محب محمد مخت
08-16-2008, 12:43 PM
ستيفن هوكنغ.. العالم والإنسان
أحد ألمع فيزيائيي القرن العشرين ومن أبرز علماء الكونيات الذين تصدوا لأصعب الأسئلة على مرّ التاريخ: خلق الكون ومصيره.
إنسان يصفه البعض بأنه "معاق" لأنه عاجز تماماً عن الحركة وعن الكلام وإن كان هذا الوصف فيه كثير من الإجحاف وقلة التفهم لواحد من "ذوي الاحتياجات الخاصة" كحالة ستيفن هوكنغ والذي يقول عن نفسه:
"لا أشعر بأنني شخص معاق، وإنما مجرد شخص مصاب بتعطل العصب الحركي، وذلك كما لو كنت مصاباً بعمى الألوان. أظن أن من الصعب وصف حياتي بأنها عادية، لكنني أشعر أنها عادية روحياً".
ولد هوكنج في 8/1/1942 أثناء الحرب العالمية الثانية في أكسفورد–إنكلترا وقد كانت هذه المدينة في منأى عن القصف الألماني. كان والده مختص في البحث في طب الأمراض الاستوائية ومنه أخذه اهتمامه فيما بعد بالبحث العلمي لكنه وجد الطب والبيولوجيا علمين وصفيين وغير دقيقين وهو كان يبحث عن شيء أكثر جوهرية وجده فيما بعد في الفيزياء. والدته أيضاً درست في أكسفورد ذات الجامعة التي درس فيها والده والتي سيدرس فيها فيما بعد. لديه شقيقتين: ماري وتصغره بسنة ونصف. وفيليبا وتصغره بخمس سنوات . وشقيق واحد إدوارد ويصغره أربعة عشر عاماً.
لم يكن هوكنغ في المدرسة أفضل من المتوسط أبداً، وعِلمه لم يكن مرتباً حتى أن خط يده كان مثار يأس أساتذته وهو الذي يقول عن نفسه: "كنتُ أكثر مهارة في أداء الامتحانات والاختبارات من الأداء أثناء الدرس". رغم ذلك فإن زملائه أطلقوا عليه اسم "آينشتاين" لذكائه وتميزه في حل وموهبته الاستثنائية في الفيزياء والرياضيات والتي ظهرت في سن مبكرة.
درس الرياضيات والفيزياء في جامعة أكسفورد ليحصل منها عام 1962 على درجة البكالوريوس في الفيزياء. ولم يعمل طوال دراسته أكثر من ساعة واحدة كل يوم حيث لم يكن يحضر المحاضرات بل يكتفي بحضور الدروس العملية مرة أو مرتين في الأسبوعين. لكنه كان يبدي موهبة فذة الرياضيات حيث كان قادراً على حل مسائل رياضية في بضع ساعات لم يكن زملاؤه الطلاب قادرين على حلها في أسابيع!!
أصيب عند تخرجه من الجامعة سنة 1963 بمرض العصب الحركي (لو-غريغ) الذي يؤدي إلى ضمور متسارع في الأعصاب والعضلات وأخبره الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سنتين!! وكان تأثير هذا الحكم عليه في البداية الحزن وفقدان الأمل وبدا له أن حالته تتدهور سريعاً حيث لم يبد أن ثمة أي مغزى من فعل أي شيء حيال الدكتوراه التي كان يفكر فيها لأنه لم يكن يعلم أنه سيعيش من العمر ما يكفي لإكمالها. لكن تدهور حالته أخذ بالتباطؤ وبدأ بتحقيق تقدم في عمله وخاصة في البرهان على أنه يجب أن تكون هناك بداية للكون في انفجار أعظم.
وكان ملهمه الآخر -عندما كان يعاني من حمأة القنوط بعد إصابته بمرضه- فتاة تدعى جين وايلد. فحبه ومن ثم خطبته لها حثه على العمل بجد لإنهاء الدكتوراه كي يجد وظيفة ويغدو قادراً على الزواج. تزوجا سنة 1966 وأنجبا ثلاثة أطفال (روبرت 1967، لوسي 1970، تيموثي 1979) بعد أن تأكدا قبلاً أن مرض العصب الحركي ليس وراثياً.
