نهى.نانو
12-13-2007, 11:03 PM
من موقع جريدة الجزيرة العدد 70 بتاريخ Sunday 23rd May,2004 الأحد 4 ,ربيع الثاني 1425
أضع بين أيديكم هذا المقال ( الطويييل!) وأرجو أن تتم الاستفادة و...المتعة أثناء قرائته
ويحتوي على العناوين التالية:
تكنولوجيا النانو والكمبيوتر
تكنولوجية IBM للتصغير
علم لا يزال في المهد
تكنولوجيا المنمنمات.. ثورة صناعية ثانية
البلاستيك المهجن!
تكنولوجية النانو وعلاج السرطان
تطوير خطة تكنولوجية التصغير لمعالجة السرطان
قنابل نانوية لتفجير الخلايا السرطانية
(النانوبيوتيك).. أحدث بديل للمضاد الحيوي
تكنولوجيا النانو
تغيير حياة الإنسان نحو الأفضل
http://www.moq3.com/img/up112007/bFa77210.jpg (http://www.moq3.com/img/)
* إعداد : محمد شاهين
تطلق كلمة نانو باللغة الإنجليزية على كل ما هو ضئيل الحجم دقيق الجسم. وقد بدأ مصطلح (تقنية النانو) ينتشر، في مجال الصناعات الإلكترونية، المتصلة بالمعلوماتية. فلو تفحصنا البطاقات المستخدمة في الحواسيب اليوم، وخاصة الحواسيب المحمولة لوجدت أنها مضغوطة إلى درجة كبيرة، فالبطاقة التي لا يزيد سمكها على بضعة ملليمترات، تتكون في الحقيقة من خمس طبقات، أو لنقل رقاقات مضغوطة مع بعضها.
كما أننا لو تفحصنا الكبلات والمكثفات التي كان وزنها يقدر بالكيلوجرام، لوجدنا أن وزنها لا يتجاوز أجزاء الميللي جرام. فقد تضاءل الحجم، وتضاعفت القدرة وكل ذلك بفضل اختزال سُمك الكابلات وضغط حجم المكثفات والدارات، مما قصّر المسافات، التي تقطعها الإلكترونات، وأكسب الحواسيب، سرعة أكبر في تنفيذ العمليات.
تشير عبارة تكنولوجية النانو إلى التفاعلات بين المكونات الخلوية والجزيئية والمواد المهندسة وهي عادة مجموعات من الذرات والجزيئات والأجزاء الجزيئية عن المستوى البدائي الأول للبيولوجيا. وتكون هذه الأشياء الدقيقة بشكل عام ذات أبعاد تقل عن 100 نانومتر ويمكن أن تكون مفيدة بحد ذاتها أو كجزء من أجهزة أكبر تحتوي على أشياء دقيقة متعددة.
وعند المستوى الدقيق (النانو)، نجد أن الخواص الطبيعية والكيميائية والبيولوجية تختلف جوهرياً، وغالبا بشكل غير متوقع عن تلك المواد الكبيرة الموازية لها بسبب أن خواص الكمية الميكانيكية للتفاعلات الذرية يتم التأثير عليها بواسطة التغيرات في المواد على المستوى الدقيق. وفي الواقع أنه من خلال تصنيع أجهزة طبقا لمعيار النانومتر من الممكن السيطرة على الخصائص الجوهرية للمواد بما في ذلك درجة الانصهار والخواص المغنطيسية وحتى اللون بدون تغير التركيب الكيميائي لها.
من جهة أخرى فإن هناك العديد من الاستخدامات التي تخدم مجال الصناعات الإلكترونية مثل مجال صناعة الترانزستورات حيث بدأ مصنعو الترانزيستور في الوصول إلى الحدود الطبيعية لمدى صغر رقائق السيليكون والنحاس التي تصنع منها مثل هذه المواد، وقد ساعدت هذه التقنية هؤلاء العلماء للوصول إلى طريقة مبتكرة لتصنيع ترانزيستورات أصغر بكثير من الرقائق الحالية ليس من خلال تقليل حجم الرقائق الحالية ولكن من خلال تصنيعها من الجزيئات الفردية.
فقد ساعدت الأبحاث التي تم القيام بها بواسطة أربعة علماء يعملون في مركز الأبحاث التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) على تمهيد الطريق لبناء ترانزيستورات من الأنابيب الكربونية البالغة الصغر التي تم صنعها من طبقة واحدة من الذرات الكربونية يتم قياسها من خلال النانومتر (واحد نانومتر يعادل واحد على بليون من المتر).
واستنتج العلماء إمكانية تصنيع الترانزستورات من الأنابيب البالغة الصغر، وشملت اكتشافاتهم الغوارتيمية لتشكيل هذه التطبيقات، والتقنيات الجديدة لإرسال المعلومات، والمكونات الكربونية التي تعمل مثل المحطات الطرفية لمفتاح تشغيل الترانزيستور ووسائل استخدام سلاسل أنابيب النانو بالأنظمة الإلكترونية.
البديل الكربوني ومن إحدى المعايير المعروفة لتكنولوجية المعلومات هو قانون مور، الذي قام المؤسس الشريك في شركة انتل (جورودون مور) بوضعه، والذي ينص على أن عدد الترانزيستورات المتواجدة في بوصة مربعة واحدة بالدوائر المتكاملة سوف يتضاعف كل 18 شهر، إلا إن مصنعي الرقائق من المتوقع أن يصلوا قريبا إلى الحدود التقليدية للرقائق.
هذا وتتطلب تقنية التطوير الحالية لأشباه الموصلات تخفيض حجم ترانزستورات السيلكون أو ببساطة الإسراع في نظم الإرسال الحالية.
ومن غير المرجح أن يعمل هذا التوجه من الأعلى إلى الأسفل نحو نمنمة الترانزيستورات والليزر ذي الصمام الثنائي وهو مكونات البناء الجوهرية لنظم الكمبيوتر والاتصالات أن يتمكن من الوفاء بالطلب المتزايد على المعالجة والبث البالغ السرعة للمعلومات. حتى وإن تم تصنيع الرقائق بحجم صغير بشكل كاف، فإن هذه الدوائر الموضوعة بشكل مكثف بجانب بعضها البعض سوف تنبعث عنها حرارة شديدة يصعب تبريدها بشكل فعال.
وإذا استمر تخفيض حجم الرقائق، يتعين العثور على طريقة جديدة لتصنيعها، وبما أن الأنابيب الدقيقة تم اكتشافها في عام 1991، فقد قدمت نفسها كمرشح للخطوة القادمة في النمنمة أو التصغير الكبير في الحجم، وقد اهتم علماء الطبيعة بهذه الأنابيب بسبب خصائصها الإلكترونية حيث يمكنها العمل إما كمعادن أو أشباه موصلات.
وبصفتها معادن، يمكنها توصيل موجات بالغة الارتفاع بدون الانحلال والسخونة التي لا تزال تشكل مشاكل مع الأسلاك النحاسية، وبصفتها أشباه موصلات، يمكن استخدامها في الترانزيستورات الدقيقة العالية الأداء.
وعند استكشاف البدائل للطريقة التقليدية من أعلى إلى أسفل لتخفيض حجم ترانزستورات السيلكون، أدرك العلماء أن الأجهزة التي تعتمد على الأنابيب الدقيقة المنمنمة يمكن بناؤها من اسفل إلى أعلى من خلال الدقة الذرية.
وتعتبر الأجهزة الناتجة عن ذلك بواسطة العلماء الآخرين نوعا جديدا من الترانزيستورات. فترانزيستور الأنابيب المصغرة تقل بمقدار 60.000 مرة عن الترانزيستور التقليدي.
وقال سريفستافا الذي قام بالتركيز على جعل الأنابيب الدقيقة تعمل مثل مفاتيح التشغيل (يمكنك وضع المزيد من الترانزستورات في مساحة صغيرة)، ويضيف إن زيادة كثافة الترانزستورات تعمل في العادة على زيادة كثافة الطاقة التي تقوم ببث حرارة كبيرة تجعل الجهاز يحرق نفسه، إلا أن الهيكل الكربوني يحتاج لطاقة أقل ولذلك يمكن تشغيل الترانزيستور بحرارة وطاقة اقل.
ومن ناحية أخرى قام العلماء بدراسة مواد تكنولوجية التصغير المحتملة، نظرياً أو من خلال محاكاة الكمبيوتر، حيث اكتشفوا مميزات ومساوئ بناء مفاتيح التشغيل والترانزستورات المنمنمة باستخدام أنابيب كربونية دقيقة متنوعة الارتباط، وسلاسل ذرية مصنوعة من الذرات الفردية أو حتى جزيئات DNA إلا أن مساهمتهم الرئيسية تمثلت في تركيزهم على بناء الأجهزة الدقيقة، وقالوا انه إذا تعين على المطورين بناء أجهزة دقيقة من الأسفل إلى الأعلى، فإنهم سوف يكونون بحاجة لتوجهات جديدة تماما نحو التطوير.
