yassin
02-19-2007, 11:57 PM
ولقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار وأدعية شتى ينبغي للمسلم أن يتلوها بلسانه، ويستحضرها بقلبه، عند رؤية ظواهر طبيعية مختلفة، منها:
( أ ) عندما يصبح الصباح أو يمسي المساء:
أخرج الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه يقول: (إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا… الحديث) وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى مسلم عن ابن مسعود قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: (أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة، وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر).
وإذا أصبح قال ذلك أيضا: (أصبحنا وأصبح الملك لله) الحديث.
(ب) عند هبوب الريح وظهور السحاب:
روى مسلم عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: (اللهم أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها وشر ما أرسلت به).
وعنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا (أي سحابة) في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة، ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شرها). فإن مطر قال: (اللهم صيبا هنيئا) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو عوانة في صحيحه بإسناد صحيح على شرط مسلم، كما في تخريج الكلم الطيب للألباني.
(جـ) عند رؤية الهلال:
عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: (الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله) أخرجه الدارمي، وأخرجه الترمذي أخصر منه من حديث طلحة، وحسنه وصححه ابن حبان، وهو صحيح بشواهده، كما قال الألباني.
وهناك أدعية وأذكار أخرى كثيرة تقال في مناسبات شتى: عند النوم، وعند اليقظة، وعند الأكل والشرب، وعند الشبع والري، وعند لبس الثوب، وركوب الدابة، وعند السفر والعودة منه، وغير ذلك مما ألفت فيه كتب كاملة(مثل "عمل اليوم والليلة" للنسائي، وابن السني، و "الأذكار" للنووي، و "الكلم الطيب" لابن تيمية، "الوابل الصيب" لابن القيم ، و"تحفة الذاكرين" للشوكاني وغيرهما).
والمقصود بهذه الأذكار والأدعية أن يكون الإنسان موصول القلب بالله دائما وأن يقابل كل حدث جديد، بقلب متفتح، وإحساس مرهف، وشعور حي يقظ، حتى الأحداث التي تتكرر كل يوم كالإصباح والإمساء، بل تتجدد في اليوم أكثر من مرة كالأكل والشرب. فالمؤمن يرى الأشياء والحوادث بعين غير أعين الناس.
إن الناس يرونها بأعين رؤوسهم فحسب، فإذا تكررت أمامهم مرات ومرات ألفوها، أما المؤمن فيراها بعين قلبه وبصيرته، فيرى وراءها يد الله التي تبدع وتتقن، وعين الله التي ترعىوتحفظ، فيسبح ويحمد، ويهلل ويكبر، ويدعو ويتضرع، كما روى البخاري في "الأدب المفرد".
عن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع الرعد، ترك الحديث، وقال (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته).
وإذا كان هذا شأن المؤمنين في الأمور اليومية العادية المألوفة، فما بالك بحدث كبير لا يتكرر إلا كل عدد من السنين، مثل كسوف الشمس أو خسوف القمر؟
إن المؤمن لا يمر عليه مثل هذا الأمر، بل هذه الآية من آيات الله وهو لاه غافل، كسائر اللاهين الغافلين من البشر، وإذا كان الدعاء والذكر يكفي فيما يتكرر من الأحداث الطبيعية كل يوم أو كل شهر، فهذا في حاجة إلى شيء أكثر من الدعاء والذكر وهو الصلاة، ثم إن أصحاب القلوب الحية تغلب عليهم الخشية من الله، كلما رأوا مظاهر قدرته في خلقه فهم لا يأمنون أن يكون وراء هذا الحادث العادي شيء آخر يعلمه الله ويجهلونه ولا حجر على إرادته وقدرته. فهو سبحانه إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون.
يقول الإمام ابن دقيق العيد: "ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: (يخوف الله بهما عباده) وليس بشيء (يعني هذا الاعتقاد) لأن لله أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء، إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد. وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلا أن يشاء الله خرقها". ذكره الحافظ في الفتح.
على أن في ظاهر الكسوف أمرا يتنبه له المؤمن ويلتفت إليه، إذا كان غيره لا يلتفت إليه، وهو التذكير بقيام الساعة، وانتهاء هذا العالم، فإن مما ثبت بطريق الوحي اليقيني: أن هذا الكون سيأتي عليه يوم ينفطر فيه عقده، وينتثر نظامه، فإذا سماؤه قد انفطرت، وكواكبه قد انتثرت، وشمسه قد كورت، وجباله قد سيرت، وأرضه قد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وآذن ذلك كله بتبدل الأرض غير الأرض والسموات، وبروز الخلق لله الواحد القهار.
