محمد عريف
07-23-2010, 11:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أعضاء المنتدي الكرام
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد يونيو - يوليو 2003
قواعد لعالَم كمومي معقد(*)
فرع معرفي أساسي جديد مثير يجمع علم المعلومات مع الميكانيك الكمومي.
<A.M.نيلسن>
خلال العقود القليلة الماضية تعلم العلماء أن القواعد البسيطة يمكن أن تؤدي إلى ظهور سلوكيات غنية جدا، ويعد الشطرنج مثالا جيدا على ذلك. تخيل أنك لاعب شطرنج متمرس قُدِّمتَ إلى شخص يَدّعي معرفة باللعبة. وتلعب معه بضع مرات، فتدرك أنه لا يجيد اللعبة على الرغم من أنه يعرف قواعد الشطرنج. إنه يحرك القطع حركات عبثية (غير منطقية)، مضحيا بالوزير مقابل بيدق (جندي) ويخسر الطابية (الرخ) دون أي مبرر. إنه لا يفهم الشطرنج فهما حقيقيا، فهو جاهل بالمبادئ وطرائق الاستكشاف الذاتي العالية المستوى والمألوفة لأي لاعب متمرس. إن هذه المبادئ هي خصائص تراكمية أو انبثاقية للشطرنج؛ إنها سمات لا تتضح مباشرة من القواعد، بل تنشأ عن التآثر بين القطع على رقعة الشطرنج.
ويشابه فهم العلماء الحالي للميكانيك الكمومي فهم تلميذ شطرنج يتعلم ببطء. لقد عرفنا القواعد لمدة تزيد على سبعين عاما، ولدينا عدة «نقلات» ذكية ناجحة في بعض الحالات الخاصة، لكننا مازلنا نتعلم تدريجيا المبادئ العالية المستوى الضرورية لممارسة لعبة مفعمة بالحرفية.
إن اكتشاف هذه المبادئ هو هدف علم المعلومات الكمومية quantum information science، وهو حقل أساسي يتفتح استجابة لطريقة جديدة في إدراك العالم. وهناك العديد من المقالات حول علم المعلومات الكمومية التي تركز على التطبيقات التقانية، مثل جماعات بحث «تنقل عن بعد»(1) teleport حالات كمومية من مكان إلى آخر. ويستخدم فيزيائيون آخرون الحالات الكمومية لتوليد مفاتيح تعمية (تشفير) مطلقة المناعة ضد التنصت. ويقوم علماء المعلومات باستنباط خوارزميات لحواسيب كمومية افتراضية أسرع بكثير من أفضل الخوارزميات المعروفة جيدا للحواسيب التقليدية(2).
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H10_00556.jpg
إن هذه التقانات فاتنة، لكنها تحجب حقيقة كونها ناتجا ثانويا لتحريات تتناول أسئلة علمية جديدة عميقة. فالتطبيقات من قبيل النقل الكمومي عن بعد تؤدي دورا مشابها للمحركات البخارية والآلات الأخرى التي استنهضت تطور الثرموديناميك (التحريك الحراري) في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. لقد كانت الحوافز التي شجعت الثرموديناميك أسئلة أساسية جوهرية حول الكيفية التي ترتبط بها الطاقة والسخونة ودرجة الحرارة، وحول التحولات بين هذه المقادير في السيرورات الفيزيائية، وحول الدور الأساسي للإنتروپي (القصور) entropy. وعلى نحو مشابه، يستقصي علماء المعلومات الكمومية العلاقة بين وحدات المعلومات التقليدية والكمومية، والطرائق الجديدة التي يمكن بها معالجة المعلومات الكمومية، والأهمية الحيوية للخاصة الكمومية المسماة بالتشابك entanglement والتي تفرض ارتباطات غريبة بين الأشياء المختلفة.
وغالبا ما تصف التقارير المبسطة التشابك بأنه السمة «كل شيء أو لا شيء» التي تكون فيها الجسيمات الكمومية إما متشابكة وإما غير متشابكة. لكن علم المعلومات الكمومية كشف عن أن التشابك، على غرار الطاقة، مورد فيزيائي قابل للتكميم quantifiable وأنه يتيح معالجة المعلومات: بعض المنظومات تمتلك تشابكا قليلا، وبعضها الآخر يمتلك الكثير. وكلما كان هناك تشابك أكثر، كانت المنظومة أكثر ملاءمة لمعالجة المعلومات الكمومية. يضاف إلى ذلك أن الباحثين بدؤوا بتطوير قوانين كمية فعالة للتشابك (مشابهة لقوانين الثرموديناميك التي تحكم الطاقة) توفر مجموعة من المبادئ العالية المستوى لفهم سلوك التشابك ولوصف الكيفية التي تمكننا من استخدامه لمعالجة المعلومات.
إن علم المعلومات الكمومية جديد إلى درجة أن الباحثين مازالوا في بداية تعاملهم مع طبيعته ذاتها وفهمها؛ إضافة إلى أنهم يختلفون حول القضايا التي تقع في صميمه. وتمثل هذه المقالة رؤيتي الشخصية بأن الهدف المركزي لعلم المعلومات الكمومية هو تطوير مبادئ عامة من قبيل قوانين التشابك، التي ستمكننا من فهم التعقيد في المنظومات الكمومية.
