المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حدث في مثل هذا اليوم ... معركة اليرموك !!!



رجب مصطفى
08-26-2010, 05:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ

معركة اليرموك


مفكرة الاسلام: إنها واحدة من أعظم معارك الإسلام وأقوى صدام بين الدولة الإسلامية والدولة الرومية أو البيزنطية النصرانية، والمعركة التي أنهت الوجود الروماني في أرض الشام الطاهرة، وغيرت موازين القوى في العالم القديم، وقد تجلت في هذه المعركة الكثير من الدروس والعبر والحقائق التي يجب على أهل الإسلام فهمها وتدبرها.

تبدأ أحداث المعركة عندما قرر الخليفة الراشد أبو بكر الصديق فتح بلاد الشام وأرسل إليها أربعة جيوش دفعة واحدة لفتح عدة جبهات بالشام وحتى ينشغل الروم بكل جيش على حدة ولا يتجمعون للقاء المسلمين بقوتهم الضاربة، ولكن أدرك هرقل زعيم الروم خطة المسلمين وكان حكيمًا عاقلاً كاد أن يسلم عندما وصلته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه آثر سلطانه ومنصبه، فأعد مجموعة جيوش ضخمة، بحيث يكون كل جيش منها منفردًا أضعاف الجيش المسلم الذي سيقابله، فعظم الخطب على المسلمين، إذ إن إجمالي الجيوش المسلمة الأربعة سبعة وعشرون ألفًا، في حين أن جيوش الرومان بلغت أربعين ومائتي ألف، فأشار عمرو بن العاص على قادة الجيوش الاجتماع تحت راية واحدة ثم طلب الإمدادات من الخليفة أبي بكر الصديق.

عندما وصلت الأخبار للخليفة الراشد قال كلمته الشهيرة: «والله لأشغلن النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد» وأرسل إليه وكان بالعراق وقتها يهد عرش الأكاسرة بحسامه البتار، وأمره بالانتقال بأقصى سرعة لنجدة المسلمين بالشام، فلبى القائد الفذ أوامر خليفته وأخذ معه نصف الجيش وتعداده تسعة آلاف، وقام بخطوة في غاية الجراءة والشجاعة حيث اخترق صحراء قاحلة محرقة لا يجسر أحد على اختراقها ليختصر المسافة الطويلة لأقل من نصف الوقت وهو يهتف قائلاً: «لابد أن أخرج من وراء جموع الروم فلا تحبسوني عن نصرة وغياث المسلمين» ووصل البطل بجيشه الخفيف في خمسة أيام، وفي الطريق فتح عدة مدن كانت خاضعة للروم مثل «تدمر» و«بهراء» و«قراقر» و«بصرى» فاستبشر المسلمون بذلك.

تكامل جمع المسلمين بوادي نهر اليرموك ستة وثلاثين ألفًا، واجتمع خالد مع باقي قادة الجيش ولاحظ أمرًا في غاية الخطورة يؤدي حتمًا للهزيمة، ألا وهو أن المسلمين منقسمون على أنفسهم وسوف يقاتلون الروم متساندين، ومعنى كلمة متساندين أي أن كل جيش سيكون تحت طاعة وإمرة قائده فقط، أي أن المسلمين سيكون لهم خمسة قواد في القيادة العامة وهذا عين الخذلان والفرقة، فوعظهم خالد بن الوليد وحذرهم من خطورة ذلك، وأن الخليفة لا يرضاه أبدًا، فاقتنع باقي القادة بفكرة خالد وهي أن يكون لكل يوم من أيام المعركة قائد واحد أي يتبادلون الإمارة فيما بينهم.

أصبح خالد بن الوليد القائد العام للجيوش الإسلامية، فعمل على تنظيمها على شكل كراديس [كتائب] لتبدو للناظر كثيفة، وجعل على رأس كل كردوس بطلاً من الأبطال المشهورين، وأعطى النساء في مؤخرة الجيش سيوفًا يضربن بها الفارين من أرض القتال، وجعل أبا سفيان واعظ الجيش والمقداد بن الأسود قارئ سور الجهاد والشهادة، وحميت النفوس واشتدت العزائم، وحاول القائد العام للرومان «ماهان» عرض أموال طائلة على المسلمين ليرجعوا عن القتال، ولكن خالد رفض هذا العرض الدنيوي الرخيص لأن المسلمين ما خرجوا للدنيا، بل لله وللإسلام ونشر الدعوة.

وفي يوم 5 رجب سنة 13هـ اندلعت أعظم معارك الإسلام على أرض الشام بين الحق والباطل ودارت رحى حرب لم يذق أو يخض الرومان مثلها، فقد كان القتال يوم اليرموك على أشده وثبت كل من المسلمين والرومان يومها ثباتًا عظيمًا، حتى صار القتال مثل الرحا، فلم يُرَ يومها إلا مخ ساقط، وكف نادر، ورأس طائر، وتصافح المسلمون والرومان بسيوفهم، وظل خالد يضرب بسيفه من طلوع الشمس لغروبها وصلى الناس إيماءً، ووقعت عدة مشاهد رائعة هائلة في أرض المعركة منها:

1 - مشهد أول من استشهد من المسلمين، والرسالة التي حمّله إياها أبو عبيدة بن الجراح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 - مشهد مبايعة عكرمة بن أبي جهل وأربعمائة من سادة المسلمين الله عز وجل على القتال حتى الشهادة.
3 - مشهد كتيبة خالد التي تجاوز عددها مائة مقاتل، والتي ردت هجوم خمسين ألفًا من الرومان.
4 - قتال نساء المسلمين وبطلتهم الجسورة «أسماء بنت يزيد الأنصارية» التي قتلت تسعًا من الروم بعمود خيمتها.
5 - فطنة خالد في التعامل من الرسالة التي جاءت من المدينة بوفاة الصديق واستخلاف الفاروق وعزل خالد من القيادة العامة، حيث كتمها حتى لا يفت ذلك في عضد المجاهدين.

6 - الحوار العجيب الذي دار بين خالد بن الوليد و«جورج بن تيودور» الذي تسميه المراجع العربية «جرجة» والذي انتهى بإسلام جورج وانضمامه لجيش المسلمين ضد إخوانه الرومان ثم استشهاده في القتال، وهذا من أعجب المشاهد.

وعلى الرغم من ضخامة الجيوش الرومانية واستعدادها للقتال لفترة طويلة، إلا إن الصحابة أطفئوا نارهم وقضوا على قوتهم وطحنوهم في يوم واحد فقط، ولم تكد شمس اليوم تغرب حتى كان نصر الله قد نزل على المسلمين وهزم الروم هزيمة مدوية كسرت عمودهم الفقري ببلاد الشام، وتساقطت بعدها المدن والحصون الشامية.

الجدير بالذكر أن هناك خلط في تاريخ هذه المعركة، فالبعض يجعلها سنة 15 هـ بدلاً من 13هـ استنادًا على المراجع البيزنطية التي أرخت للمعركة، ووضع على أساس ذلك سير مخالف للفتوحات الشامية جعل فيها معركة اليرموك خاتمة المعارك بالشام، ولكننا أثبتنا ما ذكره المؤرخون المسلمون الأوائل مثل خليفة بن خياط والطبري وابن الأثير وابن كثير وغيرهم. فلينتبه لذلك.

رجب مصطفى
08-26-2010, 06:01 PM
http://images.alarabiya.net/large_2342_84398.jpg


موقع معركة اليرموك


أبطال المعركة

كان الإعداد لمعركة اليرموك دقيقا، شارك فيه مع خالدِ بن الوليد قائدِ المعركة، كبارُ قادة الجيوش وفي مقدمتهم أبو عبيدة، وشُرَحْبيل بن حَسَنة، ويزيدُ بنُ أبي سفيان، وعَمرُو بنُ العاص، وضرارُ بن الأزور، وغيرهم كثيرون. وتم توزيع الجيش إلى كراديس وكتائب متدرجة في الحجم والمسؤولية.

نزلت قوات الروم على أطراف الجولان الجنوبية الشرقية، في مكان واسع صالح لحركة الخيل، ولكنه من الناحية التعبوية لا يساعدهم على حرية المناورة والانسحاب، بسبب الجروف والأودية السحيقة والموانع المائية والطبيعية المحيطة به.

قواتُ المسلمين تحشَّدت في السهلِ الواقع على الواقوصة، قريباً من نهر اليرموك، في منطقةٍ مفتوحةٍ من الشمال والشرق، تُسمَحُ لهم بحريةِ المناورة، وتضمنُ وصولَ إمداداتهم.

