المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نسبية الزمن



ميمىرجب
02-21-2011, 02:49 PM
إن أكثر الغموض و اللبس في قضية القدر مرجعه إلى قضية أخرى ملازمة و متداخلة معها و هي قضية الزمن. فهناك ارتباط وثيق بين القدر من جهة و بين مفهومنا للماضي و الحاضر و المستقبل من جهة أخرى. نحن نرى أن كل أحداث المستقبل مكتوبة في كتاب مبين منذ الأزل أي في الماضي ثم نحن في الحاضر نحصّل ما كتب لنا في ذلك الماضي. الزمن عنصر أساسي في هذا التصور. و ما دام كل شئ مسطور في الكتاب المبين منذ الأزل فقراراتنا في الحاضر لا يمكن أن تغير ما كتب من قبل و بالتالي فلا تأثير لها على شكل المستقبل. هذا ما نتصوره و هذا هو مصدر اللبس.

هناك من يجد تفسيراً جيداً يخرج به من هذا المأزق ليبرر قضية الإختيار. و قد كنت أقول بهذا التفسير في مرحلة سابقة قبل أن يتضح لي مفهوم نسبية الزمن. و هذا التفسير يقول إن الله بعلمه المطلق الذي يتخطى حدود الزمان ليحيط بالحاضر و المستقبل قد كتب جميع ما سنختاره و نعمله لا لأنه يريدنا أن نختاره قسراً و لكن لأنه علم أننا سنختاره طوعاً فكتبه من قبل أن نختاره. فالكتاب المبين ما هو إلا تسجيل مقدم للأحداث. هذا التفسير جيد إلى حد ما لكنه لا يجيب على أسئلة كثيرة. و لنستعرضها سوياً.




1) هذا التفسير للقدر لا يعطي تفسيراً للنصوص التي تتحدث عن تغيير القدر بالدعاء و أن القدر يكون هابطاً من السماء فإذا دعا العبد ربه، جعل الدعاء و البلاء يصطرعان إلى يوم القيامة. فما الذي كتب إذاً؟ القدر الذي لم يقع أم ما حدث بالفعل؟ سيقول البعض ما حدث بالفعل. فكيف سمي الذي لم يقع قدراً؟




2) كيف تأثر اختيارات الآخرين على أقدارنا، و على من تقع المسؤولية، على من وقع عليه القدر أم على صاحب الفعل الذي أدى لهذا القدر.




3) هل ما وقع و علم به البعض و لم أعلمه أنا يعد قدراً بالنسبة لي أي أنه أصبح واقعاً محتوماً أم لا يزال بإمكاني تغييره عن طريق الدعاء مثلاً.



4) هل كل ما كتبه الله كان لأمور أحاط بسابق علمه باختيارنا فيها، أم أن هناك أموراً كتبها لتكون محتومة علينا كالعمر و الرزق و غير ذلك.



و فوق ذلك كله فهذا التفسير الذي يتضمن مقولة أن الله تعالى كتب الأقدار في اللوح المحفوظ في زمن ماضي و إن كنا لا نعلم تماماً متى، هذا القول هو جزء من المفهوم التقليدي الشائع عن كون الزمن مطلقاً تستوي فيه كل مراتب الوجود بما فيها الوجود الأعلى. و هو مفهوم يحوي كثيراً من التناقض الديني و المنطقي فضلاً عن كونه لا يتفق مع ما توصل إليه العلم الحديث من نسبية الزمن. و لنبدأ بتعريف قضية نسبية الزمن التي كثر الحديث عنها.




