بسم الله الرحمن الرحيم
@لا تخدعك المظاهر@
الإنسان صورة وسرير، ومظهر وجوهر، والإسلام جاء مرغبا في صلاح الأمرين، فعن الظاهر أمر الإسلام بالنظافة حض عليها.
قال: في حديث حسن:{ تجملوا حتى تكونوا كأنكم شامة في عيون الناس}.
روى مسلم في صحيحه أن النبي r قال: (إن الله جميل يحب الجمال).
فجيد جدا أن يعتني المسلم بثوبه ومظهره، كأن يقلم أظافره، ويعفي لحيته، ويقص شاربه، وأن يستاك ويتطيب، ويأخذ ما زاد من الشعر في الجسم، ويغتسل ولو مرة في الأسبوع، قال عليه الصلاة والسلام: [حق على المسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما، يغسل فيه رأسه وجسمه]. رواه البخاري
وهذا على أقل تقدير، وإلا فإن كثيرا من السلف الصالح كان يغتسل يوميا، ويكتحل أيضا، وهذا يشمل الرجال والنساء، ولا عيب للرجال في ذلك، فلقد كان النبي r يفعله ويقول:{ إن خير أكحالكم الإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر}.
قال بعض الحكماء: من نظف ثوبه قل همه، ومن طاب ريحه زاد عقله، وأمر الله سبحانه بالزينة فقال: }يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد{ أي عند كل صلاة، وهذا الأمر ليس مقيدا عند الصلاة فحسب بل مطلوب متى تعين.
ونحن نعيب في هذا المقام على صنفين من الناس: الأول مفرط ، والثاني مبالغ،
أما الصنف الأول: فهم الذين يدعون الزهد، ثيابهم خلقة، ورائحتهم ليست طيبة، كأنهم خرجوا من القبور، أقول: الزهد منهم قد فر، خالفوا ما أمر الله به في كتابه العزيز.
أما الصنف الثاني: فالنساء عل وجه الخصوص، يبالغن في هذا، فتجد الواحدة منهن تقف أمام المرآة الساعات الطوال، ساعة لتسريح الشعر، وساعة للتكحل، حالهن كما قال الآجري – رحمه الله ـــ كل همه منزل بهي، ومركب هني، وخادم سري، ولباس لين، وفراش ناعم، وطعام شهي:
إنما الدنيا عنده منام ومدام فإذا ذهب هذا فعلى الدنيا السلام
ولا شك أن هذا الأمر غير محبب، لأنه خرج عن حد المعقول والمأمور به.
الظاهر ليس المقياس
ليست المظاهر هي المقياس في الحكم على الناس، فكثيرا ممن انتقص شيء من مظهرهم كالعمى أو الشلل أو النحافة في الجسم... تركوا أثرا طيبا في نفوس الناس ، وصنعوا ما لم يصنعه الأصحاء، فهذا حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما كان مصابا بالعمى، وكذلك الترمذي والأعمش ويزيد بن هارون، وكان إبراهيم النخعي أعورا، وسليمان بن مهران أعمشا، ومن المتأخرين فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله - ، والشيخ
عبد الحميد كشك – رحمه الله، والشيخ عمر عبد الرحمن- حفظه الله -، وغيرهم كثير عليهم من الله واسع الرحمة والمغفرة.
ولم يؤثر ذلك النقص المظهري فيهم بل كانوا من كبار الفقهاء والمحدثين.
وصدق القائل:
والعبقرية حرمان وتضحية وليس ينبغ إلا كل صبار
الخلاصة أن المعيار والمقياس في حكمه على الشخص، بأنه طيب أو خبيث ليس مظهره بل مخبره.
وكم من صحيح سقيم، وكم من سقيم صحيح.
قالr (( رُبّ أشعت أغبر ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لا يأبه به، لو أقسم على الله لأبره)). رواه مسلم
إذن لا تزدري الشخص لنقص في مظهره، ولا تجل آخر لحسن مظهره.