دامت المعركة ستةَ أيام، كان المسلمون فيها يَرُدَّون هجمات الروم، ويستخدم خالدُ بنُ الوليد الخيَّالةَ سريعي الحركة، الذين يقودهم بنفسه ليتحركَ بسرعة خاطفةٍ من مكان إلى آخر، عندما يتراجع جيشُ المسلمين تحت ضغط الروم. وفي الأيامِ الأربعةِ الأولى كانت خسائرُ الرومِ أكبرَ من خسائر المسلمين، وفي اليوم الخامس تباطأتْ المواجهاتُ بعد أن عَرَضَ الرومُ هدنةً لثلاثةِ أيامٍ رفضَها خالد.

في اليوم السادس من القتال شن خالدٌ هجوماً عنيفا وسريعا، استخدم فيه كل ما لديه من قوة الفُرسان، وقَتل من قواتِ الروم أعداداً هائلة، وهَرَبَ مَنْ بَقي منهم نحوَ الصحراء. وحقَّقَ المسلمون نصراً لا مثيلَ له في تاريخِ الحروب.

شهدت هذه المعركةُ بطولاتٍ كبرى سجَّلها رجالٌ ونساء، امتزجت دماؤهم بثرى هذه الأرض، فطهّرتها من الاحتلالِ الروماني.

آل أبي سفيان

هناك أبطالاً كثيرين قادوا معركة اليرموك أو شاركوا فيها ولم ينالوا حظَّهم من الاهتمام، منهم المقدادُ بنُ الأَسْوَد، وعِكْرِمةُ بنُ أبي جهل، وأبو سفيانَ بنُ حرب، وولداه يزيدُ بنُ أبي سفيان ومعاوية، وأبو أمامةَ الباهلي، ووحشيُ بن حرب، وثوبانُ مولى رسولِ الله الذي كان يُلقَّب بسفينة، وغيرُهم.

آل أبي سفيان كُلُّهم خرجوا للمشاركة في اليرموك، بمن فيهم أبو سفيان نفسُه، وابنه يزيد، الذي كانَ من قادة المعركة، وشارَكَ فيها أيضا ابنُه الآخَر معاوية.

وقد أصيبتْ يومَ اليرموك عينُ أبي سفيان، بعدما فَقَد عينيه الأولى في حُنَيْن، وعاشَ ضريرا فيما بعد. وكانت معه زوجتُه هند بنت عتبة، التي كانت يومَ أُحدٍ من أشدِّ المحرِّضين على المسلمين.

وأبو سفيان أسلم عشيةَ فتحِ مكة، وكان الفضلُ في إسلامِه للعباسِ بنِ عبد المطلب ثم شارك أبو سفيان في غزوة الطائف. وكان في اليرموك من الخطباء الذين يحضون على القتال. وقد توفي في المدينةِ المنورة، سنة اثنتين وثلاثين للهجرة، ودفن في البقيع.

ومن قادة معركة اليرموك البارزين يزيدُ بنُ أبي سفيان. وقد أسلم في فتحِ مكةَ في العامِ الثامنِ من الهجرة، ثم شَهِدَ مع الرسولِ صلى الله عليه وسلم غزوةَ حُنَيْن. وفي خلافة أبي بكر عُيِّن يزيدُ قائداً لواحدٍ من الجيوش الأربعة التي خرجتْ لمواجهةِ الرومِ في بلاد الشام. وكان معه سبعةُ آلاف مقاتل.

وفي اليرموك انضوى يزيدُ بنُ أبي سفيان بجيشِه تحت قيادةِ خالد بن الوليد. وبعدَ اليرموك شارك جيشُ يزيدَ في فتحِ دمشق، ثم اتجه غرباً إلى الساحل، ففتح صيدا وجْبِيل وبيروت، ثم ولاه عمرُ بنُ الخطاب على بلادِ الشام، إلى أن توفيَ في دمشق بطاعونِ عمواس الذي انتشر في السنة الثامنةَ عشرةَ للهجرة.

وبعد وفاة يزيدَ عَيَّن عُمرُ أخاه معاويةَ قائداً لجيش يزيد، ثم والياً على الشام.

وكان معاويةُ أَسْلَمَ في السنةِ الثامنةِ للهجرةِ، وشارك في الغزواتِ التي تَلَتْ فتحَ مكة. وبسبب درايتِه بالكتابة أصبحَ من كُتّابِ الوحي.

وبعدما آلت إليه ولايةُ الشامِ وقيادةُ جيشِها واصلَ معاويةُ الفتوحاتِ، فسيطر على طرابلس الشامِ وبقيةِ مدن الساحل. وكان أولَ قائد مسلم يُؤسسُ قوةً بحرية، تَمَكَّن بها من السيطرةِ على جزيرة قبرص، التي كانت قاعدةَ إمدادٍ رئيسيةٍ لقواتِ الرومِ في بلادِ الشام ومصر. وبعد الخلافاتِ التي برزتْ بينَه وبين عليٍ رضي الله عنه وسيطرةِ معاوية على الحكم، في السنة الحاديةِ والأربعين للهجرة، تابَعَ الفتوحات، فاتسعت رقعةُ الدولةِ الإسلاميةِ في عصرِه، حتى شملت أواسطَ آسيا، وشمالَ إفريقيا.

وأرسل معاويةُ جيشاً إلى حدودِ القسطنطينية، شارك فيه عددٌ من كبارِ الصحابة، منهم أبو أيوبٍ الأنصاري، الذي توفي قُرْبَ أسوارِ المدينة، وُدفن هناك.

وقد جعل معاويةُ من مدينةِ دمشقَ عاصمةً للدولةِ الإسلامية، بعدما أرسى فيها خلالَ ولايتِه عليها مؤسساتٍ للحُكم. واشتُهر معاويةُ في خلافتِه بالمرونةِ والدهاء في فترةٍ اتسمت بشدةِ الصراعِ السياسي.

توفّي معاويةُ بنُ أبي سفيانَ في دمشق سنةَ ستين للهجرة، ودُفن في مقبرة البابِ الصغير.

العربية . نت

رجب مصطفى
08-26-2010, 06:10 PM
معركة اليرموك
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة


http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/4/4b/Battlefield_of_yarmouk-mohammad_adil.jpg

المكان الذي جرت فيه المعركة


التاريخ: 20 أغسطس 636
المكان: في شمال الأردن قرب نهر اليرموك
النتيجة: انتصار المسلمين
المتحاربون: الإمبراطورية البيزنطية ::::: المسلمون
القادة: غريغوري، ماهان، جبلة بن الأيهم، قناطير، قسطنطين ابن القيصر هرقل ودريجان و(تيودور شقيق القيصر) ::::: خالد بن الوليد، أبو عبيدة بن الجراح، يزيد بن أبي سفيان، شرحبيل بن حسنة، عمرو بن العاص، قيس بن حبيرة
القوى: تقديرات 100-400 ألف ::::: تقديرات 24-40 ألف
الخسائر: 70-100 ألف تقديرات ::::: 4 آلاف تقديرات

معركة اليرموك (15 هـ - 636 م) بين العرب المسلمين والإمبراطورية البيزنطية، يعتبرها بعض المؤرخين من أهم المعارك في تاريخ العالم لأنها كانت بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت لتقدم الإسلام السريع في بلاد الشام. المعركة حدثت بعد وفاة الرسول عام 632م بأربع سنوات.

قررت الجيوش الإسلامية الإنسحاب من الجابية بالقرب من دمشق إلى اليرموك بعد تقدم جيش الروم نحوهم. تولَّى خالد بن الوليد القيادة العامة للجيش بعد أن تنازل أبوعبيدة بن الجراح، كانت قوات جيش المسلمين تعدّ 36 ألف مقاتل في حين كانت جيوش الروم تبلغ 250 ألف مقاتل.

مقدمة

أثناء الحروب البيزنطية – الساسانية الاخيرة في 610م. اصبح هرقل امبراطوراً للإمبراطورية البيزنطية، بعد الاطاحة بفوكاس. في هذه الاثناء غزا الفرس الساسانيون منطقة الجزيرة (شمال العراق) وفي سنة 611م اكتسحوا سوريا ودخلوا الاناضول محتلين مدينة مزاكا القيصرية. تمكن بعدها هرقل من إزاحة الفرس من الاناضول ، إلا أنه تعرض لهزيمة نكراء عندما قام بهجوماً كبيراً على سوريا ضد الفرس سنة 613م. خلال العقود التالية استطاع الفرس غزو كل من فلسطين ومصر. وفي هذه الاثناء اعد هرقل العدة لهجومٍ مضادٍ وقام بإعادة بناء جيشه. حيث قام هرقل بهجومه أخيراً بعد تسع سنين اي في 622م. بعد انتصاراته الحاسمة على الفرس وحلفائها في القوقاز وارمينيا، قام هرقل في 627م بهجوم شتوي ضد الفرس في منطقة الجزيرة محققاً فوزاً ساحقاً في معركة نينوى. وعلى هذا النحو اصبحت عاصمة الفرس مهددة أيضاً. شعوراً بالخزي والعار من هذه الهزائم تمت إزاحة خارسو الثاني وقتله في انقلاب قاده أبنه كافاد الثاني، الذي جنح إلى السلم فوراً، حيث وافق على الانسحاب من جميع الاراضي البيزنطية المحتلة. وأعاد لهرقل الصليب الحقيقي – الذي كان يعتقد بأن النبي عيسى (عليه السلام) قد صُلب عليه – ومن ثم تم إرجاعه إلى القدس بإحتفالٍ ملكي مهيب سنة 629م.

