضاها في جامعة إينسبروگ. وهو يعتبر نفسه محظوظا جدا؛ لأن الفرصة أتيحت له للعمل في تلك الموضوعات الغامضة والمحيرة المتعلقة بالميكانيك الكمومي التي جذبته إلى الفيزياء منذ نحو 40 عاما. وهو، في أوقات فراغه القليلة، يتفاعل مع الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الجاز، وهو يحب التزلج على الثلج وجمع الخرائط القديمة.
مراجع للاستزادة
QUANTUM INFORMATION AND COMPUTATION. Charles H. Bennett in Physics Today, Vol. 48, No. 10, pages 24-31; October 1995.
EXPERIMENTAL QUANTUM TELEPORTATION. D. Bouwmeester, J. W. Pan, K. Mattle, M. Eibl, H. Weinfurter and A. Zeilinger in Nature, Vol. 390, pages 575-579; December 11, 1997.
QUANTUM INFORMATION. Special issue of Physics World, Vol. 11, No. 3; March 1998.
QUANTUM THEORY: WEIRD AND WONDERFUL. A. J. Leggett in Physics World, V01.12, No. 12, pages 73-77; December 1999.
More about quantum teleportation and related physics experiments is available at www.quantum.at on the World Wide Web.
Scientific American, April 2000
(*)Quantum Teleportation
(1) "beaming "
(2) [انظر: "الضوء المعتصر"، مجلة العلوم، العدد 4 (1988) ، ص 74].
(3) Quantum teleport inside نقل بعدي كمومي في الداخل.
مواقع النشر (المفضلة)