المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الضوء يقلِّب مفتاح الترانزستور



علاء البصري
08-10-2013, 01:19 PM
الترانزستورات، تلك المفاتيح الضئيلة التي تتقلب وتتبدل فتحًا وإغلاقًا داخل شرائح الحاسوب، كانت لزمن طويل هي الميدان الأهم للكهرباء، لكن العلماء بدأوا أخيرًا في تطوير مكوّنات شرائح تعمل باستخدام الضوء. ففي حدث لافت مؤخرًا، أفاد فريق من الباحثين ـ بمعهد تكنولوجيا ماساتشوستس في كمبريدج ـ أنه نجح في بناء ترانزستور يفتح ويغلق باستخدام فوتون واحد.
من المعلوم أن الفوتونات تُستخدم فقط لتوصيل المعلومات، وذلك عبر كابلات الألياف البصرية بسرعات فائقة ليس لها نظير. وأول شريحة سيليكون ستكون متاحة تجاريًّا، وتحتوي على مكونات ضوئية تم الإعلان عنها في ديسمبر الماضي، لكنها لم تقدم ما يمثل تحديًا للموجود حاليًا. فأشعة الضوء المحمولة داخل الجهاز تم تطويرها في مركز أبحاث شركة آي بي إم IBM في يوركتاون هايتس، نيويورك، وهي تنقل المعلومات فقط بين شرائح الحاسوب.
ومؤخرًا، تقوم وِنلان تشِن وزملاؤها ـ بمعهد تكنولوجيا ماساتشوستس ـ بتعليم الضوء بعض حيل جديدة باستخدام سحابة من ذرات السيزيوم المبردة معلّقة بين مرآتين. الحالة الافتراضية للترانزستور هي الفتح (on)؛ مما يسمح بمرور شعاع من الضوء خلال سحابة السيزيوم الشفافة دون تدخل، لكن إرسال فوتون «بوابة» واحد يغلق المفتاح، وذلك بسبب تأثير ظاهرة تسمى «الشفافية المُستحثّة كهرومغناطيسيًّا». فالفوتون الذي يتم حقنه يثير ذرات السيزيوم؛ مما يجعلها عاكسة للضوء الذي يحاول عبور السحابة (انظر: «إطفاء الضوء»). فوتون واحد إذن يستطيع أن يعترض مرور حوالي 400 فوتون آخر، حسب قول تشِن، التي قدمت نتائجها في السابع من يونيو الماضي في لقاء شعبة الفيزياء الذَّرِّية والجزيئية والبصرية AMO بجمعية الفيزياء الأمريكية، المنعقد بمدينة كيبيك بكندا.
http://arabicedition.nature.com/large/911.jpg

تحقِّق إمكانية فتح وإغلاق إشارة قوية— باستخدام إشارة ضعيفة—متطلبًا أساسيًا للترانزستور الضوئي. يقول أتاشي إمام أوغلو، الفيزيائي بمعهد التكنولوجيا الفيدرالي السويسري في زيوريخ: «لم نقترب حتى من شيء كهذا في السابق». ويَعتبر إمام أوغلو التجربةَ «اختراقًا حقيقيًّا». ونظريًّا، فالتحكم بمئات الفوتونات بواسطة إطلاق فوتون واحد يتيح لنا القدرة على نشر وإغلاق مئات الترانزستورات الأخرى داخل دارة بصرية (ضوئية).
وباستخدام سُحُب الذرات الغريبة تلك، والمعدات الضخمة، فهذا الترانزستور المطور لإثبات المبدأ لا يرجَّح أن يصبح مكوّنًا في الحواسيب المستخدمة يوميًّا، لكن يمكن أن يكون أداة مفيدة في دراسة كيفية تفاعل الفوتونات على المستوى الكمي، وهو ما قد يؤدي إلى ترانزستور كمي يقلّب لنا وحدة (بِت) bit غامضة من المعلومات الكمية، وليس قيم الواحد أو الصفر، كما في الحوسبة التقليدية.
وكان ترانزستور بصري وعملي أكثر قد ظهر لأول مرة في إبريل 2012 بجامعة بوردو في ويست لافاييت، إنديانا، حيث أنتج المهندس الكهربي مينخاو تشي ترانزستورًا متوافقًا مع تقنيات التصنيع الراهنة لصناعة أشباه الموصلات1 (http://arabicedition.nature.com/journal/2013/07/498149a?WT.mc_id=TWT_+NatureArabicE d#ref1). يقول تشي: «ميزة جهازنا أننا وضعناه على شريحة سيليكون».