وفي هذه الاثناء كانت تطورات سياسية سريعة تحدث في الجزيرة العربية، حيث كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يزال ينشر الاسلام، وبحلول سنة 630 كان قد استطاع بنجاح توحيد معظم الجزيرة العربية تحت سلطة سياسية واحدة. وحين توفي النبي(صلى الله عليه وسلم) في حزيران 632، انتُخب ابو بكر (رضي الله عنه ) خليفة للمسلمين خلفاً للرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم). وحالما تولى أبو بكر الخلافة انبثقت مشاكل عندما ثارت جهراً العديد من القبائل العربية ضد ابو بكر (رضي الله عنه) ، والذي أعلن الحرب ضد المتمردين. والتي عرفت لاحقاً بحروب الردة. بعدها أستطاع أبو بكر من توحيد الجزيرة العربية تحت السلطة المركزية للخلافة الاسلامية ومركزها المدينة المنورة. حالما تم تطويع التمرد، بدء أبو بكر عهد الفتوحات، مبتدئأ بالعراق، المحافظة الاغنى للإمبراطورية الفارسية. وبإرسالة اكثر جنرالاته عبقرية ودهائاً وهو خالد بن الوليد ، تم فتح العراق بسلسلة من الحملات الناجحة ضد الفرس الساسانيين. نمت ثقة أبو بكر، وحالماً تمكن خالد من تأسيس معقل قوي في العراق، اعلن أبو بكر نداء التسلح لغزو الشام في شباط/فبراير من سنة 634. كان الغزو الاسلامي للشام عبارة عن سلسلة من العمليات العسكرية المخططة بعناية والمنسقة جيداً والتي استخدمت الستراتيجية بدلاً من القوة المجردة للتعامل مع مقاييس الدفاع البيزنطية. على أية حال تبين للجيوش الإسلامية بأنها اقل من الازم للتعامل مع الرد البيزنطي، وطلبت قاتدتها التعزيزات. ارسل خالد من العراق إلى الشام مع التعزيزات ولقيادة الغزو. في تموز/يوليو 634، هُزم البيزنطيون على نحو حاسم في معركة اجنادين. وسقطت مدينة دمشق في أيلول/سبتمبر 634، وتبعها معركة الفحل حيث هزمت وهلكت آخر المعاقل العسكرية المهمة للبيزنطيين في فلسطين. توفي الخليفة أبو بكر الصديق في سنة 634. وقرر خلفه عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) اكمال توسع الخلافة الإسلامية اعمق إلى الشام. بالرغم من أن حملات سابقة ناجحة قادها خالد بن الوليد ، إلا أنه تم استبداله بأبو عبيدة. بتأمين جنوب فلسطين، تقدمت القوات الإسلامية الآن إلى الطريق التجاري حيث سقطت طبريا وبعلبك من دون عناء كبير و بعدها غزا المسلمون مدينة حمص بأوائل 636. وعليه اكمل المسملون غزوهم عبر الشام.

الهجوم البيزنطي المعاكس

وبأحتلالهم لمدينة حمص، كان المسلمون على بعد مسيرة واحدة للوصول إلى حلب، ومن المعقل القوي للبيزنطيين في أنطاكيا، حيث يقطن هرقل. انذرت سلسلة النكسات على نحو خطير هرقل الذي حظر لهجوم مضاد لإستعادة المناطق الضائعة. في 635 يزجرد الثالث – امبراطور الفرس – ابتغى تحالفاً مع الامبراطور البيزنطي. زوج هرقل انبته ( طبقاً للتقاليد، حفيدته ) مانيانة إلى يزجرد الثالث وهو تقليد روماني لعقد التحالف. بينما تحظر هرقل لهجوم عظيم في الشام، كان من المفترض أن يقوم يزجرد بهجوم مضاد في نفس الوقت في العراق، في ما كان من المفروض أن يكون جهداً منسقاً. على أية حال، عمر بن الخطاب كانت له بصارة في هذا التحالف، حيث اشغل يزجرد الثالث في مفاوضات للسلام، حيث دعاه بوضوح إلى اعتناق الإسلام. عندما اطلق هرقر هجومه في آيار/مايو 636، لم يتمكن يزجرد من التنسيق مع المناورة بسبب الضروف المضنية في حكومته. الامر الذي أضاع ما كان ليكون خطة محكمة. ربح عمر بن الخطاب نصراً حاسماً ضد هرقل في معركة اليرموك، واستخدم ستراتيجية عظيمة في اشغال يزجرد وايقاعه في الفخ. وبعد ثلاثة شهور خسر يزجرد الثالث جيشه الامبراطوري في معركة القادسية في أيلول/سبتمبر 636، وانتهاء الحكم الساساني في غرب بلاد الفرس.

بدأت استعدادات البيزنطيين في اواخر سنة 635 ومع حلول شهر آيار/مايو 363 كان هرقل قد جمع قوة كبيرة في أنطاكيا في شمال سوريا. تألف الجيش المركب من قبائل السلاف والفرنجة والجورجيون، والارمن والعرب المسيحيون. نُسّقت هذه القوة إلى خمس جيوش، القائد العام ثيودور تريثوريوس - شقيق القيصر-. وماهان من الارمن والقائد العسكري السابق لمدينة حمص، والذي قام القيادة الميدانية الاجمالية، والذي يوجد تحت قيادته جيش خالص من الارمن. قناطير الامير السلافي قام بقيادة السلاف. جبلة بن الأيهم، ملك العرب الغساسنة، قام بقيادة قوة من العرب المسيحيين حصراً. والقوة المتبقية كانت كلها من الاوروبيين وضعت تحت قيادة غريغوري ودريجان. وقد اشرف هرقل شخصياً على العملية من مدينة أنطاكيا. ذكرت مصادر تاريخية بيزنطية بأن ابن الجنرال الفارسي شهرباراز كان احد القادة أيضاً إلا انه غير معروف اي جيش كانت تحت قيادته.

وكان جيش المسلمين مقسماً إلى اربعة مجاميع: واحد تحت قيادة عمر بن العاص في فلسطين، وواحد تحت قيادة شرحبيل ابن حسنة في الاردن، والاخر تحت قيادة يزيد ابن معاوية ضمن منطقة دمشق، والآخير تحت قيادة أبو عبيدة بن الجراح جنباً إلى جنب مع خالد بن الوليد في مدينة حمص. وكون الجيوش المسلمة كانت مقسمة جغرافياً، حاول هرقل استغلال هذا الوضع وخطط لشن الهجوم. حيث إنه لم يرغب بالأشتباك في معركة ملتصقة واحدة بل لإستخدام تكتيك الموقع المركزي ومحاربة جيوش المسلمين كلٌ على حدة بتركيز قوة كبيرة ضد كل فرقة من فرق المسلمين قبل ان يتمكنوا من توحيد جنودهم. وذلك بأجبار قوات المسلمين إما على الانسحاب أو بتدميرها على حدة. ومن ثم يستوفي استراتيجيته بإستعادة الاراضي المفقودة. ارسلت تعزيزات إلى مدينة قيسارية تحت قيادة قسطنطين الثالث – ابن هرقل – على الارجع لدحر قوات يزيد التي كانت تحاصر المدينة. تحرك الجيش الامبراطوري البيزنطي من أنطاكيا إلى شمال سوريا في وقت ما من حزيران/يونيو 636م. الجيش الامبراطوري البيزنطي كان ليعمل على النحو التالي: جيش جبلة بن الأيهم خفيف التدريع من العرب المسيحيين أن يطلق إلى حمص من حلب عبر حماة ويحتجز الجيش الرئيسي للمسلمين في حمص. أن يقوم ديرجان بتحركات ملتوية ما بين الساحل وطريق حلب حيث يصل إلى حمص من الغرب مغيراً على الجناح الايسر للمسلمين في الوقت الذي هم يجابهون من الامام عن طريق جبلة بن الأيهم. أن يغير غريغوري على الجناح الأيمن للمسلمين ويصل إلى حمص من الشمال الشرقي عبر منطقة الجزيرة. وأن يندفع قاناطير بمحاذاة الطريق الساحلي ويحل بيروت، التي منها يهاجم مدينة دمشق ضعيفة التحصين من الغرب ويفصل الجيش الرئيسي للمسلمين في حمص. وتعمل فرفة ماهان كقوة احتياطية وتصل حمص عن طريق حماة.