حصل قبيل زواجه -أي في العام 1966- على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من قسم الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية في جامعة كمبريدج. وفي العام 1974 أصبح عضواً في الجمعية الملكية والتي هي إحدى أقدم المنظمات العلمية على وجه البسيطة. ثم تسلّم في العام 1979 كرسي الرياضيات اللوكاسي في جامعة كمبردج، وهو منصب كان يحتله العالم العظيم إسحق نيوتن وشغله أيضاً العالم بول ديراك، وهذه العالِـمين هما من أكابر العلماء الذين اهتموا باللامتناهي في الكبر واللامتناهي في الصغر وكان هوكنغ –كما يقول كارل سيغان-: "خليفتهما بكل جدارة".
أصيب هوكنغ صيف 1985 بمرض ذات الرئة فأجريت له عملية استئصال رغامى كانت نتيجتها أن فقد قدرته على الكلام نهائياً. اضطر بعدها (بسبب حاجته إلى الرعاية المتواصلة على مدى الأربع والعشرين ساعة يومياً) إلى الانفصال عن زوجته والعيش في منزل آخر. وساعده في استعادة "صوته" خبير أميركي يدعى والت وولتوس حيث صمم برنامج كومبيوتر يساعده على اختيار الكلمات التي يريدها ثم يرسلها إلى مركّب كلامي أو يحفظها. وركب هذا الجهاز على كرسيه الدرّاج.
خلال الفترة ما بين 1965-1970 قام هوكنغ بالتعاون مع روجر بنروز بتطوير تقنيات رياضياتية لإثبات أنه إن كان نظرية النسبية العامة صحيحة فيجب أن تكون هناك حالة في الماضي كان فيها الكون في حالة كثافة لامتناهية ودعت هذه الحالة: "متفرد الانفجار الأعظم". وعمل بين عامي 1970-1974 في دراسة الثقوب السوداء بشكل رئيسي ليحقق في نهايتها اكتشافه الأكثر إدهاشاً ألا وهو أن الثقب الأسود ليس أسوداً تماماً حيث أثبت أن الثقب الأسود يصدر إشعاعاً كما لو كان جسماً حاراً، ويدعى هذا الإشعاع اليوم: "إشعاع هوكنغ".
ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم يعمل هوكنغ على دمج النسبية العامة مع الميكانيك الكمومي. لكن شغله الشاغل في الفترة الماضية كانت تقديم آخر ما توصل له العلم بخصوص خلق الكون وتطور إلى الجمهور العريض، فقرر بعد سلسلة المحاضرات التي ألقاها في هارفارد 1982 تأليف كتاب شعبي عن الزمان والمكان يستهدف الجمهور العريض. وكان كتاب "موجز تاريخ الزمن"(2) في العام 1988 من أكثر الكتب العلمية شعبية على الإطلاق ودخل في سجل غينيس للأرقام القياسية بسبب طول الفترة التي بقي فيها على لائحة الكتب الأكثر مبيعاً. ويقول كارس ساغان في تقديمه للكتاب:
"إنه أول كتاب مليء بالهدايا من كل نوع يقدمها هوكنغ للجمهور العادي من غير المختصين، إنه ينبئ عن العمل الفكري الذي بذله مؤلفه، وفيه من التشويق بمقدار ما فيه من التنويع. إن هذا الكتاب حافل بالرؤى النفاذة فيما يخص حدود الفيزياء وعلم الفلك وعلم الكون و.. الشجاعة".
يعرض هوكنغ في هذا الكتاب بلغة علمية بسيطة مسيرة تطور فهم الإنسان للكون وأحدث ما اكتشفته علوم الكونيات كما يعرض للنظريتين الرئيسيتين في القرن العشرين: النسبية العامة والميكانيك الكمومي والمحاولات الرامية لتوحيد الفيزياء عبر دمجهمها بنظرية واحدة.
