المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصير الثقوب السوداء البدئية [1]



محمد ابوزيد
06-19-2006, 01:39 AM
مصير الثقوب السوداء البدئية[1]



موسى ديب الخوري



إن وجود ثقوب سوداء صغيرة أو دقيقة تشكلت خلال المراحل الأولى من عمر الكون أمر ممكن نظرياً. ويمكن أيضاً لهذه العفاريت الصغيرة أن تفقد طاقة وبالتالي أن تكون قابلة للكشف. لكن كافة التجارب الرصدية باءت بالفشل حتى الآن. ومع ذلك فإن الفيزيائيين متفائلون: طالما أنهم فكروا في وجود هذه الثقوب، فلم لا توجد فعلاً؟

المسألة باختصار

كان يمكن لثقوب سوداء صغيرة الحجم، بمقدار نواة ذرة إنما أثقل من جبل، أن تكون قد وجدت خلال المراحل الأولى من عمر الكون. وكان ستيفن هوكنغ قد بين في الستينات أن مثل هذه الثقوب السوداء إن كانت قد وجدت فإنها يمكن أن تتبخر مطلقة طاقة قابلة للرصد. لكن البحث عنها باء بالفشل حتى الآن، غير أن هناك طرقاً لم يتم اختبارها بعد. فالعلماء يحاولون الكشف عن هذه الثقوب حالياً من خلال الكشف عن جسيمات مضادة للمادة وأشعة غاما، وحتى أنهم يأملون بتخليق هذه الثقوب السوداء من جديد داخل مسرعات الجسيمات المستقبلية



إن الثقوب السوداء موجودة في كل مكان. وهي موجودة في قلب المجرات كما هو الحال في قلب مجرتنا درب التبانة حيث يقبع ثقب أسود هائل كما يقدر العلماء تساوي كتلته 2,6 مليون مرة كتلة الشمس. وهناك ما لا تتجاوز كتلته منها بضعة عشرات من المرات كتلة الشمس*، وهي عبارة عن بقايا نجوم انهارت تحت تأثير الثقالة. وهناك ثقوب سوداء تتراوح كتلها بين الحدين السابقين. لقد بات من المؤكد أن الثقوب السوداء لم تعد أجساماً تصورية. فالثقوب السوداء لم تعد مجرد حلول أصيلة لمعادلات أينشتين التي تصف نظرية النسبية العامة. فمنذ أكثر من أربعين عاماً أعطى علم الفلك الحديث أسساً صلبة لوجود مثل هذه الأجرام الغريبة. ويمكن بالمقابل أن توجد كينونات أكثر فتنة وفرادة: ألا وهي الثقوب السوداء البدئية. ووفق النظريات الحديثة فإن هذه الأخيرة هي في النهاية أصغر بكثير من الثقوب السوداء التي نتحدث عنها، كما أنها تشع بكثافة عالية جداً بحيث تتبخر بشكل أسرع فأسرع! وبما أن هذه الأجسام ليست ذات كتلة كبيرة جداً فقد تطلب تشكلها ولا بد آليات مختلفة عن الانهيار الثقالي المعروف بالنسبة للثقوب السوداء الأخرى. لقد نتجت هذه الثقوب السوداء الدقيقة عن التخلخلات fluctuations الموجودة في الكون عندما كان عمر هذا الأخير أقل من جزء من المليار من المليار من الثانية (الشكل 1). وفي الحالات القصوى يمكن لكتلة هذه الثقوب الدقيقة أن تكون من الصغر بحيث تقارب كتلة بلانك، أي نحو بضعة أجزاء من المائة من الميليغرام فقط.

محمد ابوزيد
06-19-2006, 01:40 AM
إن هذه الأجسام يمكن أن تفيدنا كمسابر استثنائية للتعرف على خصائص الكون في تلك الأزمنة البعيدة جداً، وعلى مستويات صغيرة جداً من المسافات. إنها تشكل بالتالي بقايا لا تقدر بثمن تكشف لنا عن الكون البدئي عندما كان حجمه وبعده وعمره عوامل لا يمكن للأرصاد العادية في الكوزمولوجيا أن تصل إليها.

