شكرا ً جزيلا ً أخي الكريم على استفسارك وإليك مناقشة الحل من خلال طرح النظرية التالية :
تنتظم الإلكترونات في بعض المعادن (الفلزات) في أشكال بلورية، كما أنها تتحرك جماعيا بانسجام وتستجيب بصورة فريدة لڤلطية (جهد) مطبقة وتظهر تنظيما ذاتيا.وسوف نورد المثال المُحاكي التالي لتقريب تلك الحركات للذهن :
لنفترض أن مجموعة كبيرة من السياح تستريح في أحد المتنزهات وتتنقل داخله بدون تنظيم، بحيث يكون عدد السياح الذين يسيرون في اتجاه ما بقدر الذين يسيرون في أي اتجاه آخر. وفجأة يُسمع قرع طبول، وها هي فرقة موسيقية تتقدم بخطوات متسقة وتتجمع. وعلى الطرق تبدأ صفوف محتشدة من المشاركين في ملابسها الخاصة في التجمع لتحل محل الزحام المشتت. وسرعان ما تلتئم الفرقة الموسيقية في صفوف منتظمة لا يمكن حتى لطفل يحاول الاختفاء عن ناظري والده بين أرجل نافخي الأبواق أن يفسد نظامها. وتحت أنظار السياح تبدأ الفرقة الموسيقية في العزف والسير بخطوات عسكرية متسقة مصاحبة إيقاعات الطبول.
إن المتجولين في المتنزه يحاكون، وبشكل قريب جدا، تصرفات الإلكترونات في المعادن ****ls الشائعة. فعند خفض درجة الحرارة إلى قرب الصفر المطلق تبقى معظم المعادن في مثل تلك الحالة، أي تستمر الإلكترونات في التجول. ولكن في بعض المعادن تنتظم الإلكترونات في أشكال منظمة تشبه صفوف الفرقة الموسيقية ذات المشية العسكرية.
هذه الصفوف المرتبة من الإلكترونات، التي تعرف باسم موجات كثافة الشحنة charge-density waves (CDWs)، قد وضع تصورها في أوائل الثلاثينات الفيزيائي النظري<R.E. بيرلز> واكتُشفت في السبعينات من هذا القرن. أما ظاهرة موجات كثافة السبين spin-density waves (SDWs)، الوثيقة الصلة بالظاهرة السابقة، فقد تنبأ بها <A. أوڤر هاوزر> عام 1960 حين كان يعمل لدى شركة فورد للسيارات؛ وقد تمت رؤيتها أول مرة في السبعينات كذلك. وفي وقت سابق اقترح أن تكون الظاهرة SDWs هي سبب الموصلية الفائقة (الناقلية الفائقة) superconductivity. ولكن في الوقت الحاضر نعرفُ أن الموصلية الفائقة لها أصل مختلف، ففيه ـ حسب تشبيهنا ـ يقوم المشاركون بالرقص أزواجا بدلا من السير بخطوات متسقة. ومع ذلك فغرابة الفِرَق نفسها بمشيتها العسكرية جذبت اهتمام الباحثين لعشرات السنين. وقد نجد موجات كثافة الشحنة في المستقبل تطبيقات على شكل مكثِّفات قابلة للتوليف tunable capacitors في الدارات (الدوائر) الإلكترونية أو في كواشف بالغة الحساسية للإشعاع الكهرطيسي.
لنقم بوصل بطارية بطرفي جسم صلب يوجد فيه الظاهرة CDW ثم نطبّق ڤلطية كهربية عبر هذا الجسم. فإذا كانت الڤلطية صغيرة فلن يحدث شيء: أحذية المشاة ملتصقة بالطريق بوساطة علكة (لبانة). (الالتصاق ضعيف بحيث يصل «ثابت العزل الكهربي» dielectricconstant لموجات كثافة الشحنة إلى قيمة أكبر بعدة ملايين من المرات من ثابت العزل لشبه الموصل (نصف الناقل) ـ ومن هنا إمكانية استخدامها كمكثفات). ولكن إذا زيدت الڤلطية عن قيمة حدية معينة تنفصل الأحذية فجأة لتصبح حرة وتبدأ الفرقة في السير ـ أي إن هناك تيارا كبيرا. لا يتناسب التيار مع الڤلطية كما هي الحال بالنسبة إلى المعادن العادية التي تتبع قانون أوم، وبدلا من ذلك فالتيار يزداد بشدة عند زيادة الڤلطية زيادة طفيفة. وإضافة إلى ذلك، فإن جزءا صغيرا من التيار يتذبذب مع الزمن حتى وإن كانت الڤلطية المطبقة صغيرة.
