اللبناني زبيب تحدّى عسره مادياً ليحلّق في عالم النانوتكنولوجيا وآلاتها



لا ينتمي العالِم حسين زبيب (أميركي من أصل لبناني، من بلدة النميرية قضاء النبطية في الجنوب) الى الرعيل الأول من العلماء اللبنانيين والعرب في أميركا، إلّا انه لا يقل عن أبناء جيل المؤسسين علماً وخبرة وشهرة وإنجازات. ويُسجّل له انه من القلائل الذين تابعوا تخصصهم بدعم من عائلاتهم، على رغم عسرها مادياً، من دون منحة رسمية أو أكاديمية. تخرج زبيب في ثانوية «المهنية العاملية». وسافر الى الولايات المتحدة عام 1979. والتحق بجامعة ميتشيغن للتكنولوجيا حيث أنهى دراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد والفيزياء التطبيقية. ثم دَرّس هناك لمدة سنة انتقل بعدها الى «جامعة ولاية واشنطن» في «سياتل». واستقر فيها منذ عام 1988، كأستاذ وباحث، إضافة لعمله كمدير لـ «كلية المواد وعلوم الميكانيك المتقدمة».

البداية من الميكانيك

يتمتع زبيب بخبرات أكاديمية وإدارية واسعة، تأتت من عمل دؤوب وبحوث امتدت على مدار عقدين ونيف، في مراكز البحوث والجامعات الأميركية. وتخرج على يديه أكثر من 40 طالب دكتوراه بينهم عرب ولبنانيون. ويشغل راهناً مناصب استشارية في مؤسسات علمية وتكنولوجية.

ويحمل زبيب ألقاباً اكاديمية مهنية متنوّعة. ويضم رصيده علمياً أكثر من 200 ورقة بحث و12 مؤلفاً تتضمن خلاصة بحوثه ورؤيته المتقدمة لتطور هندسة الميكانيك وعلوم المواد بواسطة تقنيات وتكنولوجيات عمل على ابتكارها، ما أثرى دوائر البحوث والمكتبات بثروة من المعلومات التي تشكّل مراجع علمية لطلاب الدراسات العليا والباحثين.

وشارك زبيب في مؤتمرات دولية متنوعة. ونشر عشرات المقالات العلمية في جرائد ومجلات عالمية متخصصة. وتولى رئاسة تحرير «مجلة هندسة المعادن والتكنولوجيا»، التي تُعنى بهندسة المواد والمعادن، و«المجلة العالمية لعلوم المواد» التي تصدر في اليابان، و «المجلة العالمية للبحوث النظرية في علوم الميكانيك».

هيّأ هذا النشاط المكثف لزبيب فرصة القفز الى عالم الشهرة والفوز بعضوية الكثير من اللجان العلمية الأميركية والعالمية، فهو عضو مميّز في «الجمعية العالمية لعلماء ومهندسي الميكانيك» (2002) و «الاكاديمية العلمية في جامعة ميتشيغن» (2004) و «جمعية الفيزياء التطبيقية» و «الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم». كما حصد عدداً وافراً من جوائز التقدير أبرزها جائزة «الجمعية العالمية اليابانية لعلوم المعادن والحسابات الميكانيكية» (2003).

