المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثلاثة أيام في رحاب أحد معامل حملة جائزة نوبل‏



ابــو الوليد
02-10-2008, 11:48 PM
ثلاثة أيام في رحاب أحد معامل حملة جائزة نوبل‏(1)‏

*لقاء مع الأب الروحي للنانو حاسب

*تجارب مثيرة لبناء حاسبات تتكون من بضع ذرات


في منطقة غابات هادئة رائعة الجمال فوق المرتفعات المطلة علي مدينة زيوريخ السويسرية جمعت آي بي إم‏350‏ من خيرة عقولها علي الإطلاق داخل مبني أبيض مائل قليلا للون الرمادي أنيق وبسيط وعملي التصميم وتغمره تجهيزات فائقة التقدم‏,‏ ربما لم يرها كثير ممن أفنوا عمرهم في هذه الصناعة فجعلته واحدا من أهم مراكز الأبحاث وعلوم المستقبل في مجال الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات علي مستوي الشركة والعالم‏,‏

والأسبوع قبل الماضي أتيحت لي الفرصة لقضاء ثلاثة أيام داخل هذا المحراب العلمي المتميز الذي ينقلك إلي المستقبل فور أن تتخطي بابه الخارجي مباشرة‏,‏ حيث توجد علي اليسار قاعة عرض خاصة بنظم ومنتجات لن نشاهدها في الأسواق أو تصل لأيدينا قبل ثلاث أو خمس سنوات علي الأقل‏,‏ وإذا ما لملمت شتات فكرك بعد هذه النقلة نحو المستقبل ستجد أمامك الكثير مما يولد لديك خليطا من الدهشة والاحترام تجاه ما يقوم به هؤلاء العلماء داخل المركز من بحوث‏,‏ بعضها يستهدف توليد أدوات تكنولوجية تضمن إنتاج دواء رخيص وبسرعة لأمراض ليس لها علاج الآن‏,‏ وبعضها الآخر يترجم لك اللغة الصينية بمجرد النظر للكلمات إذا ما كنت في أحد ميادين بكين ورأيت لافتة لم تستطع فهمها‏,‏ وبعضها اخترع الأب الروحي للنانو حاسب‏,‏وأقصدر ببه هنا ذلك الجهاز فائق التطور الذي يتلاعب بذرات وجزيئات المادة‏,‏ كما يلهو الطفل بكرته النطاطة ليصنع أجهزة وأدوت متناهية الصغر تؤدي وظائف مذهلة‏.‏

اختارت آي بي إم لهذه الزيارة‏13‏ صحفيا من أوروبا وصحفيا وحيدا من منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا هو كاتب هذه السطور‏,‏ والهدف كان الاطلاع علي آخر المستجدات في مجال الحاسبات الشخصية والمحمولة واستعراض المشروعات البحثية الأخري الجارية بالمركز وتوجهات البحث العلمي في صناعة تكنولوجيا المعلومات ككل‏.‏

وبالنسبة لي كانت هذه أول مرة أدخل فيها مركزا بحثيا خرجت من أحد معامله جائزة من جوائز نوبل‏,‏ ولذا كنت شغوفا بالدخول إلي المعمل الذي خرجت منه الجائزة‏,‏ وفيما يبدو أن الدكتورة كارين فيي مدير الاتصالات بالمركز‏,‏ والتي نسقت الزيارات داخل المعامل‏,‏ قد تحسست هذه الرغبة لدي غالبية أعضاء الوفد الصحفي‏,‏ ربما استنادا إلي خبرة سابقة مع هذه النوعية من الزيارات‏,‏ لذلك ما أن انتهي العرض الرصين والمبهر للدكتور دوجلاس دايكمان مدير بحوث علوم الحاسب بالمركز حول مستقبل استراتيجيات البحث والتطوير داخل صناعة تكنولوجيا المعلومات‏,‏ حتي أعلنت الدكتورة كارين عن بدء زيارة المعمل الذي خرجت منه جائزة نوبل‏,‏ والتي حازها جهاز فائق التقدم فتح مجالا واسعا لنوعية جديدة من البحوث العلمية‏,‏ يتوقع أن تقلب صناعات الحاسبات والمعلومات والإلكترونيات والاتصالات وسائر العلوم الأخري رأسا علي عقب خلال السنوات المقبلة‏,‏ ونظرا للأهمية الفائقة لهذا المسار العلمي وما يحمله من تشويق لم أملك سوي البدء بعرضه قبل غيره من التفاصيل الأخري التي حفلت بها الزيارة‏.‏

