محمد عريف
07-19-2010, 06:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أعضاء المنتدي الكرام
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد يونيو - يوليو 2003
كيف يجب تعليم القراءة؟(*)
منذ مدة طويلة والمربون يتجادلون حول أفضل طريقة لتعليم القراءة للأطفال.
ومع ذلك فقد دلت الأبحاث على أن كون طريقة ما ذات شعبية عالية في
هذا الشأن غير كاف لضمان نجاحها فيما إذا استُخْدِمت لوحدها.
<K.راينر> ـ <R.B.فورمان> ـ <A.C.پرفتي> ـ <D.پيستسكي> ـ <S.M.سيدنبرگ>
بقليل من الغموض يتذكر معظمنا كيف تعلَّم القراءة، في الوقت الذي لا نستطيع فيه تذكر أي شيء خاص حول تعلّمنا الكلام. ومع أن هاتين المهارتين متصلتان، فإن طرق اكتسابهما تختلف اختلافا بيِّنا. فتعلم الكلام يتم آليا بالنسبة إلى جميع الأطفال تقريبا، ممن نموا في ظروف طبيعية؛ ولكن تعلم القراءة يحتاج إلى تدريس متقن وجهد واع. أنتذكر كيف كان هذا صعبا ذات مرة؟ إن قراءة هذه الصفحة وهي مقلوبة يجب أن تذكرنا بشيء من معاناة طفولتنا المبكرة، عندما كان تعلم قراءة مقطعٍ بسيطٍ عملا شاقا.
ومع إدراكهم للصعوبات التي تعترضهم، فقد كرّس المربون قدرا كبيرا من تفكيرهم حول أفضل طريقة لمساعدة الأطفال على تعلم القراءة. ولكن لم يكتب النجاح في هذا المجال لأي طريقة لوحدها. وفي الواقع، فقد استمر جدل حام حول أفضل أسلوب لتدريس القراءة، في استقطاب مجتمع التعليم. وللمساعدة على صياغة إجماع في هذا المجال، فقد اجتمعنا مؤخرا تحت رعاية الجمعية الأمريكية لعلم النفس The American Psychological Society لمراجعة الأبحاث الكثيرة حول العمليات العقلية التي تشكل أساس القراءة الماهرة، وحول كيف يجب تعليم القراءة. وتشير النتائج بقوة إلى اتجاهات قد تقلق بعض الآباء والأمهات.
لقد جُرّبت ثلاث مقاربات عامة في تعليم القراءة. في واحدة منها تدعى تدريس الكلمة ـ كاملة whole-word instruction (وتعرف أيضا بأنها طريقة انظر ـ اقرأ look-say method) يتعلم الأطفال عن طريق الاستظهار، كيف يتعرفون بلمحة مفردات مؤلفة من 50 إلى 100 كلمة. ثم يكتسبون تدريجيا معرفة كلمات أخرى من خلال رؤيتها مستخدمة مرات ومرات في سياق قصة ما. ("Run, Spot, run" من سلاسل تعليم القراءة Dick and Jane المعروفة جيدا، مثال معهود لجملة معدة لتدريس الكلمة ـ كاملة). ويمكن أيضا استخدام هذا النهج بالضبط لتعلم اللغة الصينية، التي يقابل كل رمز فيها، باللغة المكتوبة، كلمة وجذر كلمة.
في الواقع اتبع الصغار في الصين، خلال نصف القرن الماضي، وصفة مختلفة: فقد عُلِّموا قراءة الكلمات الصينية باستخدام الأبجدية الرومانية، وذلك كخطوة أولى نحو معرفة القراءة والكتابة literacy. وبشكل مماثل، فإن الناطقين بمعظم اللغات يتعلمون العلاقة بين الحروف والأصوات المرتبطة بها (الڤونيمات phonemes)؛ أي يُعلَّم الأطفال كيف يستخدمون معرفتهم بالأبجدية ليلفظوا الكلمات. ويشكل هذا النهج نوعا ثانيا من المقاربة لتعليم القراءة ـ يدعى الطريقة الصوتية phonics المألوفة جدا في تعليم الأطفال في فترة ازدادت فيها المواليد(1)، وبخاصة الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة.