إن هذه العلاقة اليوم بين النماذج النظرية وإنتاج ثقوب سوداء دقيقة هو موضوع حامي النقاش بين العلماء، خاصة أنه يقع على ملتقى طرق بين فروع علمية متنوعة جداً من الفيزياء: الثقالة والميكانيك الكمومي والفيزياء الإحصائية ونظرية الحقول وغيرها. وينتج عن المقاربات المختلفة للظاهرة حالياً نشر عدد كبير من المقالات العلمية التي غالباً ما تكون متعارضة وغنية جداً ومختلفة كثيراً. لكن في النهاية لم ير أحد أو يرصد بعد هذه الثقوب السوداء الدقيقة... ومع ذلك فإن رصدها بشكل مباشر أمر ممكن نظرياً، على الرغم من الفكرة المنتشرة أن لا شيء يمكن أن يفلت من ثقب أسود بما في ذلك الضوء.

كان ستيفن هوكنغ قد برهن في السبعينات آلية غريبة، هي التي نسميها التبخر. وكان قد اعتمد في ذلك على أعمال الفيزيائيين ياكوف زلدوفيتش Yakov Zeldovitch وألكسندر ستاروبينسكي Alexandre Starobinsky، اللذين كانا قد برهنا بشكل مفاجئ للجميع أن الثقوب السوداء التي تدور يجب أن تطلق جسيمات. وبصياغة هذه الظاهرة بشكل رياضي دقيق توصل هوكنغ إلى النتيجة التي تقول إن جميع الثقوب السوداء يجب أن تشع حتى وإن كانت لا تدور[2]! لكن هذا التناقض الظاهري يجد تفسيراً حدسياً رائعاً عندما نأخذ بعين الاعتبار التخلخلات الكمومية التي تعمّر الكون: فالفراغ ليس فراغاً حقيقياً. بل هو ممتلئ بالكثير من الجسيمات الافتراضية العابرة. إن مبدأ الريبة لهايزنبرغ* يسمح في الواقع بخلق وإفناء أزواج من جسيمات المادة والمادة المضادة التي يمكن أن تكون من أي شكل ونوع. إن هذه الجسيمات مقدر لها أن تنعدم بسرعة أحدها مع الآخر، ولهذا نقول عنها إنها افتراضية أو تصورية أو تخيلية virtuels. ولكن في حالتنا هذه، على تخوم ثقب أسود، وأمام القوى الهائلة التي تتجاوز بكثير قوى المد والجزر للقمر والشمس والتي تحول شكل المحيطات الأرضية والقشرة باستمرار، فإن الجذب الثقالي الكثيف يمكن أن يكسر هنا الرابطة بين الجسيم وضده. وهكذا فإن أحدهما يمكن أن يسقط إلى ما وراء أفق* النجم فائق الكثافة، في حين أن شريكه الجسيم الثاني يفلت حاملاً طاقة من طاقة الثقب الأسود الثقالية ويصبح جسيماً حقيقياً (الشكل 2). أما بالنسبة للثقب الأسود نفسه فإنه يفقد في هذه الحالة من كتلته، وبعبارة أخرى فإنه يتبخر.