وفيما يلي بعض استنتاجات كل باحث من الباحثين الأربعة:
المطورون بحاجة لطريقة لصياغة شكل الأجهزة الدقيقة، وذلك لأن الطرق التقليدية لا يمكنها أن تصف كيفية تدفق التيار الكهربائي من خلال الجهاز الدقيق، وقام فريق الباحث انانترام بوضع غوارتيمية مبتكرة.
ركزت أبحاث الباحث نينج بشكل رئيسي على بث المعلومات حيث اكتشف أن نظام البث يمكن أن يعتمد على تسخين الإلكترونات في سلك دقيق لأشباه الموصلات بدلا عن تشغيل وإغلاق التيار الكهربائي.
بعد دراسة تكوين واستقرار وهيكل سلوك رد الفعل الإلكتروني للوصلات المختلفة في الأنابيب الدقيقة، قام سيرفستافا بابتكار سلسلة من الهياكل التي تعتمد تماما على الكربون والتي يمكن أن تؤدي كافة وظائف الأجهزة الثلاثية الطرق اللازمة لدوائر الكمبيوتر. قام ياماد بابتكار طريقة لصنع سلاسل ذرية لأشباه الموصلات خاصة بالتطبيقات الإلكترونية.
تكنولوجيا النانو والكمبيوتر
تتلخص فكرة استخدام تقنية النانو في إعادة ترتيب الذرات التي تتكون منها المواد في وضعها الصحيح، وكلما تغير الترتيب الذري للمادة كلما تغير الناتج منها إلى حد كبير. وبمعنى آخر فإنه يتم تصنيع المنتجات المصنعة من الذرات، وتعتمد خصائص هذه المنتجات على كيفية ترتيب هذه الذرات، فإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الفحم يمكننا الحصول على الماس، أما إذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الرمل وأضفنا بعض العناصر القليلة يمكننا تصنيع رقائق الكمبيوتر. وإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الطين والماء والهواء يمكننا الحصول على البطاطس.
وما يعكف عليه العلم الآن أن يغير طريقة الترتيب بناء على النانو، من مادة إلى أخرى، وبحل هذا اللغز فإن ما كان يحلم به العلماء قبل قرون بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب سيكون ممكنا، لكن الواقع أن الذهب سيفقد قيمته!!.
وتعتبر طرق التصنيع اليوم غير متقنة على مستوى الجزيئات. فالصب والطحن والجلخ وحتى الطباعة على الحجر تقوم بنقل الذرات في مجموعات ضخمة، مثل محاولة تصنيع أشياء من مكعبات الليجو أثناء ارتداء قفازات الملاكمة، وفي المستقبل، سوف تسمح لنا تكنولوجية التصغير أن نقوم بالتخلص من قفازات الملاكمة وان تقوم بترتيب مكونات البناء الجوهرية للطبيعة بسهولة وبدون تكلفة وفي معظم الأحيان حسبما تسمح به قوانين الطبيعة، وسوف يكون هذا الأمر حيوياً وهاماً إذا تعين علينا الاستمرار في ثورة مكونات الكمبيوتر لتمتد بعد القرن القادم، كما سوف تسمح بتصنيع جيل جديد تماما من المنتجات الأنظف والأقوى والأخف وزنا بل والأكثر دقة. ومن الجدير بالذكر أن كلمة (تكنولوجية التصغير) أو (نانو تكنولوجي) أصبحت شائعة إلى حد كبير ويتم استخدامها لوصف العديد من أنواع الأبحاث حيث تكون أبعاد المادة المصنعة اقل من 1.000 نانومتر، على سبيل المثال التحسينات المستمرة في الطباعة على الحجر نتج عنها عرض خطوط أقل من ميكرون واحد.
فالكثير من توجهات التحسن في قدرة وحدات ومكونات الكمبيوتر ظلت ثابتة خلال الـ 50 سنة الأخيرة وهناك اعتقاد شائع أن هذه التوجهات سوف تستمر على الأقل لعدة سنوات، وبعد ذلك سوف تصل الطباعة الحجرية إلى حدودها في ذلك الوقت.
فإذا تعين علينا الاستمرار في هذه التوجهات يجب أن نقوم بتطوير تكنولوجية تصنيع جيدة تسمح لنا ببناء أنظمة كمبيوتر بشكل غير مكلف بواسطة كميات من العناصر المنطقية التي تكون جزيئية في كل من الحجم والدقة، ومرتبطة ببعضها البعض من خلال أنماط معقدة وبالغة الحساسية. وسوف تسمح تكنولوجية التصغير بالقيام بذلك. ويمكننا استخدام مصطلح (تكنولوجية التصغير الجزيئية) أو (التصنيع الجزيئي) بدلا عن (النانو تكنولوجي) ولكن أيًّا كان المصطلح الذي نقوم باستخدامه، فإنه يتعين عليه أن يسمح لنا بان نقوم بشكل جوهري بوضع كل ذرة في المكان الصحيح، وان نجعل كل هيكل متناسق مع قوانين الطبيعة التي يمكن أن نحددها بالتفاصيل الجزيئية، مع عدم تجاوز تكاليف التصنيع بشكل بالغ لتكلفة المواد الخام والطاقة المطلوبة.
ومن الواضح أننا سوف نكون سعداء بأي طريقة تحقق بشكل متزامن أول ثلاثة أهداف، إلا أنه يبدو انه من الصعوبة استخدام بعض أنماط التركيب المكاني (أي وضع أجزاء الجزيئات الصحيحة في المكان الصحيح) وبعض أشكال النسخ المتطابقة الذاتية (لتقليل التكلفة). وتنطوي الحاجة للحصول على التجميع المكاني على الاهتمام بالآليات الجزيئية (أي الأجهزة الآلية التي تكون جزيئيه من حيث حجمها ودقتها). ومن المحتمل أن تقوم هذه الآليات المكانية على النطاق الجزيئي بإعادة تجميع النسخ البالغة الصغر من الأجزاء المقابلة لها الميكروسكوبية. ويتم استخدام التجميع المكاني بشكل متكرر في التصنيع الميكروسكوبي اليوم مع ربط كلتا يديك خلف ظهرك! ففكرة السيطرة على وضع الذرات الفردية والجزيئات لا تزال حديثة، إلا انه يتعين علينا أن نستخدم على المستوى الجزيئي المفهوم الذي بين فعاليته على المستوى الميكروسكوبي، ونجعل الأجزاء تذهب إلى المكان الذي نريد منها الذهاب إليه.
وينجم عن شرط التكلفة المنخفضة اهتمام بأنظمة تصنيع النسخ المتطابقة ذاتياً، حيث يمكن لهذه النظم القيام بعمل نسخ عن نفسها وتصنيع منتجات مفيدة. فإذا أمكننا تصميم وبناء هذا النظام، فإن تكلفة تصنيع هذا النظام وتكاليف تصنيع الأنظمة المشابهة والمنتجات التي تعمل على إنتاجها (بافتراض قدرتها على إنتاج نسخ عن نفسها في بيئة غير مكلفة بشكل معقول) سوف تكون منخفضة للغاية.
تكنولوجية IBM للتصغير
تهدف أبحاث شركة IBM في مجال تكنولوجية التصغير إلى تصميم مكونات وهياكل ذرية جديدة على المستوى الجزيئي لتحسين تكنولوجيات المعلومات، بالإضافة إلى اكتشاف وفهم أساسها العلمي. ومن خلال ريادة تطوير تكنولوجية التصغير أو النانو، استطاع علماء شركة IBM وضع دراسات لهذه التكنولوجيات على مستوى النانو أو التكنولوجية القزمية. وعلى وجه التحديد، فإن الأنابيب الكربونية المصغرة ومسبار الفحص الذي تم إنتاجه من ميكروسكوب الطاقة الذرية يقدم وعداً بتمكين تحسين الدوائر ووسائل تخزين البيانات.
ويؤدي البحث في جزيئات النانو إلى تطبيقات في الطب الطبيعي بالإضافة إلى التخزين على القرص الصلب للكمبيوتر.
ومما يذكر أن الأبحاث في مجال تخزين المعلومات بواسطة تكنولوجية النانو الميكانيكية، مثل مشروع شركة IBM الذي يطلق عليه MILLIPEDE سوف تستمر في زيادة احتمالات زيادة كثافة التخزين الهوائي.
علم لا يزال في المهد
وتستخدم تقنية (النانو) الخصائص الفيزيائية المعروفة للذرات والجزيئات لصناعة أجهزة ومعدات جديدة ذات سمات غير عادية وعند إحكام قبضة العلماء على جوانب هذا العلم الخارق يصبح في حكم المؤكد تحقيق إنجازات تفوق ما حققته البشرية منذ ظهورها على الأرض قبل ملايين السنين. ويقول الخبراء أن تقنية النانو تعد البشرية بثورة علمية هائلة قد تتغير معها ملامح الحياة في جميع النواحي الصحية والتعليمية والمالية.. الخ، بما يجعل الحياة أفضل، ويساعد في التخلص من الأمراض المستعصية التي يعاني منها الناس على مدى قرون طويلة.