استراتيجية المسلمين

اكتشف المسلمون استعدادات هرقل عن طريق الاسرى الرومان. مما اطرق الانذار من احتمالية أن يمسكوا في قوات منفصلة والتي من الممكن هزيمتها. دعى خالد إلى مجلس الحرب. حيث نصح عبيدة لسحب القوات من فلسطين ومن شمال ووسط سوريا ومن ثم جمع جميع جيوش المسلمين في مكان واحد. أمر ابو عبيدة بتجميع الجنود في السهل الواسع قرب جابيا، حيث التحكم بالمساحة تجمع هجمات الخيالة ممكنة وأيضاً تمهد لوصول التعزيزات من الخليفة عمر بن الخطاب. وهكذا فإن قوة موحدة قوية ممكن أن تجابه في الميدان الجيوش البيزنطية. وتميز الموقع أيضاً من قربه من مركز قوة الدولة الإسلامية في نجد في حال حدث الانسحاب. وكانت تعليمات قد اعلنت بإعادة الجزية التي دفعت إلى أصحابها. على أية حال، بالتجمع في منطقة جابيا. كانت المسلمون عرضة لهجوم قوات الغساسنة حلفاء البيزنطيين. وبالتخييم في المنطقة كان ايضاً امراً خطيراً لأن قوة بيزنطية قوية كانت لاتزال موجودة في قاسارية والتي من الممكن ان تهاجم المسلمين من الخلف بينهما هم منشغلين مع البيزنطيين من الامام. وبناءاً على نصيحة خالد، انسحبت قوات المسلمين إلى الدارة ودير أيوب، مغلتين الهوة بين حلق اليرموك و سهل حراء البركاني، وبنوا خط من الخيام في الجزء الشرقي من سهل اليرموك. كانت هذه نقطة دفاع قوية وهذه المناورات جرت المسلمين والبيزنطيين إلى مواجه حاسمة، الامر الذي أراد الاخير تجنبه. خلال هذه المناورات الستراتيجية لم تكن هناك مواجات ماعدا مناوشة صغيرة بين فرقة صفوة الخيالة الخفيفة لخالد وطليعة الجيش البيزنطي.

ساحة المعركة

تقع ساحة المعركة على حوالي 65 كيلومتر جنوب غرب مرتفات الجولان، ما بين سوريا والاردن وشرق بحيرة طبريا. حديث المعركة على سهل اليرموك، الذي تغلق حافته الغربية اودية عميقة تعرف بوادي الرقاق، يصل عمقها إلى حوالي 200م. هذه الوادي يلتقي اخيراً بنهر اليرموك، الذي يعود إلى نهر الاردن. مجرى النهر له ظفة شديدة الانحدار، تتراوح ما بين 30 إلى 200م في الارتفاع. في الجهة الشمالية يوجد طريق جابيا وإلى الشرق توجد تلال عزرا، بالرغم من ان هذه التلال كانت إلى الخارج فعلياً من ساحة المعركة. ستراتيجياً كان هناك بروز واحد فقط في ساحة المعركة: ارتفاع يبلغ 100م يعرف بتل الجمعة، بالنسبة للجنود المسلمين المتجمعين هناك، اعطى التل رؤية جيدة لسهل اليرموك. الوادي في جهة الغرب من ساحة المعركة كان قابل للعبور في مناطق قليلة سنة 636، وكان له معبر رئيسي واحد: برج قرب القرية التي تعرف حالياً بكفر الماء. منطقياً، كان لسهل اليرموك ماءً كافياً ليدعم صمود كلا الجيشين. وكان السهل مثالياً لمناورة فرق الخيالة.

نشر الجنود

اكثر الحسابات الاسلامية قدماً تضع حجم الجيوش الإسلامية ما بين 24.000 و 40.000 وحجم القوات البيزنطية بين 100.000 و 200.000 . حسابات حديثة لحجم كلا الجيشين تتنوع: تقديرات للجيش البيزنطي غالباً ما بين 80.000 و 120.000 ، مع بعض التقديرات تصل إلى 50.000 و 15.000 – 20.000 . وتقديرات الجيش الإسلامي بين 25.000 و 40.000. تأتي هذه الارقام من القدرات المنطقية للمقاتلين، واستدامة اساسات العمليات ، والقوة البشرية الاجمالية حصر التأثير كلا الرومان والعرب. على اية حال، الاجماع على أنه الجيش البيزنطي وحلافئه يفوقون جيش المسلمين بهامش ضخم.

جيش المسلمين

اثناء عقد مجلس الحرب، نقل أبو عبيدة قيادة جيش المسلمين إلى خالد وجعله القائد الاعلى لجيش المسلمين. قام خالد بعد توليه القيادة بنظيم جيش المسلمين إلى 36 كتيبة مشاة واربعة كتاب للخيالة، وتولى هو قيادة صفوة الخيالة المتحركة وجعلها كقوة احتياطية. نظم خالد الجيش على تشكيل الطابعة وهو تشكيل دفاعي قوي لقوات المشاة. اصطف الجيش الاسلامي على طول 12 كيلومتر مواجهة الغرب، وجناحه الأيسر إلى جهة نهر اليرموك على مسافة ميل واحد من بداية اودية وادي العلن. جناح الجيش الأيمن على جهة طريق الجابية إلى الشمال بمحاذات مرتفعات تل الجمعة، ومع وجود فراغات بين الفرق العسكرية بحيث تتطابق واجهة الجيش مع الجيش البيزنطي على طول 13 كيلومتر. مركز الجيش كان تحت قيادة ابو عبيدة بن الجراح الذي تولى قيادة (الوسط الايسر ) وتولى شرحبيل ابن حسنة قيادة ( الوسط الأيمن ) . وكان ( الجناح الأيسير ) تحت لواء يزيد بينما ( الجناح الأيمن ) تحت قيادة عمرو بن العاص. المركز وكلا الجناحين اسندت برق الخيالة لتستخم كقوة احتياطية اثناء الهجوم المعاكس في حالة التراجع تحت ضغط الجيش البيزنطي. وخلف المركز تقف الخيالة المتحركة تحت القيادة الشخصية لخالد بن الوليد. وفي حالة انشغال خالد في قيادة الجيش الاساسي، يتولى زيرار بن الازور قيادة فرقة الخيالة المتحركة. عبر مسار المعركة، يستخدم خالد قوته الاحتياطية الراكبة في استخدامات حاسمة وحرجة. قام خالد بإرسال عدة جوالة لأبقاء البيزنطيين تحت المراقبة. في اواخر تموز/يوليو 636 ، ارسل ماهان جبلة بن الايهم مع قوته الخفيفة من العرب المسيحيون للقيام باستكشاف اجباري لجيش المسلمين إلا انه تم صد هذه القوة من قبل الخيالة المتحركة. بعد هذه المناوشة لم تحديث اي مناوشات اخرى خلال الشهر.

التسليح

استخدمت خوذ بعضها ذهبية مشابهة للخوذ الفضية لجيش الامبراطورية الفارسية. وكان استخدام الدروع شائعاً لحماية الوجوه والرقبة. وكان استخدام الدروع الجلدية السميكة نموذجياً لدى الجنود المسلمين الاوائل كما هو الحال في الجيش البيزنطي. تضمن التدريع صفائع سميكة من الجلد أو الدرع الجلدي lamellar armor - وهو درع مكون من صفائح جلدية سميكة مربطة مع بعضها البعض - و درع شبكي mail armor - وهو درع مكون من حلقات معدنية صغيرة مترابطة في نمط معين لتشكل شبكة - كان المشاة افضل تدريعاً بكثير من الخيالة. حيث استخدمت ستائر خشبية كبيرة. استخدم المسلمون الرماح الطويلة ، حيث زود المشاة برمح طوله 2.5 م والفرسان برماح طول 5.5 م. استخدم المشاة سيوف قصيرة شيبه بالسيوف البيزنطية الكلاديوس؛ واستخدمت الفرسان عادة السيوف الفارسية الطويلة. وبلغ ذراع الاقواس 2م في حالة الرخاء، مشابه في حجمه القوس الانكليزي المشهور اللونغ بو ( longbow ) ، اقصى مدى مؤثر للقوس بلغ 150م. كان النبالة المسلمين من المشاة الذين برهنوا تأثيرهم الفعال ضد فرسان العدو.