إن الصلة بين الحروف والفونيمات تبدو بسيطة بشكل كاف. فمثلا الحرف "b" يلفظ دائما تقريبا بالطريقة نفسها كما في كلمة "bat". ولنأخذ بالاعتبار الحرف الساكت "e" الذي يشير إلى أن الحرف الصوتي الذي يسبقه ذو صوت ممدود كما في الكلمات "pave" و"save" و"gave". ومع أن الحرف الأخير "e" لا يلفظ، فإن دوره في غاية الوضوح. والإنگليزية، على كل حال، فيها الكثير من الشذوذات ـ وعلى سبيل المثال خذ الكلمة "have". وفي الحقيقة، هناك مئات الانحرافات عن النموذج النظامي، ويشمل هذا الكلمات "give" و"said" و"is" و"was" و"were" و"done" و"some". إن مثل هذه الكلمات العويصة problematic words والشائعة في الوقت نفسه، هي من أولى الكلمات التي يتعين على الطفل تعلمها.
ومن الواضح أن نقص المطابقة الكاملة بين الحروف والأصوات هو مصدر للتشويش وعقبة كامنة على طريق القرّاء المبتدئين. ونتيجة لذلك، فقد تبنى العديد من المدارس مقاربة مختلفة وهي طريقة اللغة ـ كاملة the whole - ******** method (وتدعى أيضا التدريس بالاعتماد على كتابات إنشائية literature - based instruction والقراءة الموجهة guided reading). والاستراتيجية هنا مماثلة لتلك المستخدمة في تدريس الكلمة ـ كاملة، ولكنها تعتمد بشكل أكبر بكثير على تجربة الطفل مع اللغة. وكمثال على هذا، يُعطى التلاميذ كتبا مشوقة، ويشجعون على أن يحزروا الكلمات التي لا يعرفونها عن طريق تأمل سياق الجملة، والتفتيش عن مفاتيح في سطور القصة وشروحاتها، وذلك بدلا من لفظها استنادا إلى حروفها. وغالبا ما تعطى الفرصة للأطفال ليكتبوا قصصا من أنفسهم، في مسعى لغرس محبة الكلمات والقراءة في نفوسهم.
تهدف مقاربة اللغة ـ كاملة the whole - ******** approach إلى جعل تدريس القراءة ممتعا. وأحد مبادئها الأساسية هو أن قواعد الطريقة الصوتية يجب ألا تعلم مباشرة. وعلى العكس من ذلك، فإن الارتباط بين الحروف والأصوات، يجب أن يعلم بصورة غير مباشرة من خلال الاطلاع على النص. وتشترط هذه المنهجية methodology عدم تصحيح الأخطاء التي يرتكبها الطلبة أثناء قراءتهم الكلمات. والأساس الفلسفي لهذا هو أن تعلم القراءة، مثله مثل تعلم الكلام، هو فعل طبيعي يمكن للأطفال أساسا تعليم أنفسهم كيفية القيام به. وبالطبع فإن مدى نجاح هذا الافتراض عند التطبيق يعتمد على الفرد ذاته.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H01_00507.jpg
إن تعلم القراءة يمثل متعة بالنسبة إلى كثير من الأطفال، لكن أطفالا آخرين يكافحون بقوة لتعلمها.
كيف يتعلم المبتدئون القراءة(**)
مع أن العديد من أولياء الأطفال يعتقدون بأن الذكاء الفطري سيحدد مدى إتقان أطفالهم لتعلم القراءة، مهما كان نوع التدريس المستخدم لهذا الغرض، فإن الدلائل توحي بغير ذلك.
لقد أظهرت دراستان منفصلتان أجريتا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي أن لحاصل الذكاء IQ، بصورة عامة، تأثيرًا قليلا في القدرة على القراءة المُبكرة. كما وجد الباحثون مؤخرا أن الأطفال الذين لديهم صعوبة في القراءة، غالبا ما يكون حاصل ذكائهم أعلى من المتوسط.