كذلك ستعمل النانو على تحسين أساليب الإنتاج الزراعي والصناعي وتخفض التكاليف على نحو غير مسبوق مما يعني مزيدا من الراحة ونهاية المتاعب لإنسان العصر.
هذا وتشهد المختبرات في الوقت الراهن سباقاً محموماً بين الباحثين يهدف لوضع مخطط تفصيلي عام يوضح وظائف (طرق عمل البروتينات في إطارها الكيميائي فيما يهتم الفيزيائيون بدراسة هياكل هذه المواد وخصائصها الوظيفية وذلك بهدف تركيب البروتينات بنسخ صناعة ذات خصائص جديدة وبجزيئات أكبر وأكثر تعقيداً ويحصر الباحثون مهامهم في الوقت الحالي في تصميم روبوت ضئيل الحجم قادر على تحريك الجزيئات وذلك حتى يكون ممكنا لها مضاعفة ذاتها بشكل آلي دون تدخل العوامل الخارجية. وفيما يتعلق بجسم الإنسان يتوقع أن تعمل تقنية النانو على مكافحة أمراض الجسم وإعادة إنتاج الخلايا الميتة ومضاعفتها والقيام بدور الشرطي في الجسم لحماية الأجهزة لتدعيم جهاز المناعة لدى الإنسان.
تكنولوجيا المنمنمات..
ثورة صناعية ثانية
لقد كان هناك تساؤل يثار منذ فترة بعيدة عن التطورات التي يمكن أن تحدث في مجال التصنيع إذا ما تمكن الإنسان من السيطرة على الذرة بشكل جيد والاستفادة منها كما ينبغي عن طريق تحريكها؟ وكان أول من أثار هذا التساؤل عالم الفيزياء ريتشارد فينمان حيث تساءل عن (ماذا سيحدث إذا أصبح بمقدور العلماء ترتيب الذرات بالطريقة التي يريدونها؟).
جاء ذلك في إطار إعلانه عن ظهور تقنية حديثة في مهدها الأول في ذلك الوقت، سميت بالتقنية النانوية أو النانوتكنولوجيا (Nanotechnology) . ولقد مضى على إعلان (فينمان) ما يربو على أربعة عقود من الزمان حتى الآن، وبالرغم من أن التطور في هذه التقنية قد تأخر نسبياً بالمقارنة بالتقدم المطرد في علوم الكمبيوتر مثلا، لكن هذه التقنية عاودت الظهور بكثافة عالية مؤخراً، على هيئة مبتكرات وتقارير علمية في كثير من المطبوعات العلمية العالمية.
لكن هناك ثمة اتفاقا على أن عام 1990م هو البداية الحقيقية لعصر التقنية النانوية، ففي ذلك العام، تمكن الباحثون في مختبر فرعي لإحدى شركات الإلكترونات العالمية العملاقة من صنع أصغر إعلان في العالم، حيث استخدموا 35 ذرة من عنصر الزينون في كتابة اسم الشركة ذي الحروف الثلاثة على واجهة مقر فرعها بالعاصمة السويسرية! ويتنبأ العلماء بمستقبل واعد لهذه التقنية، التي باتت الدول الصناعية في أوروبا واليابان والولايات المتحدة تضخ إليها ملايين الدولارات من أجل تطويرها.
والولايات المتحدة وحدها التزمت هذا العام بتخصيص أكثر من 497 مليون دولار للتقنية النانوية واستخداماتها، كما أن شركات الكمبيوتر الكبرى المهتمة بالبحث العلمي، مثل (هيوليد باكارد) و(آي بي إم) و(ثري إم) تقوم بتخصيص ما يصل إلى ثلث المبالغ المخصصة للبحوث العلمية على التقنية النانوية.
وقد ظهرت عدة تقارير علمية دفعة واحدة، واحتلت أبحاث النانوتكنولوجي باباً كاملاً في مجلة العلم الأمريكية (ساينس) في تشرين الثاني نوفمبرِ (2000م)، ثم تلاها عدة تقارير في مطبوعات علمية أخرى كمجلة الطبيعة (نيتشر).
كما نجح العلماء في الآونة الأخيرة في التوصل لأولى المنتجات التطبيقية المعتمدة على التقنية النانوية، ولقد بات في الإمكان وصولها للأسواق في غضون السنوات القليلة القادمة، وسوف نعرض لبعض من هذه المستجدات في هذا المقال.
البلاستيك المهجن!
وبينما لن تكون هذه التكنولوجيا جاهزة لصنع أية آلات أو معالجات كومبيوتر لعشر سنوات على الأقل فالباحثون في علم المواد يستخدمونها لتغيير خواص البلاستيك والزيوت والأنسجة لتصبح مقاومة للحرارة وزيادة قوتها ومرونتها.
وتقوم حالياً شركة (هايبرد بلاستيكس)، أو البلاستيك المهجن، بإضافة مواد مصنعة عن طريق التقنية النانوية لمواد تمتد من مزيتات المحركات النفاثة وحتى ألواح الدوائر الكهربائية في القوارب وأحواض السباحة. وتعتبر هذه الجسيمات الدقيقة التي تبيعها الشركة صغيرة جداً لدرجة أن قطر أكبر جسيم يقدر بحوالي 3 نانومتر،(أي واحد من مليار من المتر).
وتُكسب هذه الجسيمات البلاستيك خواص فريدة كالقدرة على مقاومة الحرارة واللهب والبرد، فضلا عن زيادة صلابته.
ومن شركات الكيماويات الأخرى التي تدرس مجال التقنية النانوية شركة (دوبونت) التي يحاول علماؤها صناعة ألياف توصل الكهرباء ويمكنها تغيير شكلها من المستدير إلى المثلث والمربع. وتهدف (دوبونت) لاستخدام هذه الألياف في الثياب التي تغير لونها وحجمها وفقا لطلب المرتدي.
كما تقوم شركة (نانوفيز تكنولوجيز) ببيع جسيمات دقيقة مثل أكسيد الزنك مصنعة عن طريق استخدام التقنية النانوية لصانعي شتى المنتجات من التغليف الصناعي إلى مستحضرات التجميل.
وتختبر (ناسا) أنواعاً جديدة من البلاستيك الذي يحتوي على هذه الجسيمات على هيكل محطة الفضاء الدولية، وتختبره أيضا القوات العسكرية وشركات الطيران لاستخدامه كبديل للهياكل المعدنية على الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية.
ويعتبر صنع هياكل الصواريخ من البلاستيك المحتوي على هذه الجسيمات أرخص وأسهل من الهياكل المعدنية التي يمكنها حماية الحمل سواء كان ذخيرة أو قمراً صناعياً من الاصطدام مع النفايات التي تطوف بالفضاء وتتحمل برد الفضاء القاسي وحرارة الاحتكاك عند العودة للأرض.
وتصنع نفس الشركة الآنفة الذكر زيتاً لسلاح الجو الأمريكي يمكنه تحمل حرارة تصل إلى 500 درجة فهرنهايت، أي حوالي 100 درجة أعلى من الزيوت الحالية من دون الاحتراق أو الانحلال.
وتقوم شركة (ترايتون) بتطوير تغليف بلاستيكي مقاوم للخدش لخوذات الطيارين في البحرية الأمريكية. وقد يُستخدم هذا التغليف بعدسات النظارات العادية قريبا.
تعد التطبيقات الطبية لتكنولوجيا المنمنات من أهم التطبيقات الواعدة على الإطلاق؛ فقد يتم علاج الإنسان مستقبلاً من خلال التحكم في خلايا جسده، أو عن طريق إدخال آلات دقيقة داخل الخلايا لعلاجها، حيث ستتمكن تلك الآلات المجهرية من أن ترمم الأجسام المعتلة من الداخل، وستقوم أجهزة دقيقة مزروعة في الجسم بتشخيص المرض ومكافحته، وإجراء بعض التحسينات على الآلية الجزيئية التي تدير الخلايا وتتحكم في عملها.
وأول استخدام طبي للتقنية النانوية يثبت جدارته حالياً في التجارب، بعد أن نجحت (تيجال ديساي) من جامعة (إلينوي) الأمريكية في تطوير جهاز مهندس بالتقنية النانوية يزرع في الجسم، بحيث يغني الأشخاص المصابين بالسكري عن استخدام حقن الأنسولين، وقد مضت عدة أسابيع على الفئران المصابة بالسكري ولديها هذا الجهاز مزروعاً في أجسادها من دون أن تحتاج إلى حقن الأنسولين، أو تبدي أي مظاهر تدل على رفض الجهاز المزروع.