في هذا المعمل يوجد الجهاز الذي طوره العالمان الكبيران الدكتور جيرد بيننج والدكتور هينريش روهير وفازا بسببه بجائزة نوبل للفيزياء‏,‏ وهو عبارة عن ميكروسكوب فريد من نوعه وغير مسبوق علي الإطلاق‏,‏ ويطلق عليه اسم ‏scanningtunnelingmicroscope‏

أو ميكروسكوب المسح النفقي‏),‏ والاسم مستمد من الطريقة أو الفكرة التي يستتند إليها‏,‏ فالمعروف أن الذرات والجزيئات التي تشكل المادة تكون بطبيعتها في حالة اتصال أو تواصل‏,‏ لكن البحوث النظرية والعملية السابقة أوضحت أنه من الناحية الواقعية لا تكون الذرات والجزيئات متصلة اتصالا تاما ببعضها البعض‏,‏ ولكن يفصل فيما بينها مسافات متناهية الصغر لم يكن متاحا من قبل ملاحظتها أو تصويرها أو التعامل معها بأي شكل‏,‏ وهذه المسافات يطلق عليها العلماء الأنفاق التي إذا ما تم ملاحظتها وتصويرها والتعامل معها بشكل أو بآخر أمكن التعامل مع كل ذرة أو جزيء علي حدة وبشكل منفرد بل والتقاط ذرة واحدة أو جزيء واحد من بين ملايين الذرات المكونة للمادة وإعادة وضعها أو رصها في مكان جديد من أجل بناء أدوات وأجهزة ومواد جديدة وفق خصائص ومواصفات وتخطيط مسبق‏,‏ ومن هنا جاءت تسميته بميكروسكوب المسح النفقي‏.‏

يوجد الميكروسكوب بغرفة مطلة علي الحدائق والغابات الرائعة المحيطة بالمركز من جميع الجهات‏,‏ وهو ليس ميكروسكوبا عاديا ولا يمكن رؤيته مباشرة بل مثبت داخل حاوية كبيرة أقرب إلي الشكل البيضاوي ومتصلة بسلسلة من المضخات والأجهزة المساعدة ومعدات التحكم التي تشكل نظاما معقدا‏,‏ يكاد يملأ الحجرة بالكامل‏,‏ وتقوم المضخات والنظم المساعدة بتفريغ الهواء داخل وحول الميكروسكوب إلي مستويات فائقة جدا‏,‏ كما تقوم بتخفيض درجة الحرارة التي يعمل فيها الميكروسكوب إلي ما يزيد علي‏250‏ درجة مئوية تحت الصفر‏,‏ وبذلك فإن الميكروسكوب يعمل في بيئة فائقة التفريغ الهوائي وفائقة في تبريد درجة الحرارة‏,‏ وتشغيله والتحكم فيه يتم من خلال حاسب متصل به من الخارج محمل عليه برمجيات بالغة التطور‏,‏ جري بناؤها خصيصا لهذا الميكروسكوب لتنقل للعلماء ما يلتقطه الميكروسكوب من صور علي المستوي الفائق الصغر النانو‏,‏ كما تنقل للميكروسكوب أوامر وتعليمات العلماء لكيفية التعامل مع الذرات والجزيئات والأنفاق المتناهية الصغر التي يراها‏.‏

ولتوضيح الطريقة التي يعمل بها الميكروسكوب قام أحد العلماء الشبان بالمعمل ـ لم يتجاوز عمره الثلاثين ـ بعرض فيلم فيديو قصير تم نقله من الميكروسكوب‏,‏ ويصور هذا الفيلم كيف ساعد الميكرسكوب الفريق العلمي في التلاعب بذرتين من الذهب ونقلهما من مكان لآخر فوق طبقة من النحاس سمكها ثلاثة جزيئات فقط‏,‏ وكيف استطاع الميكروسكوب بناء عمودين فائقي الدقة والارتفاع من ذرات النحاس حاصرا ذرتي الذهب ومنعهما من الهروب إلي مكان آخر علي السطح‏,‏ كما أظهر الفيلم كيف استطاع العلماء تغيير وتبديل الشحنة الكهربية لذرتي الذهب أكثر من مرة ما بين الشحنة السالبة والموجبة وحالة التعادل بمجرد ضغطة ذر علي لوحة مفاتيح الحاسب المتصل بالميكروسكوب‏.‏