كما قدم كتاباً ثانياً في العام 1993 هو "الثقوب السوداء والأكوان الطفلة ومواضيع أخرى" (2) وهو كتاب يتضمن مجموعة من المواضيع المتفرقة كتبها هوكنغ على مدى ستة عشر عاماً تعكس حالته المعرفية في أوقاتها. وقدم في العام 2001 كتاب "الكون في قشرة جوز".
كتاب آخر مهم في تبيان أهمية ما فعله هوكنغ في الكون وأكثر تبسيطاً هو "كون ستيفن هوكنغ"(3) والذي ألفه العالم ديفيد فيلكن الذي كان زميل هوكنغ في قسم الفيزياء في كامبريدج، حيث قرر فيلكن تأليف هذا الكتاب بعد أن أنجز ست حلقات مع هوكنغ في محطة البي بي سي عن الكون ونظرية كل شيء، ولاقت هذه الحلقات رواجاً كبيراً لكن استطلاعات الرأي بيّنت أن هناك أشياءً لم يفهمها الناس في كتاب هوكنغ وفي الحلقات. ويذكر فيلكن في مقدمة كتابه حادثة تدل على تواضع هوكنغ، حيث يقول:
".. أرسلت له بعض الملاحظات ليبدي أفكاره وتصويباته حولها، وكان منها ما كتبت:
(ستيفن هوكينج، المعترف به كأحد رواد المرجعيّين في الثقوب السوداء). إلا أن الأوراق المنسوخة قد أعيدت إلي مدوناً بهامشها ملحوظات واضحة بخط سو مازي، ممثلة لأمانة ستيفن العلمية، حيث وضعت علامة بحذف السطر الذي كتبته وأضيف بدلاً منه: (ستيفن هوكينج، الذي شارك في دراسة الثقوب السوداء)".
هذا هو ستيفن هوكنغ، والذي بعد أن عاش أكثر من أربعين سنة مما تم التنبؤ له، وأصبح له أحفاد من أبناء أخبر أنه لن تتح له فرصة إنجابهم، وبعد أن أصبح من أبرز علماء الكونيات والعالِم الأشهر في القرن العشرين بعد آينشتاين، وبعد أن ألف كتاباً من أكثر الكتب العلمية شعبية في العالم، وبعد أن قلبَ بإسهامه في نظرية الانفجار الأعظم الاعتقاد السائد حول الزمان والمكان والخلق رأساً على عقب، بعد كل هذا وإذ يبدي سروره بما أنجزه لكنه يبدي رغبة في فعل الكثير قبل حياته الباقية ولا يتحدث عن حياته الخاصة ولكن يحصر رغبته في الناحية العلمية حيث يتمنى أن يتوصل لمعرفة كيفية توحيد الثقالة مع الميكانيك الكمومي وقوى الطبيعة الأخرى وعلى وجه الخصوص يريد أن يعرف ما يحصل للثقب الأسود عندما يتبخر.
نختتم حديثنا عن ستيفن هوكنغ بكلماته عن نفسه والتي لعلها تعبر خير تعبير عن مسيرته وكيفية تعاطيه مع حالته الخاصة مختصرة رؤيته في الحياة والعمل. حيث يقول هوكنغ:
"لا أعتبر نفسي منقطعاً عن الحياة العادية، ولا أظن أن الناس من حولي سيقولون أنني كنت منقطعاً عنها. إنني لا أشعر بأنني شخص معاق، وإنما مجرد شخص مصاب بتعطل العصب الحركي، وذلك كما لو كنت مصاباً بعمى الألوان. أظن أن من الصعب وصف حياتي بأنها عادية، لكنني أشعر أنها عادية روحياً. بالتأكيد أنا أسعد الآن. فقد كنت قبل إصابتي بمرض العصب الحركي ضجراً من الحياة، لكن فكرة الموت المبكر جعلتني أعي أن الحياة تستحق أن تعاش فعلاً. فثمة الكثير الكثير مما يمكن للمرء أن يفعله فيها. إن لدي شعوراً بأنني أنجزتُ شيئاً متواضعاً لكنه إسهام ذو مغزى في المعرفة الإنسانية. أنا محظوظ جداً، طبعاً، لكن كل شخص يستطيع تحقيق شيء إذا حاول ذلك بجدية كافية".