التعقيد والكم(**)
تركز دراسات كثيرة تتعلق بالتعقيد على منظومات من قبيل الطقس أو أكوام الرمل، يتم وصفها بالفيزياء التقليدية عوضا عن الفيزياء الكمومية. إن ذلك التركيز طبيعي، لأن المنظومات المعقدة ماكروية (عيانية، جهرية)(3) عادة وتحتوي على كثير من الأجزاء المكونة لها، وتفقد معظم المنظومات طبيعتها الكمومية مع ازدياد حجمها. ويحصل هذا الانتقال من الكمومي إلى التقليدي بسبب التآثر الشديد للمنظومات الكمومية الكبيرة مع محيطها مما يؤدي إلى فك الترابط decoherence، الأمر الذي يدمر الخواص الكمومية للمنظومة [انظر: «مئة عام من الأسرارالكمومية»،مجلة العلوم، العددان 2/3(2003) ، ص 78].
خذ كمثل على فك الترابط، قطة إروين شرودينگر الشهيرة داخل صندوق. تنتهي هذه القطة من حيث المبدأ، إلى حالة كمومية غريبة في موقع ما بين الموت والحياة؛ ولا معنى لوصفها بالقول بأنها حالة الموت أو حالة الحياة. إلا أن القطة تتآثر في حقيقة الأمر مع الصندوق من خلال تبادل الضوء والحرارة والصوت، كما يتفاعل الصندوق مع بقية العالم. وتدمِّر هذه السيرورات خلال بضعة نانوثوانٍ الحالات الكمومية الرهيفة داخل الصندوق، وتستعيض عنها بحالات تُدركها قوانين الفيزياء التقليدية بتقريب جيد. وهكذا فالقطة داخل الصندوق هي في الواقع حية أو ميتة، وليست في حالة مبهمة غير تقليدية تجمع الحالتين.
إن مفتاح رؤية السلوك الكمومي الحقيقي في منظومة معقدة هو عزلها بشكل جيد جدا عن بقية العالم، وبالتالي منع فك الترابط والحفاظ على الحالات الكمومية الهشة. ويمكن تحقيق هذا العزل بسهولة نسبية في المنظومات الصغيرة مثل الذرات المعلقة في فخ مغنطيسي في الخلاء، لكن الأمر أشد صعوبة في المنظومات الأكبر التي يمكن أن نجد فيها سلوكا معقدا. إن الاكتشافات المختبرية العرَضية لظواهر مرمرقة كالموصلية الفائقة ومفعول <هول> الكمومي هما مثالان حقق فيهما الفيزيائيون منظومات كمومية كبيرة جيدة العزل. وتُبين هذه الظواهر أن قواعد الميكانيك الكمومي البسيطة يمكن أن تؤدي إلى انبثاق مبادئ تحكم السلوكيات المعقدة.
المعلومات الكمومية/ نظرة إجمالية(***)
▪ ليست المعلومات رياضياتية محضة، بل على العكس تتجسد فيزيائيا دائما. ففي علم المعلومات التقليدية، يخضع التجسيد للفيزياء التقليدية اللاكمومية. أما علم المعلومات الكمومية الناشئ فيضع المعلومات في سياق كمومي.
▪ المورد الأساسي للمعلومات التقليدية هو البتة التي تأخذ دائما إحدى القيمتين: 0 أو 1. أما المعلومات الكمومية فتأتي في بتات كمومية، أو كيوبتات. ويمكن للكيوبتات أن توجد في حالات تراكب تتضمن القيمتين 0 و 1 في آن واحد، ويمكن لمجموعات من الكيوبتات أن «تتشابك»، وهذا ما يعطيها ترابطا منافيا للحدس.
▪ ويمكن للحواسيب الكمومية التي تعالج الكيوبتات، وخاصة الكيوبتات المتشابكة، أن تتفوق على الحواسيب التقليدية. فالتشابك يتصرف كمورد، مثل الطاقة، يمكن استخدامه للقيام بمعالجة معلومات كمومية.
▪ إن هدف علم المعلومات الكمومية هو فهم المبادئ العامة العالية المستوى التي تحكم المنظومات الكمومية المعقدة من قبيل الحواسيب الكمومية. إن صلة هذه المبادئ بقوانين الميكانيك الكمومي كصلة الاستكشاف الذاتي للبراعة في لعبة الشطرنج بقواعد اللعبة الأساسية.
موارد ومهام(****)
نحاول فهم المبادئ العالية المستوى التي تحكم تلك الأمثلة النادرة التي يتلاقى فيها الكمومي والمعقد من خلال استخلاص أدوات من نظرية المعلومات التقليدية ومهايأتها وتوسيعها. وفي عام 2001، اقترح <W.B.شوماخر> [من كلية كِنيون] أن العناصر الجوهرية لعلم المعلومات، بشكليها التقليدي والكمومي، يمكن أن تلخص على شكل إجرائية ذات ثلاث خطوات:
1. عرِّف مَوْردا فيزيائيا. وثمة مثال تقليدي مألوف على ذلك هو سلسلة من البتات. فعلى الرغم من أنه ينظر للبتات عادة على أنها كينونات مجردة ـ أصفار وواحدات ـ فإن جميع المعلومات مكودة حتما في أشياء فيزيائية حقيقية، ولذلك يجب النظر إلى سلسلة البتات على أنها مورد فيزيائي.
2. عرِّف مهمة لمعالجة المعلومات يمكن تأديتها باستخدام المورد الفيزيائي المذكور في الخطوة 1. ومثال تقليدي على ذلك هو المهمة ذات الجزأين الخاصة بضغط compressing خَرْج مصدر معلومات (نص في كتاب على سبيل المثال) في سلسلة بتات، ثم إبطال الضغط decompressing ـ أي استعادة المعلومات الأصلية من سلسلة البتات المضغوطة.
3. عرِّف معيار النجاح التام للمهمة المعرفة في الخطوة 2. في مثالنا، يمكن أن يكون المعيار هو التطابق التام بين الخرج الناتج من مرحلة إبطال الضغط وبين الدخل إلى مرحلة الضغط.