وفي لقاء مع «الحياة»، بيّن زبيب أنه ينطلق في دراسته للمواد والمعادن من «منطلق فيزيائي نظري للوصول الى نتائج عملية». وأضاف: «كان العلم القديم يقوم على التجارب العملية، وهي الطريقة التي اخترعها العالم العربي ابن الهيثم والتي بنى عليها الغرب أمجاده، فتفوق علمياً وحضارياً... في الثمانينات، حدثت قفزة علمية كبيرة في الغرب نتيجة قوة الكومبيوتر الذي قلب المفاهيم العلمية القديمة رأساً على عقب، بمعنى ان الكومبيوتر هو الذي اصبح محور التجارب والبحوث وبديلاً من المختبرات والأمكنة التي كانت تجرى فيها التجارب العلمية». وبسّط زبيب النظرية التي يعمل بموجبها بقوله: «يمكن اليوم إجراء اي اختبار على اي معدن جديد على شاشة الكومبيوتر، وتحليله ومعرفة خصائصه ومكوناته ومقدار درجة تحمله للحرارة او الانفجار او الضغط او غير ذلك، بمعنى ان القوانين العلمية الحديثة اصبحت تعتمد على الكومبيوتر في دراسة المواد والمعادن وتصميمها. وعبر الكومبيوتر، تُجرى الدراسات والبحوث للتأكد من صحة النظريات او خطئها... مع العلم أن اجراء اي اختبار لأي مادة من المعادن على الارض هي غير عملية وتتطلب كلفة مالية عالية». وبفضل تقنيات الكومبيوتر، استطاع زبيب وضع تصاميم لهياكل الطائرات باستخدام مواد بديلة من المواد المعدنية التي كانت تصنع منها سابقاً، بحيث تتميز بخفة وزنها وقلة استهلاكها للوقود وبالقوة والجودة والمتانة والأمان. ولفت زبيب الى ان هذه المواد البديلة، التي تُعرف باسم «مواد النانو»، تتميز من حيث الثمن وبخفة الوزن، وإمكان استعمالها في صناعة مجموعة كبيرة من الأدوات المتنوعة الأشكال والأحجام.

ولاحظ أن هذه التقنيات تتبع أسلوباً محدّداً في التعامل مع المواد من دون تعريضها للكسر او التفتت او التآكل او التشويه. وشدّد على أن الـ «نانوماتيريلز» تستعمل راهناً في صناعة هياكل الطائرات والسيارات، وفي تطبيقات التكنولوجيا الطبية وغيرها.

وكشف زبيب أنه صنع نموذجاً رقمياً لتفكيك المواد المعقدة والمبهمة، يعمل عبر نموذج محاكاة افتراضية ثلاثية الأبعاد للتركيب الفائق الصغر. ويسمى النموذج «ميكرو 3 دي». ويعتبر من أهم الاكتشافات الحديثة في علوم المعادن والحسابات الميكانيكية. ويستعمل اليوم من قبل المهندسين والعلماء. وسجلت هذه البحوث في مجلة «الطبيعة» العالمية التي وصفت زبيب بأنه «رائد» في علوم الميكانيك والمواد.

وأوضح زبيب ان من احدث اكتشافاته في الـ «نانوماتيريلز»، طريقة لصنع مواد حديثة مركبة من معادن مختلفة، تحوز قدرات تفوق المواد الموجودة طبيعياً. ونُشرت هذه الاكتشافات حديثاً في مجلة «رسائل الفيزياء التطبيقية»، تحت عنوان «وسائل الفيزياء التطبيقية»، مع توضيح لاستعمالاتها في الطب والهندسة والالكترونيات.

نحو تعاون عربي

ولم تقتصر علوم زبيب وخبراته الأكاديمية والتكنولوجية على مراكز البحوث والجامعات الأميركية والعالمية، بل حرص على إقامة جسر من التواصل مع عدد من الجامعات العربية بينها الجامعة الأميركية في الشارقة وجامعتا مراكش وكازابلانكا في المغرب، والجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية في لبنان. وهدف من ذلك تعزيز البحوث والتعاون العلمي بين الجامعات ونقل التجارب الأميركية، خصوصاً في حقول الهندسة الميكانكية المتقدمة وعلوم المواد والمعادن. وزار زبيب الأردن أخيراً، بدعوة من الامم المتحدة، للمشاركة في منتدى عالمي حول الوضع العلمي في الشرق الاوسط.

والمعلوم أيضاً ان زبيب أحد العلماء اللبنانيين الذين أسسوا السنة الماضية «الاكاديمية اللبنانية للعلوم»، التي يشغل فيها منصب امين الصندوق.

ولدى سؤاله عما اذا كان العلماء العرب في أميركا يتعرضون لضغوط او لتمييز في المعاملة، أجاب زبيب: «أميركا من داخل الجامعات ومؤسسات البحوث غيرها من الخارج». ولفت إلى ان العلماء العرب في العالم واللبنانيين بشكل خاص لا يختلفون عن اي علماء آخرين إلا بمقدار كفاءتهم ومهارتهم وتفوقهم وإنجازاتهم. وأوضح أن فرص الإبداع والإنتاج متاحة أمام اللبناني والعربي الذي قلما يتاح له في وطنه ان يبدع ويرتقي الى مصاف العلماء، لو بقي في بلاده
ص الحياة