نسبية الزمن في عرف الفيزياء الحديثة تعني أن الزمن ليس خلفية الوجود لكنه جزء من هذا الوجود. و فوق أنه جزء من هذا الوجود فهو ليس نسبة عامة تتفق فيها سائر الموجودات، و لكنها نسبة خاصة قد تختلف من موجود لآخر. يعني ذلك أن نسبية الزمن تتضمن أمرين أساسيين. أولاً: أن الزمن بدأ مع خلق الكون، أي ليس هناك مجال للحديث عن الزمن قبل خلق الكون. في الحقيقة لا مجال أصلاً لاستعمال كلمة قبل لأنها ظرف زمان. خلق الكون هو بداية الزمن. أي أن الزمن شئ ينظر إليه من داخله و لا يجب أبداً أن نتصوره و كأنه شئ ينظر إليه من فوق أو من بعيد. ثانياً: هذا الزمن الذي وجد مع الكون ليس شيئاً ثابتا لكل ما هو موجود في الكون، و لكنه يختلف من مخلوق لآخر إذا توفرت ظروف معينة. هذه الظروف تصفها النظرية النسبية (http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D 8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84 %D8%B2%D9%85%D9%86&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-02-21&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) على أنها التحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء. و مع أن هذا لا يبدو ممكناً حتى الآن، إلا أن مجرد إمكانية حدوثه نظرياً تعني أننا من الأساس لا نملك زمناً واحداً و إنما لكل منا زمنه الخاص، لكن كل هذه الأزمنة الخاصة تسري بنفس الوتيرة بشكل متوازي. ربما يقول البعض كيف نقرر حقيقة خطيرة كهذه بناء على حدث افتراضي لا يبدو حتى الآن أنه ممكن الحدوث. الواقع أن قبول نسبية الزمن لم يكن فقط بسبب افتراض إمكانية الإنتقال بسرعة الضوء و لكن لأن المعادلات الرياضية التي تنبأت بنسبية الزمن استطاعت أن تفسر الكثير جداً من ظواهر الكون المتعلقة بحركة الأجرام السماوية و استطاعت أيضاً أن تتنبأ بظواهر كونية تم رصدها فيما بعد تماماً على النحو الذي تنبأت به النظرية النسبية (http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D 8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84 %D8%B2%D9%85%D9%86&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-02-21&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search).




بدأ التعرف على نسبية الزمن عندما لاحظ العلماء أن سرعة الضوء ثابتة أياً كانت سرعة الراصد. فلو أنك ترصد سرعة قطار و أنت واقف على رصيف المحطة فإن سرعته ستكون مثلاً 100 كم في الساعة. أما لو أنك تسير في عربة بسرعة 50 كم في نفس إتجاه القطار فإن سرعته ستبدو لك 50 كم فقط. و بالمثل لو أنك تسير بسرعة 50 كم عكس اتجاه القطار فإن سرعته ستبدو لك 150 كم. أما بالنسبة لسرعة الضوء فإنها تبدو لنا ثابتة أياً كانت سرعتنا. أي أنك لو طرت من الشمس إلى الأرض بسرعة 100 ألف كم في الثانية فلن تجد أن سرعة شعاع الضوء من الشمس إلى الأرض هي 200 ألف كم (300 ألف - 100 ألف) بل ستجدها كما هي 300 ألف كم في الثانية تماماً كما يرصدها أي شخص على الأرض. هذا الظاهرة الغريبة تعني أن سرعة الضوء تبدو لنا كالسراب مهما زدنا سرعتنا نجده يسبقنا بنفس القدر. أي أنك مهما زدت سرعتك فإن شعاع الضوء الذي يمر بجانبك ستكون له نفس السرعة بالنسبة لك. هذا يعني أن سرعة الضوء هي ثابت كوني لا يتغير أياً كانت الظروف و الأحوال. و كأنها حاجز وجودي لا تستطيع أن تخترقه. كلما اقتربت منه بدى لك على نفس البعد. و حيث أن السرعة هي المسافة مقسومة على الزمن فبدلاً من أن تكون السرعة هي الشئ النسبي، أصبح الزمن هو النسبي بينما السرعة هي الشئ المطلق. كيف ذلك؟

نعلم أن الضوء يقطع المسافة من الشمس إلى الأرض في ثمان دقائق. فلو أنك طرت إلى الشمس بسرعة قريبة من سرعة الضوء و وصلت إلى هناك في عشر دقائق مثلاً، فإن شعاع الضوء سيصل قبلك بثمان دقائق كاملة (وليس بدقيقتين لأن سرعته مطلقة و ليست نسبية). أي أن من على الأرض سيحسب مرور ثمانية عشرة دقيقة على وصولك بينما أنت وصلت في عشرة دقائق. فإذا عدت من هناك في عشرة دقائق أخرى تجد أن من على الأرض مر عليه 36 دقيقة و مر عليك 20 دقيقة فقط. أي أن معدل سريان الزمن اختلف بينكما أنتما الإثنين!

الحقيقة أن معدل تحصيلك للأحداث اختلف عن معدل تحصيل من على الأرض. و حيث أن الزمن ما هو إلا معدل إدراكك للأحداث و ما ينشئ عنها من تغير في وعيك بذاتك و بما حولك، فإن الزمن ما هو إلا وليد ساعتك البيولوجية و العقلية الخاصة بك. و ليس له علاقة بأي شئ آخر. كل ما في الأمر أن الله خلق ساعاتنا جميعاً تعمل بنفس الشكل.

هذه مقدمة بسيطة لكيف بدأت النظرية النسبية (http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D 8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84 %D8%B2%D9%85%D9%86&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-02-21&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search). لكن هناك بعد ذلك معادلات رياضية اتضح أنها تصف بدقة حركة الأجرام السماوية بناء على كون سرعة الضوء هي الثابت الكوني المطلق.