وتَعد تطورات كهذه بتغيير طريقة تناولنا للدواء، وتوشك الأجهزة الذكية التي تزرع في الجسم لإعطاء الأدوية بدقة لدى الحاجة إليها، أن تنزل إلى الأسواق، وفي الطريق حاليا أجهزة إلكترونية تأمر الخلايا بإفراز هرمونات محدودة عندما يحتاجها جسم الإنسان، ومولدات للكهرباء ومحركات تجمع نفسها داخل الخلية، وتستغل مصادر الطاقة الخاصة بالخلية لاستعمالها.
تكنولوجية النانو وعلاج السرطان
يمكن للأجهزة الدقيقة أن تعمل بشكل جذري على تغيير علاج السرطان إلى الأفضل وان تزيد بشكل كبير من عدد العناصر العلاجية، وذلك لأن الوسائل الدقيقة، على سبيل المثال يمكن أن تعمل كأدوات مصممة حسب الطلب تهدف لتوصيل الدواء وقادرة على وضع كميات كبيرة من العناصر الكيميائية العلاجية أو الجينات العلاجية داخل الخلايا السرطانية مع تجنب الخلايا السليمة وسوف يعمل ذلك بشكل كبير من تخفيض أو التخلص من المضاعفات الجانبية السلبية التي تصاحب معظم طرق العلاج الحالية للسرطان.
وهناك مثال جيد من العالم البيولوجي وهي كبسولة الفيروس، المصنعة من عدد محدد من البروتينات، كل منها له خصائص كيميائية محددة تعمل معا على إنشاء وسيلة متعددة الوظائف دقيقة لتوصيل المواد الجينية. سوف تعمل تكنولوجية التصغير على تغيير أساس تشخيص وعلاج والوقاية من السرطان، ومن خلال الوسائل الدقيقة المبتكرة القادرة على القيام بوظائف طبية بما في ذلك الكشف عن السرطان في مراحله المبكرة وتحديد موقعه في الجسم وتوصيل الأدوية المضادة للسرطان إلى الخلايا السرطانية وتحديد إذا كانت هذه الأدوية تقتل الخلايا السرطانية أم لا.
تطوير خطة تكنولوجية التصغير لمعالجة السرطان
تقوم خطة تكنولوجية التصغير لمعالجة السرطان على تزويد دعم مهم في هذا المجال من خلال مشاريع داخلية وخارجية ومعمل لتوحيد مقاييس التكنولوجية الدقيقة الذي سوف يعمل على تطوير معايير هامة لأجهزة ووسائل التكنولوجية الدقيقة التي سوف تمكن الباحثين من تطوير واجهات عمل متعددة الوظائف وتقوم بمهام متعددة.
قنابل نانوية لتفجير الخلايا السرطانية
طور علماء من مركز السرطان (ميموريان كيتيرنج) الأمريكي قنابل مجهرية ذكية تخترق الخلايا السرطانية، وتفجرها من الداخل. استخدم العلماء بقيادة (ديفيد شينبيرج) التقنية النانوية في إنتاج القنابل المنمنمة، ومن ثَم استخدامها في قتل الخلايا السرطانية في فئران المختبر. وعمل العلماء على تحرير ذرات مشعة من مادة (أكتينيوم 225) ترتبط بنوع من الأجسام المضادة من (قفص جزيئي)، ونجحت هذه الذرات في اختراق الخلايا السرطانية ومن ثم في قتلها.
وأكد (شينبيرج) أن فريق العلماء توصل إلى طريقة فعالة لربط الذرات بالأجسام المضادة ومن ثَم إطلاقها ضد الخلايا السرطانية. واستطاعت الفئران المصابة بالسرطان أن تعيش 300 يوم بعد هذا العلاج، في حين لم تعِش الفئران التي لم تتلقَّ العلاج أكثر من 43 يوماً.
وتوجد في كل (قنبلة) خلية ذات عناصر إشعاعية قادرة على إطلاق ثلاث جزيئات عند اضمحلالها. وكل جزيئة من هذه الجزيئات تطلق ذرة (ألفا) ذات الطاقة العالية، لذلك فإن وجودها داخل الخلية السرطانية يقلص من احتمال قيام ذرات ألفا بقتل الخلايا السليمة.
وتم تجريب الطريقة على خلايا مستنبَتة مختبرياً من مختلف الأنواع السرطانية التي تصيب الإنسان، مثل الأورام السرطانية في الثدي والبروستاتة وسرطان الدم. وستجرَّب الطريقة أولا في مكافحة سرطان الدم بعد أن تأكد العلماء أن التجارب على الفئران سارت دون ظهور أعراض جانبية.
(النانوبيوتيك).. أحدث بديل
للمضاد الحيوي
توصل العلماء الأمريكيون إلى طريقة علمية جديدة لمكافحة البكتيريا القاتلة التي طورت مقاومة ضد المضادات الحيوية، وللبكتريا القاتلة الفتاكة التي طورت مناعة ذاتية للمضادات الحيوية، والبكتريا المحورة وراثيا المستخدمة عادة في الحرب البيولوجية. ويعتبر هذا النوع الجديد من الأدوية الذكية بديلا غير مسبوق للمضادات الحيوية، ويساعد على حل مشكلة مقاومة هذه الأنواع البكتيرية للأدوية.
ومن المعروف أن الجراثيم نشطت المقاومة للأدوية؛ بسبب إفراط المرضى في استخدام المضادات الحيوية، وعدم إدراك الأطباء لقدرة البكتيريا الكبيرة على تطوير نفسها لمقاومة المضادات الحيوية، كما تدخلت علوم الهندسة الوراثية والمناعة والكيمياء الحيوية في هندسة بعض الكائنات وراثياً بحيث لا تؤثر فيها المضادات الحيوية، كما لا تؤثر فيها الطعوم أو اللقاحات التي تم تحضيرها بناء علي التركيب الجيني للكائنات الطفيلية المُمرِضة العادية . وكانت منظمة الصحة العالمية قد أصدرت مؤخراً تحذيراً من أن جميع الأمراض المُعدية تطور مناعة ضد المضادات الحيوية بصورة منتظمة.
وحسب تقديرات المنظمة فإن التكلفة الكلية لمعالجة الإصابات الناجمة عن العدوى بالبكتريا المقاومة للمضادات الحيوية تبلغ حوالي 10 بلايين دولار سنوياً. كما أن الهلع الذي أصاب الولايات المتحدة والعالم تحسباً لوقوع هجوم كبير بالأسلحة البيولوجية، دفع العلماء للإسراع عن الكشف عن أحدث التقنيات لمكافحة هذا الخطر. ويعد هذا النوع الجديد من الأدوية التي تعرف حاليا ب(النانوبيوتيكس Nanobiotics) من باكورة الإنتاج الطبي لأحد أهم حقول العلم والتقنيات المستقبلية.
يعتمد دواء (النانوبيوتيكس) الجديد علي بيبتيدات حلقية ذاتية التجمع مخلقة صناعياً (synthetic, selfassembling peptide nanotubes)، من الممكن أن تتجمع على هيئة أنابيب أو (دبابيس) نانوية متناهية الصغر لتقوم بثقب جدران البكتريا المعدية الفتاكة المقاومة للمضادات الحيوية، ومعظم الأنواع الأخرى المستخدمة عادة في الحرب البيولوجية.
ومن المعروف أن البيبتيدات الحلقية (Cyclic peptides) الطبيعية حققت نجاحاً كبيراً في مقاومة بعض الجراثيم والميكروبات في الحيوانات والنباتات. كما تم إنتاج مضادات حيوية طبيعية مثل عقار (باسيتراسين Bacitracin)، الذي يُستعمل عموما كمضاد حيوي موضوعي.
كانت البداية التاريخية عندما شكل علماء الكيمياء الحيوية بمعهد (سكريبس) للأبحاث في لايولا بكاليفورنيا أنابيب متناهية الصغر (Nanotubes) من مجموعة من البيبتيدات الحلقية في عام 1992م. وكان الهدف من ذلك هو إنتاج (أنابيب اختبار) على المستوى الجزيئي (Nanoscale) لاستخدامها في الأبحاث الطبية، ولاحظ العلماء أن هناك نشاطاً غريباً لغشاء هذه الأنابيب في عام 1994م، ولذلك اهتموا بتسخيرها في معالجة البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات الحيوية.
تحقق أول نجاح مهم في هذا المجال في شهر أكتوبر (2001م) عندما صمم (ريزا غاديري) وفريق من العلماء الآخرين، في نفس المعهد السابق ذكره، (بيبتيد peptide) تخليقي (عبارة عن تصنيع دقيق لجزيء تفرزه النباتات والحيوانات لمقاومة العدوى)، ووجد العلماء أن هذا النوع من البيبتيد يتخلل غشاء الخلايا البكتيرية، ويحدث به ثقوبا كثيرة تؤدي لقتلها.