ويصبح السؤال الجوهري في علم المعلومات عندئذ: «ما هو المقدار الأصغري من المورد الفيزيائي (1) الذي نحتاج إليه من أجل تنفيذ مهمة معالجة معلومات (2) وفقا لمعيار النجاح (3)؟». على الرغم من أن هذا السؤال لا يحيط بعلم المعلومات برمته، فإنه يوفر عدسة شديدة التكبير للنظر من خلالها إلى الكثير من الأبحاث في هذا الحقل (انظر الإطار في هذه الصفحة).
السؤال الجوهري(*****)
يتلخص قسم كبير من علم المعلومات، بشكليه التقليدي والكمومي، بتحليل الأشكال المختلفة لسؤال أساسي واحد: «ما مقدار مورد المعلومات اللازم لأداء مهمة معالجة معلومات محددة؟». على سبيل المثال: «كم عدد الخطوات الحسابية اللازمة لإيجاد العوامل الأولية لعدد مكون من 300 رقم؟» إن أفضل خوارزمية تقليدية تستغرق نحو x1024 5 خطوة، أو نحو 000 150سنة بسرعة ترّا هيرتز (مليون ميگاهيرتز)، إلا أنه يمكن لخوارزمية تحليل كمومية، بالاستفادة من الحالات الكمومية التي لا تحصى، ألا تتطلب إلا 5 x1010 خطوة، أو أقل من ثانية واحدة بسرعة ترّا هيرتز.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H10_00557.jpg
يتوافق مثال ضغط البيانات مع سؤال أساسي في علم المعلومات التقليدي ـ أي ما عدد البتات الأصغري اللازم لخزن المعلومات الناتجة من مصدر ما؟ لقد حل هذه المسألة <E.C.شانون> في مقالاته الشهيرة التي أسست نظرية المعلومات عام 1948. فقد كمم quantified <شانون> المحتوى المعلوماتي الناتج من مصدر معلومات، معرفا إياه بأنه عدد البتات الأصغري اللازم لخزن خرج المصدر على نحو موثوق. ويُعرف تعبيره الرياضياتي للمحتوى المعلوماتي حاليا ب«إنتروپي شانون».
إن إنتروپي شانون يمثل الجواب عن سؤال جوهري بسيط حول المعالجة التقليدية للمعلومات. ولذلك فليس غريبا أن تكون دراسة خصائص إنتروپي شانون قد آتت ثمارها في تحليل عمليات أشد تعقيدا من ضغط البيانات. فهو (إنتروپي شانون) يؤدي، على سبيل المثال، دورا مركزيا في حساب مقدار المعلومات التي يمكن نقلها بشكل موثوق عبر قناة اتصال فيها ضجيج، وحتى في فهم ظواهر مثل المراهنة وأداء سوق الأوراق المالية. إن أحد الموضوعات العامة في علم المعلومات هو أن الأسئلة حول العمليات الأولية تقود إلى توحيد المفاهيم التي تحفز التبصر في عمليات أشد تعقيدا.
تكتسب عناصر لائحة شوماخر الثلاثة في علم المعلومات الكمومية غنى جديدا. ما الموارد الفيزيائية الجديدة المتاحة في الميكانيك الكمومي؟ ما مهمات معالجة المعلومات التي يمكننا أن نأمل تحقيقها؟ وما هي معايير النجاح المناسبة؟ تتضمن الموارد الآن حالات التراكب(4) مثل قطة شرودينگر المثالية الحية والميتة. أما العمليات فيمكن أن تشتمل على منابلات التشابك (الترابطات الكمومية الغريبة) بين أشياء شديدة التباعد. وأما معايير النجاح فتصبح أكثر دقة وحساسية منها في الحالة التقليدية، إذ يجب علينا ـ للوصول إلى نتيجة ما في مهمة معالجة معلومات كمومية ـ أن نرصد المنظومة أو نقيسها، الأمر الذي سيغيرها بصورة شبه حتمية، وبذلك سيتم تدمير حالات التراكب الخاصة التي تتفرد بها الفيزياء الكمومية.
الكيوبتات (البتات الكمومية)(******)
يبدأ علم المعلومات الكمومية بتعميم المورد الأساسي للمعلومات التقليدية، وهي البتات، إلى البتات الكمومية أي الكيوبتات. وكما أن البتات هي أشياء مثالية مستنبطة من مبادئ الفيزياء التقليدية، فالحال كذلك في الكيوبتات: إنها أشياء كمومية مثالية مستنبطة من مبادئ الميكانيك الكمومي. ويمكن تمثيل البتات بمناطق مغنطيسية على أقراص، أو بڤلطيات في مجموعة دارات، أو بعلامات گرافيتية يخطها قلم رصاص على ورقة. إن الأداء الوظيفي لهذه الحالات الفيزيائية التقليدية كبتات لا يعتمد على تفاصيل الكيفية التي تنفذ بها. وعلى نفس النحو، فإن خصائص الكيوبتات مستقلة عن تمثيلها الفيزيائي المعين، كأن تكون سپين نواة ذرية أو استقطاب فوتون ضوئي.
توصف البتة بحالتها: 0 أو 1. وعلى نحو مماثل، توصف الكيوبتة بحالتها الكمومية. وتقابل حالتان كموميتان ممكنتان للكيوبتة حالتي ال0 و ال1 للبتة التقليدية. غير أنه في الميكانيك الكمومي، فإن أي شيء ذي حالتين مختلفتين، يمتلك بالضرورة حالات عديدة أخرى تُدعى تراكيب، وهي التي تقتضي كلتا الحالتين بدرجات متفاوتة. والحالات المسموح بها للكيوبتة هي على وجه التحديد جميع تلك الحالات التي يجب إتاحتها، من حيث المبدأ، لبتة تقليدية ازدرعت في العالم الكمومي. هذا وتقابل حالات الكيوبتة نقاطا على سطح كرة، حيث يمثل ال0 وال1 القطبين الجنوبي والشمالي (انظر الإطار في هذه الصفحة). أما المتصل(5) (المجموعة المترابطة المتراصة) من الحالات بين ال0 وال1، فهو الذي يغذي الكثير من الخصائص غير المألوفة للمعلومات الكمومية.