ومن خلال الصور الملتقطة لهذه التجربة يتضح أن الميكروسكوب مزود داخليا بأداة مخروطية الشكل تشبه القمع ـ إن جاز التعبير ـ بها طرف أو رأس مسنن فائق الدقة يسمح لذرة أو جزيء واحد لكي يمر منه‏,‏ وأن الذرات والجزيئات المطلوب وضعها علي السطح تتجمع في هذا القمع أو الطرف المسنن ليقوم بإسقاطها في مكانها المحدد‏,‏ وقد عرض الباحث صورة لمجموعة من الذرات تم وضعها علي سطح صلب لتشكل شعار شركة آي بي إم‏..‏ بمعني آخر قام الفريق برص الذرات الأحادية ذرة وراء ذرة بجوار بعضها البعض لتكون في النهاية اسم الشركة‏,‏ وباللون الأزرق علي السطح الصلب المكون من طبقة سمكها ثلاث جزيئات فقط‏,‏ وهو أمر مذهل بكل المقاييس التي كان متعارفا عليها من قبل في عالم الفيزياء وصناعة المواد الجديدة‏.‏

ويقول العلماء إن لديهم ست طرق للتلاعب أو التأثير علي الذرات والجزيئات الأولي يطلق عليها الطريقة الجانبية‏,‏ وفيها تنقل الذرات أو الجزيئات عبر السطح من خلال توظيف قوي الطرد والجذب بين الرأس المسنن للطرف المخروطي بالميكروسكوب والسطح الذي ستوضع أو ترص عليه الذرات‏,‏ والثانية يطلق عليها الطريقة الرأسية‏,‏ وتعتمد علي‏:‏ الانتقال العكسي للذرات والجزيئات بين السطح والرأس المسنن للميكروسكوب‏,‏ والثالثة تشبه التلاعب الرأسي‏,‏ ولكن يحدث خلالها التصاق للذرات او الجزيئات مباشرة في الغاز المحيط بها‏,‏ والرابعة طريقة التلاعب عن طريق الفصل ويتم فيها اختيار روابط معينة داخل الجزيء‏,‏ ويجري تكسيرها بعمليات المسح النفقي‏,‏ والخامسة هي طريقة التلاعب بالذرات من خلال التوليف والتركيب وتشكيل روابط مختارة أو انتقائية بين اثنين من وحدات الجزيء‏,‏ والسادسة هي التلاعب عن طريق تغيير بنية الجزيء الداخلية اعتمادا علي قوي الجذب والطرد في السن أو الطرف الدقيق بالميكروسكوب‏.‏

ومن خلال حوار سريع مع الدكتورة كارين عقب انتهاء زيارة المعمل‏,‏ فهمت أنه بالإمكان أن نعتبر هذا الميكروسكوب فاتحة لنوعية جديدة من العلوم التي تعمل علي المستوي المتناهي والفائق الصغر والمعروفة باسم بعلوم مستوي النانو التي يتوقع أن تشكل عصب البحوث العلمية المتقدمة في المستقبل وستضطلع بإجراء بحوث مجهرية فائقة الدقة تستند إلي مسح ـ أو تصوير ـ الأنفاق الموجودة بين الذرات والجزيئات وفهمها والتعامل معها وتوظيفها في التأثير علي أوضاع وأماكن الذرة الواحدة والجزيء الواحد من المادة وخصائصها وسلوكها وعلاقاتها مع غيرها من الذرات‏,‏ بما يسمح بتجميع وتركيب مواد وأدوات لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإلكترونيات فائقه الصغر‏,‏ وهذه النوعية من العلوم لاتزال في بدايتها‏,‏ وتحتاج لتبادل المعارف النظرية والعملية بين العلماء في المراكز المختلفة‏,‏ ولذلك أنشئت شبكة لعلوم النانو هدفها تنفيذ مشروعات مشتركة في هذا المجال‏.‏