ومن المشجع الاعتقاد بأن الفروق في القدرة على القراءة المبكرة تزول مع الزمن، ولكن هذا فهم خاطئ. وكمثال على ذلك بيّن<E.K.ستانوڤيتش> [من جامعة تورونتو] أن مدى براعة الأطفال في القراءة في الصف الأول تعطي عادة مؤشرا جيدا إلى مقدار حذقهم في تعلمها بالصف الحادي عشر. وسبب ذلك هو أن القراءة تحتاج إلى ممارسة، وهؤلاء الذين يتفوقون فيها هم الأكثر ممارسة لها. لذا فإن الفجوة بين الأكثر والأقل قدرة على القراءة في الصفوف الأولى تزداد عموما، مع الزمن.
من الواضح أن تعليم الأطفال وهم في سن مبكرة القراءة الجيدة يساعد على تنمية عادة قيِّمة تستمر مدى الحياة؛ لذا فليس غريبا أن يركز المربون تركيزا كبيرا على إيجاد أفضل طريقة لتعليم هذه المهارة. وفي فترة ما تركز قدر كبير من الجدل في الدوائر التربوية حول ما إذا كان التدريس بطريقة الكلمة ـ كاملة وبالطريقة الصوتية هو الأكثر فعالية. ولكن على امتداد العقد الماضي، وما يقرب من ذلك، دار الجدل حول المزايا النسبية للطريقة الصوتية وطريقة اللغة ـ كاملة، التي هي خليفة طريقة الكلمة ـ كاملة.
مع أن كثيرا من الآباء والأمهات يعتقدون بأن الذكاء الفطري لدى أبنائهم
سيتحكم في درجة إتقان هؤلاء تعلم القراءة، فإن الدلائل توحي بغير ذلك.
كثير من المعلمين تبنوا مقاربة اللغة ـ كاملة بسبب جاذبيتها الحدسية. وعلى كل حال فإن جعل القراءة ممتعة يبشر بإبقاء الأطفال متحفزين، وتعلم القراءة يعتمد على ما يفعله التلميذ أكثر من اعتماده على ما يفعله المعلم. ولكن إمكانية إبقاء الأطفال مهتمين ليست كافية بحد ذاتها، لإقناع المعلمين باستخدام طريقة اللغة ـ كاملة. وما كان مقبولا بالفعل هو فلسفة تربوية مكَّنت المعلمين من إعداد المناهج الخاصة بهم وشجعتهم على معاملة الأطفال كمشاركين ناشطين، وقد جرى تشجيع هذه التركيبة المغرية بحماس من قبل بعض المربين المشهورين. والفوائد المفترضة لطريقة اللغة ـ كاملة وفتور الطريقة الصوتية ـ أدت إلى قبولها على امتداد أمريكا في التسعينات من القرن الماضي.
فمثلا في ماساتشوستس أصبحت مقاربة اللغة ـ كاملة هي تقريبا طريقة التدريس الرسمية في الولاية مع إقرار قانون الإصلاح التربوي لعام 1993 Massachusetts Education act of 1993. لقد غيّر هذا التشريع ما كان معهودا من تدخلٍ ضئيل للولاية في المنهاج المدرسي. ووعد القانون بأن يُزاد تمويل الولاية للتعليم الرسمي(2)؛ ومقابل ذلك، جرت مطالبة الأنظمة المدرسية المحلية بالتزام المعايير الجديدة للولاية.
تعليم القراءة/ نظرة إجمالية(***)
▪ إن تعلم القراءة هو خطوة حاسمة في تعليم الأطفال، لأنه من غير المحتمل لأولئك الذين يخفقون في السنوات المبكرة من دراستهم، أن يلحقوا بالأكثر مهارة من رفاق صفهم، حتى بعد سنوات من متابعة الدراسة في المدرسة.