أضع بين أيديكم هذا المقال ( الطويييل!) وأرجو أن تتم الاستفادة و...المتعة أثناء قرائته
ويحتوي على العناوين التالية:
تكنولوجيا النانو والكمبيوتر
تكنولوجية IBM للتصغير
علم لا يزال في المهد
تكنولوجيا المنمنمات.. ثورة صناعية ثانية
البلاستيك المهجن!
تكنولوجية النانو وعلاج السرطان
تطوير خطة تكنولوجية التصغير لمعالجة السرطان
قنابل نانوية لتفجير الخلايا السرطانية
(النانوبيوتيك).. أحدث بديل للمضاد الحيوي
تكنولوجيا النانو
تغيير حياة الإنسان نحو الأفضل
http://www.moq3.com/img/up112007/bFa77210.jpg (http://www.moq3.com/img/)
* إعداد : محمد شاهين
تطلق كلمة نانو باللغة الإنجليزية على كل ما هو ضئيل الحجم دقيق الجسم. وقد بدأ مصطلح (تقنية النانو) ينتشر، في مجال الصناعات الإلكترونية، المتصلة بالمعلوماتية. فلو تفحصنا البطاقات المستخدمة في الحواسيب اليوم، وخاصة الحواسيب المحمولة لوجدت أنها مضغوطة إلى درجة كبيرة، فالبطاقة التي لا يزيد سمكها على بضعة ملليمترات، تتكون في الحقيقة من خمس طبقات، أو لنقل رقاقات مضغوطة مع بعضها.
كما أننا لو تفحصنا الكبلات والمكثفات التي كان وزنها يقدر بالكيلوجرام، لوجدنا أن وزنها لا يتجاوز أجزاء الميللي جرام. فقد تضاءل الحجم، وتضاعفت القدرة وكل ذلك بفضل اختزال سُمك الكابلات وضغط حجم المكثفات والدارات، مما قصّر المسافات، التي تقطعها الإلكترونات، وأكسب الحواسيب، سرعة أكبر في تنفيذ العمليات.
تشير عبارة تكنولوجية النانو إلى التفاعلات بين المكونات الخلوية والجزيئية والمواد المهندسة وهي عادة مجموعات من الذرات والجزيئات والأجزاء الجزيئية عن المستوى البدائي الأول للبيولوجيا. وتكون هذه الأشياء الدقيقة بشكل عام ذات أبعاد تقل عن 100 نانومتر ويمكن أن تكون مفيدة بحد ذاتها أو كجزء من أجهزة أكبر تحتوي على أشياء دقيقة متعددة.
وعند المستوى الدقيق (النانو)، نجد أن الخواص الطبيعية والكيميائية والبيولوجية تختلف جوهرياً، وغالبا بشكل غير متوقع عن تلك المواد الكبيرة الموازية لها بسبب أن خواص الكمية الميكانيكية للتفاعلات الذرية يتم التأثير عليها بواسطة التغيرات في المواد على المستوى الدقيق. وفي الواقع أنه من خلال تصنيع أجهزة طبقا لمعيار النانومتر من الممكن السيطرة على الخصائص الجوهرية للمواد بما في ذلك درجة الانصهار والخواص المغنطيسية وحتى اللون بدون تغير التركيب الكيميائي لها.
من جهة أخرى فإن هناك العديد من الاستخدامات التي تخدم مجال الصناعات الإلكترونية مثل مجال صناعة الترانزستورات حيث بدأ مصنعو الترانزيستور في الوصول إلى الحدود الطبيعية لمدى صغر رقائق السيليكون والنحاس التي تصنع منها مثل هذه المواد، وقد ساعدت هذه التقنية هؤلاء العلماء للوصول إلى طريقة مبتكرة لتصنيع ترانزيستورات أصغر بكثير من الرقائق الحالية ليس من خلال تقليل حجم الرقائق الحالية ولكن من خلال تصنيعها من الجزيئات الفردية.
فقد ساعدت الأبحاث التي تم القيام بها بواسطة أربعة علماء يعملون في مركز الأبحاث التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) على تمهيد الطريق لبناء ترانزيستورات من الأنابيب الكربونية البالغة الصغر التي تم صنعها من طبقة واحدة من الذرات الكربونية يتم قياسها من خلال النانومتر (واحد نانومتر يعادل واحد على بليون من المتر).
واستنتج العلماء إمكانية تصنيع الترانزستورات من الأنابيب البالغة الصغر، وشملت اكتشافاتهم الغوارتيمية لتشكيل هذه التطبيقات، والتقنيات الجديدة لإرسال المعلومات، والمكونات الكربونية التي تعمل مثل المحطات الطرفية لمفتاح تشغيل الترانزيستور ووسائل استخدام سلاسل أنابيب النانو بالأنظمة الإلكترونية.
البديل الكربوني ومن إحدى المعايير المعروفة لتكنولوجية المعلومات هو قانون مور، الذي قام المؤسس الشريك في شركة انتل (جورودون مور) بوضعه، والذي ينص على أن عدد الترانزيستورات المتواجدة في بوصة مربعة واحدة بالدوائر المتكاملة سوف يتضاعف كل 18 شهر، إلا إن مصنعي الرقائق من المتوقع أن يصلوا قريبا إلى الحدود التقليدية للرقائق.
هذا وتتطلب تقنية التطوير الحالية لأشباه الموصلات تخفيض حجم ترانزستورات السيلكون أو ببساطة الإسراع في نظم الإرسال الحالية.
ومن غير المرجح أن يعمل هذا التوجه من الأعلى إلى الأسفل نحو نمنمة الترانزيستورات والليزر ذي الصمام الثنائي وهو مكونات البناء الجوهرية لنظم الكمبيوتر والاتصالات أن يتمكن من الوفاء بالطلب المتزايد على المعالجة والبث البالغ السرعة للمعلومات. حتى وإن تم تصنيع الرقائق بحجم صغير بشكل كاف، فإن هذه الدوائر الموضوعة بشكل مكثف بجانب بعضها البعض سوف تنبعث عنها حرارة شديدة يصعب تبريدها بشكل فعال.
وإذا استمر تخفيض حجم الرقائق، يتعين العثور على طريقة جديدة لتصنيعها، وبما أن الأنابيب الدقيقة تم اكتشافها في عام 1991، فقد قدمت نفسها كمرشح للخطوة القادمة في النمنمة أو التصغير الكبير في الحجم، وقد اهتم علماء الطبيعة بهذه الأنابيب بسبب خصائصها الإلكترونية حيث يمكنها العمل إما كمعادن أو أشباه موصلات.
وبصفتها معادن، يمكنها توصيل موجات بالغة الارتفاع بدون الانحلال والسخونة التي لا تزال تشكل مشاكل مع الأسلاك النحاسية، وبصفتها أشباه موصلات، يمكن استخدامها في الترانزيستورات الدقيقة العالية الأداء.
وعند استكشاف البدائل للطريقة التقليدية من أعلى إلى أسفل لتخفيض حجم ترانزستورات السيلكون، أدرك العلماء أن الأجهزة التي تعتمد على الأنابيب الدقيقة المنمنمة يمكن بناؤها من اسفل إلى أعلى من خلال الدقة الذرية.
وتعتبر الأجهزة الناتجة عن ذلك بواسطة العلماء الآخرين نوعا جديدا من الترانزيستورات. فترانزيستور الأنابيب المصغرة تقل بمقدار 60.000 مرة عن الترانزيستور التقليدي.
وقال سريفستافا الذي قام بالتركيز على جعل الأنابيب الدقيقة تعمل مثل مفاتيح التشغيل (يمكنك وضع المزيد من الترانزستورات في مساحة صغيرة)، ويضيف إن زيادة كثافة الترانزستورات تعمل في العادة على زيادة كثافة الطاقة التي تقوم ببث حرارة كبيرة تجعل الجهاز يحرق نفسه، إلا أن الهيكل الكربوني يحتاج لطاقة أقل ولذلك يمكن تشغيل الترانزيستور بحرارة وطاقة اقل.
ومن ناحية أخرى قام العلماء بدراسة مواد تكنولوجية التصغير المحتملة، نظرياً أو من خلال محاكاة الكمبيوتر، حيث اكتشفوا مميزات ومساوئ بناء مفاتيح التشغيل والترانزستورات المنمنمة باستخدام أنابيب كربونية دقيقة متنوعة الارتباط، وسلاسل ذرية مصنوعة من الذرات الفردية أو حتى جزيئات DNA إلا أن مساهمتهم الرئيسية تمثلت في تركيزهم على بناء الأجهزة الدقيقة، وقالوا انه إذا تعين على المطورين بناء أجهزة دقيقة من الأسفل إلى الأعلى، فإنهم سوف يكونون بحاجة لتوجهات جديدة تماما نحو التطوير.