محمد ابوزيد
06-19-2006, 01:40 AM
يتميز هذا التبخر وفق ستيفن هوكنغ بدرجة حرارة* والتي اعتبر الفيزيائيون أن تعريفها كان رفيعاً جداً: فهي تجمع مجمل الثوابت الأساسية في الفيزياء وتبين التناسب العكسي بين الكتلة والحرارة لثقب أسود. إن قيمة هذه الحرارة تحكم ليس فقط السلوك الكمي، بل وأيضاً النوعي، للجسيمات المنطلقة: فكلما كان الثقب الأسود أكثر حرارة كان يستطيع أن ينتج أكثر جسيمات ذات كتلة أكبر. إضافة إلى ذلك، كلما كان هذا الثقب يتبخر بشكل أسرع كلما كانت حرارة الجسيمات مرتفعة أكثر وبالتالي تكون طاقة الجسيمات المنطلقة أعلى. ووفق قانون هوكنغ، فإن الصيرورة تستمر وتشتد حتى يختفي الثقب الأسود شرط أن تنقص الكتلة وتزداد درجة الحرارة. وهذه النقطة الأخيرة هي التحدي الذي يتعرض له عدد من النقاشات والحوارات، في حين أن بعض المقاربات المعارضة، المسماة ديلاتون ـ غاوس ـ بونيه* Dilaton-Gauss-Bonnet تعارض هذه الرؤية فارضة وجود بقايا مستقرة بعد التبخر. وأياً كان الحال فإن اختفاء الثقب الأسود يتطلب زمناً أطول كلما كانت كتلته أكبر.



كشف ممكن

لكي يتبخر ثقب أسود كتلته 10 مليار طن، وهي كتلة صغيرة نسبياً تقارن بكتلة جبل كبير، يلزم عمر يساوي ألف ضعف عمر الكون الحالي. بالتالي من غير المجدي في هذا السياق الحديث عن الزمن اللازم لتبخر الثقوب السوداء النجمية أو تلك الفائقة الكتلة القابعة في مراكز المجرات، فعندها قد يمكن الحديث عن زمن تبخر لانهائي. بالمقابل، فإن التبخر الكامل لثقب أسود لا يزن أكثر من 1000 طن لا يحتاج لأكثر من ثانية تقريباً. وعلى خلاف أقرانه من الثقوب السوداء الكبيرة، يمكن قياس عمر أو فترة وجود مثل هذا الثقب. فهذا الثقب الأسود الصغير يصدر إشعاعاً كونياً قابلاً للرصد. وهكذا فإن التحدي المطروح أمام العلماء الرصديين كبير جداً: طالما أن الأمر يتعلق باكتشاف أجسام فيزيائية ذات خواص حدية وفي الوقت نفسه اكتشاف بقايا كونية ترجع إلى بدايات الكون نفسه. وثمة بعض الجسيمات التي تصدرها هذه الثقوب السوداء تلائم بشكل خاص البحث عنها. وتأتي بالدرجة الأولى فوتونات غاما التي تقارب طاقتها واحد بالمائة من الجيغاإلكترونفولط*، وذلك بخاصة لأن الكون شفاف بالنسبة لهذه الطاقات. وتسمح هذه الفوتونات بالتالي بسبر الحجوم الكبيرة دون أن تستطيع ظاهرات تفاعلية مع الوسط ما بين المجرات أن تؤثر على الصفات البدئية لإصدارها.