▪ وخلال التسعينات من القرن العشرين تخلى كثير من المعلمين في أمريكا عن الطريقة التقليدية (الطريقة الصوتية phonics) لتعليم القراءة: تعليم الأطفال بشكل مباشر التوافقات بين الأصوات الملفوظة والحروف التي تمثلها. وبدلا من ذلك فإن معلمي المدارس الابتدائية استخدموا مختلف طرائق اللغة ـ كاملة whole-******** التي يتعلم بها التلاميذ الصلات بين الحروف والأصوات عرضيا أثناء ممارستهم أنشطة تعتمد على كتابات إنشائية literature-based activities.
▪ وقد أظهر تقويم فعالية الطريقتين أن الأطفال يصبحون قُرّاءً ماهرين بسرعة أكبر بكثير عندما يتضمن تدريسهم استخدام الطريقة الصوتية. وتساعد الأبحاث الحديثة في علم النفس واللغويات psychology and linguistics على توضيح سبب ذلك.
وعلى الرغم من الضعف السابق للتحكم المركزي، فإن مناهج القراءة في مدارس ماساتشوستس العامة كانت إلى حد ما، متماثلة ـ وليس من الصعب معرفة سبب ذلك. وكما هي الحال في أمكنة أخرى، فقد درس المعلمون والإداريون المقررات الدراسية نفسها في العدد القليل نفسه من الجامعات، كما حضروا ورشات العمل نفسها واشتروا الكتب المدرسية نفسها واستجابوا للنمط التربوي نفسه. لهذا السبب، فإن أعضاء لجنة المعلمين التي كلفتها حكومة الولاية صياغة بيان حول كيف يجب أن تعلم القراءة، كانوا متأثرين إلى حد كبير بمقاربة اللغة ـ كاملة. ومن الطبيعي جدا أن تُلقي الوثيقة التي أعدوها ضوءا قويا على فكرة أن الأطفال يمكنهم تعلم القراءة بالطريقة نفسها التي تعلموا بها الكلام. لقد طرحت هذه الوثيقة رؤية تعزو هذه السيرورة إلى الفضول والحماس وحدهما، وبدت موثوقة بسبب الدعم الذي تدّعي تلقيه من الأبحاث في مجال تعلّم الأطفال للقراءة.
ومن قبيل المصادفة، فإن ماساتشوستس هي منطلق معظم الأبحاث في اللغويات و«علم نفس القراءة»(3)، وذلك من معهد ماساتشوستس للتقانة MIT ومن جامعة ماساتشوستس بأمهرست. وبعد أن صار محتوى وثيقة المنهاج المقترح معروفا، ردّ عدد من علماء هذا المعهد وهذه الجامعة (بمن فيهم اثنان منا) بقوة عليها. فقد وقَّع عشرات من علماء اللغويات وعلماء النفس على رسالة يعترضون فيها على جزم الوثيقة بأن الأبحاث تدعم تدريس اللغة ـ كاملة. وأُرسلت الرسالة إلى مفوض التعليم في الولاية الذي اهتم بها أخيرا، بحيث أُجريت بعض التصحيحات، وعكست معايير الولاية النتائج الفعلية للأبحاث.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H01_00508.jpg
من المعتاد في تدريس اللغة ـ كاملة قيامُ الأطفال بالقراءة سوية في كتب كبيرة الصفحات. وهذه المقاربة تشدد على إشراك الكتابات الإنشائية في العملية، كما تحفز الأطفال على القراءة عن طريق جعلها متعة.
وبالمصادفة فقد حدث هذا الأمر مع تزايد حدة الجدل في ولايات أخرى (أبرزها كاليفورنيا وتكساس) حول كيفية تعليم القراءة، وغالبا ما كانت أطراف النزاع منقسمة وفق اتجاهاتهم السياسية؛ فالمحافظون يؤيدون الطريقة الصوتية والأحرار يفضلون تدريس اللغة ـ كاملة. وبالتالي فقد جذب الجدل في ماساتشوستس اهتماما وطنيا. وبصورة خاصة، فقد كوّنت نشرات المحافظين الإخبارية ومواقعهم على شبكة الويب Web، شهرة واسعة لرسالة الباحثين ـ ومما يدعو إلى التهكم في هذا الصدد أن قائمة الأساتذة الذين وقعوا على هذه الرسالة ضمت أسماء عدد من اليساريين المعروفين جيدا.
