العربي في موسوعة "ويبستر" الأمريكية .. متسكع وشحاذ!


لا تملك وأنت في حضرتها إلا ان تتذكر زمن الماضي الجميل ، حين كان الأستاذ يحرص على تفوق طلابه ويساندهم بكل ما يملك. ولذلك لم يكن مستغربا حصولها على لقب الأستاذة المثالية لجامعة القاهرة عام 2004 ، وفوزها بجائزة جامعة القاهرة التشجعيعة للعلوم الإنسانية والاجتماعية لتميزها العلمي اختارها مجمع دمشق اللغوي عضوا مراسلا له، كما أنها خبيرة بمجمع اللغة العربية بالقاهرة .

ما يؤرق د. وفاء مؤخرا هو الحملات المستمرة لتشويه صورة العرب في الغرب وتحديدا تعريف مفهوم العربي في موسوعة "ويبستر" العالمية ووصفهم بأوصاف شائنة .. عن هذه القضية ومشوار د.وفاء فايد العلمي كان لشبكة الإعلام العربية "محيط" هذا اللقاء.

محيط: صححت تعريف "العربي" في موسوعة ويبستر العالمية .. حدّثينا عن قصتك معها؟

د.وفاء: لفت نظرنا في الجمعية الدولية لمترجمي العربية أثناء تدريس أحد أعضاء الجمعية لمعجم "ويبستر" أن المعجم يلصق بالعربي مابين 20 و 25 صفة سلبية وكريهة من خلال تعريف مسئ للعرب حيث يصوره المعجم أنه متسول، شحاذ، متسكع وغيرها من الأوصاف الكريهة.

بعد إطلاعنا على نسخة المعجم وذلك عام 2005 أرسلنا خطابات لمؤسسة ويبستر نستنكر من خلالها أن يتضمن المعجم هذه الأوصاف السيئة ونطالبهم بتغييرها في نسخة المعجم الورقية وعلى موقعهم الإلكتروني أيضا، وأفهمناهم أن العربي دائما يتميز بالأصالة والإباء وأن هذه الأوصاف لا يمكن أن يوصم بها.

ما يزيد الأمر سوءا أن هذا المعجم يوزع على طلبة الجامعات لديهم وكأنهم يرسخون هذا المفهوم الكريه للعربي في أذهان الأجيال الجديدة.

أرفقنا صورة من نصوص المعجم بالأدلة، وعندما وجد القائمون على المؤسسة أنفسهم في مأزق أرسلوا إلينا اعتذارا أعربوا من خلاله أن هذا هو المفهوم الشائع عن العربي في الأذهان وفي أدبيات الروائيين!.

وكان الرد من جانبنا أن هذا الكلام يفتقد للدقة والموضوعية ومجرد حجج واهية، فالمعاجم لا تؤخذ من مفاهيم أذهان الناس ولكن ترصد من كتابات وأقوال واضحة، عبر مادة حية من المقالات والكتب وغيرها، وإذا تحدثنا عن الأدبيات الروائية فهكذا كانت صورة اليهودي في مقالات كثير من الأدباء ومع ذلك لم يوردوا أي صورة سيئة لليهودي.

دافعوا عن أنفسهم قائلين أن مفهوم العربي الشائن مترسخ في منطقة ما من شرق أمريكا ولذلك أوردناها في المعجم، فقلت لهم أنه من أسس التعامل مع المعاجم تحديد المكان، فإذا كانت لهجة خاصة بفئة معينة أو مكان معين نقول أن هذه اللهجة توجد في هذا المكان بالتحديد، وهو ما لم تفعله المؤسسة.

وأؤكد أن هذه الأوصاف من اختراعهم وهي حديثة وليست قديمة ؛ وتندرج ضمن حملات تشويه صورة العرب.