من أجل تقدير دفق فوتونات غاما الصادرة عن الثقوب السوداء البدئية المفترضة من بدء الكون يجب أولاً حساب الإصدار الفردي لأحد هذه الأجسام بالنسبة لكتلة معطاة (وبالتالي لدرجة حرارة أيضاً). ويتأتى هذا الإصدار في الوقت نفسه من التبخر المباشر على شكل إشعاع كهرمغنطيسي ذي طاقة عالية جداً، كما وأيضاً من تحلل بعض الجسيمات غير المستقرة التي تصدر بشكل غزير جداً (وهي البيونات* الحيادية). يجب بعد ذلك أن يأخذ العلماء بعين الاعتبار توزع الثقوب السوداء البدئية بالنسبة للكتلة: فهل أن الثقوب التي من كتلة معينة أكثر عدداً من الثقوب التي من الكتل الأخرى؟ إن هذه النقطة الأخيرة لم تطرح عبثاً، بل إنها مسألة دقيقة طالما أنها تتعلق بنموذج تشكل الثقوب السوداء. ويفترض معظم الباحثين أن توزع التخلخلات في الكون البدئي توزع معروف، الأمر الذي يسمح بتقدير عدد المناطق التي كانت الكثافة فيها تسمح بتشكل ثقب أسود، وذلك تبعاً لكتلة هذه الثقوب السوداء. والنتيجة وفق هذا النموذج لتشكل الثقوب السوداء أن أخفها هي الأكثر عدداً بكثير من كافة الأنواع الأخرى. وبمعرفة قانون هوكنغ، أي سلوك الثقب الأسود خلال تبخره، يصبح من الممكن تقدير توزع الثقوب السوداء الصغيرة بالنسبة للكتلة وموافقتها مع الإصدار الفردي لكل منها. وفي النهاية، بما أن توسع الكون يؤدي إلى انزياح طيفي للأشعة، على غرار أثر دوبلر، فيجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الفوتونات التي صدرت بطاقة معينة نستقبلها اليوم بطاقة أقل.

محمد ابوزيد
06-19-2006, 01:41 AM
أشعة غاما...

إن مجمل هذه الصيرورات يسمح بتقدير دفق يمكن توقعه بشكل تجريبي، ويمكن أن يقارن بالقياسات التي تم الحصول عليها بواسطة الأقمار الصنعية الخاصة بالكشف عن أشعة غاما، وأولها مرصد Compton Gamma-Ray Observatory وكاشفه EGRET. فقد سمح هذا الأخير في التسعينات بوضع أول خارطة دقيقة للسماء بالطاقة العالية (انظر الصورة). وقد قاس هذا المرصد بشكل خاص الخلفية الإشعاعية غاما ذات المصدر غير المجري. وهو الذي يسمح بالتالي بالتوصل إلى تحديد توزع الثقوب السوداء البدئية. إن غياب زيادة ملحوظة حول القيمة 0.1 جيغا إلكترونفولط أعطانا حداً أعلى حول عدد هذه الثقوب. وهو من رتبة عشرة أجزاء من مليار جزء من كتلة الكون: وبالتالي فإن هذه الثقوب السوداء الصغيرة لا تمثل في أفضل الأحوال إلا جزءاً صغيراً جداً من الكتلة الكلية للكون[3]. ومع ذلك فإن هذه القيمة تسمح بالحصول على معلومات مهمة جداً حول الحالة البدئية للكون. وهي تستبعد بالدرجة الأولى حصول عدد كبير جداً من التخلخلات في الكثافة ذات حجوم صغيرة، طالما أنها هي التي كان عليها أن تولد ثقوباً سوداء دقيقة.

من جهة أخرى، خاب أمل العلماء عندما انهارت النظرية التي وضعوها خلال فترة قصيرة حول انقذافات أشعة غاما العالية الطاقة والموزعة بشكل غير متجانس في الكون. وكان بعض العلماء قد رأى في هذه الطاقة دليلاً على وجود حتى الثقوب السوداء الدقيقة البدئية. لكن هذه الفرضية لم تعد صالحة اليوم خاصة بسبب الطاقات العالية المحررة عند ظهور هذه الانقذافات[4]. وهكذا كان على العلماء أن يتحولوا للبحث في مكان آخر عن إثبات على وجود هذه الثقوب السوداء البدئية. مثلاً باتجاه الجسيمات المشحونة التي يمكن للثقوب السوداء الدقيقة أن تصدرها عندما تكون كتلتها صغيرة وحرارتها مرتفعة. تساهم هذه الجسيمات عندها في الإشعاع الكوني الذي ينتشر في الفضاء ما بين النجوم. إن هذه الأشعة الكونية "المألوفة" بالنسبة لنا غزيرة ومكونة من إلكترونات وبروتونات ونوى أثقل، مثل نوى الكربون أو الحديد. لكن مع الأسف من المستحيل عملياً الكشف عنها وسط هذا الدفق الهائل من الجسيمات الآتية بشكل آساسي من انفجار نجوم كبيرة (الشكل 3).