بعد زيارة هذا المعمل شعرت بأنني أمام اختراع لا أستبعد أن يطلق عليه مستقبلا الأب الروحي للنانو حاسب والنانو معالج والنانو تخزين والنانو ذاكرة والنانو تليفون والنانو كاميرا وغيرها‏,‏ فبواسطة المنهج الذي يعمل به سيتم بناء هذه الاجهزة من بضع ذرات‏,‏ ومن ثم ستبدو هذه الأجهزة صغيرة جدا من حيث الحجم‏,‏ وفي الوقت نفسه مزودة بإمكانات تؤهلها للقيام بوظائف هائلة‏,‏ وهناك نماذج لهذه الأجهزة تجاوزت التصورات النظرية ودخلت مرحلة الاختبار العملي‏,‏ وسيكون البعض منها بين أيدينا خلال السنوات المقبلة‏.‏


ثورة جديدة في تكنولوجيا التخزين الرقمي
نظام يخزن‏25‏ مليون صفحة كتاب علي شريحة ذاكرة مساحتها‏3‏ ملليمترات مربعة
يحمل اسم ملليبيدو يزود المحمول والكاميرا الرقمية بذاكرة سعتها‏15‏ جيجا بايت

تناولت الأسبوع الماضي بشيء من التفصيل البحوث المجهرية التي تجري علي مستوي الذرة الواحدة باستخدام ميكروسكوب المسح النفقي الذي اخترعه الباحثون بمركز بحوث آي بي إم بمدينة زيوريخ السويسرية ويتم فيها التلاعب بالذرات بشكل أحادي‏,‏ وقلت إن الشرح الذي قدمه العلماء خلال زيارتي مع‏13‏ صحفيا أوروبيا للمعمل الذي خرج منه هذا الميكروسكوب أعطي انطباعا أو شعورا بأن هذه البحوث تمثل الأب الروحي للأجهزة النانو في تكنولوجيا المعلومات أو الأجهزة ذات الحجم فائق الصغر والمؤهلة للقيام بوظائف هائلة كالنانو حاسب والنانو معالج والنانو تخزين‏,‏ والحقيقة أننا كوفد صحفي زائر للمركز سرعان ما وجدنا دليلا حيا يؤكد هذا الشعور‏,‏ فالمعمل التالي الذي زرناه كان مقرا لمشروع يعد واحدا من التطبيقات المبكرة لهذه النوعية من البحوث وهو مشروع ملليبيد الذي استطاع عبر السنوات الماضية بناء نظام تخزين سعته‏15‏ جيجا بايت‏,‏ ويضم بداخله‏1024‏ رافعة ورأس مسنن وبضعة آلاف من أجهزة المسح الكهرومغناطيسي وسطحين من البلاستيك والسيليكون‏,‏ وكل هذه الآلاف من المكونات تشغل حيزا مساحته‏7‏ ملليمترات مربعة‏,‏ ويخزن كل هذا الحجم من البيانات في‏3‏ مللميترات مربعة‏,‏ وذلك لأن كل مكوناته جري تصنيعها بمقاييس النانومتر والذرة الواحدة والجزيء الواحد‏.‏

والحقيقة أن المعلومات التي وفرتها إدارة الاتصالات بالمركز أشارت إلي أنه هناك العديد من المشروعات التطبيقية المختلفة لبحوث المسح النفقي بالمركز‏,‏ لكن مشروع ملليبيد كان الأكثر إغراء بالتناول لعدة أسباب في مقدمتها أن الوقت سمح لنا بزيارة المعمل الذي ينفذ المشروع والاستماع إلي تفاصيل حية حوله‏,‏ ومنها أيضا أن المشروع حقق مستوي معقولا من النضج وتجاوز مراحل الاختبار وأصبح جاهزا للدفع به إلي مرحلة التطوير والنماذج الأولية التي تسبق التصنيع علي نطاق واسع‏,‏ ولعل ذلك هو ما جعل أحد الباحثين بالمعمل لا يخفي فرحته وهو يمسك شريحة في حجم طابع البريد ويعرضها باعتبارها وسيط تخزين من فئة التيرابايت الجاهزة للانتقال من البحث إلي مرحلة ما قبل التصنيع‏.‏

