Classic
03-05-2008, 01:10 PM
بعد 7 سنوات على تجربة إبطاء سرعة الضوء ووقفه ... العلم يمزج العدم مع انعدام اليقين ويقذف الإنترنت إلى العصر الحجري
أحمد مغربي الحياة - 05/03/08//
بدا علم الفيزياء قريباً من المزاج القاسي الذي تولّده يومياً الأزمات المتزاحمة في السياسة، في احتفائه أخيراً بتوصّل فريقين علميين من كندا واليابان، إلى الامساك بالفراغ. وعلى عكس القتامة التي تطبع التفكير في مستقبل مناخ الأرض، المضطرب تحت وطأة الاحتباس الحراري، رأى علماء الفيزياء أن مزيجاً من ذلك الفراغ مع انعدام اليقين يؤدي الى القفز بالتطور العلمي الراهن في عالم المعلوماتية والاتصالات، ليصل به الى آفاق هائلة الرحابة. من أين أتى هذا التفاؤل بالفراغ، وما الذي يعنيه للعلم فعلياً؟
ربما الأجدر أن نبدأ بمحاولة تعريف المقصود بالفراغ علمياً. إنه ليس الخلاء كذلك الذي يحدث مثلاً في الأنابيب المفرغة من الهواء، بل هو انعدام وجود أي شيء إطلاقاً. لعل الكلمة الأكثر وصفاً له هي «العدم»، باعتبار أنه حال لا توجد فيها مادة ولا حقل كهربائي ولا قوة مغناطيسية ولا غيرها. إنه اللاشيء، بحسب التعبير الذي استخدمه الموقع الإلكتروني «الجمعية الأميركية لتقدّم العلم»، والذي نشر نبأ توصل فريقين قادهما عالما الفيزياء الكسندر لفوفسكي، من جامعة «كالغاري» في كندا، وميكيو كوزيما، من «معهد طوكيو للتكنولوجيا» إلى القبض على اللاشيء وتخزينه والتحكّم به! واستطاع لفوفسكي انتاج حال من العدم، استمرت لثلاثة كسور من الألف من الثانية؛ وكذلك تمكّن ميكيو من إعادة إنتاج تلك الحال عينها وضغطها وتخزينها ثم إعادة إطلاقها.
وأعلن الموقع ذاته أن هذا الإنجاز المزدوج جاء بعد 7 سنوات من الاشتغال على إنجاز علمي أميركي، تمثّل في إبطاء الأشعة الضوئية إلى حدّ يقرب من توقفها، ثم إطلاق خيوط الضياء مُجدداً. وفي التفاصيل، أن الضوء يشبه المسبحة، وتتألف «حبوبه» من شحنات صغيرة ومستقلة من الطاقة، وكذلك فهو عبارة عن موجات أيضاً. باختصار، يُشبه الضوء حبالاً مسبحية الشكل تملؤها حبوب من شحنات الطاقة، والتي تنطلق في حال تموّج مستمر. إذا أردنا التحكّم بـ «حبل المسبحة» الضوئي، يجب أن نُمسك بحبوبه، وعندها يمكننا دفعها وزيادة سرعتها او إبطاؤها. وللإمساك بالحبوب، لا بد من تحديد مكانها أولاً، ولأن الضوء متناهي الصغر، فإن تحديد المكان لا يزيد على تحديد نقطة بدقة متناهية في الفضاء.
هنا تبرز العقدة: إذ يرى علم الفيزياء أن تحديد أي نقطة مستحيل تماماً، وهو المبدأ المعروف باسم «اللاتيقّن». يمكن التوصل إلى حساب احتمالات تواجدها. يمكن حصر الاحتمالات الى أدنى حدّ ممكن: احتمالين تترجح نقطة الضوء بينهما مثلاً. وماذا بين الاحتمالين؟ لا شيء سوى العدم! وهكذا، استخدم الفريقان سحابة من ذرات غاز تشبه كرات كبيرة، ثم «ضربوها» بنضبه إلكترونية تنطلق منها أشعة خيط من الليزر، وهو ضوء له موجة مُحددة الأبعاد؛ فكأنهم «طبعوا» صورة عن خيط الليزر على كرات الغاز. ويمكن تلك الكُرات أن تؤثر على مسار خيط الضوء، بحيث يؤدي الضغط عليها الى إبطاء الأشعة التي تمر بها. ثم أُثير سؤال: ماذا لو ضربت كرات الغاز بالنبضة الإلكترونية من دون إطلاق الضوء؟ ألا يعني ذلك أن ينطبع المسار ويرتسم على الكرات، من دون أن يكون...أي شيء إطلاقاً! لا شيء سوى مسار العدم الذي يترجح بين احتمالين من اللاتيقن، وهذا ما عمل عليه لفوفسكي وكوزيما.
وواضح أن هذا الإنجاز يفتح باباً ظل موصداً لفترة طويلة، وهو التحكّم بسرعة ضوء الليزر. ويكفي القول إن تلك الأشعة تلعب دوراً محورياً في نقل المعلومات داخل الكومبيوتر وعبر الألياف الضوئية للإنترنت والشبكات الرقمية، وكذلك في عملية تخزين الملفات الإلكترونية. ويقود الإنجاز الكندي - الياباني الى تحكّم يعزّ نظيره بنقل المعلومات والإشارات الإلكترونية، وكذلك تخزينها، ما يكفل إحداث قفزة نوعية فيها. بمعنى صنع أجهزة كومبيوتر ذات قدرات تفوق أقوى الحواسيب المستخدمة راهناً بآلاف المرات، وكذلك ابتكار شبكات للتواصل الرقمي تتمتع بسرعة فائقة، بحيث تبدو أسرع الشبكات المستعملة الآن شديدة البطء، فكأنها من العصر الحجري!