وفيما يلي بعض استنتاجات كل باحث من الباحثين الأربعة:
المطورون بحاجة لطريقة لصياغة شكل الأجهزة الدقيقة، وذلك لأن الطرق التقليدية لا يمكنها أن تصف كيفية تدفق التيار الكهربائي من خلال الجهاز الدقيق، وقام فريق الباحث انانترام بوضع غوارتيمية مبتكرة.
ركزت أبحاث الباحث نينج بشكل رئيسي على بث المعلومات حيث اكتشف أن نظام البث يمكن أن يعتمد على تسخين الإلكترونات في سلك دقيق لأشباه الموصلات بدلا عن تشغيل وإغلاق التيار الكهربائي.
بعد دراسة تكوين واستقرار وهيكل سلوك رد الفعل الإلكتروني للوصلات المختلفة في الأنابيب الدقيقة، قام سيرفستافا بابتكار سلسلة من الهياكل التي تعتمد تماما على الكربون والتي يمكن أن تؤدي كافة وظائف الأجهزة الثلاثية الطرق اللازمة لدوائر الكمبيوتر. قام ياماد بابتكار طريقة لصنع سلاسل ذرية لأشباه الموصلات خاصة بالتطبيقات الإلكترونية.
تكنولوجيا النانو والكمبيوتر
تتلخص فكرة استخدام تقنية النانو في إعادة ترتيب الذرات التي تتكون منها المواد في وضعها الصحيح، وكلما تغير الترتيب الذري للمادة كلما تغير الناتج منها إلى حد كبير. وبمعنى آخر فإنه يتم تصنيع المنتجات المصنعة من الذرات، وتعتمد خصائص هذه المنتجات على كيفية ترتيب هذه الذرات، فإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الفحم يمكننا الحصول على الماس، أما إذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الرمل وأضفنا بعض العناصر القليلة يمكننا تصنيع رقائق الكمبيوتر. وإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الطين والماء والهواء يمكننا الحصول على البطاطس.
وما يعكف عليه العلم الآن أن يغير طريقة الترتيب بناء على النانو، من مادة إلى أخرى، وبحل هذا اللغز فإن ما كان يحلم به العلماء قبل قرون بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب سيكون ممكنا، لكن الواقع أن الذهب سيفقد قيمته!!.
وتعتبر طرق التصنيع اليوم غير متقنة على مستوى الجزيئات. فالصب والطحن والجلخ وحتى الطباعة على الحجر تقوم بنقل الذرات في مجموعات ضخمة، مثل محاولة تصنيع أشياء من مكعبات الليجو أثناء ارتداء قفازات الملاكمة، وفي المستقبل، سوف تسمح لنا تكنولوجية التصغير أن نقوم بالتخلص من قفازات الملاكمة وان تقوم بترتيب مكونات البناء الجوهرية للطبيعة بسهولة وبدون تكلفة وفي معظم الأحيان حسبما تسمح به قوانين الطبيعة، وسوف يكون هذا الأمر حيوياً وهاماً إذا تعين علينا الاستمرار في ثورة مكونات الكمبيوتر لتمتد بعد القرن القادم، كما سوف تسمح بتصنيع جيل جديد تماما من المنتجات الأنظف والأقوى والأخف وزنا بل والأكثر دقة. ومن الجدير بالذكر أن كلمة (تكنولوجية التصغير) أو (نانو تكنولوجي) أصبحت شائعة إلى حد كبير ويتم استخدامها لوصف العديد من أنواع الأبحاث حيث تكون أبعاد المادة المصنعة اقل من 1.000 نانومتر، على سبيل المثال التحسينات المستمرة في الطباعة على الحجر نتج عنها عرض خطوط أقل من ميكرون واحد.
فالكثير من توجهات التحسن في قدرة وحدات ومكونات الكمبيوتر ظلت ثابتة خلال الـ 50 سنة الأخيرة وهناك اعتقاد شائع أن هذه التوجهات سوف تستمر على الأقل لعدة سنوات، وبعد ذلك سوف تصل الطباعة الحجرية إلى حدودها في ذلك الوقت.
فإذا تعين علينا الاستمرار في هذه التوجهات يجب أن نقوم بتطوير تكنولوجية تصنيع جيدة تسمح لنا ببناء أنظمة كمبيوتر بشكل غير مكلف بواسطة كميات من العناصر المنطقية التي تكون جزيئية في كل من الحجم والدقة، ومرتبطة ببعضها البعض من خلال أنماط معقدة وبالغة الحساسية. وسوف تسمح تكنولوجية التصغير بالقيام بذلك. ويمكننا استخدام مصطلح (تكنولوجية التصغير الجزيئية) أو (التصنيع الجزيئي) بدلا عن (النانو تكنولوجي) ولكن أيًّا كان المصطلح الذي نقوم باستخدامه، فإنه يتعين عليه أن يسمح لنا بان نقوم بشكل جوهري بوضع كل ذرة في المكان الصحيح، وان نجعل كل هيكل متناسق مع قوانين الطبيعة التي يمكن أن نحددها بالتفاصيل الجزيئية، مع عدم تجاوز تكاليف التصنيع بشكل بالغ لتكلفة المواد الخام والطاقة المطلوبة.
ومن الواضح أننا سوف نكون سعداء بأي طريقة تحقق بشكل متزامن أول ثلاثة أهداف، إلا أنه يبدو انه من الصعوبة استخدام بعض أنماط التركيب المكاني (أي وضع أجزاء الجزيئات الصحيحة في المكان الصحيح) وبعض أشكال النسخ المتطابقة الذاتية (لتقليل التكلفة). وتنطوي الحاجة للحصول على التجميع المكاني على الاهتمام بالآليات الجزيئية (أي الأجهزة الآلية التي تكون جزيئيه من حيث حجمها ودقتها). ومن المحتمل أن تقوم هذه الآليات المكانية على النطاق الجزيئي بإعادة تجميع النسخ البالغة الصغر من الأجزاء المقابلة لها الميكروسكوبية. ويتم استخدام التجميع المكاني بشكل متكرر في التصنيع الميكروسكوبي اليوم مع ربط كلتا يديك خلف ظهرك! ففكرة السيطرة على وضع الذرات الفردية والجزيئات لا تزال حديثة، إلا انه يتعين علينا أن نستخدم على المستوى الجزيئي المفهوم الذي بين فعاليته على المستوى الميكروسكوبي، ونجعل الأجزاء تذهب إلى المكان الذي نريد منها الذهاب إليه.
وينجم عن شرط التكلفة المنخفضة اهتمام بأنظمة تصنيع النسخ المتطابقة ذاتياً، حيث يمكن لهذه النظم القيام بعمل نسخ عن نفسها وتصنيع منتجات مفيدة. فإذا أمكننا تصميم وبناء هذا النظام، فإن تكلفة تصنيع هذا النظام وتكاليف تصنيع الأنظمة المشابهة والمنتجات التي تعمل على إنتاجها (بافتراض قدرتها على إنتاج نسخ عن نفسها في بيئة غير مكلفة بشكل معقول) سوف تكون منخفضة للغاية.
تكنولوجية IBM للتصغير
تهدف أبحاث شركة IBM في مجال تكنولوجية التصغير إلى تصميم مكونات وهياكل ذرية جديدة على المستوى الجزيئي لتحسين تكنولوجيات المعلومات، بالإضافة إلى اكتشاف وفهم أساسها العلمي. ومن خلال ريادة تطوير تكنولوجية التصغير أو النانو، استطاع علماء شركة IBM وضع دراسات لهذه التكنولوجيات على مستوى النانو أو التكنولوجية القزمية. وعلى وجه التحديد، فإن الأنابيب الكربونية المصغرة ومسبار الفحص الذي تم إنتاجه من ميكروسكوب الطاقة الذرية يقدم وعداً بتمكين تحسين الدوائر ووسائل تخزين البيانات.
ويؤدي البحث في جزيئات النانو إلى تطبيقات في الطب الطبيعي بالإضافة إلى التخزين على القرص الصلب للكمبيوتر.
ومما يذكر أن الأبحاث في مجال تخزين المعلومات بواسطة تكنولوجية النانو الميكانيكية، مثل مشروع شركة IBM الذي يطلق عليه MILLIPEDE سوف تستمر في زيادة احتمالات زيادة كثافة التخزين الهوائي.
علم لا يزال في المهد
وتستخدم تقنية (النانو) الخصائص الفيزيائية المعروفة للذرات والجزيئات لصناعة أجهزة ومعدات جديدة ذات سمات غير عادية وعند إحكام قبضة العلماء على جوانب هذا العلم الخارق يصبح في حكم المؤكد تحقيق إنجازات تفوق ما حققته البشرية منذ ظهورها على الأرض قبل ملايين السنين. ويقول الخبراء أن تقنية النانو تعد البشرية بثورة علمية هائلة قد تتغير معها ملامح الحياة في جميع النواحي الصحية والتعليمية والمالية.. الخ، بما يجعل الحياة أفضل، ويساعد في التخلص من الأمراض المستعصية التي يعاني منها الناس على مدى قرون طويلة.