أعضاء المنتدي الكرام
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد يونيو - يوليو 2003
كيف يجب تعليم القراءة؟(*)
منذ مدة طويلة والمربون يتجادلون حول أفضل طريقة لتعليم القراءة للأطفال.
ومع ذلك فقد دلت الأبحاث على أن كون طريقة ما ذات شعبية عالية في
هذا الشأن غير كاف لضمان نجاحها فيما إذا استُخْدِمت لوحدها.
<K.راينر> ـ <R.B.فورمان> ـ <A.C.پرفتي> ـ <D.پيستسكي> ـ <S.M.سيدنبرگ>
بقليل من الغموض يتذكر معظمنا كيف تعلَّم القراءة، في الوقت الذي لا نستطيع فيه تذكر أي شيء خاص حول تعلّمنا الكلام. ومع أن هاتين المهارتين متصلتان، فإن طرق اكتسابهما تختلف اختلافا بيِّنا. فتعلم الكلام يتم آليا بالنسبة إلى جميع الأطفال تقريبا، ممن نموا في ظروف طبيعية؛ ولكن تعلم القراءة يحتاج إلى تدريس متقن وجهد واع. أنتذكر كيف كان هذا صعبا ذات مرة؟ إن قراءة هذه الصفحة وهي مقلوبة يجب أن تذكرنا بشيء من معاناة طفولتنا المبكرة، عندما كان تعلم قراءة مقطعٍ بسيطٍ عملا شاقا.
ومع إدراكهم للصعوبات التي تعترضهم، فقد كرّس المربون قدرا كبيرا من تفكيرهم حول أفضل طريقة لمساعدة الأطفال على تعلم القراءة. ولكن لم يكتب النجاح في هذا المجال لأي طريقة لوحدها. وفي الواقع، فقد استمر جدل حام حول أفضل أسلوب لتدريس القراءة، في استقطاب مجتمع التعليم. وللمساعدة على صياغة إجماع في هذا المجال، فقد اجتمعنا مؤخرا تحت رعاية الجمعية الأمريكية لعلم النفس The American Psychological Society لمراجعة الأبحاث الكثيرة حول العمليات العقلية التي تشكل أساس القراءة الماهرة، وحول كيف يجب تعليم القراءة. وتشير النتائج بقوة إلى اتجاهات قد تقلق بعض الآباء والأمهات.
لقد جُرّبت ثلاث مقاربات عامة في تعليم القراءة. في واحدة منها تدعى تدريس الكلمة ـ كاملة whole-word instruction (وتعرف أيضا بأنها طريقة انظر ـ اقرأ look-say method) يتعلم الأطفال عن طريق الاستظهار، كيف يتعرفون بلمحة مفردات مؤلفة من 50 إلى 100 كلمة. ثم يكتسبون تدريجيا معرفة كلمات أخرى من خلال رؤيتها مستخدمة مرات ومرات في سياق قصة ما. ("Run, Spot, run" من سلاسل تعليم القراءة Dick and Jane المعروفة جيدا، مثال معهود لجملة معدة لتدريس الكلمة ـ كاملة). ويمكن أيضا استخدام هذا النهج بالضبط لتعلم اللغة الصينية، التي يقابل كل رمز فيها، باللغة المكتوبة، كلمة وجذر كلمة.
في الواقع اتبع الصغار في الصين، خلال نصف القرن الماضي، وصفة مختلفة: فقد عُلِّموا قراءة الكلمات الصينية باستخدام الأبجدية الرومانية، وذلك كخطوة أولى نحو معرفة القراءة والكتابة literacy. وبشكل مماثل، فإن الناطقين بمعظم اللغات يتعلمون العلاقة بين الحروف والأصوات المرتبطة بها (الڤونيمات phonemes)؛ أي يُعلَّم الأطفال كيف يستخدمون معرفتهم بالأبجدية ليلفظوا الكلمات. ويشكل هذا النهج نوعا ثانيا من المقاربة لتعليم القراءة ـ يدعى الطريقة الصوتية phonics المألوفة جدا في تعليم الأطفال في فترة ازدادت فيها المواليد(1)، وبخاصة الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة.