المصدر
http://www.mshtawy.com/vb/forum44/6753/
أحد ألمع فيزيائيي القرن العشرين ومن أبرز علماء الكونيات الذين تصدوا لأصعب الأسئلة على مرّ التاريخ: خلق الكون ومصيره.
إنسان يصفه البعض بأنه "معاق" لأنه عاجز تماماً عن الحركة وعن الكلام وإن كان هذا الوصف فيه كثير من الإجحاف وقلة التفهم لواحد من "ذوي الاحتياجات الخاصة" كحالة ستيفن هوكنغ والذي يقول عن نفسه:
"لا أشعر بأنني شخص معاق، وإنما مجرد شخص مصاب بتعطل العصب الحركي، وذلك كما لو كنت مصاباً بعمى الألوان. أظن أن من الصعب وصف حياتي بأنها عادية، لكنني أشعر أنها عادية روحياً".
ولد هوكنج في 8/1/1942 أثناء الحرب العالمية الثانية في أكسفورد–إنكلترا وقد كانت هذه المدينة في منأى عن القصف الألماني. كان والده مختص في البحث في طب الأمراض الاستوائية ومنه أخذه اهتمامه فيما بعد بالبحث العلمي لكنه وجد الطب والبيولوجيا علمين وصفيين وغير دقيقين وهو كان يبحث عن شيء أكثر جوهرية وجده فيما بعد في الفيزياء. والدته أيضاً درست في أكسفورد ذات الجامعة التي درس فيها والده والتي سيدرس فيها فيما بعد. لديه شقيقتين: ماري وتصغره بسنة ونصف. وفيليبا وتصغره بخمس سنوات . وشقيق واحد إدوارد ويصغره أربعة عشر عاماً.
لم يكن هوكنغ في المدرسة أفضل من المتوسط أبداً، وعِلمه لم يكن مرتباً حتى أن خط يده كان مثار يأس أساتذته وهو الذي يقول عن نفسه: "كنتُ أكثر مهارة في أداء الامتحانات والاختبارات من الأداء أثناء الدرس". رغم ذلك فإن زملائه أطلقوا عليه اسم "آينشتاين" لذكائه وتميزه في حل وموهبته الاستثنائية في الفيزياء والرياضيات والتي ظهرت في سن مبكرة.
درس الرياضيات والفيزياء في جامعة أكسفورد ليحصل منها عام 1962 على درجة البكالوريوس في الفيزياء. ولم يعمل طوال دراسته أكثر من ساعة واحدة كل يوم حيث لم يكن يحضر المحاضرات بل يكتفي بحضور الدروس العملية مرة أو مرتين في الأسبوعين. لكنه كان يبدي موهبة فذة الرياضيات حيث كان قادراً على حل مسائل رياضية في بضع ساعات لم يكن زملاؤه الطلاب قادرين على حلها في أسابيع!!
أصيب عند تخرجه من الجامعة سنة 1963 بمرض العصب الحركي (لو-غريغ) الذي يؤدي إلى ضمور متسارع في الأعصاب والعضلات وأخبره الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سنتين!! وكان تأثير هذا الحكم عليه في البداية الحزن وفقدان الأمل وبدا له أن حالته تتدهور سريعاً حيث لم يبد أن ثمة أي مغزى من فعل أي شيء حيال الدكتوراه التي كان يفكر فيها لأنه لم يكن يعلم أنه سيعيش من العمر ما يكفي لإكمالها. لكن تدهور حالته أخذ بالتباطؤ وبدأ بتحقيق تقدم في عمله وخاصة في البرهان على أنه يجب أن تكون هناك بداية للكون في انفجار أعظم.
وكان ملهمه الآخر -عندما كان يعاني من حمأة القنوط بعد إصابته بمرضه- فتاة تدعى جين وايلد. فحبه ومن ثم خطبته لها حثه على العمل بجد لإنهاء الدكتوراه كي يجد وظيفة ويغدو قادراً على الزواج. تزوجا سنة 1966 وأنجبا ثلاثة أطفال (روبرت 1967، لوسي 1970، تيموثي 1979) بعد أن تأكدا قبلاً أن مرض العصب الحركي ليس وراثياً.