إن الشمس والقمر ليسا أبديين ككل شيء في هذا العالم، إنهما يجريان كما قال الله خالقهما، إلى أجل مسمى، نعم مسمى معلوم عند الله، خفي مجهول عند الناس، ولكن المؤمن يوقن به ولا يغفل عنه، فإذا شاهد ظاهرة كالكسوف والخسوف، انتقل قلبه من اليوم إلى الغد، ومن الحاضر إلى المستقبل، وخصوصا إذا تذكر قول الله تعالى: (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب)النحل:77 ولعل هذا سر ما جاء في رواية بعض الصحابة في حديث الكسوف، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فزعا يخشى أن تكون الساعة -مع أن للساعة مقدمات وعلامات وأشراطا كثيرة أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ولم تقع بعد، ولهذا استشكل بعض العلماء هذه الرواية، ولكن يمكن حملها على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعليما لأمته وإرشادا لها، لتكون على ذكر من أمر الساعة على كل حال، ولا سيما إذا تأخر الزمان، وظهرت معظم الأشراط والأمارات.
وقد حدث الكسوف في عهد عثمان، فصلى بالناس، ثم انصرف فدخل داره. وجلس عبد الله بن مسعود إلى حجرة عائشة، وجلس إليه بعض الصحابة فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر. فإذا رأيتموه قد أصابهما، فافزعوا إلى الصلاة فإنها إن كانت التي تحذرون (يعني الساعة) كانت وأنتم على غير غفلة، وإن لم تكن، كنتم قد أصبتم خيرا واكتسبتموه. رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله موثوقون كما في مجمع الزوائد (جـ2: 206-207)(وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريج المسند ج6 رقم4387:إسناده صحيح)
وبهذا يتضح لنا أن ما شرعه الإسلام من صلاة ودعاء وذكر لله عند انكساف الشمس والقمر لا يعني بالضرورة أن الكسوف نتيجة لغضب من الله تعالى، وأن الصلاة لرفع هذا الغضب وإن فهم ذلك من كلام بعض العلماء ممن فسر هذه الظاهرة الكونية، حسبما انتهى إليها علمه في زمنه، ولكن أفهام العلماء -وخصوصا في مثل هذه الأمور- ليست حجة على الدين، فالدين إنما يؤخذ من كتاب الله، وما بينه من سنة نبيه، وما عدا ذلك فكل واحد يؤخذ من كلامه ويترك.
وفي مقابل هؤلاء الذين قصر باعهم عن الإلمام بالعلوم الكونية والرياضية نجد إماما مثل حجة الإسلام الغزالي يخطئ هؤلاء القاصرين ويتكلم كلاما في غاية الجودة والتحقيق، وذلك في كتاب "المنقذ من الضلال" حين عرض للفلاسفة وأنواع علومهم، ومنها العلوم الرياضية(كانت العلوم الرياضية قديمًا شعبة من الفلسفة، وجزءًا لا يتجزأ من الدراسة الفلسفية، وكذلك الطبيعيات، وغيرها، ولم تستغل هذه العلوم وتأخذ طريقها المستقل إلا في العصور الحديثة) وما يتولد عنها من آثار في الأنفس والأفكار. ومما قاله:
"الآفة الثانية نشأت من صديق للإسلام جاهل، ظن أن الدين ينبغي أن ينصر بإنكار كل علم منسوب إليهم (يعني الفلاسفة). فأنكر جميع علومهم، وادعى جهلهم فيها. حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف، وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرع، فلما قرع ذلك سمع من عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشك في برهانه، لكن اعتقد أن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع، فازداد للفلسفة حبا، وللإسلام بغضا!
"لقد عظمت جناية من ظن الإسلام ينصر بإنكار هذه العلوم، وليس في الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي والإثبات، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينية.
وقوله عليه السلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة). ليس في هذا إنكار علم الحساب المعرف بمسير الشمس والقمر واجتماعهما، أو مقابلتهما على وجه مخصوص.
أما قوله عليه السلام: (لكن الله إذا تجلى لشيء خضع له) فليس توجد هذه الزيادة في الصحاح أصلا( المنقذ من الضلال للغزالي/ مع أبحاث في التصوف لفضيلة الإمام الأكبر عبد الحليم محمود ص140،141، ط سابعة) .
ولو جاز لنا الاستدلال بما فيه ضعف من الأحاديث، لذكرنا هنا الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن سمرة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد، ولا لشيء تحدثونه، ولكن ذلكم من آيات الله…) والحديث فيه راو ضعيف كما قال البيهقي ولهذا لم يعتمد عليه.
على أن مثل هذا الحديث وإن كان ضعيفا، يمثل التفكير السائد لدى المسلمين في العصور الأولى، ولهذا رووه وخرجوه وسجلوه في روايتهم.