شرح الكيوبتات(*******)
يمكن للبتة أن تأخذ واحدة من حالتين: 0 أو 1. ويمكن تمثيل البتة بمفتاح ترانزستوري يوضع في حالة «وصل» أو «فصل»، أو تجريديا بسهم يشير إلى أعلى أو أسفل.
يمكن للكيوبتة، وهي الشكل الكمومي للبتة، أن توجد في عدد أكبر بكثير من الحالات الممكنة. يمكن تمثيل الحالات بسهم يشير إلى موضع على كرة حيث يكون القطب الشمالي مكافئا لل1، ويكون القطب الجنوبي مكافئا لل0. أما سائر المواضع فهي تراكبات كمومية لل0 وال1.
قد تبدو الكيوبتة وكأنها تحتوي على مقدار لانهائي من المعلومات لأنه يمكن لإحداثياتها أن تكود لمتتابعة لامتناهية من الأرقام. لكن استخراج المعلومات الموجودة في الكيوبتة يستلزم إجراء قياس. وعندما تقاس الكيوبتة، يتطلب الميكانيك الكمومي أن تكون النتيجة دائما بتة عادية: 0 أو 1. ويعتمد احتمال كل نتيجة على خط عرض الكيوبتة.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H10_00558.jpg
ما كمية المعلومات التقليدية التي يمكن خزنها في كيوبتة واحدة؟ يوحي أحد أوجه الاستدلال بأن المقدار لانهائي: لتحديد حالة كمومية فإننا نحتاج إلى معرفة خطي الطول والعرض للنقطة المقابلة للحالة على الكرة، وهما مقداران يمكن معرفتهما من حيث المبدأ، وبالدقة المطلوبة. ويمكن لهذه الأرقام أن تكوِّد متتاليةً طويلة من البتات. فعلى سبيل المثال، 011101101 يمكن أن تُكوَّد كحالة بخط عرض 01 درجة، 11 دقيقة، 01.101 ثانية.
إن هذا الاستدلال مقبول ظاهريا إلا أنه غير صحيح. ذلك أنه يمكن للمرء تكويد مقدار لانهائي من المعلومات التقليدية في كيوبتة واحدة، لكنه لا يستطيع بتاتا استرجاع تلك المعلومات من الكيوبتة. إن أبسط محاولة لقراءة حالة الكيوبتة، بالقياس المباشر المعتاد لها، لن تعطي إلا نتيجة على شكل 1 أو 0، أي قطب جنوبي أو شمالي، باحتمال لكل منهما يحدده خط عرض الحالة الأصلية (البدئية). يمكنك أن تختار قياسا مختلفا، ربما باستخدام محور «ميلبورن ـ جزر الأزور» عوضا عن محور الشمال ـ الجنوب، إلا أنك هنا أيضا لن تستخرج إلا بتة واحدة من المعلومات، وإن كانت تتحكم فيها احتمالات ذات ارتباط مختلف بخطي طول وعرض الحالة. فمهما يكن القياس الذي تختار إجراءه، فإنه يمحي جميع المعلومات في الكيوبتة باستثناء البتة الوحيدة التي تُسفر عنها عملية القياس.
إن مبادئ الميكانيك الكمومي تمنعنا من استخراج أكثر من بتة معلومات واحدة، مهما كان تكويد الكيوبتة ذكيا، ومهما بلغت براعتنا في قياسها فيما بعد. لقد برهن <S.A.هوليڤو> [من معهد ستِكْلوف للرياضيات في موسكو] على هذه النتيجة المدهشة عام 1973، وذلك إثر تخمين طرحه <P.J.گوردون> من مختبرات AT&T Bell عام 1964. ويبدو الأمر كما لو أن الكيوبتة تحوي معلومات خفية نستطيع منابلتها لكننا لا نستطيع الولوج إليها مباشرة. لذا فمن الأفضل النظر إلى تلك المعلومات الخفية على أنها وحدة معلومات كمومية عوضا عن اعتبارها عددا لانهائيا من البتات الكلاسيكية التي لا يمكن الولوج إليها.
لاحظ كيف يتبع هذا المثال نموذج شوماخر لعلم المعلومات. لقد تساءل <گوردون> و<هوليڤو> عن عدد الكيوبتات (المورد الفيزيائي) اللازم لخزن مقدار محدد من المعلومات التقليدية (المهمة) بطريقة يمكن بها استرجاع المعلومات على نحو موثوق (معيار النجاح). ومن ثم أدخل <گوردون> و<هوليڤو> مفهوما رياضياتيا للإجابة عن هذا السؤال، يُعرف الآن ب«كاي هوليڤو»(6)، فقد استُخدم هذا المفهوم لتبسيط تحليل الظواهر الأشد تعقيدا، على نحو مشابه للتبسيط الذي أتاحه إنتروپي شانون. وعلى سبيل المثال، فقد بيَّن <M.هوروديسكي> [من جامعة گدانسك في پولندا] أنه يمكن استخدام كاي هوليڤو لتحليل مسألة ضغط الحالات الكمومية الناتجة من مصدر معلومات كمومي، والتي تشابه ضغط البيانات التقليدي الذي عالجه شانون.