حصل قبيل زواجه -أي في العام 1966- على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من قسم الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية في جامعة كمبريدج. وفي العام 1974 أصبح عضواً في الجمعية الملكية والتي هي إحدى أقدم المنظمات العلمية على وجه البسيطة. ثم تسلّم في العام 1979 كرسي الرياضيات اللوكاسي في جامعة كمبردج، وهو منصب كان يحتله العالم العظيم إسحق نيوتن وشغله أيضاً العالم بول ديراك، وهذه العالِـمين هما من أكابر العلماء الذين اهتموا باللامتناهي في الكبر واللامتناهي في الصغر وكان هوكنغ –كما يقول كارل سيغان-: "خليفتهما بكل جدارة".
أصيب هوكنغ صيف 1985 بمرض ذات الرئة فأجريت له عملية استئصال رغامى كانت نتيجتها أن فقد قدرته على الكلام نهائياً. اضطر بعدها (بسبب حاجته إلى الرعاية المتواصلة على مدى الأربع والعشرين ساعة يومياً) إلى الانفصال عن زوجته والعيش في منزل آخر. وساعده في استعادة "صوته" خبير أميركي يدعى والت وولتوس حيث صمم برنامج كومبيوتر يساعده على اختيار الكلمات التي يريدها ثم يرسلها إلى مركّب كلامي أو يحفظها. وركب هذا الجهاز على كرسيه الدرّاج.
خلال الفترة ما بين 1965-1970 قام هوكنغ بالتعاون مع روجر بنروز بتطوير تقنيات رياضياتية لإثبات أنه إن كان نظرية النسبية العامة صحيحة فيجب أن تكون هناك حالة في الماضي كان فيها الكون في حالة كثافة لامتناهية ودعت هذه الحالة: "متفرد الانفجار الأعظم". وعمل بين عامي 1970-1974 في دراسة الثقوب السوداء بشكل رئيسي ليحقق في نهايتها اكتشافه الأكثر إدهاشاً ألا وهو أن الثقب الأسود ليس أسوداً تماماً حيث أثبت أن الثقب الأسود يصدر إشعاعاً كما لو كان جسماً حاراً، ويدعى هذا الإشعاع اليوم: "إشعاع هوكنغ".
ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم يعمل هوكنغ على دمج النسبية العامة مع الميكانيك الكمومي. لكن شغله الشاغل في الفترة الماضية كانت تقديم آخر ما توصل له العلم بخصوص خلق الكون وتطور إلى الجمهور العريض، فقرر بعد سلسلة المحاضرات التي ألقاها في هارفارد 1982 تأليف كتاب شعبي عن الزمان والمكان يستهدف الجمهور العريض. وكان كتاب "موجز تاريخ الزمن"(2) في العام 1988 من أكثر الكتب العلمية شعبية على الإطلاق ودخل في سجل غينيس للأرقام القياسية بسبب طول الفترة التي بقي فيها على لائحة الكتب الأكثر مبيعاً. ويقول كارس ساغان في تقديمه للكتاب:
"إنه أول كتاب مليء بالهدايا من كل نوع يقدمها هوكنغ للجمهور العادي من غير المختصين، إنه ينبئ عن العمل الفكري الذي بذله مؤلفه، وفيه من التشويق بمقدار ما فيه من التنويع. إن هذا الكتاب حافل بالرؤى النفاذة فيما يخص حدود الفيزياء وعلم الفلك وعلم الكون و.. الشجاعة".
يعرض هوكنغ في هذا الكتاب بلغة علمية بسيطة مسيرة تطور فهم الإنسان للكون وأحدث ما اكتشفته علوم الكونيات كما يعرض للنظريتين الرئيسيتين في القرن العشرين: النسبية العامة والميكانيك الكمومي والمحاولات الرامية لتوحيد الفيزياء عبر دمجهمها بنظرية واحدة.
كما قدم كتاباً ثانياً في العام 1993 هو "الثقوب السوداء والأكوان الطفلة ومواضيع أخرى" (2) وهو كتاب يتضمن مجموعة من المواضيع المتفرقة كتبها هوكنغ على مدى ستة عشر عاماً تعكس حالته المعرفية في أوقاتها. وقدم في العام 2001 كتاب "الكون في قشرة جوز".