إن الصلة بين الحروف والفونيمات تبدو بسيطة بشكل كاف. فمثلا الحرف "b" يلفظ دائما تقريبا بالطريقة نفسها كما في كلمة "bat". ولنأخذ بالاعتبار الحرف الساكت "e" الذي يشير إلى أن الحرف الصوتي الذي يسبقه ذو صوت ممدود كما في الكلمات "pave" و"save" و"gave". ومع أن الحرف الأخير "e" لا يلفظ، فإن دوره في غاية الوضوح. والإنگليزية، على كل حال، فيها الكثير من الشذوذات ـ وعلى سبيل المثال خذ الكلمة "have". وفي الحقيقة، هناك مئات الانحرافات عن النموذج النظامي، ويشمل هذا الكلمات "give" و"said" و"is" و"was" و"were" و"done" و"some". إن مثل هذه الكلمات العويصة problematic words والشائعة في الوقت نفسه، هي من أولى الكلمات التي يتعين على الطفل تعلمها.
ومن الواضح أن نقص المطابقة الكاملة بين الحروف والأصوات هو مصدر للتشويش وعقبة كامنة على طريق القرّاء المبتدئين. ونتيجة لذلك، فقد تبنى العديد من المدارس مقاربة مختلفة وهي طريقة اللغة ـ كاملة the whole - ******** method (وتدعى أيضا التدريس بالاعتماد على كتابات إنشائية literature - based instruction والقراءة الموجهة guided reading). والاستراتيجية هنا مماثلة لتلك المستخدمة في تدريس الكلمة ـ كاملة، ولكنها تعتمد بشكل أكبر بكثير على تجربة الطفل مع اللغة. وكمثال على هذا، يُعطى التلاميذ كتبا مشوقة، ويشجعون على أن يحزروا الكلمات التي لا يعرفونها عن طريق تأمل سياق الجملة، والتفتيش عن مفاتيح في سطور القصة وشروحاتها، وذلك بدلا من لفظها استنادا إلى حروفها. وغالبا ما تعطى الفرصة للأطفال ليكتبوا قصصا من أنفسهم، في مسعى لغرس محبة الكلمات والقراءة في نفوسهم.
تهدف مقاربة اللغة ـ كاملة the whole - ******** approach إلى جعل تدريس القراءة ممتعا. وأحد مبادئها الأساسية هو أن قواعد الطريقة الصوتية يجب ألا تعلم مباشرة. وعلى العكس من ذلك، فإن الارتباط بين الحروف والأصوات، يجب أن يعلم بصورة غير مباشرة من خلال الاطلاع على النص. وتشترط هذه المنهجية methodology عدم تصحيح الأخطاء التي يرتكبها الطلبة أثناء قراءتهم الكلمات. والأساس الفلسفي لهذا هو أن تعلم القراءة، مثله مثل تعلم الكلام، هو فعل طبيعي يمكن للأطفال أساسا تعليم أنفسهم كيفية القيام به. وبالطبع فإن مدى نجاح هذا الافتراض عند التطبيق يعتمد على الفرد ذاته.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H01_00507.jpg
إن تعلم القراءة يمثل متعة بالنسبة إلى كثير من الأطفال، لكن أطفالا آخرين يكافحون بقوة لتعلمها.
كيف يتعلم المبتدئون القراءة(**)
مع أن العديد من أولياء الأطفال يعتقدون بأن الذكاء الفطري سيحدد مدى إتقان أطفالهم لتعلم القراءة، مهما كان نوع التدريس المستخدم لهذا الغرض، فإن الدلائل توحي بغير ذلك.
لقد أظهرت دراستان منفصلتان أجريتا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي أن لحاصل الذكاء IQ، بصورة عامة، تأثيرًا قليلا في القدرة على القراءة المُبكرة. كما وجد الباحثون مؤخرا أن الأطفال الذين لديهم صعوبة في القراءة، غالبا ما يكون حاصل ذكائهم أعلى من المتوسط.