الجيش البيزنطي

بعد أيامٍ من تخييم المسلمين في سهل اليرموك، استهل الجيش البيزنطي جيش جبلة بن الأيهم الخفيف التسليح، والذي تقدم وخيم إلى الشمال من وادي الرقاد. كان الجناح الأيمن للجيش البيزنطي في النهاية الجنوبية من السهل قرب نهر اليرموك وعلى بعد حوالي ميل واحد قبل اودية وادي العلن. وكان الجناح الأيسر في الشمال، على مسافة قريبة من بداية تلال جابيا، حيث كان مكشوفاً نسبياً.نشر ماهان جيشه الامبراطوري مواجهاً الشرق، مع خط امامي بطول 13 كيلومتر، حيث اراد ان يغطي كل المسافة بين منخفض اليرموك في الجنوب والطريق الروماني المؤدي إلى مصر في الشمال، وتركت مسافات كبيرة بين كتائب الجيش البيزنطي. كان الجناح الأيمن بقيادة غريغوري والأيسر لقاناطير. وتشكل الوسط من جيش ديرجان وجيش الارمن لماهان. وكلاهما تحت القيادة العامة لديرجان. ضم الرومان فرق الخيالة الثقيلة ، فرقة الدرع، التي وزعت بالتساوي بين الجيوش الرومانية الاربعة، ووضع كل جيش المشاة في المقدمة، والفرسان كقوة احتياطية في الخلف. نشر فاهان جيش العرب المسيحيين والذي يمتطي الخيول والجمال كقوة للمناوشات ، التي تحجب الجيش الرئيسي لحين وصوله. ذكرت مصادر إسلامية قديمة بأن جيش غريغوري كان قد استخدم سلاسل لربط اقدام الجنود الذين اخذو عهداً بالموت. كانت السلاسل بطول عشر رجال واستخدمت كدليل على الشجاعة التي لا تهز، كسمة من سمات الرجال، والذين اضهروا بذلك رغبتهم في الموت وعدم الانسحاب ابداً. عملت هذه السلاسل أيضاً كضمان لعدم حدوث أي ثغرة ممكن ان تحدث من قبل فرسان العدو. على كل حال، فقد ذكر مؤرخين معاصرين بأن الجيش البيزنطي تبنى التشكليل العسكري المسمى تستودو Testudo الروماني، حيث يقف فيه الجنود كتفاً لكتف وتُمسك الدروع إلى الاعلى ونسق من 10-20 رجل بحيث يكونون محميين من كل الجوانب من مقذوفات العدو، ويوفر كل جندي غطاء للجندي المجاور له.

التسليح

تسلح الفرسان البيزنطيين بسيوف طويلة معروفة بسباثيون spathion . بالإضافة إلى رمح خشبي خفيف يسمى كنتاريون Kontarion وقوس توكساريون Toxarion مع اربعين سهم في الرف، يتدلى إما من السرج او من حزام الجندي. المشاة الثقيلة المعروفة بسكوتاتوي Skoutatoi تسلحت بسيوف ورماح قصيرة. وحمل النبالة البيزنطيين تسليح خفيف ودروع صغيرة، ويتدلى القوس من الكتف إلى الظهر مع حفنة من السهام. اشتمل تدريع الفرسان على الدرع الشبكي armor mail وخوذة وقلادة pendant (حامية للرقبة) واهداب ناتئة من الخوذة لحماية اجزاء الوجه. وكان للمشاة تدريع مماثل مع خوذة ودرع للصدر وللساق. واستخدمت ايضاً الدروع الجلدية السميكة lamellar وصفائح مدرعة scale armor - وهي دروع تتكون من العديد من الصفائح الصغيرة المرتبطة مع بعضها البعض كمواد داعمة للدروع الجلدية او الملابس - .

توتر في الجيش البيزنطي

اجبرت استراتيجية خالد الانسحاب من الاراضي المحتلة وجمع كل الجنود لمعركة واحدة حاسمة البيزنطيين على جمع جميع جيوشهم في جيش واحد كرد فعل طبيعي. وكان البيزنطيون يتجنبون لعقود الاشتباك في معارك حاسمة ذات واسعة النطاق، وخلق تجميع قواتهم سوية توتر لوجستي والذي كانت لم تكن الامبراطورية مستعدة له. كانت دمشق القاعدة اللوجستية الاقرب، ولكن لم يتمكن امير دمشق منصور من دعم الجيش البيزنطي الهائل الذي تجمع في سهل اليرموك. لهذا فإن عدة اشتباكات قيل أنها حدثت بين الجيش البيزنطي والسكان المحليين لدعم الجيش، حيث كان الصيف في نهايته انخفاض في رعاية الماشية. اتهمت مصادر في القصر البيزنطي فاهان بالخيانة العظمى كونه عصى اوامر هرقل بعدم خوض المعركة بنطاقٍ واسع مع العرب. وبإعطاء الاثر البعيد لجيوش المسلمين في اليرموك، رغم ذلك، لم يكن لدى فاهان الكثير من الخيارات إلا أن يرد بلطف. كانت العلاقات بين القادة البيزنطيين مفعمة بالتوتر ايضاً. حيث كان هناك صراع على القوة بين تروثوريوس و فاهان وجاراجس وقناطير. وقد تم تجاهل جبلة ابن الايهم قائد العرب المسيحيين بشكل كبير ، الامر الذي اضر بمعرفة البيزنطيين بطبيعة الارض المحلية. ولهذا فقد ساد جو من عدم الثقة بين اليونان والارمن والعرب.

تحالف جيوش الإمبراطورية البيزنطية

كان جيش البيزنطيين يتألف من خمسة جيوش، حيث قاد ماهان (أو فاهان) ملك أرمينية جيشه الأرمني، وقاد الأمير "قناطير" (Buccinator) السلافي، أو الروسي، جيشه من الشعوب السلافية، وكان ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم الغساني على رأس جيش المسيحيين العرب (كلهم من راكبي الخيول والجمال)، وكانت الجيوش الأوروبية كاملة تحت قيادة غريغوري ودريجان، حيث تولى دريجان قيادة الجيوش مجتمعةً. كما شارك تيودوروس، شقيق القيصر هرقل في المعركة، وهو "تذارق" بالمراجع العربية، وكذلك "دارقص أو سقلاب"، وكان خصي لهرقل قاد الآلف من المقاتلين الروم.

كان جند غريغوري على ميمنة جيوش الروم وقد ربطوا أرجلهم بالسلاسل تعبيراً عن تصميمهم على الصمود تحت كل الظروف، ورمزا للشجاعة، كما أن السلاسل يمكن أن تستخدم ضد خيول المسلمين في حال حدوث خرق في صفوف جيش غريغوري. وهذا ماجعل حركة الجنود بطيئة على كل الأحوال.

أرض المعركة وجيش المسلمين

أعاد خالد تنظيم الجيش بعد توليه لقيادة الجيش، فجعل ربع جيش المسلمين من الخيالة، وكانوا حوالي 10 آلاف فارس، وقسم الجيش إلى 36 كتيبة من المشاة وزعت على أربعة ألوية مشاة (اثنان في القلب بقيادة أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وجناحان الميسرة بقيادة يزيد بن أبي سفيان والميمنة بقيادة عمرو بن العاص). وتشكل كل لواء منهم من تسعة سرايا كانت منظمة على أساس التجمع القبلي أو العشائري، بحيث يقاتل كل واحد إلى جانب أخيه المسلم من عشيرته أو قبيلته، ومن أمراء الكراديس يومذاك:

* مذعور بن عدي.
* عياض بن غنم.
* هاشم بن عتبة بن أبي وقاص.
* سهيل بن عمرو.
* عكرمة بن أبي جهل.
* عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
* حبيب بن مسلمة.
* صفوان بن أمية.
* سعيد بن خالد بن العاص.
* خالد بن سعيد بن العاص.
* عبد الله بن قيس.
* معاوية بن حديج.
* الزبير بن العوام.

وجعل لكل لواء مجموعة من الاستطلاع بحيث يتم مراقبة أرض المعركة كاملة، وكانت خط الجبهة يمتد على 11 ميلاً بحيث يتجه المسلمون غرباً في مواجهة الروم وإلى الجنوب إلى يمين الجيش الرومي يمر نهر اليرموك وشمالاً على بعد أميال بإتجاه الجنوب الغربي هناك طرف وادي الرقاد.

وكلف كل من قيس بن حبيرة وأمير بن طفيل وميسرة بن مرزوق بقيادة فرق الخيالة التي تلعب دور الوحدات الإحتياطية للتدخل في حال أي تراجع ممكن للألوية الإسلامية.

وكان ضرار بن الأزور ينوب عن خالد بن الوليد بقيادة الوحدة المتنقلة في حال انشغال خالد في الأعمال القتالية في المعركة.

المعركة في سطور

دامت المعركة ستة أيام، كان المسلمون فيها يردون هجمات الروم في كل يوم، حيث كان خالد بن الوليد يستخدم "سرية الخيالة المتحركة السريعة" التي يقودها بنفسه ليتحرك بسرعة خاطفة من مكان إلى آخر حيث يكون جيش المسلمين في تراجع تحت ضغط الروم، ويعود كل من الجانبين في نهاية النهار إلى صفوفه الأولية قبل القتال أو إلى معسكراته.