كذلك ستعمل النانو على تحسين أساليب الإنتاج الزراعي والصناعي وتخفض التكاليف على نحو غير مسبوق مما يعني مزيدا من الراحة ونهاية المتاعب لإنسان العصر.
هذا وتشهد المختبرات في الوقت الراهن سباقاً محموماً بين الباحثين يهدف لوضع مخطط تفصيلي عام يوضح وظائف (طرق عمل البروتينات في إطارها الكيميائي فيما يهتم الفيزيائيون بدراسة هياكل هذه المواد وخصائصها الوظيفية وذلك بهدف تركيب البروتينات بنسخ صناعة ذات خصائص جديدة وبجزيئات أكبر وأكثر تعقيداً ويحصر الباحثون مهامهم في الوقت الحالي في تصميم روبوت ضئيل الحجم قادر على تحريك الجزيئات وذلك حتى يكون ممكنا لها مضاعفة ذاتها بشكل آلي دون تدخل العوامل الخارجية. وفيما يتعلق بجسم الإنسان يتوقع أن تعمل تقنية النانو على مكافحة أمراض الجسم وإعادة إنتاج الخلايا الميتة ومضاعفتها والقيام بدور الشرطي في الجسم لحماية الأجهزة لتدعيم جهاز المناعة لدى الإنسان.
تكنولوجيا المنمنمات..
ثورة صناعية ثانية
لقد كان هناك تساؤل يثار منذ فترة بعيدة عن التطورات التي يمكن أن تحدث في مجال التصنيع إذا ما تمكن الإنسان من السيطرة على الذرة بشكل جيد والاستفادة منها كما ينبغي عن طريق تحريكها؟ وكان أول من أثار هذا التساؤل عالم الفيزياء ريتشارد فينمان حيث تساءل عن (ماذا سيحدث إذا أصبح بمقدور العلماء ترتيب الذرات بالطريقة التي يريدونها؟).
جاء ذلك في إطار إعلانه عن ظهور تقنية حديثة في مهدها الأول في ذلك الوقت، سميت بالتقنية النانوية أو النانوتكنولوجيا (Nanotechnology) . ولقد مضى على إعلان (فينمان) ما يربو على أربعة عقود من الزمان حتى الآن، وبالرغم من أن التطور في هذه التقنية قد تأخر نسبياً بالمقارنة بالتقدم المطرد في علوم الكمبيوتر مثلا، لكن هذه التقنية عاودت الظهور بكثافة عالية مؤخراً، على هيئة مبتكرات وتقارير علمية في كثير من المطبوعات العلمية العالمية.
لكن هناك ثمة اتفاقا على أن عام 1990م هو البداية الحقيقية لعصر التقنية النانوية، ففي ذلك العام، تمكن الباحثون في مختبر فرعي لإحدى شركات الإلكترونات العالمية العملاقة من صنع أصغر إعلان في العالم، حيث استخدموا 35 ذرة من عنصر الزينون في كتابة اسم الشركة ذي الحروف الثلاثة على واجهة مقر فرعها بالعاصمة السويسرية! ويتنبأ العلماء بمستقبل واعد لهذه التقنية، التي باتت الدول الصناعية في أوروبا واليابان والولايات المتحدة تضخ إليها ملايين الدولارات من أجل تطويرها.
والولايات المتحدة وحدها التزمت هذا العام بتخصيص أكثر من 497 مليون دولار للتقنية النانوية واستخداماتها، كما أن شركات الكمبيوتر الكبرى المهتمة بالبحث العلمي، مثل (هيوليد باكارد) و(آي بي إم) و(ثري إم) تقوم بتخصيص ما يصل إلى ثلث المبالغ المخصصة للبحوث العلمية على التقنية النانوية.
وقد ظهرت عدة تقارير علمية دفعة واحدة، واحتلت أبحاث النانوتكنولوجي باباً كاملاً في مجلة العلم الأمريكية (ساينس) في تشرين الثاني نوفمبرِ (2000م)، ثم تلاها عدة تقارير في مطبوعات علمية أخرى كمجلة الطبيعة (نيتشر).
كما نجح العلماء في الآونة الأخيرة في التوصل لأولى المنتجات التطبيقية المعتمدة على التقنية النانوية، ولقد بات في الإمكان وصولها للأسواق في غضون السنوات القليلة القادمة، وسوف نعرض لبعض من هذه المستجدات في هذا المقال.
البلاستيك المهجن!
وبينما لن تكون هذه التكنولوجيا جاهزة لصنع أية آلات أو معالجات كومبيوتر لعشر سنوات على الأقل فالباحثون في علم المواد يستخدمونها لتغيير خواص البلاستيك والزيوت والأنسجة لتصبح مقاومة للحرارة وزيادة قوتها ومرونتها.
وتقوم حالياً شركة (هايبرد بلاستيكس)، أو البلاستيك المهجن، بإضافة مواد مصنعة عن طريق التقنية النانوية لمواد تمتد من مزيتات المحركات النفاثة وحتى ألواح الدوائر الكهربائية في القوارب وأحواض السباحة. وتعتبر هذه الجسيمات الدقيقة التي تبيعها الشركة صغيرة جداً لدرجة أن قطر أكبر جسيم يقدر بحوالي 3 نانومتر،(أي واحد من مليار من المتر).
وتُكسب هذه الجسيمات البلاستيك خواص فريدة كالقدرة على مقاومة الحرارة واللهب والبرد، فضلا عن زيادة صلابته.
ومن شركات الكيماويات الأخرى التي تدرس مجال التقنية النانوية شركة (دوبونت) التي يحاول علماؤها صناعة ألياف توصل الكهرباء ويمكنها تغيير شكلها من المستدير إلى المثلث والمربع. وتهدف (دوبونت) لاستخدام هذه الألياف في الثياب التي تغير لونها وحجمها وفقا لطلب المرتدي.
كما تقوم شركة (نانوفيز تكنولوجيز) ببيع جسيمات دقيقة مثل أكسيد الزنك مصنعة عن طريق استخدام التقنية النانوية لصانعي شتى المنتجات من التغليف الصناعي إلى مستحضرات التجميل.
وتختبر (ناسا) أنواعاً جديدة من البلاستيك الذي يحتوي على هذه الجسيمات على هيكل محطة الفضاء الدولية، وتختبره أيضا القوات العسكرية وشركات الطيران لاستخدامه كبديل للهياكل المعدنية على الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية.
ويعتبر صنع هياكل الصواريخ من البلاستيك المحتوي على هذه الجسيمات أرخص وأسهل من الهياكل المعدنية التي يمكنها حماية الحمل سواء كان ذخيرة أو قمراً صناعياً من الاصطدام مع النفايات التي تطوف بالفضاء وتتحمل برد الفضاء القاسي وحرارة الاحتكاك عند العودة للأرض.
وتصنع نفس الشركة الآنفة الذكر زيتاً لسلاح الجو الأمريكي يمكنه تحمل حرارة تصل إلى 500 درجة فهرنهايت، أي حوالي 100 درجة أعلى من الزيوت الحالية من دون الاحتراق أو الانحلال.
وتقوم شركة (ترايتون) بتطوير تغليف بلاستيكي مقاوم للخدش لخوذات الطيارين في البحرية الأمريكية. وقد يُستخدم هذا التغليف بعدسات النظارات العادية قريبا.
تعد التطبيقات الطبية لتكنولوجيا المنمنات من أهم التطبيقات الواعدة على الإطلاق؛ فقد يتم علاج الإنسان مستقبلاً من خلال التحكم في خلايا جسده، أو عن طريق إدخال آلات دقيقة داخل الخلايا لعلاجها، حيث ستتمكن تلك الآلات المجهرية من أن ترمم الأجسام المعتلة من الداخل، وستقوم أجهزة دقيقة مزروعة في الجسم بتشخيص المرض ومكافحته، وإجراء بعض التحسينات على الآلية الجزيئية التي تدير الخلايا وتتحكم في عملها.
وأول استخدام طبي للتقنية النانوية يثبت جدارته حالياً في التجارب، بعد أن نجحت (تيجال ديساي) من جامعة (إلينوي) الأمريكية في تطوير جهاز مهندس بالتقنية النانوية يزرع في الجسم، بحيث يغني الأشخاص المصابين بالسكري عن استخدام حقن الأنسولين، وقد مضت عدة أسابيع على الفئران المصابة بالسكري ولديها هذا الجهاز مزروعاً في أجسادها من دون أن تحتاج إلى حقن الأنسولين، أو تبدي أي مظاهر تدل على رفض الجهاز المزروع.
