المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرأت لك: عن الكيمياء والحب والانسالات النانونية



محمد عريف
07-07-2010, 11:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


أعضاء المنتدي الكرام

هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد سبتمبر - اكتوبر 2002



عن الكيمياء والحب والإنسالات(1) النانوية(*)
متى ستتاح لنا رؤية إنسالات نانوية كالتي تخيلها
<.E .K دركسلر> وغيره من التقانيين النانويين العاملين
في المجال الجزيئي؟ الجواب ببساطة: إن هذا لن يحدث أبدا.
<E .R. سمولي>


عندما يجمع الحب بين شاب وفتاة، يقال عادة إن الكيمياء بينهما جيدة وملائمة؛ إن هذا الاستخدام الشائع لكلمة «الكيمياء» في العلاقات الإنسانية يقترب من الدلالة الدقيقة لما يحدث عادة عند اقتران بعض الجزيئات ببعضها الآخر. ففي تفاعل كيميائي يتم بين جزيئين «متوافقين» تتكون الروابط ما بين بعض ذراتهما عبر ما يشبه رقصة معقدة يتحرك فيها الراقصون في أبعاد مختلفة. والتفاعل الكيميائي لا يتم بالضرورة بين أي جزيئين، إذ ينبغي أن يكونا متوافقين حتى يحدث التفاعل. وإذا ما تحقق ذلك وكانت الكيمياء بين الجزيئات المتفاعلة ملائمة وجيدة، تفاعلت جميعها وأعطت المنتوج المراد.

تبدأ الذرات، في جوار مركز تفاعل كيميائي نموذجي، بالارتجاج والاهتزاز؛ ولا يقتصر ذلك على الذرات الخاصة التي ستشكل الروابط الجديدة، بل يتعداها ليصل إلى جميع الذرات المرتبطة بها، بل وإلى جميع الذرات المرتبطة بهذه الأخيرة أيضا. وعلى جميع هذه الذرات أن تتحرك على نحو دقيق يضمن لها أن يؤدي التفاعل القائم بينها إلى تشكل المادة المرادة فعلا. وفي تفاعل كيميائي عادي تشارك ما بين 5 و 15 ذرة تقع قرب موقع التفاعل برقصة ڤالس معقدة ثلاثية الأبعاد تجري في حيز ضيق لا تتعدى أبعاده نانومترا واحدا في كل اتجاه.

وفي السنوات الأخيرة شاع تصور إنسالات صغيرة جدا (تدعى أحيانا المجمِّعات assemblers) قادرة على بناء الأشياء ذرة فذرة. لنتصور مجمِّعا واحدا منها: إن بوسع هذه الإنسالة النانوية الافتراضية التي تعمل بنشاط، أن تصنع روابط جديدة كثيرة عند قيامها بمهمتها المحددة لها، وأن تضع نحو بليون ذرة جديدة في البنية المرادة في كل ثانية. وتبقى هذه السرعة على كبرها عديمة الجدوى، بصورة عملية، في تشغيل معمل نانوي، لأن الحصول على كمية صغيرة من المادة المرادة (المنتوج) يحتاج من إنسالة نانوية واحدة إلى عمل الملايين من السنين. (فإنتاج جزيء غرامي (مول) mole واحد من مادة ما، أي نحو 30 غراما منها مثلا، يتطلب إقامة 6 × 1023 رابطة على الأقل، وذلك بمعدل رابطة واحدة لكل ذرة؛ ومع معدل السرعة الكبير السابق الذكر البالغ 109 ذرة في الثانية فإن الإنسالة الواحدة تحتاج لإتمام ذلك إلى 6 × 1014 ثانية، أي 1013 دقيقة أي 6.9 × 109 يوم أي 19 مليون سنة.) وهو ما يعني أن مثل هذه الإنسالة النانوية، تبقى عاجزة وحدها عن تحقيق أي إنجاز ملموس على المستوى الماكروي (العياني) على الرغم مما تتمتع به من أهمية بالغة من الناحية العلمية.

ليست أصابع معالج الإنسالة الافتراضية الذاتية التكاثر
شديدة السمنة فقط وإنما هي أيضا لصوقة جدا.

وتعتبر كلتا المشكلتين أساسيتين، ولا يمكن تفادي أي منهما.
لنتصور الآن أن لهذه الإنسالة النانوية الواحدة إمكانيات متعددة بحيث تستطيع بناء أي شيء مادام توفَّر لها مدد من الأنواع الذرية المرادة، وتأمَّن لها مصدر للطاقة وزُودت بالتعليمات اللازمة عما يُطلب إليها بناؤه. يمكن أولا تزويد حاسوب بهذه التعليمات المفصلة، ومن ثم نقلها إلى الإنسالة. فإذا كانت هذه الأخيرة قادرة حقا على بناء أي شيء مراد فإن بوسعها بناء نسخة ثانية مطابقة لها، وهو ما يعني أن بوسعها أن تتكاثر ذاتيا، كما تفعل الخلايا البيولوجية، مُشَكلةً إنسالة ثانية، فأربع إنسالات ثم ثماني فست عشرة وهكذا.