السؤال الآن‏:‏ ما الذي يحمله مشروع ملليبيد؟
في بدايات القرن الماضي سادت عالم التخزين نوعية من البطاقات الورقية القابلة للتثقيب كوسيط تخزين‏,‏ وعند التخزين كانت تمرر عبر الحاسبات القديمة‏,‏ فتقوم روافع صغيرة مزودة بأطراف أو رءوس مدببة موجودة بوحدة ملحقة بالحاسب بالطرق عليها بطريقة محسوبة فتحدث فيها ثقوبا في أماكن معينة وبنمط معين‏,‏ فيعبر كل ثقب يتم تكوينه عن واحدة من البيت التي تمثل البيانات أو المعلومات المخزنة علي هذه البطاقات وعند القراءة تمر هذه البطاقات عبر الأجهزة لتقرأ ما تحمله من بيانات ليقوم الحاسب بعرضها علي شاشته‏,‏ وساعتها لم تكن هذه التكنولوجيا تسمح سوي بالكتابة مرة واحدة علي البطاقة القابلة للتثقيب‏.‏

هذه الطريقة ـ التي يري بعض الباحثين أن عمرها يتجاوز المائة عام ـ تعتبر مصدر الإلهام الأولي لمشروع ملليبيد‏,‏ ففكرته الاساسية تقوم علي تخزين البيانات والمعلومات بطريقة التثقيب في الكتابة والتخزين وقراءة الثقوب في عملية الاسترجاع‏,‏ لكن الاختلافات الاساسية بين الاثنين أن ملليبيد تستخدم وسيط تخزين فائق الصغر‏,‏ بالإضافة إلي أنها تسمح بتثقيب وسيط التخزين ومسح ما به من ثقوب أو تغييرها بشكل متكرر وليس لمرة واحدة كما كان في الطريقة القديمة‏.‏

كيف امتلك نظام تخزين ملليبيد هذه الاختلافات المذهلة عن نظام البطاقات المثقوبة القديم؟

من الناحية النظرية البحتة استخدم ملليبيد ـ كما سبق القول ـ أسلوب الحركة الميكانيكية في أحداث الثقوب علي وسيط التخزين لكنه أضاف إليه الطاقة الحرارية بمعني أن الروافع والرءوس المدببة لا تعمل فقط بالحركة الميكانيكية‏,‏ ولكن يتم تسخينها حراريا أثناء العمل أيضا‏,‏ وحتي يمكن تطبيق هذا التصور النظري عمليا في المساحات والمسافات المتناهية الصغر كان علي هذا النظام أن يستفيد من الإمكانات الجبارة التي تتيحها تكنولوجيا المسح النفقي والبحوث المجهرية علي مستوي قوة الذرة الواحدة وأدوات النانوتكنولوجي لتأتي كل مكوناته بأحجام فائقة الصغر‏..‏ كيف؟

داخليا‏..‏ يتكون هذا النظام من جزء سفلي عبارة عن سطح سيليكون سمكه بضع نانومترات فوقه سطح بلاستيكي مصنوع من بوليمرات خاصة علي شكل فيلم فائق النحافة سمكه بضع نانومترات أيضا‏,‏ ويعتبر هذا الجزء هو وسيط التخزين أو المكان الذي تخزن فيه البيانات والمعلومات وجزء علوي عبارة عن شريحة تضم مصفوفة من الدعامات أو الروافع المثبتة من طرف واحد وموضوعة في مربع مكون من صفوف رأسية وأفقية وسمك كل منها حوالي‏0.5‏ ميكرومتر وطولها‏70‏ ميكرومترا وكل منها ينتهي برأس مدبب علي شكل حرف‏(v)‏ طوله أقل من‏2‏ ميكرومتر وقطر السن المدببة في طرفه حوالي نانومتر واحد ـ النانومتر يساوي واحد علي مليون من الملليمتر ـ ويتعامل مع ذرة واحدة فقط علي وسيط التخزين‏,‏ ويستطيع إحداث فجوات أو نقط غائرة يقل قطر الواحد منها بـ‏50‏ ألف مرة عن قطر النقطة المستخدمة في الكتابة وفي التجارب الحالية وصلت مساحة المصفوفة إلي‏3‏ ملليمترات مربعة وضمت بداخلها‏32*32‏ رافعة في أعمدتها الرأسية وصفوفها الأفقية أي بواقع‏1024‏ داخل المصفوفة ككل وبين الجزءين ـ العلوي والسفلي ـ توجد ماسحات كهرومغناطيسية متناهية الصغر تعمل علي المحورين الرأسي والأفقي وتقوم بمسح المصفوفة ووسيط التخزين ككل بشكل متزامن مع حركة الروافع والرءوس المدببة‏,‏ وكل هذه الاجزاء تعمل علي تيار كهربائي قوته‏100‏ مللي وات‏.‏