وتَعد تطورات كهذه بتغيير طريقة تناولنا للدواء، وتوشك الأجهزة الذكية التي تزرع في الجسم لإعطاء الأدوية بدقة لدى الحاجة إليها، أن تنزل إلى الأسواق، وفي الطريق حاليا أجهزة إلكترونية تأمر الخلايا بإفراز هرمونات محدودة عندما يحتاجها جسم الإنسان، ومولدات للكهرباء ومحركات تجمع نفسها داخل الخلية، وتستغل مصادر الطاقة الخاصة بالخلية لاستعمالها.
تكنولوجية النانو وعلاج السرطان
يمكن للأجهزة الدقيقة أن تعمل بشكل جذري على تغيير علاج السرطان إلى الأفضل وان تزيد بشكل كبير من عدد العناصر العلاجية، وذلك لأن الوسائل الدقيقة، على سبيل المثال يمكن أن تعمل كأدوات مصممة حسب الطلب تهدف لتوصيل الدواء وقادرة على وضع كميات كبيرة من العناصر الكيميائية العلاجية أو الجينات العلاجية داخل الخلايا السرطانية مع تجنب الخلايا السليمة وسوف يعمل ذلك بشكل كبير من تخفيض أو التخلص من المضاعفات الجانبية السلبية التي تصاحب معظم طرق العلاج الحالية للسرطان.
وهناك مثال جيد من العالم البيولوجي وهي كبسولة الفيروس، المصنعة من عدد محدد من البروتينات، كل منها له خصائص كيميائية محددة تعمل معا على إنشاء وسيلة متعددة الوظائف دقيقة لتوصيل المواد الجينية. سوف تعمل تكنولوجية التصغير على تغيير أساس تشخيص وعلاج والوقاية من السرطان، ومن خلال الوسائل الدقيقة المبتكرة القادرة على القيام بوظائف طبية بما في ذلك الكشف عن السرطان في مراحله المبكرة وتحديد موقعه في الجسم وتوصيل الأدوية المضادة للسرطان إلى الخلايا السرطانية وتحديد إذا كانت هذه الأدوية تقتل الخلايا السرطانية أم لا.
تطوير خطة تكنولوجية التصغير لمعالجة السرطان
تقوم خطة تكنولوجية التصغير لمعالجة السرطان على تزويد دعم مهم في هذا المجال من خلال مشاريع داخلية وخارجية ومعمل لتوحيد مقاييس التكنولوجية الدقيقة الذي سوف يعمل على تطوير معايير هامة لأجهزة ووسائل التكنولوجية الدقيقة التي سوف تمكن الباحثين من تطوير واجهات عمل متعددة الوظائف وتقوم بمهام متعددة.
قنابل نانوية لتفجير الخلايا السرطانية
طور علماء من مركز السرطان (ميموريان كيتيرنج) الأمريكي قنابل مجهرية ذكية تخترق الخلايا السرطانية، وتفجرها من الداخل. استخدم العلماء بقيادة (ديفيد شينبيرج) التقنية النانوية في إنتاج القنابل المنمنمة، ومن ثَم استخدامها في قتل الخلايا السرطانية في فئران المختبر. وعمل العلماء على تحرير ذرات مشعة من مادة (أكتينيوم 225) ترتبط بنوع من الأجسام المضادة من (قفص جزيئي)، ونجحت هذه الذرات في اختراق الخلايا السرطانية ومن ثم في قتلها.
وأكد (شينبيرج) أن فريق العلماء توصل إلى طريقة فعالة لربط الذرات بالأجسام المضادة ومن ثَم إطلاقها ضد الخلايا السرطانية. واستطاعت الفئران المصابة بالسرطان أن تعيش 300 يوم بعد هذا العلاج، في حين لم تعِش الفئران التي لم تتلقَّ العلاج أكثر من 43 يوماً.
وتوجد في كل (قنبلة) خلية ذات عناصر إشعاعية قادرة على إطلاق ثلاث جزيئات عند اضمحلالها. وكل جزيئة من هذه الجزيئات تطلق ذرة (ألفا) ذات الطاقة العالية، لذلك فإن وجودها داخل الخلية السرطانية يقلص من احتمال قيام ذرات ألفا بقتل الخلايا السليمة.
وتم تجريب الطريقة على خلايا مستنبَتة مختبرياً من مختلف الأنواع السرطانية التي تصيب الإنسان، مثل الأورام السرطانية في الثدي والبروستاتة وسرطان الدم. وستجرَّب الطريقة أولا في مكافحة سرطان الدم بعد أن تأكد العلماء أن التجارب على الفئران سارت دون ظهور أعراض جانبية.
(النانوبيوتيك).. أحدث بديل
للمضاد الحيوي
توصل العلماء الأمريكيون إلى طريقة علمية جديدة لمكافحة البكتيريا القاتلة التي طورت مقاومة ضد المضادات الحيوية، وللبكتريا القاتلة الفتاكة التي طورت مناعة ذاتية للمضادات الحيوية، والبكتريا المحورة وراثيا المستخدمة عادة في الحرب البيولوجية. ويعتبر هذا النوع الجديد من الأدوية الذكية بديلا غير مسبوق للمضادات الحيوية، ويساعد على حل مشكلة مقاومة هذه الأنواع البكتيرية للأدوية.
ومن المعروف أن الجراثيم نشطت المقاومة للأدوية؛ بسبب إفراط المرضى في استخدام المضادات الحيوية، وعدم إدراك الأطباء لقدرة البكتيريا الكبيرة على تطوير نفسها لمقاومة المضادات الحيوية، كما تدخلت علوم الهندسة الوراثية والمناعة والكيمياء الحيوية في هندسة بعض الكائنات وراثياً بحيث لا تؤثر فيها المضادات الحيوية، كما لا تؤثر فيها الطعوم أو اللقاحات التي تم تحضيرها بناء علي التركيب الجيني للكائنات الطفيلية المُمرِضة العادية . وكانت منظمة الصحة العالمية قد أصدرت مؤخراً تحذيراً من أن جميع الأمراض المُعدية تطور مناعة ضد المضادات الحيوية بصورة منتظمة.
وحسب تقديرات المنظمة فإن التكلفة الكلية لمعالجة الإصابات الناجمة عن العدوى بالبكتريا المقاومة للمضادات الحيوية تبلغ حوالي 10 بلايين دولار سنوياً. كما أن الهلع الذي أصاب الولايات المتحدة والعالم تحسباً لوقوع هجوم كبير بالأسلحة البيولوجية، دفع العلماء للإسراع عن الكشف عن أحدث التقنيات لمكافحة هذا الخطر. ويعد هذا النوع الجديد من الأدوية التي تعرف حاليا ب(النانوبيوتيكس Nanobiotics) من باكورة الإنتاج الطبي لأحد أهم حقول العلم والتقنيات المستقبلية.
يعتمد دواء (النانوبيوتيكس) الجديد علي بيبتيدات حلقية ذاتية التجمع مخلقة صناعياً (synthetic, selfassembling peptide nanotubes)، من الممكن أن تتجمع على هيئة أنابيب أو (دبابيس) نانوية متناهية الصغر لتقوم بثقب جدران البكتريا المعدية الفتاكة المقاومة للمضادات الحيوية، ومعظم الأنواع الأخرى المستخدمة عادة في الحرب البيولوجية.
ومن المعروف أن البيبتيدات الحلقية (Cyclic peptides) الطبيعية حققت نجاحاً كبيراً في مقاومة بعض الجراثيم والميكروبات في الحيوانات والنباتات. كما تم إنتاج مضادات حيوية طبيعية مثل عقار (باسيتراسين Bacitracin)، الذي يُستعمل عموما كمضاد حيوي موضوعي.
كانت البداية التاريخية عندما شكل علماء الكيمياء الحيوية بمعهد (سكريبس) للأبحاث في لايولا بكاليفورنيا أنابيب متناهية الصغر (Nanotubes) من مجموعة من البيبتيدات الحلقية في عام 1992م. وكان الهدف من ذلك هو إنتاج (أنابيب اختبار) على المستوى الجزيئي (Nanoscale) لاستخدامها في الأبحاث الطبية، ولاحظ العلماء أن هناك نشاطاً غريباً لغشاء هذه الأنابيب في عام 1994م، ولذلك اهتموا بتسخيرها في معالجة البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات الحيوية.
تحقق أول نجاح مهم في هذا المجال في شهر أكتوبر (2001م) عندما صمم (ريزا غاديري) وفريق من العلماء الآخرين، في نفس المعهد السابق ذكره، (بيبتيد peptide) تخليقي (عبارة عن تصنيع دقيق لجزيء تفرزه النباتات والحيوانات لمقاومة العدوى)، ووجد العلماء أن هذا النوع من البيبتيد يتخلل غشاء الخلايا البكتيرية، ويحدث به ثقوبا كثيرة تؤدي لقتلها.