ومن المشجع الاعتقاد بأن الفروق في القدرة على القراءة المبكرة تزول مع الزمن، ولكن هذا فهم خاطئ. وكمثال على ذلك بيّن<E.K.ستانوڤيتش> [من جامعة تورونتو] أن مدى براعة الأطفال في القراءة في الصف الأول تعطي عادة مؤشرا جيدا إلى مقدار حذقهم في تعلمها بالصف الحادي عشر. وسبب ذلك هو أن القراءة تحتاج إلى ممارسة، وهؤلاء الذين يتفوقون فيها هم الأكثر ممارسة لها. لذا فإن الفجوة بين الأكثر والأقل قدرة على القراءة في الصفوف الأولى تزداد عموما، مع الزمن.
من الواضح أن تعليم الأطفال وهم في سن مبكرة القراءة الجيدة يساعد على تنمية عادة قيِّمة تستمر مدى الحياة؛ لذا فليس غريبا أن يركز المربون تركيزا كبيرا على إيجاد أفضل طريقة لتعليم هذه المهارة. وفي فترة ما تركز قدر كبير من الجدل في الدوائر التربوية حول ما إذا كان التدريس بطريقة الكلمة ـ كاملة وبالطريقة الصوتية هو الأكثر فعالية. ولكن على امتداد العقد الماضي، وما يقرب من ذلك، دار الجدل حول المزايا النسبية للطريقة الصوتية وطريقة اللغة ـ كاملة، التي هي خليفة طريقة الكلمة ـ كاملة.
مع أن كثيرا من الآباء والأمهات يعتقدون بأن الذكاء الفطري لدى أبنائهم
سيتحكم في درجة إتقان هؤلاء تعلم القراءة، فإن الدلائل توحي بغير ذلك.
كثير من المعلمين تبنوا مقاربة اللغة ـ كاملة بسبب جاذبيتها الحدسية. وعلى كل حال فإن جعل القراءة ممتعة يبشر بإبقاء الأطفال متحفزين، وتعلم القراءة يعتمد على ما يفعله التلميذ أكثر من اعتماده على ما يفعله المعلم. ولكن إمكانية إبقاء الأطفال مهتمين ليست كافية بحد ذاتها، لإقناع المعلمين باستخدام طريقة اللغة ـ كاملة. وما كان مقبولا بالفعل هو فلسفة تربوية مكَّنت المعلمين من إعداد المناهج الخاصة بهم وشجعتهم على معاملة الأطفال كمشاركين ناشطين، وقد جرى تشجيع هذه التركيبة المغرية بحماس من قبل بعض المربين المشهورين. والفوائد المفترضة لطريقة اللغة ـ كاملة وفتور الطريقة الصوتية ـ أدت إلى قبولها على امتداد أمريكا في التسعينات من القرن الماضي.
فمثلا في ماساتشوستس أصبحت مقاربة اللغة ـ كاملة هي تقريبا طريقة التدريس الرسمية في الولاية مع إقرار قانون الإصلاح التربوي لعام 1993 Massachusetts Education act of 1993. لقد غيّر هذا التشريع ما كان معهودا من تدخلٍ ضئيل للولاية في المنهاج المدرسي. ووعد القانون بأن يُزاد تمويل الولاية للتعليم الرسمي(2)؛ ومقابل ذلك، جرت مطالبة الأنظمة المدرسية المحلية بالتزام المعايير الجديدة للولاية.
تعليم القراءة/ نظرة إجمالية(***)
▪ إن تعلم القراءة هو خطوة حاسمة في تعليم الأطفال، لأنه من غير المحتمل لأولئك الذين يخفقون في السنوات المبكرة من دراستهم، أن يلحقوا بالأكثر مهارة من رفاق صفهم، حتى بعد سنوات من متابعة الدراسة في المدرسة.
▪ وخلال التسعينات من القرن العشرين تخلى كثير من المعلمين في أمريكا عن الطريقة التقليدية (الطريقة الصوتية phonics) لتعليم القراءة: تعليم الأطفال بشكل مباشر التوافقات بين الأصوات الملفوظة والحروف التي تمثلها. وبدلا من ذلك فإن معلمي المدارس الابتدائية استخدموا مختلف طرائق اللغة ـ كاملة whole-******** التي يتعلم بها التلاميذ الصلات بين الحروف والأصوات عرضيا أثناء ممارستهم أنشطة تعتمد على كتابات إنشائية literature-based activities.