وجرى الأمر كذلك خلال الأربعة أيام الأولى كانت فيها خسائر الروم بالأعداد أكبر من خسائر جيش المسلمين، وفي اليوم الخامس لم يحدث الشيء الكثير بعد رفض خالد "هدنة ثلاثة أيام" التي عرضها الروم بقوله المشهور لرسول الروم "نحن مستعجلون لإنهاء عملنا هذا" حسب النسخة الإنكليزية من هذه الصفحة.

وفي اليوم السادس تحولت إستراتيجية خالد من الدفاع إلى الهجوم، وتمكن بعبقريته الفذة من شن الهجوم المجازف على الروم واستخدام الأسلوب العسكري الفريد من نوعه آنذاك وهو الاستفادة الصحيحة من إمكانيات "سرية الفرسان سريعة التنقل" ليحول الهزيمة الموشكة للمسلمين إلى نصر مؤزر لهم.

وقاتلت نساء المسلمين من خلف الجيوش (في معسكرات المسلمين الخلفية) في هذه المعركة، وقتلن عدداً كبيراً من الروم وقتلت خولة بنت الأزور على سبيل المثال، وكن يضربن من انهزم من المسلمين بالحجارة ويزجرنهم، وفق تعليمات خالد عند قدومه وتنظيمه لجيش المسلمين، ويصرخن قائلات: "أين تذهبون وتدعوننا للعلوج"، وعندئذ يرجع المنهزمون، وقد تكرر ذلك في كل يوم من أيام المعركة، حتى قيل أن بعض المقاتلين عندما كانوا يهمون بالفرار إلى الخلف كانوا يقولون "مواجهة الروم ولا مواجهة نسائنا" وبعدها يكر المسلمون لشن الهجوم المعاكس.

من احداث اليوم الأول

بدءت المعركة في يوم 15 آب/اغسطس 636. مع حلول الفجر اصطف كلا الجيشين للقتال يفصلهما اقل من ميل واحد. قد سجل في يوميات المسلمين بأن قبل أن تبدأ المعركة اتجه جورج القائد في فرقة الوسط الأيمن في الجيش البيزنطي إلى جيش المسلمين ودخل الإسلام، وثم وقتل في نفس اليوم محارباً إلى جانب المسلمين. كانت البداية بإرسال البيزنطيين ابطالهم مع المبارزين المسلمين في قتال ثنائي. كان المبارزين المسلمين مدربين بشكل خاص على السيوف والرماح لقتل اكبر عدد ممكن من قادة العدو من اجل تثبيط عزيمتهم. وفي منتصف النهار، وبعد خسارة عدد من القادة في القتال الثنائي، امر فاهان بهجوم محدود من ثلث قوات جيشه من المشاة لتجربة قوة استراتيجية جيش المسلمين، وإذا ما امكنه احداث ثغرة في اي منطقة ضعيفة في المعركة. على اية الحال، افتقد الهجوم البيزنطي إلى الاصرار؛ الكثير من جنود الجيش الامبراطوري لم يكونوا معتادين على القتال ولم يتمكنوا من لممارسة الضغط على الجنود المسلمين المحنكين. كان القتال بصورة عامة معتدل، بالرغم من انه في بعض الاماكن كان شديداً. لم يقم فاهان بدعم مشاته المتقدمين، حيث بحلول الغروب كسر كلا الجيشين التماس عاد كلاً إلى مخيمه.

من أحداث اليوم الثاني

قرر ماهان شن الهجوم المباغت عند الفجر، عندما يكون جيش المسلمين غير مستعد ولكن خالد كان قد وضع نقاطا دفاعية قوية متقدمة خلال الليل سراً مما افقد عنصر المفاجئة التي كان يخطط لها البيزنطيون، ودارت المعركة وتراجع كل من جانبي الجيش المسلم، الميمنة والميسرة،
المرحلة الأولى من الهجوم المعاكس

حيث تدخل خالد بفرقته السريعة التنقل مرة في الميمنة ليوقف تقدم الروم، وبعدها في الميسرة،
المرحلة الثانية من الهجوم المعاكس

حيث قسم خالد هنا وحدته المتنقلة السريعة ليرسل قسما منها بقيادة ضرار بن الأزور إلى قلب جيش الروم من الجهة اليمنى له، حيث تمكن ضرار في هذا الهجوم من قتل القائد البيزنطي دريجان رغم أن ألفين من الفرسان الروم البيزنطيين كانوا بحراسته.

وترك مقتل دريجان وفشل خطة ماهان الأثر المدمر على نفسية المقاتلين الروم بينما كان لنجاح خالد بصد الهجوم الأثر الأقوى لتعزيز معنويات الجند المسلمين.

من أحداث اليوم الثالث

بعد أحداث اليوم السابق ومقتل دريجان أحد كبار قادة الروم، تركز في هذا اليوم هجوم الروم على نقطة محددة لفصل الجيش الإسلامي، وهي النقطة بين الميمنة التي كانت تحت قيادة عمرو بن العاص يقابله "قناطر" قائد السلاف، وقلب الجيش الإسلامي من الجانب الأيمن تحت قيادة شرحبيل يقابله ماهان، وبدأ الهجوم على لواء عمرو بن العاص الذي استطاع في البداية الصمود قبل أن يلعب التفوق العددي للروم دوره ليتراجع جنود عمرو بن العاص إلى الوراء بإتجاء معسكرهم، كما بدأ جنود شرحبيل في اللواء المجاور بالتراجع،
الهجوم المعاكس

وتدخلت سرايا الخيالة المسلمين لصد الهجوم بالإلتفاف عن يسار الروم، أي من الطرف الشمالي لكل لواء، وبعدها تدخل خالد مجدداً بمجموعته سريعة التنقل ليهاجم جند ماهان المتقدمين ضد لواء شرحبيل. وتم صد الهجوم وتراجع الروم إلى أماكنهم الأصلية كما كانت قبل بداية المعركة. وجاء المساء لينتهي هذا اليوم.

من أحداث اليوم الرابع

تم صد هجوم مماثل على الجهة نفسها، بسبب إنهاكها في اليوم السابق، كما فكر وخطط ماهان، فقد تراجع شرحبيل أمام جيش الأرمن المدعم بشكل قوي من الخيالة العرب المسيحيين بقيادة جبلة، كما تراجع عمرو بن العاص أمام جيش "قناطر" السلافي. وتعرض شرحبيل للضغط الشديد وبدأت علائم الإنهاك على جنده.

الهجوم البيزنطي في اليوم الرابع

وقبل أن يتدخل خالد بفرقته السريعة التنقل ليشارك برد الزحف الرومي أمر أبا عبيدة بن الجراح ويزيد ببدء الهجوم على الجيش لإشغاله في القطاعين المقابلين لهما القسم الأيمن من القلب والميمنة الرومية وعدم تمكينهم من القيام بالهجوم الشامل.

وتمكن خالد بن الوليد من القيام بمناورات ذكية أدت إلى تراجع الأرمن، ودام ذلك طوال بعد الظهر، وبعد فقدان الدعم الأرمني تراجع كذلك السلاف بقيادة "قناطر" ليعود الجميع إلى أماكنهم.

على الجانب الآخر استعر قتال الروم مع جيشي أبي عبيدة بن الجراح ويزيد وتعرض الجند المسلمين إلى رمي عنيف بالنبال أدى إلى فقدان الكثير لبصرهم نتيجة إصاباتهم في عيونهم، منهم: أبو سفيان والمغيرة بن شعبة وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص والأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكرب وقيس بن مكشوح والأشتر النخعي، وسمي ذلك اليوم بيوم خسارة العيون، وتراجع الجيشان المسلمان، جيش عبيدة وجيش يزيد إلى الخلف.

هجوم المسلمين المعاكس

ولاحت علائم الهزيمة ولكن عكرمة بن أبي جهل نادي مجاهدين للقسم على النصر أو الشهادة، فلبى نداءه 400 من المقاتلين المجاهدين وقاتلوا محاولين وقف الروم، وأوقفوا زحف الروم بعد مقتلهم جميعاً، ولكنهم قتلوا عدداً أكبر بكثير من 400 مقاتل بيزنطي، وأصيب عكرمة وإبنه عمرو إصابة مميتة في هذه الوقعة، وعرف عكرمة بنجاح المسلمين بصد الهجوم وحمد الله قبل أن يموت متأثراً بجراحه، ليحل الظلام وينتهي ذلك اليوم.