أعضاء المنتدي الكرام
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد يونيو - يوليو 2003
قواعد لعالَم كمومي معقد(*)
فرع معرفي أساسي جديد مثير يجمع علم المعلومات مع الميكانيك الكمومي.
<A.M.نيلسن>
خلال العقود القليلة الماضية تعلم العلماء أن القواعد البسيطة يمكن أن تؤدي إلى ظهور سلوكيات غنية جدا، ويعد الشطرنج مثالا جيدا على ذلك. تخيل أنك لاعب شطرنج متمرس قُدِّمتَ إلى شخص يَدّعي معرفة باللعبة. وتلعب معه بضع مرات، فتدرك أنه لا يجيد اللعبة على الرغم من أنه يعرف قواعد الشطرنج. إنه يحرك القطع حركات عبثية (غير منطقية)، مضحيا بالوزير مقابل بيدق (جندي) ويخسر الطابية (الرخ) دون أي مبرر. إنه لا يفهم الشطرنج فهما حقيقيا، فهو جاهل بالمبادئ وطرائق الاستكشاف الذاتي العالية المستوى والمألوفة لأي لاعب متمرس. إن هذه المبادئ هي خصائص تراكمية أو انبثاقية للشطرنج؛ إنها سمات لا تتضح مباشرة من القواعد، بل تنشأ عن التآثر بين القطع على رقعة الشطرنج.
ويشابه فهم العلماء الحالي للميكانيك الكمومي فهم تلميذ شطرنج يتعلم ببطء. لقد عرفنا القواعد لمدة تزيد على سبعين عاما، ولدينا عدة «نقلات» ذكية ناجحة في بعض الحالات الخاصة، لكننا مازلنا نتعلم تدريجيا المبادئ العالية المستوى الضرورية لممارسة لعبة مفعمة بالحرفية.
إن اكتشاف هذه المبادئ هو هدف علم المعلومات الكمومية quantum information science، وهو حقل أساسي يتفتح استجابة لطريقة جديدة في إدراك العالم. وهناك العديد من المقالات حول علم المعلومات الكمومية التي تركز على التطبيقات التقانية، مثل جماعات بحث «تنقل عن بعد»(1) teleport حالات كمومية من مكان إلى آخر. ويستخدم فيزيائيون آخرون الحالات الكمومية لتوليد مفاتيح تعمية (تشفير) مطلقة المناعة ضد التنصت. ويقوم علماء المعلومات باستنباط خوارزميات لحواسيب كمومية افتراضية أسرع بكثير من أفضل الخوارزميات المعروفة جيدا للحواسيب التقليدية(2).
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H10_00556.jpg
إن هذه التقانات فاتنة، لكنها تحجب حقيقة كونها ناتجا ثانويا لتحريات تتناول أسئلة علمية جديدة عميقة. فالتطبيقات من قبيل النقل الكمومي عن بعد تؤدي دورا مشابها للمحركات البخارية والآلات الأخرى التي استنهضت تطور الثرموديناميك (التحريك الحراري) في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. لقد كانت الحوافز التي شجعت الثرموديناميك أسئلة أساسية جوهرية حول الكيفية التي ترتبط بها الطاقة والسخونة ودرجة الحرارة، وحول التحولات بين هذه المقادير في السيرورات الفيزيائية، وحول الدور الأساسي للإنتروپي (القصور) entropy. وعلى نحو مشابه، يستقصي علماء المعلومات الكمومية العلاقة بين وحدات المعلومات التقليدية والكمومية، والطرائق الجديدة التي يمكن بها معالجة المعلومات الكمومية، والأهمية الحيوية للخاصة الكمومية المسماة بالتشابك entanglement والتي تفرض ارتباطات غريبة بين الأشياء المختلفة.
وغالبا ما تصف التقارير المبسطة التشابك بأنه السمة «كل شيء أو لا شيء» التي تكون فيها الجسيمات الكمومية إما متشابكة وإما غير متشابكة. لكن علم المعلومات الكمومية كشف عن أن التشابك، على غرار الطاقة، مورد فيزيائي قابل للتكميم quantifiable وأنه يتيح معالجة المعلومات: بعض المنظومات تمتلك تشابكا قليلا، وبعضها الآخر يمتلك الكثير. وكلما كان هناك تشابك أكثر، كانت المنظومة أكثر ملاءمة لمعالجة المعلومات الكمومية. يضاف إلى ذلك أن الباحثين بدؤوا بتطوير قوانين كمية فعالة للتشابك (مشابهة لقوانين الثرموديناميك التي تحكم الطاقة) توفر مجموعة من المبادئ العالية المستوى لفهم سلوك التشابك ولوصف الكيفية التي تمكننا من استخدامه لمعالجة المعلومات.
إن علم المعلومات الكمومية جديد إلى درجة أن الباحثين مازالوا في بداية تعاملهم مع طبيعته ذاتها وفهمها؛ إضافة إلى أنهم يختلفون حول القضايا التي تقع في صميمه. وتمثل هذه المقالة رؤيتي الشخصية بأن الهدف المركزي لعلم المعلومات الكمومية هو تطوير مبادئ عامة من قبيل قوانين التشابك، التي ستمكننا من فهم التعقيد في المنظومات الكمومية.