عند توصيل التيار وإعطاء أمر التخزين يتم تسخين مقاومات كهربية داخل الروافع إلي‏400‏ درجة فتنتقل الحرارة إلي الرءوس المدببة التي تهبط وهي ساخنة حتي تلامس الفيلم البلاستيكي الفائق النحافة‏,‏ وبفعل الحرارة تكون الرءوس قادرة علي تليين البوليمرات والغوص فيها لتكون بها فجوات أو نقط غائرة تضغط بدورها علي سطح السيليكون الرفيع جدا الموضوع تحت طبقة البوليمرات فيسجل كل رأس منها فجوة أو نقطة تشابه الثقب الذي كان يحدث في الكروت المثقوبة القديمة مع ملاحظة أن ما يحدث هنا ليس عملية تثقيب كاملة‏,‏ ولكن نقاط وفجوات متناهية الصغر في البوليمرات وسطح السيليكون ومع البدء فعليا في عملية التخزين أو التنقيط تقوم الماسحات الكهرومغناطيسية ـ التي تتوسط المسافة بين وسيط التخزين من أسفل ومصفوفة الرءوس المدببة من أعلي ـ بتحريك وسيط التخزين في المحورين الأفقي والرأسي بشكل متزامن‏,‏ وفي الوقت نفسه تبدأ الـ‏1024‏ رأس المدببة بالعمل جميعا بشكل متزامن وتضغط وهي ساخنة علي طبقة البوليمرات‏,‏ وفي غضون ذلك تضمن الحركات الأفقية والرأسية للماسحات الكهرومغناطيسة توجيه كل رأس إلي حقول التخزين الخاص به علي وسيط التخزين‏,‏ ومن ثم يتم تسجيل البيانات وتخزينها بطريقة دقيقة ومرتبة وسهلة القراءة والاسترجاع‏.‏

وعند القراءة واسترجاع البيانات تحدث العملية نفسها مع اختلاف وحيد هو أن المقاوم الكهربي يعمل علي درجة حرارة أقل من المستخدمة في التخزين‏,‏ ويقوم بالتسخين إلي‏300‏ درجة فقط‏,‏ ومن ثم لا يتم تللين البوليمرات كما هو الحال في التخزين بل يكفي فقط لأن يسقط الرأس المدبب داخل النقاط والفجوات التي تشكلت أثناء التخزين‏,‏ فيحدث تغيير في المقاومة قابل للقياس فتعمل الفروق في المقاومة علي اتمام عملية القراءة او استرجاع البيانات‏,‏ وهكذا استطاع العلماء استخدام المفهوم الميكانيكي الحراري والفروق والتنويعات في المقاومة الحرارية في عمليات التخزين والاسترجاع والحذف والتعديل علي وسيط التخزين بمعدل سرعة في التخزين والاسترجاع يتراوح ما بين‏1‏ و‏2‏ ميجابايت في الثانية واستخدام وسيط التخزين لـ‏100‏ ألف دورة علي الأقل من دورات التخزين والحذف وإعادة الكتابة عليه دون أن يتلف‏.‏

والجيل الحالي من نظام ملليبيد للتخزين يستخدم المصفوفة المكونة من‏1024‏ رافعة ورأس بواقع‏32*32‏ رافعة في كل صف أفقي وعمود رأسي داخل مربع المصفوفة‏,‏ وفي الجيل المقبل سيتم توسيع المصفوفة لتضم‏4096‏ مع الانتقال إلي نمط‏64*64‏ رافعة ورأس في كل صف وعمود‏,‏ وفي هذه الحالة ستتضاعف كثافة التخزين علي البوصة المربعة والتجارب الأولية تظهر أنه بالإمكان تخزين تريليون بايت علي البوصة المربعة وهو حجم يعادل عشرين ضعف أعلي معدل كثافة تخزين متاحة في عالم اليوم‏,‏ كما يعادل السعة التخزينية لـ‏25‏ قرصا من أقراص الفيديو الرقمية لتفتح المجال مستقبلا لظهور وحدات تخزين سعتها تيرابايت ألف جيجا لا تزيد في الحجم علي وحدات التخزين الصغيرة المستخدمة حاليا مع التليفونات والكاميرات الرقمية ووحدات الذاكرة الومضية فلاش وجميعها في حجم طابع البريد‏.‏