لكن الأكثر من ذلك أن الحديث عن نسبية الزمن لم يبدأ مع النظرية النسبية (http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D 8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84 %D8%B2%D9%85%D9%86&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-02-21&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) و معادلات أينشتاين الرياضية، و إن كانت معادلات أينشتاين هي أول تعبير رياضي عن نسبية الزمن. في الحقيقة فإن نسبية الزمن كانت معروفة قبل ذلك بزمن طويل. إن الرجوع إلى الحضارات البائدة في الأزمنة الأولى للبشرية يطلعنا على كثير من الحقائق و التفسيرات للوجود تختلف عما هو شائع الآن. و نحن نعلم أن حكمة الحضارات القديمة و دياناتها خرجت جميعاً من مشكاة التوحيد و إن غلبت عليها بعد ذلك دخائل الوثنية، و ذلك لأن بداية البشر منذ آدم عليه السلام كانت على التوحيد، و حين تفرق البشر بعد الطوفان على أعراق ثلاث من ذرية أبي البشر الثاني نوح عليه السلام، كانت البشرية أيضاً على التوحيد. و نحن نعلم كيف أن العرب على سبيل المثال كانوا يحجون البيت و يعبدون الله خالق السماوات و الأرض علي دين إبراهيم إلى زمن البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة و السلام، حتى بعد أن جلب عمرو بن لحي الأصنام إلى مكة من بلاد الشام و مصر ففسدت بذلك عقيدة العرب، و إن بقيت جذور التوحيد. و كما كانت جذور التوحيد و حنيفية إبراهيم بادية في دين العرب عند ظهور الإسلام، فكذلك كانت جميع ديانات البشر. و كلما رجعت إلى أصول تلك الديانات كلما اقتربت من الحكمة الإلهية الصافية. و إذا رجعنا إلا أمة من أقدم أمم البشر و الذين لا تزال سجلات حضارتهم بارزة لنا شاهدة بقدر كبير من التفصيل على عقائدهم، ألا و هم قدماء المصريين، فإننا نجد مفهوم نسبية الزمن واضحاً بجلاء.

اعتقد قدماء المصريين بوجود عالمين متوازيين، واحد ولدنا فيه و فيه نعيش و الآخر نرحل إليه بعد الموت. ذلك العالم الآخر لم ينظر إليه على أنه مكان منفصل حيث توجد الجنة و النار هناك في مكان بعيد عن هنا. بل كان الإعتقاد بأن ذلك العالم الآخر موجود في كل مكان بالتوازي مع عالمنا و متداخل معه بشكل ما لا يُعلم كنهه. هو موجود معنا طوال الوقت و إن كنا لا نستطيع السير إليه إلا بعد الموت. هذان العالمان يحتلان نفس المكان مع فرق واحد و هو أن العالم المادي موجود داخل الزمن بينما العالم الآخر هو خارج الزمن. الزمن الذي يوجد فيه عالمنا بدأ عند قدماء المصريين مع خلق الكون الذي يمثل العالم المادي. أما العالم الآخر فهو أزلى و أبدي ليس بمعنى أنه خط زمني ممتد من طرفيه إلى مالا نهاية له في الماضي و إلى ما لا نهاية له في المستقبل، لكنه أزلي و أبدي بمعنى أنه خارج الزمن تماماً.

هذا المفهوم الذي يجعل الزمن كائناً مخلوقاً مقصوراً على العالم المادي و ليس كينونة مطلقة تحتوى العالم الأعلى، لم يكن فقط عند قدماء المصريين لكنه موجود في حضارة السومريين و ربما غيرهم من الحضارات الموغلة في القدم. ما أضافته النظرية النسبية (http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D 8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84 %D8%B2%D9%85%D9%86&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-02-21&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) هي أنها أثبتت أن الزمن ليس فقط نسبياً في حق العالم المادي ككل و لكن في حق جميع الموجودات كل على حدة. أي أنه من الناحية النظرية فإن لكل مخلوق زمنه الخاص و أن هذه الأزمنة الخاصة تتطابق ما تطابقت الظروف التي يعيش فيها كل الخلق. فإذا اختلفت الظروف بالصورة التي تصفها النظرية النسبية (http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D 8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84 %D8%B2%D9%85%D9%86&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-02-21&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) فإن سير الزمن يختلف و تظهر حينها حقيقته الفردية.