التعقيد والكم(**)
تركز دراسات كثيرة تتعلق بالتعقيد على منظومات من قبيل الطقس أو أكوام الرمل، يتم وصفها بالفيزياء التقليدية عوضا عن الفيزياء الكمومية. إن ذلك التركيز طبيعي، لأن المنظومات المعقدة ماكروية (عيانية، جهرية)(3) عادة وتحتوي على كثير من الأجزاء المكونة لها، وتفقد معظم المنظومات طبيعتها الكمومية مع ازدياد حجمها. ويحصل هذا الانتقال من الكمومي إلى التقليدي بسبب التآثر الشديد للمنظومات الكمومية الكبيرة مع محيطها مما يؤدي إلى فك الترابط decoherence، الأمر الذي يدمر الخواص الكمومية للمنظومة [انظر: «مئة عام من الأسرارالكمومية»،مجلة العلوم، العددان 2/3(2003) ، ص 78].
خذ كمثل على فك الترابط، قطة إروين شرودينگر الشهيرة داخل صندوق. تنتهي هذه القطة من حيث المبدأ، إلى حالة كمومية غريبة في موقع ما بين الموت والحياة؛ ولا معنى لوصفها بالقول بأنها حالة الموت أو حالة الحياة. إلا أن القطة تتآثر في حقيقة الأمر مع الصندوق من خلال تبادل الضوء والحرارة والصوت، كما يتفاعل الصندوق مع بقية العالم. وتدمِّر هذه السيرورات خلال بضعة نانوثوانٍ الحالات الكمومية الرهيفة داخل الصندوق، وتستعيض عنها بحالات تُدركها قوانين الفيزياء التقليدية بتقريب جيد. وهكذا فالقطة داخل الصندوق هي في الواقع حية أو ميتة، وليست في حالة مبهمة غير تقليدية تجمع الحالتين.
إن مفتاح رؤية السلوك الكمومي الحقيقي في منظومة معقدة هو عزلها بشكل جيد جدا عن بقية العالم، وبالتالي منع فك الترابط والحفاظ على الحالات الكمومية الهشة. ويمكن تحقيق هذا العزل بسهولة نسبية في المنظومات الصغيرة مثل الذرات المعلقة في فخ مغنطيسي في الخلاء، لكن الأمر أشد صعوبة في المنظومات الأكبر التي يمكن أن نجد فيها سلوكا معقدا. إن الاكتشافات المختبرية العرَضية لظواهر مرمرقة كالموصلية الفائقة ومفعول <هول> الكمومي هما مثالان حقق فيهما الفيزيائيون منظومات كمومية كبيرة جيدة العزل. وتُبين هذه الظواهر أن قواعد الميكانيك الكمومي البسيطة يمكن أن تؤدي إلى انبثاق مبادئ تحكم السلوكيات المعقدة.
المعلومات الكمومية/ نظرة إجمالية(***)
▪ ليست المعلومات رياضياتية محضة، بل على العكس تتجسد فيزيائيا دائما. ففي علم المعلومات التقليدية، يخضع التجسيد للفيزياء التقليدية اللاكمومية. أما علم المعلومات الكمومية الناشئ فيضع المعلومات في سياق كمومي.
▪ المورد الأساسي للمعلومات التقليدية هو البتة التي تأخذ دائما إحدى القيمتين: 0 أو 1. أما المعلومات الكمومية فتأتي في بتات كمومية، أو كيوبتات. ويمكن للكيوبتات أن توجد في حالات تراكب تتضمن القيمتين 0 و 1 في آن واحد، ويمكن لمجموعات من الكيوبتات أن «تتشابك»، وهذا ما يعطيها ترابطا منافيا للحدس.
▪ ويمكن للحواسيب الكمومية التي تعالج الكيوبتات، وخاصة الكيوبتات المتشابكة، أن تتفوق على الحواسيب التقليدية. فالتشابك يتصرف كمورد، مثل الطاقة، يمكن استخدامه للقيام بمعالجة معلومات كمومية.
▪ إن هدف علم المعلومات الكمومية هو فهم المبادئ العامة العالية المستوى التي تحكم المنظومات الكمومية المعقدة من قبيل الحواسيب الكمومية. إن صلة هذه المبادئ بقوانين الميكانيك الكمومي كصلة الاستكشاف الذاتي للبراعة في لعبة الشطرنج بقواعد اللعبة الأساسية.
موارد ومهام(****)
نحاول فهم المبادئ العالية المستوى التي تحكم تلك الأمثلة النادرة التي يتلاقى فيها الكمومي والمعقد من خلال استخلاص أدوات من نظرية المعلومات التقليدية ومهايأتها وتوسيعها. وفي عام 2001، اقترح <W.B.شوماخر> [من كلية كِنيون] أن العناصر الجوهرية لعلم المعلومات، بشكليها التقليدي والكمومي، يمكن أن تلخص على شكل إجرائية ذات ثلاث خطوات:
1. عرِّف مَوْردا فيزيائيا. وثمة مثال تقليدي مألوف على ذلك هو سلسلة من البتات. فعلى الرغم من أنه ينظر للبتات عادة على أنها كينونات مجردة ـ أصفار وواحدات ـ فإن جميع المعلومات مكودة حتما في أشياء فيزيائية حقيقية، ولذلك يجب النظر إلى سلسلة البتات على أنها مورد فيزيائي.
2. عرِّف مهمة لمعالجة المعلومات يمكن تأديتها باستخدام المورد الفيزيائي المذكور في الخطوة 1. ومثال تقليدي على ذلك هو المهمة ذات الجزأين الخاصة بضغط compressing خَرْج مصدر معلومات (نص في كتاب على سبيل المثال) في سلسلة بتات، ثم إبطال الضغط decompressing ـ أي استعادة المعلومات الأصلية من سلسلة البتات المضغوطة.
3. عرِّف معيار النجاح التام للمهمة المعرفة في الخطوة 2. في مثالنا، يمكن أن يكون المعيار هو التطابق التام بين الخرج الناتج من مرحلة إبطال الضغط وبين الدخل إلى مرحلة الضغط.