وحسبما قال الدكتور بيتر فيتيجر مدير مشروع ملليبيد فإن النظام الذي تم تصميمه وإنتاجه علي المستوي المعملي لايزيد علي حجم طابع البريد الصغير‏,‏ ويستوعب‏15‏ جيجابيت‏,‏ ويمكنه العمل مع الأجهزة المحمولة كالمساعدات الرقمية والتليفونات المحمولة والساعات متعددة الأغراض‏,‏ كما يعمل كوحدة تخزين خارجية صغيرة تتفوق علي وحدات التخزين الومضية يتوقع أن تقف الحدود القصوي لقدراتها التخزينية عند‏2‏ أو‏3‏ جيجا بايت‏.‏

تري ما الذي يمكن أن يفعله الإنسان بتليفون محمول أو ساعة يد بذاكرة سعتها‏15‏ جيجابايت



وفي النهاية ارجوا من الله ان تكونوا قد استمتعتم واستفدتم


والسلام خير مسك للختام

نهى.نانو
02-12-2008, 03:16 PM
السلام عليكم
الموضوع راااااااائع جداً وممتع
جزاك الله خير

كنت قد قرأت مَن مكتشف الميكروسكوب الماسح النفقي ولم أكن أعرف أنه من صنع شركة آي بي إم
وتذكرت البروفيسور العربي الفلسطيني منير نايفة الذي كان من أوائل من اجرى أبحاث بهذا الميكروسكوب العظيم
وكان أول من رصد وحرك الذرة منفردة ورسم بالذرات قلباً وكتب بجانبه P وقصد المعنى "حب فلسطين" كما قال بنفسه ( للتعرف على هذا العالم الفيزيائي المبدع انظروا موضوع مقابلة مع البروفيسور منير نايفة في منتدى النانوتكنولوجي)

تقدم أجهزة التخزين هائل مع تقنية النانو
وسررت بقراءة تفاصيل عمل نظام تخزين ملليبيد وقدرة تخزينه لـ 15 غيغابايت في شريحة بحجم طابع البريد!

أرى أنه من المناسب نقله لقسم النانو تكنولوجي

Qasaimeh
02-12-2008, 06:21 PM
موضع رائع جدا ومفيد


شكرا جزيلا

HazemSakeek
02-12-2008, 07:45 PM
سلمت يداك ابو الوليد

موضوع رائع بالفعل وغني بالمعلومات

شكرا لك

ابــو الوليد
02-12-2008, 08:45 PM
مشكورة نهى.نانو على المعلومات التي اضفتها على الموضوع

كذلك شكرا لك Computer Master ود.حازم على ردودكم

وانتمى ان اكون عند حسن ظن الجميع

physics
02-13-2008, 01:08 AM
الف شكر على الموضوع
فعلاموضع رائع جدا ومفيد

ابــو الوليد
02-20-2008, 11:38 PM
مشكور physics

في امان الله

moon22
05-10-2008, 12:07 PM
موضوع جميل جدا أبو الوليد الف شكر

رووووح الغلا
12-04-2008, 11:12 PM
شكرررررررررررررررا موضووووووووووووع اكثر من رائع :eh_s (9)::eh_s (9):

احمد بديع
12-07-2008, 08:51 PM
مشكوررررررررررررررررررررررررررررررر رررررر

القمري
12-17-2008, 09:10 AM
شكرا ..أخي الكريم على هذه المعلومات الرائعة ..
و لكن تقنية الملليبيد أصابها جمود مفاجي من منتصف عام 2006 حسب موقع الويكيبيديا .. و الذي أوحى ان هذه التقنية تم التخلي عنها ..
و للمزيد حول هذه التقنية و كيفية عملها .. يرجى مراجعة

http://en.wikipedia.org/wiki/IBM_Millipede