أحمد مغربي الحياة - 05/03/08//
بدا علم الفيزياء قريباً من المزاج القاسي الذي تولّده يومياً الأزمات المتزاحمة في السياسة، في احتفائه أخيراً بتوصّل فريقين علميين من كندا واليابان، إلى الامساك بالفراغ. وعلى عكس القتامة التي تطبع التفكير في مستقبل مناخ الأرض، المضطرب تحت وطأة الاحتباس الحراري، رأى علماء الفيزياء أن مزيجاً من ذلك الفراغ مع انعدام اليقين يؤدي الى القفز بالتطور العلمي الراهن في عالم المعلوماتية والاتصالات، ليصل به الى آفاق هائلة الرحابة. من أين أتى هذا التفاؤل بالفراغ، وما الذي يعنيه للعلم فعلياً؟
ربما الأجدر أن نبدأ بمحاولة تعريف المقصود بالفراغ علمياً. إنه ليس الخلاء كذلك الذي يحدث مثلاً في الأنابيب المفرغة من الهواء، بل هو انعدام وجود أي شيء إطلاقاً. لعل الكلمة الأكثر وصفاً له هي «العدم»، باعتبار أنه حال لا توجد فيها مادة ولا حقل كهربائي ولا قوة مغناطيسية ولا غيرها. إنه اللاشيء، بحسب التعبير الذي استخدمه الموقع الإلكتروني «الجمعية الأميركية لتقدّم العلم»، والذي نشر نبأ توصل فريقين قادهما عالما الفيزياء الكسندر لفوفسكي، من جامعة «كالغاري» في كندا، وميكيو كوزيما، من «معهد طوكيو للتكنولوجيا» إلى القبض على اللاشيء وتخزينه والتحكّم به! واستطاع لفوفسكي انتاج حال من العدم، استمرت لثلاثة كسور من الألف من الثانية؛ وكذلك تمكّن ميكيو من إعادة إنتاج تلك الحال عينها وضغطها وتخزينها ثم إعادة إطلاقها.
وأعلن الموقع ذاته أن هذا الإنجاز المزدوج جاء بعد 7 سنوات من الاشتغال على إنجاز علمي أميركي، تمثّل في إبطاء الأشعة الضوئية إلى حدّ يقرب من توقفها، ثم إطلاق خيوط الضياء مُجدداً. وفي التفاصيل، أن الضوء يشبه المسبحة، وتتألف «حبوبه» من شحنات صغيرة ومستقلة من الطاقة، وكذلك فهو عبارة عن موجات أيضاً. باختصار، يُشبه الضوء حبالاً مسبحية الشكل تملؤها حبوب من شحنات الطاقة، والتي تنطلق في حال تموّج مستمر. إذا أردنا التحكّم بـ «حبل المسبحة» الضوئي، يجب أن نُمسك بحبوبه، وعندها يمكننا دفعها وزيادة سرعتها او إبطاؤها. وللإمساك بالحبوب، لا بد من تحديد مكانها أولاً، ولأن الضوء متناهي الصغر، فإن تحديد المكان لا يزيد على تحديد نقطة بدقة متناهية في الفضاء.
هنا تبرز العقدة: إذ يرى علم الفيزياء أن تحديد أي نقطة مستحيل تماماً، وهو المبدأ المعروف باسم «اللاتيقّن». يمكن التوصل إلى حساب احتمالات تواجدها. يمكن حصر الاحتمالات الى أدنى حدّ ممكن: احتمالين تترجح نقطة الضوء بينهما مثلاً. وماذا بين الاحتمالين؟ لا شيء سوى العدم! وهكذا، استخدم الفريقان سحابة من ذرات غاز تشبه كرات كبيرة، ثم «ضربوها» بنضبه إلكترونية تنطلق منها أشعة خيط من الليزر، وهو ضوء له موجة مُحددة الأبعاد؛ فكأنهم «طبعوا» صورة عن خيط الليزر على كرات الغاز. ويمكن تلك الكُرات أن تؤثر على مسار خيط الضوء، بحيث يؤدي الضغط عليها الى إبطاء الأشعة التي تمر بها. ثم أُثير سؤال: ماذا لو ضربت كرات الغاز بالنبضة الإلكترونية من دون إطلاق الضوء؟ ألا يعني ذلك أن ينطبع المسار ويرتسم على الكرات، من دون أن يكون...أي شيء إطلاقاً! لا شيء سوى مسار العدم الذي يترجح بين احتمالين من اللاتيقن، وهذا ما عمل عليه لفوفسكي وكوزيما.
وواضح أن هذا الإنجاز يفتح باباً ظل موصداً لفترة طويلة، وهو التحكّم بسرعة ضوء الليزر. ويكفي القول إن تلك الأشعة تلعب دوراً محورياً في نقل المعلومات داخل الكومبيوتر وعبر الألياف الضوئية للإنترنت والشبكات الرقمية، وكذلك في عملية تخزين الملفات الإلكترونية. ويقود الإنجاز الكندي - الياباني الى تحكّم يعزّ نظيره بنقل المعلومات والإشارات الإلكترونية، وكذلك تخزينها، ما يكفل إحداث قفزة نوعية فيها. بمعنى صنع أجهزة كومبيوتر ذات قدرات تفوق أقوى الحواسيب المستخدمة راهناً بآلاف المرات، وكذلك ابتكار شبكات للتواصل الرقمي تتمتع بسرعة فائقة، بحيث تبدو أسرع الشبكات المستعملة الآن شديدة البطء، فكأنها من العصر الحجري!