ويصبح السؤال الجوهري في علم المعلومات عندئذ: «ما هو المقدار الأصغري من المورد الفيزيائي (1) الذي نحتاج إليه من أجل تنفيذ مهمة معالجة معلومات (2) وفقا لمعيار النجاح (3)؟». على الرغم من أن هذا السؤال لا يحيط بعلم المعلومات برمته، فإنه يوفر عدسة شديدة التكبير للنظر من خلالها إلى الكثير من الأبحاث في هذا الحقل (انظر الإطار في هذه الصفحة).
السؤال الجوهري(*****)
يتلخص قسم كبير من علم المعلومات، بشكليه التقليدي والكمومي، بتحليل الأشكال المختلفة لسؤال أساسي واحد: «ما مقدار مورد المعلومات اللازم لأداء مهمة معالجة معلومات محددة؟». على سبيل المثال: «كم عدد الخطوات الحسابية اللازمة لإيجاد العوامل الأولية لعدد مكون من 300 رقم؟» إن أفضل خوارزمية تقليدية تستغرق نحو x1024 5 خطوة، أو نحو 000 150سنة بسرعة ترّا هيرتز (مليون ميگاهيرتز)، إلا أنه يمكن لخوارزمية تحليل كمومية، بالاستفادة من الحالات الكمومية التي لا تحصى، ألا تتطلب إلا 5 x1010 خطوة، أو أقل من ثانية واحدة بسرعة ترّا هيرتز.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H10_00557.jpg
يتوافق مثال ضغط البيانات مع سؤال أساسي في علم المعلومات التقليدي ـ أي ما عدد البتات الأصغري اللازم لخزن المعلومات الناتجة من مصدر ما؟ لقد حل هذه المسألة <E.C.شانون> في مقالاته الشهيرة التي أسست نظرية المعلومات عام 1948. فقد كمم quantified <شانون> المحتوى المعلوماتي الناتج من مصدر معلومات، معرفا إياه بأنه عدد البتات الأصغري اللازم لخزن خرج المصدر على نحو موثوق. ويُعرف تعبيره الرياضياتي للمحتوى المعلوماتي حاليا ب«إنتروپي شانون».
إن إنتروپي شانون يمثل الجواب عن سؤال جوهري بسيط حول المعالجة التقليدية للمعلومات. ولذلك فليس غريبا أن تكون دراسة خصائص إنتروپي شانون قد آتت ثمارها في تحليل عمليات أشد تعقيدا من ضغط البيانات. فهو (إنتروپي شانون) يؤدي، على سبيل المثال، دورا مركزيا في حساب مقدار المعلومات التي يمكن نقلها بشكل موثوق عبر قناة اتصال فيها ضجيج، وحتى في فهم ظواهر مثل المراهنة وأداء سوق الأوراق المالية. إن أحد الموضوعات العامة في علم المعلومات هو أن الأسئلة حول العمليات الأولية تقود إلى توحيد المفاهيم التي تحفز التبصر في عمليات أشد تعقيدا.
تكتسب عناصر لائحة شوماخر الثلاثة في علم المعلومات الكمومية غنى جديدا. ما الموارد الفيزيائية الجديدة المتاحة في الميكانيك الكمومي؟ ما مهمات معالجة المعلومات التي يمكننا أن نأمل تحقيقها؟ وما هي معايير النجاح المناسبة؟ تتضمن الموارد الآن حالات التراكب(4) مثل قطة شرودينگر المثالية الحية والميتة. أما العمليات فيمكن أن تشتمل على منابلات التشابك (الترابطات الكمومية الغريبة) بين أشياء شديدة التباعد. وأما معايير النجاح فتصبح أكثر دقة وحساسية منها في الحالة التقليدية، إذ يجب علينا ـ للوصول إلى نتيجة ما في مهمة معالجة معلومات كمومية ـ أن نرصد المنظومة أو نقيسها، الأمر الذي سيغيرها بصورة شبه حتمية، وبذلك سيتم تدمير حالات التراكب الخاصة التي تتفرد بها الفيزياء الكمومية.
الكيوبتات (البتات الكمومية)(******)
يبدأ علم المعلومات الكمومية بتعميم المورد الأساسي للمعلومات التقليدية، وهي البتات، إلى البتات الكمومية أي الكيوبتات. وكما أن البتات هي أشياء مثالية مستنبطة من مبادئ الفيزياء التقليدية، فالحال كذلك في الكيوبتات: إنها أشياء كمومية مثالية مستنبطة من مبادئ الميكانيك الكمومي. ويمكن تمثيل البتات بمناطق مغنطيسية على أقراص، أو بڤلطيات في مجموعة دارات، أو بعلامات گرافيتية يخطها قلم رصاص على ورقة. إن الأداء الوظيفي لهذه الحالات الفيزيائية التقليدية كبتات لا يعتمد على تفاصيل الكيفية التي تنفذ بها. وعلى نفس النحو، فإن خصائص الكيوبتات مستقلة عن تمثيلها الفيزيائي المعين، كأن تكون سپين نواة ذرية أو استقطاب فوتون ضوئي.
توصف البتة بحالتها: 0 أو 1. وعلى نحو مماثل، توصف الكيوبتة بحالتها الكمومية. وتقابل حالتان كموميتان ممكنتان للكيوبتة حالتي ال0 و ال1 للبتة التقليدية. غير أنه في الميكانيك الكمومي، فإن أي شيء ذي حالتين مختلفتين، يمتلك بالضرورة حالات عديدة أخرى تُدعى تراكيب، وهي التي تقتضي كلتا الحالتين بدرجات متفاوتة. والحالات المسموح بها للكيوبتة هي على وجه التحديد جميع تلك الحالات التي يجب إتاحتها، من حيث المبدأ، لبتة تقليدية ازدرعت في العالم الكمومي. هذا وتقابل حالات الكيوبتة نقاطا على سطح كرة، حيث يمثل ال0 وال1 القطبين الجنوبي والشمالي (انظر الإطار في هذه الصفحة). أما المتصل(5) (المجموعة المترابطة المتراصة) من الحالات بين ال0 وال1، فهو الذي يغذي الكثير من الخصائص غير المألوفة للمعلومات الكمومية.