ما هو الزمن؟ الزمن ليس شريطاً سينمائياً يحتوي جميع حوادث الحياة و جميع موجوداتها. لكن الزمن في المقابل هو تلقى الموجود للحوادث. الزمن هو انطباع الأحداث على شريط تسجيلك الخاص بك الموجود في وعيك. لذلك لا يدرك النائم الزمن بشكل كامل و إن كان لا يزال جزء من وجوده يقظاً يتلقى الحوادث. و حين أراد الله أن يوقف الزمن لأصحاب الكهف فقد ضرب على جميع حواسهم الخارجية و الداخلية المتلقية للحوادث بحيث لم يعد يحدث في وجودهم المادي أي تغيير يؤدي إلى سير الزمن بالنسبة لهم. و إنما سار الزمن كما هو لباقي الموجودات. و إذا تصورنا أن ما حدث لأصحاب الكهف حدث لجميع المخلوقات دفعة واحدة بما فيها كل أجرام السماء، فقد تمر حينها قرون عديدة ثم نستيقظ فنواصل حسابنا للزمن من اللحظة التي وقفنا عندها من غير أن ندرك كم من الوقت قد مر، تماماً كما حدث لأصحاب الكهف. و كأن الله قد أوقف لبعض الوقت شريط الزمن قبل أن يعيد تشغيله من جديد. فهل تستطيع أن تجزم أن ذلك لم يحدث؟! و هل تستطيع أن تجزم أنه في كل لحظة تمر عليك لم تكن هناك مدد من الزمن توقف فيها ذلك الشريط؟ فما معنى تلك المدد إذاً ما دام أحد لم يدركها و لم يعيها؟ إذاً علينا أن ندرك أن الزمن قضية متعلقة بالوعي و الإدراك البشري الذي يعتريه التغير و تجري عليه الحوادث. و ليس هذا صحيحاً في حق الله عز و جل. و لذلك فكل ما يتعلق بذات الله و صفاته العلية يجب أن ينزه عن الزمان بنفس قدر تنزيهه عن المكان، و من ذلك كتابة القدر و تسطير المصائر في اللوح المحفوظ.

عسير جداً تصور مفهوم نسبية الزمن. لم يدع أحد حتى علماء النسبية (http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D 8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84 %D8%B2%D9%85%D9%86&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-02-21&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) أنفسهم أنهم قادرون على تصور معنى أن يكون هناك وجود لا زمن فيه. و السبب هو أن العقل البشري جزء من مفهوم الزمن. العقل هو آلة الزمن. هو جهاز التسجيل و التصوير المبرمج بطريقة تتابعية تجعله يولد في داخله شريطاً ممتداً يسميه الزمن. و لذلك فالعقل البشري بطبيعته لا يستطيع أن يتصور فكرة اللازمن. لكن مع ذلك ففي داخلنا شئ يحرك فينا إحساساً غامضاً تجاه معنى الزمن و شعوراً بعدم الإطمئنان لفكرة الزمن المطلق. ذلك لأننا لسناً كائناً مادياً بحتاً، و لكن فينا تلك النفخة العلوية التي نفخها ربنا فينا من روحه. تلك النفخة تجعل في وعينا أو لا وعينا شيئاً ينتمي للعالم الأعلى، شيئاً أكبر من الزمن الذي تسجله آلة العقل.

دائماً ما كان يراودني شعور غامض تجاه معنى الزمن حتى من قبل أن أتعرف على مفهوم النسبية (http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D 8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84 %D8%B2%D9%85%D9%86&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-02-21&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search). كنت أقف في لحظات معينة على ذلك الشريط الممتد في وعيي منذ وعيت الحياة إلى اللحظة الحاضرة و أسأل ذلك السؤال الذي قد يبدو للوهلة الأولى غريباً و متكلفاً، أو يظنه البعض إغراقاً في الفلسفة. بينما هو في الحقيقة سؤال يفرض نفسه بإلحاح، و يقفز أمامي كلما حاولت أن أهرب منه. ذلك السؤال هو: لماذا نحن الآن؟ أو، لماذا الآن هو الآن و ليس أي وقت آخر؟ إذا كان الزمن شريطاً ممتداً يمر عليه جميع الوجود، و تمثل الأحداث محطات عليه نمر كل يوم على جديد منها، إذا كان الزمن كذلك كما نتصوره جميعاً فلماذا نمر على هذه المحطة التي نحن فيها الآن في هذا الوقت بالتحديد و ليس في أي وقت آخر؟ لماذا لم نمر عليها بالأمس، لماذ لسنا الأن في العاشرة أو العشرين أو الثلاثين من عمرنا أو في أي نقطة أخرى على ذلك الشريط الممتد؟ سؤال غريب؟! علماء كثيرون سألوا نفس السؤال بشكل آخر. لماذ لم ينقضي التاريخ؟ ما دام الزمن قد بدأ منذ ما لا نهاية له في الماضي فلماذا لم تحدث بالفعل جميع الأحداث الحالية و المستقبلية. هناك سؤال مشابه سأله الفلاسفة من قبل. كان فلاسفة اليونان يعتقدون أن الزمن مطلق و لم يتصوروا نسبيته، و كان ذلك يقودهم إلا ذلك السؤال: هل الكون قديم أم حادث؟ أي هل هو أزلى أم مخلوق؟ فإذا كان مخلوقاً و له بداية معينة في زمن معين فلماذا بدء في تلك اللحظة و لم يبدأ قبلها؟ هل قرر الله فجأة فعل ذلك. و إذا كان الكون أزلياً فلماذا لم تنقضي جميع الأحداث التي تحدث الآن أو ستحدث في المستقبل. لم يستطع الفلاسفة حل المعضلة لأنهم لم يستطيعوا أن يخرجوا من فكرة الزمن المطلق. نحن نعرف الجواب الآن. الزمن مخلوق، بدأ مع خلق الكون، خلقه رب الزمان و المكان، و هو نسبي لكل فرد منا بقدر ما حصل من حوادث القدر.