والمهم أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على أن الكسوف يحدث لغير السبب الطبيعي الذي أجرى الله سنته بوقوعه عنده .
وبالله التوفيق ،،،
( أ ) عندما يصبح الصباح أو يمسي المساء:
أخرج الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه يقول: (إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا… الحديث) وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى مسلم عن ابن مسعود قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: (أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة، وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر).
وإذا أصبح قال ذلك أيضا: (أصبحنا وأصبح الملك لله) الحديث.
(ب) عند هبوب الريح وظهور السحاب:
روى مسلم عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: (اللهم أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها وشر ما أرسلت به).
وعنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا (أي سحابة) في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة، ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شرها). فإن مطر قال: (اللهم صيبا هنيئا) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو عوانة في صحيحه بإسناد صحيح على شرط مسلم، كما في تخريج الكلم الطيب للألباني.
(جـ) عند رؤية الهلال:
عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: (الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله) أخرجه الدارمي، وأخرجه الترمذي أخصر منه من حديث طلحة، وحسنه وصححه ابن حبان، وهو صحيح بشواهده، كما قال الألباني.
وهناك أدعية وأذكار أخرى كثيرة تقال في مناسبات شتى: عند النوم، وعند اليقظة، وعند الأكل والشرب، وعند الشبع والري، وعند لبس الثوب، وركوب الدابة، وعند السفر والعودة منه، وغير ذلك مما ألفت فيه كتب كاملة(مثل "عمل اليوم والليلة" للنسائي، وابن السني، و "الأذكار" للنووي، و "الكلم الطيب" لابن تيمية، "الوابل الصيب" لابن القيم ، و"تحفة الذاكرين" للشوكاني وغيرهما).
والمقصود بهذه الأذكار والأدعية أن يكون الإنسان موصول القلب بالله دائما وأن يقابل كل حدث جديد، بقلب متفتح، وإحساس مرهف، وشعور حي يقظ، حتى الأحداث التي تتكرر كل يوم كالإصباح والإمساء، بل تتجدد في اليوم أكثر من مرة كالأكل والشرب. فالمؤمن يرى الأشياء والحوادث بعين غير أعين الناس.
إن الناس يرونها بأعين رؤوسهم فحسب، فإذا تكررت أمامهم مرات ومرات ألفوها، أما المؤمن فيراها بعين قلبه وبصيرته، فيرى وراءها يد الله التي تبدع وتتقن، وعين الله التي ترعىوتحفظ، فيسبح ويحمد، ويهلل ويكبر، ويدعو ويتضرع، كما روى البخاري في "الأدب المفرد".
عن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع الرعد، ترك الحديث، وقال (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته).
وإذا كان هذا شأن المؤمنين في الأمور اليومية العادية المألوفة، فما بالك بحدث كبير لا يتكرر إلا كل عدد من السنين، مثل كسوف الشمس أو خسوف القمر؟
إن المؤمن لا يمر عليه مثل هذا الأمر، بل هذه الآية من آيات الله وهو لاه غافل، كسائر اللاهين الغافلين من البشر، وإذا كان الدعاء والذكر يكفي فيما يتكرر من الأحداث الطبيعية كل يوم أو كل شهر، فهذا في حاجة إلى شيء أكثر من الدعاء والذكر وهو الصلاة، ثم إن أصحاب القلوب الحية تغلب عليهم الخشية من الله، كلما رأوا مظاهر قدرته في خلقه فهم لا يأمنون أن يكون وراء هذا الحادث العادي شيء آخر يعلمه الله ويجهلونه ولا حجر على إرادته وقدرته. فهو سبحانه إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون.
يقول الإمام ابن دقيق العيد: "ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: (يخوف الله بهما عباده) وليس بشيء (يعني هذا الاعتقاد) لأن لله أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء، إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد. وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلا أن يشاء الله خرقها". ذكره الحافظ في الفتح.
على أن في ظاهر الكسوف أمرا يتنبه له المؤمن ويلتفت إليه، إذا كان غيره لا يلتفت إليه، وهو التذكير بقيام الساعة، وانتهاء هذا العالم، فإن مما ثبت بطريق الوحي اليقيني: أن هذا الكون سيأتي عليه يوم ينفطر فيه عقده، وينتثر نظامه، فإذا سماؤه قد انفطرت، وكواكبه قد انتثرت، وشمسه قد كورت، وجباله قد سيرت، وأرضه قد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وآذن ذلك كله بتبدل الأرض غير الأرض والسموات، وبروز الخلق لله الواحد القهار.