شرح الكيوبتات(*******)
يمكن للبتة أن تأخذ واحدة من حالتين: 0 أو 1. ويمكن تمثيل البتة بمفتاح ترانزستوري يوضع في حالة «وصل» أو «فصل»، أو تجريديا بسهم يشير إلى أعلى أو أسفل.
يمكن للكيوبتة، وهي الشكل الكمومي للبتة، أن توجد في عدد أكبر بكثير من الحالات الممكنة. يمكن تمثيل الحالات بسهم يشير إلى موضع على كرة حيث يكون القطب الشمالي مكافئا لل1، ويكون القطب الجنوبي مكافئا لل0. أما سائر المواضع فهي تراكبات كمومية لل0 وال1.
قد تبدو الكيوبتة وكأنها تحتوي على مقدار لانهائي من المعلومات لأنه يمكن لإحداثياتها أن تكود لمتتابعة لامتناهية من الأرقام. لكن استخراج المعلومات الموجودة في الكيوبتة يستلزم إجراء قياس. وعندما تقاس الكيوبتة، يتطلب الميكانيك الكمومي أن تكون النتيجة دائما بتة عادية: 0 أو 1. ويعتمد احتمال كل نتيجة على خط عرض الكيوبتة.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H10_00558.jpg
ما كمية المعلومات التقليدية التي يمكن خزنها في كيوبتة واحدة؟ يوحي أحد أوجه الاستدلال بأن المقدار لانهائي: لتحديد حالة كمومية فإننا نحتاج إلى معرفة خطي الطول والعرض للنقطة المقابلة للحالة على الكرة، وهما مقداران يمكن معرفتهما من حيث المبدأ، وبالدقة المطلوبة. ويمكن لهذه الأرقام أن تكوِّد متتاليةً طويلة من البتات. فعلى سبيل المثال، 011101101 يمكن أن تُكوَّد كحالة بخط عرض 01 درجة، 11 دقيقة، 01.101 ثانية.
إن هذا الاستدلال مقبول ظاهريا إلا أنه غير صحيح. ذلك أنه يمكن للمرء تكويد مقدار لانهائي من المعلومات التقليدية في كيوبتة واحدة، لكنه لا يستطيع بتاتا استرجاع تلك المعلومات من الكيوبتة. إن أبسط محاولة لقراءة حالة الكيوبتة، بالقياس المباشر المعتاد لها، لن تعطي إلا نتيجة على شكل 1 أو 0، أي قطب جنوبي أو شمالي، باحتمال لكل منهما يحدده خط عرض الحالة الأصلية (البدئية). يمكنك أن تختار قياسا مختلفا، ربما باستخدام محور «ميلبورن ـ جزر الأزور» عوضا عن محور الشمال ـ الجنوب، إلا أنك هنا أيضا لن تستخرج إلا بتة واحدة من المعلومات، وإن كانت تتحكم فيها احتمالات ذات ارتباط مختلف بخطي طول وعرض الحالة. فمهما يكن القياس الذي تختار إجراءه، فإنه يمحي جميع المعلومات في الكيوبتة باستثناء البتة الوحيدة التي تُسفر عنها عملية القياس.
إن مبادئ الميكانيك الكمومي تمنعنا من استخراج أكثر من بتة معلومات واحدة، مهما كان تكويد الكيوبتة ذكيا، ومهما بلغت براعتنا في قياسها فيما بعد. لقد برهن <S.A.هوليڤو> [من معهد ستِكْلوف للرياضيات في موسكو] على هذه النتيجة المدهشة عام 1973، وذلك إثر تخمين طرحه <P.J.گوردون> من مختبرات AT&T Bell عام 1964. ويبدو الأمر كما لو أن الكيوبتة تحوي معلومات خفية نستطيع منابلتها لكننا لا نستطيع الولوج إليها مباشرة. لذا فمن الأفضل النظر إلى تلك المعلومات الخفية على أنها وحدة معلومات كمومية عوضا عن اعتبارها عددا لانهائيا من البتات الكلاسيكية التي لا يمكن الولوج إليها.
لاحظ كيف يتبع هذا المثال نموذج شوماخر لعلم المعلومات. لقد تساءل <گوردون> و<هوليڤو> عن عدد الكيوبتات (المورد الفيزيائي) اللازم لخزن مقدار محدد من المعلومات التقليدية (المهمة) بطريقة يمكن بها استرجاع المعلومات على نحو موثوق (معيار النجاح). ومن ثم أدخل <گوردون> و<هوليڤو> مفهوما رياضياتيا للإجابة عن هذا السؤال، يُعرف الآن ب«كاي هوليڤو»(6)، فقد استُخدم هذا المفهوم لتبسيط تحليل الظواهر الأشد تعقيدا، على نحو مشابه للتبسيط الذي أتاحه إنتروپي شانون. وعلى سبيل المثال، فقد بيَّن <M.هوروديسكي> [من جامعة گدانسك في پولندا] أنه يمكن استخدام كاي هوليڤو لتحليل مسألة ضغط الحالات الكمومية الناتجة من مصدر معلومات كمومي، والتي تشابه ضغط البيانات التقليدي الذي عالجه شانون.