... وجسيمات مضادة

بالمقابل تبدّى أن الأكثر أهمية بالنسبة للعلماء كان دراسة جسيمات المادة المضادة. فهي على الرغم من عددها القليل بشكل طبيعي، لكن الثقوب السوداء المتبخرة تنتجها بكمية موافقة لهذه الأعداد القليلة. إن البروتونات المضادة والدوترونات (نوى مؤلفة من بروتون ونوترون) المضادة هي مسابر متوافقة بشكل خاص مع البحث عن الثقوب السوداء الدقيقة: وهكذا يمكن للمادة المضادة أن تكشف عن الثقوب السوداء الصغيرة وبالتالي عن أسرار الكون في بداياته! إن هذه النوى لا يتم إصدارها بشكل مباشر: فالثقوب السوداء ذات الحرارة العالية بدرجة كافية تطلق الكواركات والكواركات المضادة وفقاً لنظرية هوكنغ. وقد تم إثبات نموذج هذه الصيرورة من خلال قياسات تم الحصول عليها بواسطة مسرعات الجسيمات الكبيرة: وهي تشكل مثالاً جيداً جداً على تطبيق أكثر قوانين الفيزياء أساسية بالنسبة للطاقات العالية على أجسام الفيزياء الفلكية! ويعود الفضل باستخدام قوانين نظرية التفاعلات الشديدة (الكروموديناميكا الكمومية) في هذا الإطار بشكل أساسي لحنة ماك جيبون Jane Mac Gibbon، وهي تلميذة لدى برنار كير Bernard Carr في جامعة كامبريدج، والذي كان قد عدل بشكل كبير في بداية التسعينات منظور العلماء لهذه الظاهرة[5].

وهكذا تم وضع كواشف أطلقت إلى طبقات الستراتوسفير وقاست بدقة كبيرة دفقات البروتونات المضادة الكونية. وكان الفيزيائيون قد اعتقدوا لفترة طويلة أن جزءاً من البروتونات المضادة المرصودة كان يثبت وجود أجسام "غريبة" في الكون، وأولها الثقوب السوداء البدئية لأنه لا يوجد أي تفسير كلاسيكي آخر يمكن أن يفسر هذه القياسات (الشكل 4). لكن دراسات أكثر تمحيصاً سمحت بفهم معطيات الأرصاد بشكل آخر وأدق، وذلك بشكل أساسي بإدخال ما يسمى صيرورات ضياع طاقة الجسيمات[6]. ولم يمكن الحصول وفق هذه الدراسات سوى على حد أعلى (2 × 10-33 غ/سم3) من الثقوب السوداء الدقيقة[7]. تكمل هذه النتيجة تلك التي تم الحصول بالنسبة لأشعة غاما، لأنها توافق قياساً محلياً. فالأشعة الكونية المشحونة محكومة في مجرتنا بالحقل المغنطيسي في حين أن الفوتونات يمكن أن تتأتى من كافة مناطق الكون بما فيها المناطق القصية. إن هذا الحد الأعلى يثبت عدم وجود كمية كبيرة من الثقوب السوداء الصغيرة في مجرتنا درب التبانة. وهذه النتائج حالياً هي مثار جدل كبير بين العلماء، خاصة بعد الفرضية التي أثارت هي أيضاً الجدل حول التفاعلات التي يمكن أن تحصل في الجوار المباشر لأفق الثقوب السوداء الدقيقة والبدئية. وهكذا يمكن القول إن فرقاً علمية مختلفة فيما بينها تعمل حالياً على وضع نمذجة أكمل وأدق لهذه النتائج.