وطالبنا أن يتم إصدار طبعة جديدة من المعجم خالية من هذه الأوصاف الكريهة للعربي، وأن يقدموا اعتذارهم رسميا ، وهذا أمر متعارف عليه فقد ثارت الجالية اليهودية في فرنسا ضد معجم "لاروس" الذي أورد أن اليهودي بخيل أو مرابي وساندت أمريكا الجالية اليهودية في فرنسا وتم إعادة طبع المعجم من جديد والاعتذار لليهود ، علما بأنها مجرد جالية في فرنسا، ونحن العرب في كل العالم العربي لا نعرف كيف ندافع عن صورتنا ونحميها.

وبعد مساجلات طويلة اعترفت مؤسسة "ويبستر" أن معاجمها تسئ للعرب، وطلبوا منا انتظار التغيير في الطبعة القادمة الأمر الذي رفضناه لأن الطبعة الجديدة تصدر ما بين 7 – 10 سنوات لتكون هذه المفاهيم ترسخت في الأذهان.

بعض العرب في أوروبا وأمريكا طلبوا الحصول على صور من المستندات لمساندة حملة تغيير الصورة المسيئة للعربي، وخاطبوا المسئولين عن ويبستر واستجابت المؤسسة وحذفت أوصاف العربي من موقعها على الانترنت، لكن لم تفعل مع النسخة الورقية نظرا لارتفاع التكلفة.

السكوت عن الحق

محيط: ما أسباب توقف الحملة المطالبة بتغيير القاموس؟

د.وفاء: فكرنا أن نلجأ للقضاء وأرسلنا المستندات إلى اتحاد المحامين العرب لكن الأمر توقف نظرا لارتفاع التكلفة المالية لإجراءات التقاضي.

ذهبت إلى لبنان وغيرها من البلاد وشاركت في برامج إعلامية للتعريف بالقضية لكن بدون جدوى، حتى جامعة الدول العربية لم تهتم، منظمة اليونسكو الدولية أيضا لم تهتم، منظمة الإيسيسكو أصدرت بيانا هزيلا تشجب فيه وتستنكر لكن وقت التقاضي تراجع الجميع وتوقف الأمر تماما عام 2008.

وأنا أقول أن كثير من المسئولين العرب والمصريين خسروا مليارات في الأزمة الاقتصادية العالمية لأنهم لم يريدوا مساندة قضية عادلة تحفظ لهم كرامتهم فضاعت ملياراتهم. وأتذكر هنا بيت الشعر الذي يقول: ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ.



محيط: كيف نساند حملة تغيير صورة العربي في معجم "ويبستر"؟

د.وفاء: عبر إحياء الموضوع من جديد من خلال الإعلام بحيث نخاطب المسئولين ورجال الأعمال وأصحاب الأموال ليتكاتفوا لدفع خطر ووصمة سنوصم بها دائما ؛ فقاموس ويبستر الأمريكي الدولي يتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة في العالم، وهذه الموسوعة بدأت نزيهة لا تدخل بها آراء شخصية، وهذا ما أكسبها مصداقية، ومن ثم تأثيرها سيكون أكبر.


محيط: يقول نيكولاس فون هوفمان الصحفي في واشنطن بوست أنه "لم تشوه سمعة جماعة دينية او ثقافية أو قومية ويحط من قدرها بشكل منظم كما حدث للعرب"..إلى أي مدى تتفقي معه؟

د.وفاء: متفقة معه تماما وهو ما حدث للعرب في السنوات الأخيرة بشكل مقصود، لأن حرب الكلمات هذه من ضمن الحروب التي تشنها علينا إسرائيل مثل حروب الطعام المسرطن والبذور الفاسدة والشتلات المحملة بالأمراض، وهي حملات منظمة بدأت بعد التطبيع ووجدوها فرصة للنيل منا ونحن نعطيهم افرصة كاملة باستسلامنا وتخاذلنا.
بين الفصحى والعامية

تركيا أضاعت اللغة

محيط: ما رأيك في الدعاوى بإحلال العامية بدلا من العربية الفصحى؟

د.وفاء: كل اللغات لها عاميات وليست العربية فقط ولكن لا أحد ينادي بإحلال اللهجات بدلا من اللغة الأصلية فالازدواج اللغوي موجود في كل اللغات.