وفي هذه الحالة، فإن شعاع الضوء ـ الذي سيتقلب فتحًا وإغلاقًا ـ سيدخل ويخرج عبر قناة محفورة في السيليكون، موضوعة بجانب قناة موازية أخرى. وبين القناتين هناك حلقة محفورة. وحينما يمر شعاع أضعف خلال القناة الضوئية الثانية، تسخن الحلقة وتتضخم، فتتداخل مع الشعاع الرئيس، وتطفئ الترانزستور. ويستطيع هذا المفتاح أن يتقلب فتحًا وإغلاقًا 10 مليارات مرة في الثانية.
ويمكن للشعاع المخرَج أن ينتشر ويحرّك ترانزستورين آخرين، وهو ما يحقِّق أحد متطلبات2 (http://arabicedition.nature.com/journal/2013/07/498149a?WT.mc_id=TWT_+NatureArabicE d#ref2) الترانزستور الضوئي، كما وضعها ديفيد ميلر، الفيزيائي في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، في عام 2010. وتضم الشروط الأخرى أن يكون تردد الإشارة المُخرَجة مضاهيًا لتردد الإشارة المُدخَلة، وأن يكون المُخرَج نظيفًا بدون أي انحطاط يمكن أن يسبِّب أخطاء. يقول ميلر إن «صنع ترانزستور ضوئي يلبي كامل المعايير الضرورية أمرٌ بالغ الصعوبة».
ولا يتوقع تشي أن ينافس ترانزستوره الضوئي نظيره الإلكتروني، نظرًا إلى أن الأول يستهلك طاقة أكثر بكثير، ويعمل بشكل أبطأ. يقول تشي: «نريد أن نكمّل ترانزستور إنتل الإلكتروني». ويضيف: «ولا نريد أن نستبدل به». ويأمل تشي أن يجد موطئ قدم في الأسواق المتخصصة، مثل معدات تشفير وتشويش قنوات الكابل، والتقنيات العسكرية التي قد تستفيد من طبيعة الضوء المستعصية على الاختراق بأي هجوم كهرومغنطيسي.
المسيِّرات routers التي تقود المعلومات عبر الإنترنت يمكن أن تناسب تطبيقات الترانزستور الضوئي والمفاتيح الضوئية. وحاليًا، نقاط التوقف في أي شبكة تحوّل الإشارات الضوئية المتنقلة عبر كابلات الألياف البصرية إلى إشارات كهربية، ثم تعالج هذه الأخيرة؛ ويتم تحويلها إلى ضوء مرة أخرى، وترسَل لتكمل مسارها. يمكن إذن لمسيِّر فيه شعاع ضوء واحد يدفع غيره في الاتجاه السليم ـ دون انخراط في أي تحويلات ـ أنْ يكون ـ من حيث المبدأ ـ أسرع وأقل استهلاكًا للطاقة.
وإحدى المرشحات الرائجة لتلك المفاتيح هي النُقط الكمية، وهي بلورات صغيرة شبه موصلة، تتصرف كالذرات. في مفتاح نقطة كمية حساس بشكل خاص، يمكن توجيه شعاع من الضوء أولاً عبر مادة منقطة بالثقوب تُسمى البلورة الضوئية. ويمكن أن يمر الضوء عبر نقطة كمية موضوعة في طريقه، دون أن يغير مساره، لكن إذا أُرسلت نبضة ضوء تتقدم الشعاع بقيد أنملة، يمكنها استحثاث تفاعل بين النُقطة والبلورة، يبعثر الشعاع؛ ويرسله في مسار مغاير.
في مايو 2012، كشف إدو واكس من المعهد الكَمِّي المشترك بجامعة ميريلاند في كوليج بارك وزملاؤه3 (http://arabicedition.nature.com/journal/2013/07/498149a?WT.mc_id=TWT_+NatureArabicE d#ref3) أن النقطة الكمية كمفتاح تتقلب فتحًا وغلقًا لدى اصطدامها بنبضة ضوئية مكونة من 140 فوتونًا. ومبدئيًّا، هذه كمية صغيرة جدًّا من الطاقة، بحيث يمكن أن تنافس المُسيِّرات التقليدية.
والمفتاح الجديد لا يزال يواجه عقبات عملية، تشترك فيها كل التقنيات الضوئية الصاعدة.. فالليزر الذي يغذي الأجهزة بالضوء يستهلك كمية كبيرة من الطاقة، تكافئ ما يمكن أن يوفرّه الجهاز منها. يقول واكس: «في الوقت الراهن، التكلفة غير المباشرة هي العقبة التي تقف في طريقنا».