محمد ابوزيد
06-19-2006, 01:42 AM
محاولات أخرى

إذن، هل يعني ذلك عدم وجود أمل في إثبات وجود الثقوب السوداء البدئية؟ على العكس تماماً! هذا ما يجيب به العلماء، العلماء الذين لا يقنطون أبداً، والذين يفتشون دائماً عن مستحيل جديد كما كان ليقول الأستاذ فايز فوق العادة، فهناك طرق أخرى للبحث، وبخاصة الدوترونات المضادة. فعند الطاقات المنخفضة لا يمكن لهذه النوى عملياً أن تتخلق في الإشعاع الكوني من خلال صيرورات اتفاقية. ويبدو أن نافذة أمل تنفتح أمام العلماء هنا. ويبدو أنها ستكون مفتوحة بدرجة معينة أمام المطياف AMS، وهو عبارة عن كاشف للأشعة الكونية عالي الحساسية وسيتم تركيبه على المحطة الدولية الفضائية في عام 2005 ليدوم عمله ثلاث سنوات. ولكن حتى في حالة الكشف الإيجابي لن يمكننا أن نكون متيقنين من وجود ثقوب سوداء بدئية. والصعوبة الرئيسية في هذه الحالة هي أن مصادر أخرى "غير عادية" يمكن أن تعطي الإشارة من النمط نفسه. ومن بين هذه المصادر توجد جسيمات ثقيلة يبحث عنها العلماء إنما دون نجاح يذكر منذ سنوات، وهي يمكن أن تشكل الجزء الأساسي من كتلة كوننا: إنها الجسيمات التي أطلق عليها تسمية النوترالينو. فلن يكون بالتالي كافياً الكشف عن الدوترونات المضادة. أما الكاشف باميلا Pamela، الذي سوف يوضع على مداره هذا العام على التابع الصنعي الروسي Resurs-DKI، فيجب أن يعطي هو الآخر وخلال فترة قريبة جداً قياسات جديدة عالية الدقة، وبخاصة بفتحه الباب أمام قياسات الطاقات المنخفضة جداً. وبشكل موازي، تتابع البالونات الستراتوسفيرية القيام بقياسات، بحيث أن سباقاً حقيقياً قد انطلق فعلاً في هذا العام من أجل الكشف عن الثقوب السوداء البدئية. وكانت التجربة الأمريكية HEAT، وهي عبارة عن كاشف محمول على بالون على ارتفاع عال، قد أثبتت منذ بضعة أشهر فقط زيادة طفيفة في البوزيترونات، أي مضادات الإلكترونات، بالنسبة للنماذج المعيارية للأشعة الكونية.



البحث عن الثقوب السوداء... على الأرض

ولكن، حتى لو بقيت الثقوب السوداء البدئية بعيدة عن متناول أجهزتنا وقدرتنا على اكتشافها، فهل يمكن أن يكون غيابها نفسه غنياً بالمعلومات بالنسبة لنا؟ إن ذلك يمكن أن يبرهن لنا أن تخلخلات الكثافة كانت ضعيفة خلال الفترات الأولى من عمر الكون. وسيسمح ذلك أيضاً بضبط المعاملات لمختلف السيناريوهات (وحتى أحياناً في استبعاد بعضها) والتي سوف نشهد فيها أن انتقالات للمرحلة كانت تدخل بالضرورة إنتاجاً ملموساً من الثقوب السوداء الصغيرة.