ولم نسمع في أي بلد المطالبة أن تكتب اللغة كما تنطق، فاللغة العربية تحمل تراثنا كله منذ 1400 عاما، ومنذ أيام الجاهلية أيضا فكيف نضحي بكل هذا؟.

إذا فعلنا سنصبح مثل تركيا عندما كتبت اللغة العربية بحروف لاتينية، فكأننا نبتر تراثنا وننسلخ منه ونبدأ من جديد، وبمرور الوقت ستندثر أمتنا وتصبح بلا تراث علمي، لأننا نقرأ في التراث ونصل القديم بالجديد ونضيف عليه.
ويكفي ان نتذكر أن السبب في نهوض أمريكا وجعلها دولة حقيقية هي اللغة الإنجليزية فأمريكا قارة هاجرت إليها كافة جنسيات العالم ما وحد بينهم هو اللغة الإنجليزية حتى أصبح هناك اختلافا بين الإنجليزية البريطانية والإنجليزية الأمريكية.


محيط: ما رأيك في قضية تعريب العلوم وهل تصلح اللغة العربية لذلك؟

د.وفاء: دعاوى أن العربية لغة لا تستطيع استيعاب ألفاظ الحضارة أو المصطلحات العلمية هو أمر غير صحيح لأن المصطلحات العلمية تترجم أولا بأول، فمع ظهور الراديو أطلقنا عليه مذياع اسم آلة، التليفزيون أطلقنا عليه "مرناة" وهم اسم غير شائع، ولا أرى مشكلة أن تظل المصطلحات بأسمائها الأجنبية ونحاول أن نأقلمها مع اللغة العربية.

عند إنشاء كليات الطب كان من المفترض أن تتم الدراسة فيها باللغة العربية، لكن الأساتذة طلبوا أن يتم إعطائهم مهلة 10 سنوات فقط ليتمكنوا من ترجمة المراجع الأجنبية والتدريس باللغة العربية، وامتدت هذه السنوات إلى الآن رغم أن هذه المدة كانت في اوائل القرن العشرين لكن هناك بعض الغيورين على لغتهم قاموا بتعريب المراجع مثل د.محمد الرخاوي الذي وضع المرجع الإنجليزي يقابله نظيره باللغة العربية حتى يتسنى للطلاب الإطلاع على الاثنين، لأن تعريب العلوم هو أساس الإبداع.

أنا لست ضد الإطلاع على اللغات الأجنبية ولكني ضد الدراسة بها، لأن أي باحث عليه أن يكون على صلة عميقة بالعالم الخارجي، فأنا مثلا بحكم دراستي متخصصة في اللغة العربية ومع ذلك أعرف اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية.

ولنتذكر عصر ازدهار الحضارة العربية، الغرب نقل عنا كثير من العلوم وترجموها إلى لغتهم وأضافوا عليها وصنعوا حضارتهم، نحن الآن متوقفون لا ننتج شيئا، ومستهلكون فقط لإنتاج الغرب، فكل الجديد نتلقاه عنهم دون أن نضيف شيئا وهذا يرجع لأن تفكيرنا لا يتم عن طريق لغتنا الأم وهي العربية.

محيط: هل تسير اللغة العربية نحو الانقراض؟

د.وفاء: لا، لكن اللغة تعيش على لسان أهلها فهي بنت المجتمع وهي تضمحل الآن لأن الناس أصبحوا يشعرون بالنقص و"عقدة الخواجة" تسيطر على أمتنا العربية ولننظر لأسماء المحلات التجارية الآن نجد كثير منها تحمل لافتاتها أسماء مكتوبة باللغة الإنجليزية، وهناك لافتات إنجليزية مكتوبة بحروف عربية وهو تشويه أكبر للغة، لأن الأجيال الجديدة لن تعرف الفرق بين "شوبنج سنتر" و"المركز تجاري" . هذه الظاهرة منتشرة أيضا في لبنان، البحرين، الكويت والسعودية .