لقد رأينا في المقال السابق كيف أن تصور الزمن على أنه شريط واحد ممتد لجميع الخلق يتعارض مع فكرة الإختيار. و رأينا كيف أن الإختيار لا يتحقق إلا بوجود تسلسل جديد للأحداث مع كل إنسان لا يتشكل نتيجة لأحداث سابقة. سنستفيض في الحديث عن ذلك فيما بعد، لكن المقصود أن فكرة الزمن المطلق تتعارض مع جميع الحقائق الدينية و كذلك المعايير الفكرية و المنطقية سواءً التي تنطلق من منطلق إيماني أو من منطلق مادي بحت، حتى و إن كانت نسبية الزمن عسيرة على التصور.

إن عجز العقل البشري عن تصور نسبية الزمن ليس مبرراً لدحض هذه الحقيقة ذلك لأن تصور مطلقية الزمن هو أيضاً مستحيل على العقل. كيف ذلك؟ حين تقول أن الزمن مطلق فأنت تتصور زمناً ممتداً لا بداية له و لا نهاية. و لكن ما معنى أن لا تكون هناك بداية. ربما يستطيع العقل البشري أن يتصور الأبدية لكنه أبداً لا يستطيع تصور الأزلية. هل يستطيع عقلك أن يتصوراً خطاً من الأحداث ممتداً في الماضي لا أول له؟ إن القدرة على التصور أو عدمه ليست حجة. فإن كانت عند البعض حجة، فإن تصور نسبية الزمن يستوي في استعصائه على العقل البشري مع تصور الزمن المطلق. كل ما في الأمر أننا نهرب من المشكلة بإلقائها إلى الماضي السحيق. تماماً مثل ما يفعل الدارونيون حين يعجزون عن تفسير عدم حدوث نشأة الحياة في المختبرات مع توفر كل العوامل، و ذلك بأن يقولوا أن التطور حدث عبر مئات الملايين من السنيين. و لكن الحقيقة أن مئات الملايين من السنين ما هي إلا مجموعة من الثواني و اللحظات، و مالا يحدث بعضه في ثانية لن يحدث كله و لو تركته إلى ما لا نهاية له من السنين. هم فقط يلقون بالمشكلة إلى الخلف ظناً أن ذلك سيحل القضية. و نحن نفعل نفس الشئ. إن كنا لا نستطيع تصور زمن لا بداية له، فلا معنى أن نقبل بالزمن المطلق مدعين أنه الأقرب للتصور و الفهم من الزمن النسبي. بل العكس هو الصحيح، فالمفهوم النسبي هو الوحيد القادر على تفسير جميع الظواهر سواءً كانت في عالم الشهادة أو في عالم الغيب بما في ذلك قضية القدر.
كانت هذه مقدمة عن معنى الزمن و حقيقته النسبية (http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D 8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84 %D8%B2%D9%85%D9%86&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-02-21&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search). و سنرى في الموضوع القادم إرتباط هذا المفهوم بالحقائق الدينية و الآيات القرآنية التي تتحدث عن الزمن، قبل أن نبدأ في ما يلي ذلك في التحدث عن إرتباط هذا المفهوم بقضية القدر و العلاقة مع عالم الغيب. فالله المستعان، و هو ولي التوفيق منقوووووووووووووول للامانه