من أحداث اليوم الخامس

كما ذكرنا سابقاً فقد رفض خالد عرضا لـ "ماهان" بوقف القتال بضعة أيام، وعرف خالد بن الوليد أن عزيمة الروم على القتال لم تعد كالسابق، وكان المسلمون حتى الآن قد إتخذوا إستراتيجية دفاعية في الأعمال القتالية، فقرر الآن خالد التحول إلى الهجوم، وأجرى تغييرات على تشيكلاته، حيث جمع كافة فرق الخيالة إلى سرية قتالية موحدة، وجعل وحدته السريعة في قلبها، وخطط خالد باستخدام هذه السرية الجديدة لمهاجمة الفرسان الروم بغرض عزلهم عن المشاة الروم، بحيث يصبح المشاة الذين يشكلون نواة الجيوش البيزنطية دون أي حماية من الفرسان تقيهم من الهجمات الجانبية والخلفية، وفي نفس الوقت خطط لشن هجومٍ على الميسرة البيزنطية لردها بإتجاه الجرف إلى الغرب.

من أحداث اليوم السادس

بينما بدأت ميسرة جيش المسلمين بقيادة يزيد بن أبي سفيان والقسم الأيسر من القلب بقيادة أبو عبيدة بن الجراح بالقتال على جبهتيهما هاجم خالد بسرية الخيالة الموحدة الميمنة البيزنطية، وفي الوقت نفسه شطر قِسماً من مجموعة الخيالة لمهاجمة الطرف الأيسر من الميسرة البيزنطية.

بينما قام عمرو بن العاص، قائد الميمنة، في الوقت نفسه بشن الهجوم على الميسرة الرومية البيزنطية ذات الأكثرية السلافية التي كانت بقيادة قناطر.

وقد صمدت الميسرة البيزنطية بقيادة قناطر أمام الهجومين من الأمام ومن اليسار، ولكن بفقدان الدعم من فرق الخيالة البيزنطيين، الذين إنشغلوا بصد هجوم الفرسان المسلمين، تراجعت قوات قناطر بإتجاه القسم الأيسر من قلب الجيش الرومي حيث يقاتل الأرمن بقيادة ماهان.

بعد رؤية هذا التحول إستغل عمرو بن العاص قائد الميمنة الإسلامية تلك اللحظات ليشن هجوماً على الجانب الأيسر من قلب جيش الروم من جهته اليسرى، فوقع القسم الأيسر من قلب الجيش البيزنطي باختلال في التوازن بسبب ضغط أعداد الجنود السلاف المتراجعين.

وفي الوقت نفسه شدد شرحبيل بن حسنة قائد القسم الأيمن من قلب الجيش الإسلامي من هجومه على القلب البيزنطي من الأمام.

الآن تقهقر الجناح الأيسر للجيش البيزنطي وراح المسلمون يستغلون ذلك ويتابعون تقدمهم، هنا، أوعز خالد للفرسان بترك القتال الرئيسي الدائر والعودة إلى الوحدة الرئيسية لعزل الخيالة البيزنطيين عن مشاتهم وإبعادهم عن الجيش البيزنطي بشكل كامل بإتجاه الشمال.

عندما رأى ماهان ذلك دعى كافة الخيالة الروم للتجمع خلف قلب الجيش البيزنطي لتنظيم هجوم معاكس ضد الخيالة المسلمين، ولكن ماهان لم يكن سريعاً بالشكل الكافي فقد تقدم خالد سريعاً لمهاجمة الخيالة أثناء تجمعهم وذلك من الجهتين الأمامية والجانبية بينما كانوا في مناورات التحضير للهجوم المعاكس، وكان الفرسان المسلمين المسلحين بشكل خفيف مؤهلين أكثر بل متفوقين من حيث سرعة التحرك والمناورة، حيث كانوا يستطيعون الهجوم والتراجع بسرعة والعودة للهجوم مرة أخرى، وسارع الخيالة البيزنطيين إلى الهرب بإتجاه الشمال في وسط من الفوضى والعشوائية تاركين المشاة لمصيرهم، وكان بينهم كذلك قوات جبلة الراكبة، حيث تشتت بإتجاه دمشق.

بعد تشتت فرق الخيالة البيزنطيين، تحول خالد إلى نواة جيش الروم البيزنطيين، الأرمن بقيادة ماهان، لمهاجمتهم من الخلف. وكان الأرمن من المقاتلين الأشداء الذين كانوا على وشك النصر على المسلمين قبل يومين عندما قاموا بإختراق جيش المسلمين، ولكن تحت هجمات من إتجاهات ثلاثة في آنٍ واحد، فرقة الخيالة بقيادة خالد من جهة الخلف، وجنود عمرو من اليسار وجنود شرحبيل من الأمام وبدون دعمٍ من الفرسان الروم، إضافة إلى الإختلال الذي أحدثته في صفوفهم جنود السلاف بقيادة قناطر المتراجعة، لم يكن للأرمن أي فرصة بالصمود فهزموا.

بعد هزيمة الأرمن هُزمت الآن كافة الجيوش البيزنطية، فتشتت البعض بشكل عشوائي مرعوبين، والبعض تراجع بإنتظام بإتجاه الغرب نحو وادي الرقاد.

ولكن عندما وصلت قوات البيزنطيين إلى المعبر الضيق على النهر واجهت مجموعة من فرسان المسلمين بقيادة ضرار بن الأزور بإنتظارهم. كجزء من خطة خالد كان قد أرسل في الليلة السابقة سرية من الخيالة ً تقدر بـ 500 رجل لسد المعبر الضيق الذي يبلغ عرضه 500 متر فقط. في الحقيقة فقد كان هذا الطريق هو الذي كان يرغب خالد بن الوليد للروم أن يسلكوه في تراجعهم في حال نجحت خطته.

المرحلة النهائية وحسم المعركة

والآن يتقدم جنود المشاة المسلمون من الشرق وفرسان خالد بن الوليد من جهة الشمال ليصلوا إلى الوحدة الخيالة المسلمين التي تراقب المعبر الضيق من جهته الغربية. وإلى الجنوب كان هناك الجرف العميق التابع لنهر اليرموك والتي تراجعت إليه القوات البيزنطية وبدأ الإنحصار.

وبدأت المرحلة النهائية من المعركة عندما اندحر القسم الأكبر من القوات البيزنطية بإتجاه الجرف تحت تأثير القتاك من جهة الأمام، بينما كانوا يتراجعون بإتجاه المركز نتيجة الهجوم من الجانب، حيث نجم عن ذلك اختلال التوازن في الجيش.

عند ذلك فقد الجيش البيزنطي المتحالف كل المعلومات والإرتباطات، ووصل إلى النقطة التي يتجنبها كل القواد العسكريين، وهي عندما تصبح وحداتهم عبارة عن حطام أو ركام مُسلح، فقد إنحصر الجيش البيزنطي بشكل لم يعد يستطيع فيه الجنود استخدام سلاحهم بشكل طبيعي، ولذلك فقد هزموا بسرعة محاولين إيجاد طريق للهرب عبر الجرف وبدون نجاح، فبعضهم هوى في الجرف، بينما سقط الآخرون قتلى أو أسروا لتنتهي بذلك معركة اليرموك.

لم يتواجد خالد بن الوليد مساء اليوم السادس بعد إحراز النصر وانتهاء المعركة في معسكر المسلمين، بل شوهد مساء اليوم التالي في المعسكر، فقد تابع خالد بن الوليد وفريقه فلول ماهان المتجهة إلى دمشق واشتبك معهم ليقتل ماهان على يد أحد المقاتلين المسلمين، فقد قطع رأسه وصرخ والله قد قتلت ماهان. وكانت العادة السائدة آنذاك أن المعركة تنتهي بهرب الجيش المنكسر، ولذلك فكان آخر ما توقعه هامان وجنوده المنهزمون هو متابعة خالد لهم.

