المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : د. أحمد زويل يكتب: صناعة الابتكار: الفضول المعرفى



محمد مصطفى
11-21-2010, 01:47 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا مقال نشرته اليوم الأحد ٢١/ ١١/ ٢٠١٠ جريدة المصرى اليوم وهو مقال كتبه الدكتور زويل فى افتتاحية تحت عنوان رؤية عالمية لمجلة "Nature"

http://mmlkat.com/up//uploads/images/mmlkat-86603c1e53.jpg

أثناء زيارتى لجنوب شرق آسيا سألنى رئيس وزراء: «ما الذى نحتاجه للحصول على جائزة نوبل؟» فأجبته مباشرة: «استثمر فى الأبحاث الأساسية واستقطب أفضل العقول».
ويبدو أنه فى العصر الحديث يتراجع العقل الذى تقوده الرغبة فى المعرفة، أو الفضول العلمى، إذ يعتقد البعض أنه بوسعهم أن يحققوا التقدم من خلال التركيز على مجالات أبحاث بعينها، وكأن بوسعهم أن يتنبأوا بالمستقبل وبأهمية تلك المجالات فيه، وأعتقد أن أسلوب التفكير هذا بمثابة «سوء فهم» يؤثر على ماهية المعرفة ويؤذى تمويل الأبحاث.
وأسمع باستمرار، خاصة فى البلاد النامية، جملة «الأبحاث التطبيقية هى ما نحتاج»، وعلى الرغم من أنه من الجيد أن يكون لدى دولة ما برنامج للأبحاث والتطوير فى مجالات معينة لحل مشكلات تواجهها تلك الدولة أو لتحقيق تقدم لافت فى أحد المجالات مثل استكشاف الفضاء أو البحث عن الطاقة البديلة، إلا أننى أوضحت خلال زيارتى المتنوعة كمبعوث علمى للولايات المتحدة أنه بدون الالتزام بالاستثمار القوى فى التعليم العلمى مع وجود قاعدة علمية أساسية فإن الدول لن تتمكن من الحصول على المعرفة التى تمكنها من إنتاج الاختراعات والاكتشافات، التى تسهم بدورها فى تشكيل مستقبل الأمم.
وهناك العديد من الأمثلة على اختراقات علمية تحققت بسبب الأبحاث التى يُحركها الفضول، ففى عامى الأول كعضو فى هيئة التدريس فى جامعة «كالتك»، فى ١٩٧٦، تناقشت أنا وريتشارد فينمان، العالم الشهير الحائز على جائزة نوبل فى الطبيعة، حول ورقة علمية نشرها قبل ٢٠ عاما عن بصريات الكم «quantum optics»، وهذه الورقة العلمية فتحت أبواباً كثيرة فى عدة مجالات بما فيها إمكانية التأثير والتحكم فى التفاعل بين الليزر والمادة.


http://thumbs.bc.jncdn.com/077ad139ee5761d999572064c19f1a36_lm .jpg



ووقتها قال فينمان لى إنه لم يكن يعرف التأثير الكبير لهذا البحث، وإن كل ما كان يشغله هو الفضول عن المفارقة فى التأثير الليزرى من جهة والمجال المغناطيسى من جهة أخرى على المادة نفسها، وأنه عندما انتهى من المعالجة النظرية وجد العلماء تطبيقات متعددة وكثيرة.
ولعل المثال الأكثر شيوعا هو ابتكار الليزر نفسه فى عام ١٩٦٠، ففى الاحتفال باليوبيل الذهبى لهذا الابتكار اجتمع الحاصلون على جائزة نوبل، فى باريس، ومن بينهم تشارلز تاونز، قال العالم الكبير إنه كان يبحث فى طيف الموجات الطويلة (MICROWAVES)، وكيف يمكنه تكبير الأشعة الضوئية، وهنا ولدت فكرة الليزر وخرج الشعاع الضوئى لأول مرة.
والآن تعد صناعة الليزر سوقا عالمية بالمليارات حيث يستخدم فى مجالات عديد من بينها الطب والصناعة والزراعة والدفاع.
وفى الاحتفال نفسه الذى أقيم فى متحف اللوفر فى باريس، كان حديثى عن رحلة نوبل وما بعدها، وأخبرت الحضور بأن الفضول هو الذى قادنى إلى علم الفيمتو، وأن الفضول نفسه هو الذى مكننا من اختراع الميكروسكوب رباعى الأبعاد الذى يجعل من الممكن مشاهدة المادة بجميع أبعادها (الثلاثة) مع إضافة الزمن كبعد رابع.
وهناك العديد من الاختراعات والاكتشافات التى تم التوصل إليها بأساليب مشابهة، لعل أبرزها الخريطة الجينية للإنسان، كما أن هناك اكتشافات تم التوصل إليها من خلال الفضول العلمى حول نظرية الكم ودوران الإلكترونات، ومن بينها تصوير الرنين المغناطيسى (MRI) الذى أصبح أساسيا فى التشخيص الطبى، كما أتى الترانزستور وثورة المعلومات الناتجة عنه من خلال الفضول حول كيفية تحرك الإلكترون فى أشباه الموصلات.
ولاشك أن ناتج تلك الاكتشافات فى التطور الصناعى والطبى وفى صناعات تكنولوجيا المعلومات تعد الآن العامود الفقرى للاقتصاد وللاتصالات الدولية، ويعد الفضول المعرفى المحرك الرئيسى الذى أدى للتطورات الفكرية والابتكارات.
كيف إذن يمكننا أن نشجع مثل هذا الشكل من الأبحاث المبنية على الفضول؟.. الأبحاث التى يحركها الفضول تحتاج مبدئيا إلى علماء مبدعين يعملون فى بيئة تشجع على التعاون بين الباحثين وتؤلف بين المجالات المختلفة، ولكن يجب ألا يتم تقييد هذا المناخ بالإدارة الرتيبة والجامدة، حيث إن العقول المبدعة لا تعمل جيدا مع البيروقراطية.
وبالتالى لابد أن نسأل: هل هناك معادلة معينة لإدارة صناعة الاكتشافات والاختراعات؟ وتكمن الإجابة فى الاقتناع بثلاثة مبادئ:


http://www.islamicity.com/global/images/photo/People/Ahmed_Zewail_ic__170x261.JPG



■ الأول، والأكثر أهمية، هو البشر أنفسهم، فمنح الأهمية الملائمة لتأسيس وتشجيع التعليم المُلهم فى العلم والتكنولوجيا والرياضيات والهندسة ضرورى، حيث يجب أن تستقطب مجالات الأبحاث أفضل العقول الشابة، فالمبانى الضخمة والتمويل الغزير لن ينتجا الكثير فى ظل عدم وجود الأشخاص المناسبين.
■ ثانيا: إن خلق مناخ من التبادل المعرفى يعد من أهم الأساسيات لبلورة الأفكار بشكل واضح، فإنهاك الباحثين فى البيروقراطية وكتابة عدد كبير ومكثف من التقارير فى الجامعة أو تحويلهم لإداريين متفرغين هو بمثابة بداية النهاية للتقدم.
وأصبح النظام الحالى فى إدارة الأبحاث معقدا ومتشابكا، وهو ما يبرز الحاجة لمراجعة نظام التمويل التقليدى، ليكون السؤال: كيف يتم اختيار وتمويل الباحثين المميزين؟ وما مستوى التمويل اللائق لتحقيق الفائدة للمجتمع؟
■ ثالثا: بدون الموارد فإنه لا يمكن تحقيق الكثير، فمهما كانت العقول مبدعة فإن التمويل ضرورى لتصنيع الأدوات اللازمة للابتكار ولتوظيف الأطقم المساعدة للباحث المبدع، فالدول والمؤسسات التى تقدم البنية التحتية الملائمة وتمول تنفيذ الأفكار الإبداعية ستكون موطنا للابتكارات، ولكن هذا البناء والتمويل يجب أن يأتى بعد الحصول على الباحثين الخلاقين، لا أن يكون الأساس هو إدارتهم للحصول على المال من جهة معينة أو إجبار الباحث على العمل من أجل «موضة» متداولة مثل ما يفعله الكثيرون تحت شعارات الـ«نانو تكنولوجى» والـ«بيو تكنولوجى».
ويوجد العديد من المسؤولين فى الدول النامية الذين يأملون فى الوصول إلى نفس مستوى وكم الابتكارات الموجود فى العالم المتقدم، وخلال سعيهم هذا يهملون المفتاح الرئيسى وهو التعليم المبنى على الفهم والطريقة العلمية ووضع قاعدة رئيسية واسعة للبحث عن الحقيقة، وللأسف فإن بعض الدول المتقدمة بدأت تقوم بالأمر نفسه، وعلى القادة السياسيين أن يعلموا أن الرغبة فى اكتشاف معارف جديدة هو ما يُنتج الاختراعات والاكتشافات، وأنه بدون تلك الرغبة وإلإرادة القومية فإن الشباب الواعدين لن يكونوا منجذبين للإبداع والاختراع وخدمة وطنهم.
لقد حالفنى الحظ، خلال الثلاثين عاما الأخيرة، بالعمل فى منظومة لها عقيدة فى تلك القيم، وعلى الرغم من ضغوط التغيير فإننى أتمنى أن تبقى جامعة «كالتك» على دربها، وهى كما وصفها زميلى ورئيس الجامعة السابق ديفيد بالتيمور «قرية للعلم».
فحفظ المعرفة أمر سهل، ونقلها أيضا أمر سهل، ولكن صناعة معرفة جديدة ليست بالسهل، وليست مربحة على المدى القصير، غير أن التاريخ أثبت للجميع أن المعرفة أساس النهضة والتقدم، كما أنها قوة تثرى أى مجتمع وتجعله قائما على المنطق والحقائق الأساسية.