- قال العباس بن مر داس:
ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصورُ
ويعجبك الطــير فتبــــتليـــــه فيخلف ظنك الرجل الطرير
لـــــقد عظم البعير بغير لـــبٍ فــلم يستغن بالعِـظَمِ البـعير
يصرفه الصغير بكل وجــــــه ويحسبه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالــــــهراوة فـــلا غيـــر لديــــه ولا نكير
- قال رجل أنه رأى قطة صغيرة، تعدو خلف كلب كبير، مسافات بعيدة وهو يهرب منها فماذا أفاده مظهره ، هل جلب له نفعا أو دفع عنه ضرا.
لا باس بالقوم من طول ومن عظم أجسام البغال وأحلام العصافير
- وكم من إنسان غرك بكلامه، وخدعك بمظهره، كلام ومظهر كالعسل، وفي المواقف كالأسل، وكم من رجل اغتر بجمال امرأة فلما تزوجها جعلت حياته جحيماً ونكدا وهما، فماذا استفاد من جمالها؟
فمردود بهائمهم عليهم كما ردّ النكاح بلا ولي
- وأحسنت ريحانة الشاطئ حين قالت:
(إن كانت الهيئة تدل على كمال المرء وحسنه، فلا تغَر فإن القالب غالب)
بمعنى أن المرء بصفاته الغالبة لا بمظهره وصورته.
- ولله در القائل:
عجبت لمن ثوبه لامع ولكن ما القلب إلا كالفحمة
مظاهر براقة تحتها بحار من الزيف والظلمة
- وقال آخر:
لهم منظر من العين أبيض ناصع ولكن في القلب أسود أسفع
فلا تغرنك المظاهر، فأخوة يوسف ألقوه في الجب وأجمعوا على أذيته، وبعدها
} جاءوا أباهم عشاءً يبكون{
ما المعيار إذن؟
المعيار هو الباطن، فإذا صلح صلح الظاهر،وإذا فسد فسد الظاهر، {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب}. متفق عليه
وأشار النبي ـــ إلى القلب وقال: التقوى ها هنا... التقوى ها هنا .
وقال :)إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم، ولا إلا أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم( . رواه مسلم
وجاء في البخاري : أن طفلا كانت ترضعه أمه، فمرر أمير بحشمه وخدمه، وبكامل زينته، فقالت الأم: الله اجعل ابني مثله، فترك الطفل الثدي ! وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم مرت أمامها امرأة ناشرة شعرها، ورثة ثيابها وعلى حالة يرثى لها، والغلمان يقذفونها بالحجارة، فقالت الأم : اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الطفل الثدي ! وقال: اللهم اجعلني مثلها، فسألته عن ذلك فقال:
أما الأمير فقد أعطاه الله من النعم الشيء الكثير، ولكنه لم يشكر الله عليها فسألت الله ألا أكون مثله، وأما المرأة فإن الغلمان يرمونها بالحجارة وهي مؤمنة، وتقول : حسبنا الله ونعم الوكيل.
ويروي أن النخار العذري، دخل على معاوية في عباءة خلقة، فجعل ينظر إلى العباءة، ولا يلتفت إليه، فقال وأبدع : يا أمير المؤمنين، ليست العباءة تكلمك، وإنما يكلمك من فيها؛ لسان حياله:
فإن تك الأيام أزرت ببزتي فكم من حسام في غلاف مكسرا
فقال معاوية: ما رأيت رجلا أحقر أولا ، ولا أجل آخرا منه.
ولما صعد عبد الله بن مسعود إلى الشجرة، لم يفرق القوم بين ساقه وأعواد الشجرة، لدقتها، فضحكوا، فقال عليه الصلاة والسلام: (أتعجبوا من ساق عبد الله، فوالله إنها لتزن عند الله مثل جبل أحد) أو كما قال.
ونذكرك أخيرا بقول الشاعر:
وما كل من جر العباءة سيدا يخشى ولا كل المظاهر تبهر
وقول الآخر:
لا تركنن إلى ذي منظر حسن فرب رائعة قد ساء مظهرها
ما كل أصفر دينار لصفرته صفر العقارب أرادها وأنكرها