تُظهر موجات كثافة الشحنة استجابة «منظمة ذاتيا» للقوى الخارجية المطبقة. وفي الحقيقة فإن مفهوم حَرَجية criticality التنظيم الذاتي قد بدأ في الظهور منذ العمل الأول في مجال الظاهرة CDWs. ويحاول هذا المجال فَهْم حركة جمل معقدة مثل الأكوام الرملية أو شبكة الفوالق (الصدوع) الزلزالية. لنقل إننا نذرُّ رملا على سطح فيتراكم على شكل مخروطي. ويصبح المخروط حاد الزاوية لدرجة أن إضافة حبة واحدة من الرمل غالبا ما تؤدي إلى انهياره. وبطريقة شبيهة تتوازن الصفائح التكتونية tectonic plates على حافة زلزال. وفي بعض الأحوال تقوم موجات كثافة الشحنة بتشكيل نفسها بحيث يؤدي أي تغيير صغير في المجال (الحقل) الكهربي الخارجي المطبق إلى تغيرات عظيمة. ومن ثم فإن الظاهرة CDWs تمثل منظومة مهمة نستطيع من خلالها اختبار نظريات التنظيم الذاتي.
لماذا تتشكل موجات الكثافة؟ إن السبب الأساسي هو التفاعل بين الإلكترونات في المعدن. في العادة يتلاشى التنافر الكهرسكوني (الكهراكدي) بين الإلكترونات المشحونة سلبا بسبب وجود الأيونات الموجبة (الذرات التي فقدت واحدا أو أكثر من إلكتروناتها وأصبحت لذلك مشحونة بشحنات موجبة) المكوِّنة لجسم المعدن. ومن ثم فإن الإلكترونات لا يلاحظ أحدها الآخر إلا بصعوبة. في هذه الظروف إذا تصورنا أن الإلكترونات هي عبارة عن زحام من المتجولين، كما سبق أن أشرنا، يكون احتمال وجود شخص ـ أو إلكترون ـ في أي مكان هو احتمال وجوده نفسه في أي مكان آخر. وهكذا فإن كثافة شحنة الإلكترونات متماثلة في الفراغ. فإذا افترضنا أن الإلكترونات تتفاعل ـ على سبيل المثال عن طريق التأثير في الشبكة حيث تنتظم الأيونات الموجبة ـ عندئذ تستطيع الشبكة بدورها التأثير في موضع إلكترون ثان مما يؤدي إلى ظهور تفاعل بين الإلكترونات بالفعل.
غالبا ما تتسبب هذه التفاعلات في أن تصبح الإلكترونات متزاوجة paired؛ ويتبع ذلك أن تقوم هذه الأزواج بالتنافر فيما بينها. عندئذ يبقى كل زوج بعيدا بقدر المستطاع عن الأزواج الأخرى، وتتكون بنية مرتبة مثل بنية الفرقة ذات المشية العسكرية وتصبح كثافة الشحنة كثيرة المطبات والنتوءات. فإن أخذنا في الاعتبار طبيعة الإلكترونات الموجية فإن تغيرات ناعمة تظهر في كثافة الشحنة. هذه التغيرات الفراغية الناعمة للشحنة تسمى موجة كثافة الشحنة.
تحمل الإلكترونات، إضافة إلى الشحنة، شيئا يدعى السبين spin، والسبين هو عزم مغنطيسي magnetic moment مرتبط بكل إلكترون. وهذه العزوم يمكن أن تكون في إحدى حالتين يطلق عليهما «للأعلى» up و «للأسفل» down. فإذا كان هناك إلكترونان لهما الاتجاه نفسه فإنهما يتنافران، وهذا يعني أن كل سبين «للأعلى» يرغب في أن يكون جاره سبينا «للأسفل»، والنتيجة هي موجة كثافة السبين (أو SDW). ونستطيع تصور الظاهرة SDW كأنها عبارة عن اثنتين من الظاهرة CDWs، كل واحدة منهما تقابل إحدى الحالتين السبينيتين، متراكبتين بحيث إن قممهما تقع في مواضع متناوبة. ويجب ملاحظة أنه بالنسبة إلى موجة كثافة الشحنة فإن الشحنة تتغير في الفراغ، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى موجة كثافة السبين.
وبشكل عام تعتمد كيفية تفاعل الإلكترونات ـ وكذلك نوع الحالة الكمومية التي تتكون ـ على الكيفية التي تكون فيها حركة الإلكترونات محصورة. ففي الفراغ الثلاثي الأبعاد تستطيع الإلكترونات أن يتجنب أحدها الآخر، وذلك ـ ببساطة ـ بالابتعاد عن طريقه. ولكن إذا كانت حركة الإلكترونات محدودة في طول سلسلة من الذرات فإن أحدها لا يستطيع تجنب الآخر، ولذا فهي تميل إلى التفاعل بقوة أكبر. إن الظاهرتين CDWs و SDWs تحدثان أكثر في تلك المواد التي تنتظم فيها الذرات في شكل سلاسل. (كثير من هذه المواد اصطنعت لأول مرة في أوائل السبعينات). وفي بعض الظروف تتجاوب أزواج الإلكترونات بدلا من أن تتنافر مكونة حالة الموصلية الفائقة.
أما المعوق الثاني الذي طرحته فبحاجة للدراسة النظرية و التجربة العملية بشكل أدق مما يطرح عنه حتى نستطيع مناقشته