انتهى المقال

تحياتى

the laserest
11-21-2010, 03:38 PM
عشان كده بنقول مصر ام الدنيا
الدكتور زويل مصرى
وانا مصرى
وانت يامحمد ياجزار مصرى
تبقى بصرة:(215)::(144):

نهى.نانو
11-21-2010, 08:30 PM
والله الكلمات التي كتبها قوية ومؤثرة وأمتنا في أمس الحاجة لهذه المعاني الأفكار التي كتبها
استمتعت كثيرا بقراءة كامل المقال وشعرت بأني كمبتدئة أستفيد جداً من خبرات هؤلاء العلماء المتميزين.. جزاه الله خيراً د.أحمد زويل ويارب يكثر من يحمل نفس الفكر والرغبة في إفادة أمتنا بالاختراعات والتطوير التي تعتمد على اهتمامنا بالفهم والمعرفة والعلوم الأساسية والتعاون معاً

جزاك الله خير الأخ محمد مصطفى

HazemSakeek
11-21-2010, 10:35 PM
مقال هام ومفيد ويشخص واقع البحث العلمي في دولنا العربية

شكرا لك عزيزي محمد مصطفى على اعلامنا بالمقال بارك الله فيك وفي الدكتور احمد زويل

تحياتي

محمد عريف
11-21-2010, 11:43 PM
ما قاله الدكتور زويل .. هو تشخيص الحالة لما عليه واقع العرب اليوم

ولكن اسمح لي دكتور زويل .. أن هذا العلاج لا يتمشي مع العرب ....!!!!!!!!

فيجب أولاً علاج تلك الأمراض المستوطنة في العرب حتي نبدأ في علاج التخلف العلمي لدينا ...

الكسل ... حب النفس .... حب المال ... كره الخير للغير ... الأنانية ... الفساد ... الرشوة .... حب النفوذ ... الكبر .... الغرور

لأنه لا يجتمع علم مع أحد هؤلاء المذكورين ...

فما بالك إذا كانوا مجتمعين

فمهما فعل العرب من أجل التقدم ... ونفذوا تلك الوصفة السحرية ... لن نتقدم

لقول الشاعر:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

لأن كرامة العلم تأبي إلا أن تكون مع احد تلك الأمراض المجتمعية والأخلاقية

لأن العلم مقامه رفيع ... ولا يقيم مقاماً وضيع

فالعلم يصعد إليه ... ولا يصعد لأحد

أظن أننا نحتاج روشتة أخري قبل روشتة الدكتور زويل

وهي روشتة علاجية تم وصفها منذ اربعة عشر قرناً من الزمان

حينما قال الرسول صلوات ربي وسلامه عليه:

تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا معي أبدا ... كتاب الله وسنتي

وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم

أمل باسم
11-21-2010, 11:53 PM
شكرا لك اخي محمد على هذا المقال

فعلا رائع

محمد مصطفى
11-22-2010, 12:26 AM
شكرا على مروركم جميعا

الدكتور زويل ينادى ويطرح هذه الافكار من قبل حصوله على نوبل وللاسف الى الان لم يتم تنفيذه اى من افكاره او مشاريعه الموجوده بالتفصيل فى كتابه عصر العلم

تحياتى

أبو عمر الفيزيائى
11-22-2010, 04:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك اخى وزميلى الاستاذ ــ محمد مصطفى

وانا من محبى جدا العلامه العلم الدكتور ــ احمد زويل

ولكن للأسف ماذا اقول لحال دولنا التى تمجد الممثلين والممثلات واللاعبين واللاعبات

وا اسفاة على امة لم تعطى امثال هؤلاء حقهم . ربتا يستر علينا .

محمد مصطفى
11-22-2010, 07:16 PM
شكرا على المرور استاذ معلم مصرى

والشكر الاكثر على التعليق الاروع

تحياتى