إن الشمس والقمر ليسا أبديين ككل شيء في هذا العالم، إنهما يجريان كما قال الله خالقهما، إلى أجل مسمى، نعم مسمى معلوم عند الله، خفي مجهول عند الناس، ولكن المؤمن يوقن به ولا يغفل عنه، فإذا شاهد ظاهرة كالكسوف والخسوف، انتقل قلبه من اليوم إلى الغد، ومن الحاضر إلى المستقبل، وخصوصا إذا تذكر قول الله تعالى: (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب)النحل:77 ولعل هذا سر ما جاء في رواية بعض الصحابة في حديث الكسوف، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فزعا يخشى أن تكون الساعة -مع أن للساعة مقدمات وعلامات وأشراطا كثيرة أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ولم تقع بعد، ولهذا استشكل بعض العلماء هذه الرواية، ولكن يمكن حملها على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعليما لأمته وإرشادا لها، لتكون على ذكر من أمر الساعة على كل حال، ولا سيما إذا تأخر الزمان، وظهرت معظم الأشراط والأمارات.
وقد حدث الكسوف في عهد عثمان، فصلى بالناس، ثم انصرف فدخل داره. وجلس عبد الله بن مسعود إلى حجرة عائشة، وجلس إليه بعض الصحابة فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر. فإذا رأيتموه قد أصابهما، فافزعوا إلى الصلاة فإنها إن كانت التي تحذرون (يعني الساعة) كانت وأنتم على غير غفلة، وإن لم تكن، كنتم قد أصبتم خيرا واكتسبتموه. رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله موثوقون كما في مجمع الزوائد (جـ2: 206-207)(وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريج المسند ج6 رقم4387:إسناده صحيح)
وبهذا يتضح لنا أن ما شرعه الإسلام من صلاة ودعاء وذكر لله عند انكساف الشمس والقمر لا يعني بالضرورة أن الكسوف نتيجة لغضب من الله تعالى، وأن الصلاة لرفع هذا الغضب وإن فهم ذلك من كلام بعض العلماء ممن فسر هذه الظاهرة الكونية، حسبما انتهى إليها علمه في زمنه، ولكن أفهام العلماء -وخصوصا في مثل هذه الأمور- ليست حجة على الدين، فالدين إنما يؤخذ من كتاب الله، وما بينه من سنة نبيه، وما عدا ذلك فكل واحد يؤخذ من كلامه ويترك.
وفي مقابل هؤلاء الذين قصر باعهم عن الإلمام بالعلوم الكونية والرياضية نجد إماما مثل حجة الإسلام الغزالي يخطئ هؤلاء القاصرين ويتكلم كلاما في غاية الجودة والتحقيق، وذلك في كتاب "المنقذ من الضلال" حين عرض للفلاسفة وأنواع علومهم، ومنها العلوم الرياضية(كانت العلوم الرياضية قديمًا شعبة من الفلسفة، وجزءًا لا يتجزأ من الدراسة الفلسفية، وكذلك الطبيعيات، وغيرها، ولم تستغل هذه العلوم وتأخذ طريقها المستقل إلا في العصور الحديثة) وما يتولد عنها من آثار في الأنفس والأفكار. ومما قاله:
"الآفة الثانية نشأت من صديق للإسلام جاهل، ظن أن الدين ينبغي أن ينصر بإنكار كل علم منسوب إليهم (يعني الفلاسفة). فأنكر جميع علومهم، وادعى جهلهم فيها. حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف، وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرع، فلما قرع ذلك سمع من عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشك في برهانه، لكن اعتقد أن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع، فازداد للفلسفة حبا، وللإسلام بغضا!
"لقد عظمت جناية من ظن الإسلام ينصر بإنكار هذه العلوم، وليس في الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي والإثبات، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينية.
وقوله عليه السلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة). ليس في هذا إنكار علم الحساب المعرف بمسير الشمس والقمر واجتماعهما، أو مقابلتهما على وجه مخصوص.
أما قوله عليه السلام: (لكن الله إذا تجلى لشيء خضع له) فليس توجد هذه الزيادة في الصحاح أصلا( المنقذ من الضلال للغزالي/ مع أبحاث في التصوف لفضيلة الإمام الأكبر عبد الحليم محمود ص140،141، ط سابعة) .
ولو جاز لنا الاستدلال بما فيه ضعف من الأحاديث، لذكرنا هنا الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن سمرة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد، ولا لشيء تحدثونه، ولكن ذلكم من آيات الله…) والحديث فيه راو ضعيف كما قال البيهقي ولهذا لم يعتمد عليه.
على أن مثل هذا الحديث وإن كان ضعيفا، يمثل التفكير السائد لدى المسلمين في العصور الأولى، ولهذا رووه وخرجوه وسجلوه في روايتهم.
والمهم أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على أن الكسوف يحدث لغير السبب الطبيعي الذي أجرى الله سنته بوقوعه عنده .
وبالله التوفيق ،،،