عاقبة المعركة

تحرك خالد بن الوليد شمالاً حالماً انتهت العملية ملاحقاً الجنود البيزنطيين المنسحبين؛ حيث لاقاهم قرب دمشق وقام بمهاجمتهم. وهنالك قُتل القائد العام للجيش الامبراطوري فاهان والذي كان قد هرب من المصير المحتوم الذي لاقاه بقيه جنوده اثناء المعركة. وفتح بعدها خالد مدينة دمشق ويقال أن سكانها رحبوا به. وعندما وصلت اخبار الهزيمة المأساوية إلى هرقل في مدينة أنطاكية، اصبح محطماً غائظا والقى باللوم على السيء من افعاله كزواج ابنه اخته مارتينا الذي اجبرها عليه سبباً لخسارته. ولو امتلك هرقل الموارد الازمة ربما لقام بمحاولة اخرى لإستعادة فتح الحافظات التي خسرها. ولكنه لم يعد بعد يملك الرجال ولا المال الكافي ليدافع عن مناطقة. وبدلاً عن ذلك قام بالانسحاب إلى كاتدرائية أنطاكية طالباً الشفاعة. وقام بإستدعاء مستشاريه في الكاتدرائية للتمعن في اسباب الهزيمة، حيث اُعلم بالاجماع بأن الخسارة هي قرار من الرب ونتيجة لذنوب الشعب، وهو من ضمنهم ، وقد قبل بهذا التفسير. وبعدها نُقل هرقل على متن سفينة إلى القسطنطينية ليلاً، وقيل بأنه القى توديعةً اخيرةً إلى الشام عندما ابحرت سفينته، حيث قال: "الوداع، وداعاً اخيراً يا سوريا، يا محافظتي الجميلة، انت درة العدو الكافر الآن، فالتنعمي بالسلام يا سوريا، اي ارضٍ جميلة ستكونين لهم" هجر هرقل سوريا آخذاً معه الاثر المقدس - الصليب الحقيقي True Cross -، مع آثار اخرى من اجل الحفاظ عليها من العرب الغزاة ، والتي كانت محفوظة جميعها في مدينة القدس . حيث نقلها بارثيا Parthia القدس سراً عبر البحر. وقيل بأن الامبراطور كان يخشى البحر، لذا بنوا له جسراً عائماً عبر بحر البسفور للوصول إلى القسطنطينية. وبعد أن تخلى عن الشام، بدء بتجميع ما تبقى له من قوات من اجل الدفاع عن الاناضول ومصر بدلاً عنها. ولم يبذل المسلمون جهوداً تذكر لإحتلال الاناضول، إلا انها ظلت تخضع لغارات سنوية، مما ادى إلى تدمير النشاطات الاقتصادية الاجتماعية لمنطقة شرق الاناضول. وسقطت أرمينية البيزنطية على يد المسلمين سنة 638-39 والتي قام بعدها هرقل ببناء منطقة صدّ في وسط الاناضول بعد أن امر باجلاء جميع الحصون الواقعة شرق مدينة طرطوس. واخيراً وفي سنة 639-642 قام المسلمون بغزو وفتح مصر البيزنطية، بقيادة عمر بن العاص – قائد الجناح الايمن لجيش المسلمين في معركة اليرموك.

بعد المعركة

كانت معركة اليرموك من أعظم المعارك الإسلامية، وأبعدها أثرا في حركة الفتح الإسلامي، فقد لقي جيش الروم (أقوى جيوش العالم يومئذ) هزيمة قاسية، وفقد زهرة جنده، وقد أدرك هرقل الذي كان في حمص حجم الكارثة التي حلت به وبدولته، فغادر سوريا نهائيا وقلبه ينفطر حزنا، وقد ترتب على هذا النصر العظيم أن استقر المسلمون في بلاد الشام، واستكملوا فتح مدنه جميعا، ثم واصلوا مسيرة الفتح إلى الشمال الإفريقي.

تقييم

يمكن النظر إلى معركة اليرموك كمثال في التاريخ العسكري عندما تستطيع قوة عسكرية صغيرة تحت قيادة حكيمة التغلب على قوة عسكرية تفوقها عدداً. لقد سمح قادة الجيش الامبراطوري لعدوهم بأختيار أرض المعركة التي يريدها. وحتى ذلك الحين لم يكن لديهم ضعف تكتيكي كبير. لقد عرف خالد منذ البداية بأنه أمام قوة كبيرة جداً وحتى اليوم الاخير من المعركة ادار خطة دفاعية فعالة ملائمة لمصادره المحدودة نسبياً. وعندما قرر قرر الهجوم في اليوم الأخير من المعركة، فقد قام بذلك على درجة من التخيل وبعد النظر والشجاعة الامر الذي لم يتصوره أي من القادة البيزنطيين. وبالرغم من انه قاد قوة صغيرة عددياً وكان بأمس الحاجة إلى كل الرجال الذين يمكن جمعهم، كانت لديه الجرءة وبعد النظر لشطر فرقة من خيالته في الليلة التي سبقت هجومه لتأمين الطريق الحيوي لأنسحاب عدوه.

كان خالد بن الوليد واحداً من أجود قادة الفرسان في التاريخ، حيث اظهر استخدامه للقوة الراكبة طوال المعركة مدى فهمه لإمكانيات وقوة جنود الفرسان. حيث قامت فرقة خيالته المتحركة بتحركات سريعة من نقطة إلى أخرى، محوّلةً دائماً مجرى الاحداث في المكان الذي تقدم عليه، وثم تعدوا بسرعة إلى مكان آخر من ارض المعركة لتغير بشكل فعال المسار الذي تذهب إليه المعركة. لم يتعامل فاهان ولا قادته العسكريين ابداً بشكل فعال مع قوة الفرسان، حيث لم تلعب فرق خيالتهم اي دور مهم في المعركة بل حُفظت كقوة احتياطية ساكنة معظم أيام المعركة. ولم يدفع البيزنطيين ابداً بهجوم حاسم حتى عندما حققوا ما كان ممكن ان يكون اختراقاً حاسماً في اليوم الرابع، ففشلوا في استغلاله. فقد ظهر جلياً افتقاد جميع القادة البيزنطيين القدرة على إيجاد الحلول، ويعود السبب إلى الخلافات الداخلية فيما بينهم والتي اوجدت صعوبات في القدرة على قيادة الجيش. واكثر من ذلك، فإن كثيراً من جنود القوات العربية المساندة في الجيش البيزنطي كانوا قد جُندوا كعملٍ بديلٍ عن دفع الضرائب، بينما كان الجيش العربي الإسلامي مكوناً في الجزء الاكبر منه من مقاتلين متمرسين.

لقد احتاجت الاستراتيجية الاصلية لهرقل للقضاء على جنود المسلمين في الشام السرعة في التنفيد وفي نشر الجنود، لكن لم يلتزم القادة على الارض ابداً بهذه المقومات. ومن المثير للسخرية أن خالداً قاتل بقوة تكتيكية صغيرة الحجم وهي خطة هرقل التي لم تنفذ، وذلك من اجل الحصول على سرعة في نشر الجنود وسرعة في المناورة. لقد استطاع خالد جمع قوة كافية مؤقتاً في اماكن محددة على ارض المعركة من اجل هزم الجيش البيزنطي كل جزء على حدة. بينما لم يتمكن فاهان ابداً من الاستفادة من تفوقه العددي، ويعود ذلك إلى حد ما إلى التضاريس الغير ملائمة والتي منعت الميزان الكبير في نشر الجنود. على اية حال، فإن فاهان لم يحاول في اي مرحلة من المعركة جمع قوة كبيرة لاجل تحقيق اختراق حاسم في صفوف الجيش المسلم. على الرغم من أنه كان في حالة الهجوم طوال الأيام الخمسة الاولى، بحيث أن خط جنوده بقي مستقر على نحو كبير. بينما حدث ذلك وفي مقارنة تامة في الخطة الناجحة جداً التي قام بها خالد في اليوم الاخير من المعركة. عندما اعاد تجميع عملياً كل خيالته وقادهم عبر مناورة عظيمة والتي ادت إلى الظفر بالنصر. وقد وصف جورج نافزيكر George F. Nafziger في كتابه الاسلام في الحرب المعركة، قائلاً: "بالرغم من أن معركة اليرموك لا تحظى بشهرة كبيرة اليوم، إلا أنها واحدةٌ من اكثر المعارك الحاسمة في تاريخ البشرية..... ولو حققت قوات هرقل النصر، لكان العالم الحديث مختلفاً جداً وغير محدد المعالم".

وهذا عرض باوربوينت من أحد المواقع الأجنبية يوضح المعركة !!!


http://www.theartofbattle.com/wp-content/uploads/2010/02/battle-of-yarmuk-2xvi.ppt

تغريد
08-26-2010, 10:24 PM
حفظك الله كما تحاول أن تحفظ تاريخنا المشرف هذا

شخص عبقري و جيش عبقري

ذلك التناغم الذي لا ينميه إلا الإسلام حين يصبح اسلوب حياة

نرجو من الله أن يرحم امة محمد رحمة عامة

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا

وفقك الله و سدد خطاك دوما أخي الكريم رجب

الصادق
08-27-2010, 04:38 AM
حفظك الله كما تحاول أن تحفظ تاريخنا المشرف هذا

شخص عبقري و جيش عبقري

ذلك التناغم الذي لا ينميه إلا الإسلام حين يصبح اسلوب حياة

نرجو من الله أن يرحم امة محمد رحمة عامة

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا

وفقك الله و سدد خطاك دوما أخي الكريم رجب


هولاء رجال صدقوا ماعاهدو الله عليه

"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلاً ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إنّ الله كان غفوراً رحيماً "

زهرة اللوتس*
08-28-2010, 01:18 AM
صلوات الله وسلامه ع حبيبي المصطفى محمد بن عبد الله وآله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين
بارك الله فيك استاذي
جعلها الله في ميزان حسناتك