كتاب آخر مهم في تبيان أهمية ما فعله هوكنغ في الكون وأكثر تبسيطاً هو "كون ستيفن هوكنغ"(3) والذي ألفه العالم ديفيد فيلكن الذي كان زميل هوكنغ في قسم الفيزياء في كامبريدج، حيث قرر فيلكن تأليف هذا الكتاب بعد أن أنجز ست حلقات مع هوكنغ في محطة البي بي سي عن الكون ونظرية كل شيء، ولاقت هذه الحلقات رواجاً كبيراً لكن استطلاعات الرأي بيّنت أن هناك أشياءً لم يفهمها الناس في كتاب هوكنغ وفي الحلقات. ويذكر فيلكن في مقدمة كتابه حادثة تدل على تواضع هوكنغ، حيث يقول:
".. أرسلت له بعض الملاحظات ليبدي أفكاره وتصويباته حولها، وكان منها ما كتبت:
(ستيفن هوكينج، المعترف به كأحد رواد المرجعيّين في الثقوب السوداء). إلا أن الأوراق المنسوخة قد أعيدت إلي مدوناً بهامشها ملحوظات واضحة بخط سو مازي، ممثلة لأمانة ستيفن العلمية، حيث وضعت علامة بحذف السطر الذي كتبته وأضيف بدلاً منه: (ستيفن هوكينج، الذي شارك في دراسة الثقوب السوداء)".
هذا هو ستيفن هوكنغ، والذي بعد أن عاش أكثر من أربعين سنة مما تم التنبؤ له، وأصبح له أحفاد من أبناء أخبر أنه لن تتح له فرصة إنجابهم، وبعد أن أصبح من أبرز علماء الكونيات والعالِم الأشهر في القرن العشرين بعد آينشتاين، وبعد أن ألف كتاباً من أكثر الكتب العلمية شعبية في العالم، وبعد أن قلبَ بإسهامه في نظرية الانفجار الأعظم الاعتقاد السائد حول الزمان والمكان والخلق رأساً على عقب، بعد كل هذا وإذ يبدي سروره بما أنجزه لكنه يبدي رغبة في فعل الكثير قبل حياته الباقية ولا يتحدث عن حياته الخاصة ولكن يحصر رغبته في الناحية العلمية حيث يتمنى أن يتوصل لمعرفة كيفية توحيد الثقالة مع الميكانيك الكمومي وقوى الطبيعة الأخرى وعلى وجه الخصوص يريد أن يعرف ما يحصل للثقب الأسود عندما يتبخر.
نختتم حديثنا عن ستيفن هوكنغ بكلماته عن نفسه والتي لعلها تعبر خير تعبير عن مسيرته وكيفية تعاطيه مع حالته الخاصة مختصرة رؤيته في الحياة والعمل. حيث يقول هوكنغ:
"لا أعتبر نفسي منقطعاً عن الحياة العادية، ولا أظن أن الناس من حولي سيقولون أنني كنت منقطعاً عنها. إنني لا أشعر بأنني شخص معاق، وإنما مجرد شخص مصاب بتعطل العصب الحركي، وذلك كما لو كنت مصاباً بعمى الألوان. أظن أن من الصعب وصف حياتي بأنها عادية، لكنني أشعر أنها عادية روحياً. بالتأكيد أنا أسعد الآن. فقد كنت قبل إصابتي بمرض العصب الحركي ضجراً من الحياة، لكن فكرة الموت المبكر جعلتني أعي أن الحياة تستحق أن تعاش فعلاً. فثمة الكثير الكثير مما يمكن للمرء أن يفعله فيها. إن لدي شعوراً بأنني أنجزتُ شيئاً متواضعاً لكنه إسهام ذو مغزى في المعرفة الإنسانية. أنا محظوظ جداً، طبعاً، لكن كل شخص يستطيع تحقيق شيء إذا حاول ذلك بجدية كافية".
المصدر
http://www.mshtawy.com/vb/forum44/6753/