▪ وقد أظهر تقويم فعالية الطريقتين أن الأطفال يصبحون قُرّاءً ماهرين بسرعة أكبر بكثير عندما يتضمن تدريسهم استخدام الطريقة الصوتية. وتساعد الأبحاث الحديثة في علم النفس واللغويات psychology and linguistics على توضيح سبب ذلك.
وعلى الرغم من الضعف السابق للتحكم المركزي، فإن مناهج القراءة في مدارس ماساتشوستس العامة كانت إلى حد ما، متماثلة ـ وليس من الصعب معرفة سبب ذلك. وكما هي الحال في أمكنة أخرى، فقد درس المعلمون والإداريون المقررات الدراسية نفسها في العدد القليل نفسه من الجامعات، كما حضروا ورشات العمل نفسها واشتروا الكتب المدرسية نفسها واستجابوا للنمط التربوي نفسه. لهذا السبب، فإن أعضاء لجنة المعلمين التي كلفتها حكومة الولاية صياغة بيان حول كيف يجب أن تعلم القراءة، كانوا متأثرين إلى حد كبير بمقاربة اللغة ـ كاملة. ومن الطبيعي جدا أن تُلقي الوثيقة التي أعدوها ضوءا قويا على فكرة أن الأطفال يمكنهم تعلم القراءة بالطريقة نفسها التي تعلموا بها الكلام. لقد طرحت هذه الوثيقة رؤية تعزو هذه السيرورة إلى الفضول والحماس وحدهما، وبدت موثوقة بسبب الدعم الذي تدّعي تلقيه من الأبحاث في مجال تعلّم الأطفال للقراءة.
ومن قبيل المصادفة، فإن ماساتشوستس هي منطلق معظم الأبحاث في اللغويات و«علم نفس القراءة»(3)، وذلك من معهد ماساتشوستس للتقانة MIT ومن جامعة ماساتشوستس بأمهرست. وبعد أن صار محتوى وثيقة المنهاج المقترح معروفا، ردّ عدد من علماء هذا المعهد وهذه الجامعة (بمن فيهم اثنان منا) بقوة عليها. فقد وقَّع عشرات من علماء اللغويات وعلماء النفس على رسالة يعترضون فيها على جزم الوثيقة بأن الأبحاث تدعم تدريس اللغة ـ كاملة. وأُرسلت الرسالة إلى مفوض التعليم في الولاية الذي اهتم بها أخيرا، بحيث أُجريت بعض التصحيحات، وعكست معايير الولاية النتائج الفعلية للأبحاث.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N6-7_H01_00508.jpg
من المعتاد في تدريس اللغة ـ كاملة قيامُ الأطفال بالقراءة سوية في كتب كبيرة الصفحات. وهذه المقاربة تشدد على إشراك الكتابات الإنشائية في العملية، كما تحفز الأطفال على القراءة عن طريق جعلها متعة.
وبالمصادفة فقد حدث هذا الأمر مع تزايد حدة الجدل في ولايات أخرى (أبرزها كاليفورنيا وتكساس) حول كيفية تعليم القراءة، وغالبا ما كانت أطراف النزاع منقسمة وفق اتجاهاتهم السياسية؛ فالمحافظون يؤيدون الطريقة الصوتية والأحرار يفضلون تدريس اللغة ـ كاملة. وبالتالي فقد جذب الجدل في ماساتشوستس اهتماما وطنيا. وبصورة خاصة، فقد كوّنت نشرات المحافظين الإخبارية ومواقعهم على شبكة الويب Web، شهرة واسعة لرسالة الباحثين ـ ومما يدعو إلى التهكم في هذا الصدد أن قائمة الأساتذة الذين وقعوا على هذه الرسالة ضمت أسماء عدد من اليساريين المعروفين جيدا.