وفي النهاية، إذا لم يجد العلماء ثقوباً سوداء صغيرة في الفضاء، فإنهم سوف يلجأون إلى البحث عنها على الأرض. وفي الواقع، يمكن أن تظهر بعض الثقوب السوداء الصغيرة أثناء تجارب تتم في مسرعات للجسيمات الأولية. ووفق الأوصاف التي تعتبر أن الكون يتألف من أبعاد كثيرة (يطرح عادة 10 أو 11 بعداً)، فإن ثقوباً سوداء صغيرة كان يمكن أن تتشكل عند حصول اصطدامات من رتبة 10000 جيغا إلكترونفولط بين الجسيمات[8]. وهذه الطاقة هي من رتبة المصادم الكبير للهادرونات، LHC الذي يتم بناؤه حالياً في الـ CERN في سويسرا، والذي يمكن أن يفتح بالتالي نافذة جديدة بدءاً من عام 2007. وبما أن مثل هذه الثقوب السوداء كانت خفيفة جداً، فإنها لا بد تتبخر آنياً تقريباً من خلال ما يعرف بصيرورة هوكنغ. وبما أن السيناريوهات الكارثية التي تنتهي بأن يبتلع أحد هذه الثقوب السوداء الصغيرة الكرة الأرضية ليست سناريوهات ملائمة[9]، فإن هذه الأوساط ذات الشروط الحدية ستسمح بأن يختبر العلماء أخيراً آثار الجاذبية الكمومية، هذه النظرية التي توحد النسبية والفيزياء الكمومية. إن دراسة إشعاع الفترة الأخيرة من حياة هذه الأجسام التي لا تزال افتراضية سيعطي العلماء مباشرة إمكانية لحل مسألة عدد أبعاد الكون الإضافية والمستويات المميزة المرتبطة بها: وعندها فقط يمكن أن نكتشف ربما البنية العميقة لزمكاننا.

محمد ابوزيد
06-19-2006, 01:43 AM
تعاريف ومصطلحات:

كتلة الشمس: تساوي 2 × 1030 كغ.

مبدأ الريبة لهايزنبرغ: يقول إننا نستطيع أن نخرق مبدأ انحفاظ الطاقة خلال فترة زمنية قصيرة جداً، وهي تتناسب عكساً مع الطاقة المستخرجة.

أفق الثقب الأسود: هو المسافة التي لا يمكن أن يخرج من ورائها شيء من الثقب الأسود، ولا حتى الضوء.

درجة حرارة الثقب الأسود: تعطى بالعلاقة: T = h c3 / 16 π2 k G M حيث h هو ثابت بلانك، c سرعة الضوء، k ثابت بولتزمان، G ثابت الجاذبية و M كتلة الثقب الأسود.

مقاربات ديلاتون ـ غاوس ـ بونيه: هي تعميمات للنسبية التي طرحها أينشتين وفيها يتم إدخال حدود إضافية في المعادلة التي تصف المنظومة الفيزيائية.

الجيغا إلكترونفولط: يمثل واحدة طاقة تساوي مليار ضعف تقريباً طاقة الضوء الأزرق، أو أيضاً طاقة كتلة بروتون.

البيونات: هي جسيمات مؤلفة من كوارك وضده.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] اعتمدنا بشكل رئيسي في إعداد هذه المحاضرة على الموضوع التالي:

Aurélien Barrau et Gaëlle Boudoul, “Ou sont passées les trous noirs primordiaux?”, La Recherche, no 362, Mars 2003.

[2] S. W. Hawking, Comm. Math. Phys., 43, 199, 1975.

[3] J. H. MacGibbon, B. J. Carr, Apl, 371, 447, 1991.

[4] راجع ملف: “Les sursauts gamma”, La Recherche, 353, 2002. وكنا قد ألقينا محاضرة حول هذا الموضوع في الجمعية الكونية السورية (موسم 2002-2003) بعنوان: "ثوران الثقوب السوداء".

[5] J. H. MacGibbon, B. R. Webber, Phys. Rev. D, 31, 3052, 1990.

[6] F. Donato et al., Apl, 563, 172, 2001.

[7] A. Barrau et al., A&A, 388, 676, 2002.

[8] S. B. Giddings, S. Thomas, Phys. Rev. D, 65, 056010, 2001.

[9] L. L. Glashow, R. Wilson, La Recherche, 329, 20, 2000.

محمد ابوزيد
12-15-2008, 07:18 PM
نشكر الاستاذ موسى ديب الخوري
على هذه المقالة


اخوكم / محمد ابوزيد