تعليم العربية
السيدة الأولى

محيط: فزت بجائزة جامعة القاهرة التشجعيعة للعلوم الإنسانية والاجتماعية وتبرعت بنصف قيمتها كوديعة يصرف عائدها على الطلبة المتفوقين..حدّثينا عن ذلك؟

د.وفاء: فعلت ذلك لأن التخصص لدينا به صعوبة وجفاف لأنه يمتاز بالعلمية حيث دراسة اللغويات والصرف والأصوات والدلالة، في البداية كان الطلاب ينفرون منه بسبب صعوبته لدرجة أنه في وقت كان بالقسم فقط العميد ومدرس مساعد وأنا كمعيدة!، وهنا وجدت أن من واجبي أن أقرب هذه المواد للطلبة وأزيل عنهم صعوبتها.

وحين حصلت على الجائزة قررت أن أساعد الطلاب وأحفزهم للاهتمام بهذه المواد التخصصية .

محيط: كنتى أول امرأة تلقي محاضرة عامة في قاعة المؤتمرات الكبرى بمجمع اللغة العربية منذ إنشائه عام 1934..ماذا يمثل ذلك لك؟

د.وفاء: لازمني لقب اول سيدة كثيرا فقد كنت أول سيدة عضو في مجمع دمشق اللغوي الذي اختارني دون معرفة مسبقة بناء على تميزي العلمي وذلك عام 2002 فكنت السيدة الوحيدة من بين 14 دولة التي تم اختياري كعضو مراسل للمجمع.
في حين أني دخلت مجمع اللغة العربية بمصر كخبيرة ولست عضوة عام 2007، فبلادنا مع الأسف تعاني من المجاملات، والشللية والتحزبات.

أيضا كنت أول سيدة أقوم بعمل "معجم التعابير الإصطلاحية في اللغة العربية المعاصرة" الذي استغرق مني مدة 8 سنوات من العمل الشاق والمضني وتحملت تكلفته بأكملها ليخرج للنور.

محيط: ما هي الأخطار التي تهدد اللغة العربية؟

د.وفاء: أولى هذه الأخطار هو الدراسة في المدارس أو الجامعات الأجنبية دون فرض تدريس اللغة العربية والمواد التاريخية والدين. أيضا من ضمن الأخطار تقليل الدرجات في مواد اللغة العربية الدراسية ، كما يجب أن نهتم بمعلم اللغة العربية وخاصة في المراحل الأولى وهو الدور المفتقد الذي كان يقوم به المعلم في الكتّاب قديما .

ويجب أن تستخدم وسائل الإعلام لغة عربية غير مقعرة ، ولكن بسيطة وأذكر برنامج "افتح ياسمسم" كان موجه للأطفال ولغته عربية فصحى بسيطة، ونظرا لأهمية اللغة في توحيد الأمة فرضت أمريكا على الدول العربية أن يقدم البرنامج في كل دولة عربية بلهجة الدولة المحلية. ومن هنا تأتي فرقة الدول العربية وهذه هي سياسة أمريكا " فرق تسد" .

إن الأجانب حريصين أكثر منا على دراسة العربية بشكل مبالغ فيه، من أجل محاربتنا من خلال لغتنا، فاللغة العربية لم تهن إلا عند العرب فقط.

فاللغة العربية هي لغة عالمية حية من اللغات الستة المعتمدة في الأمم المتحدة، وهي لغة تواكب العصر، وليست لغة يتيمة إلا لدينا فقط.
إن اللغة هزلت على لسان العرب لأن الدونية تسيطر علينا حين نتحدث بها، فلننظر إلى المسئولين حين يتحدثون في بلد أجنبي يهجرون لغتهم العربية ويتكلمون بلغة البلد الذي يذهبون إليه وكأنهم بذلك يكسبون احتراما وشأنا رفيعا! وهو أمر مستنكر بكل تأكيد. 5 - 7 - 2009 ــ محيط