لنفترض، للتسلية، أن الإنسالة النانوية الواحدة تتكون من بليون ذرة (أي من 109 ذرة) متجمعة في بنية محكمة. فإذا أمكن تجميع هذه الإنسالات بالسرعة التي سبق تخيلها والبالغة بليون ذرة في الثانية فإن كل واحدة منها تكون قادرة على صنع نسخة ثانية مطابقة لها في ثانية واحدة، وسوف تبدأ الإنسالة الجديدة المستنسخة عملها في دورة الإنتاج الذاتي، بحيث يكون هناك بعد 60 ثانية من هذا الإنتاج المثير نحو 260 إنسالة نانوية، أو ما يعادل 1 × 1018 ، أي بليون بليون إنسالة. وسوف يُنْتِج هذا الحشد الهائل 30 غراما من المنتوج في 0.6 ملّي ثانية أو 50 كيلوغراما في الثانية، وهو في الواقع مقدار كبير جدا.

ربما لا تكون الإنسالات النانوية ذات أهمية بالغة كطريقة لصناعة مقادير هائلة من الأشياء، إلا أن الأمر المهم والمثير فيها هو إمكانية تكاثرها الذاتي، إذ لو أمكن ذلك لغدت الآلة التي يمكنها صنع كل شيء، بدءا من جهاز تشغيل الأقراص المدمجة وحتى ناطحات السحاب في زمن قياسي، غير بعيدة المنال.

إلا أن هذه الإنسالات النانوية الذاتية التكاثر قد تكون مروعة أيضا. فمن ذا الذي سيتحكم فيها؟ وكيف سنتأكد من أن بعض العلماء أو فنيي مقتحمي الحواسيب ******* لن يصمموا منها ما هو مستقل حقا، ويحمل مجموعة تعليمات خاصة به؟ كيف لنا أن نعرف أن بعض هذه الإنسالات لن تعاني طفرات بنيوية، وأن بعض هذه الطافرات mutants لن تكتسب القدرة، كما هي الحال في خلايا السرطان، على إهمال أي إشارات تهدف إلى تدمير الذات؟ وكيف يمكننا إيقافها إذا ما وصلت إلى هذه الحالة الخبيثة؟ إن الإنسالات النانوية الذاتية التكاثر قد تصبح مكافئة لبعض أشكال الحياة الطفيلية، وربما لا يكون هناك سبيل لإيقاف تكاثرها وتزايدها إلى ما لانهاية، قبل أن يصبح كل شيء على سطح الأرض كتلة غير متمايزة من مادة رمادية لزجة.

وقد يكون الأمر أشد هولا من ذلك وأكثر خطرا، وذلك إذا ما أدى تصميمها عن عمد، أو تطفيرها عشوائيا، إلى تطوير قدرة الإنسالات على الاتصال فيما بينها، فقد تُكوّن مجموعات منها عندئذ جهازا عصبيًّا بدائيًّا تُبعث فيه الحياة، أيا كان تعريفنا لمعنى الحياة. وعندها نتذكر ما كتبه <B. جُوْي> [وهو كبير علماء الشركة Sun Microsystems وواحد ممن عبّروا في كتاباتهم عن مخاوفهم من الآثار الاجتماعية لتكاثر الإنسالات] من أن المستقبل، بكل بساطة، لن يكون بحاجة إلينا.

لنتأمل مدى إمكانية تحقق هذا التصور عن إنسالات تتكاثر ذاتيا: فالذرات وحدات بنيوية صغيرة جدا تتحرك بطريقة محددة ومقيدة، يعبر عنها الكيميائي بقوله: إن الذرات تتحرك على نحو يقلل من قيمة الطاقة الحرة لمحيطها المجاور لها. و«الغراء» الإلكتروني الذي يجمع هذه الذرات معا لا يتوضع على كل رابطة بل يتأثر بالمواقع المضبوطة لجميع الذرات التي في جوارها المباشر وبهوياتها الذاتية. وعندما تلتقط ذراع معالج الإنسالة النانوية ذرة ما، وتحملها لتضعها في الموقع المراد لها، فإنها تعاني مشكلة أساسية، إذ إن عليها التحكم ليس في هذه الذرة الجديدة فقط بل في جميع الذرات الموجودة في منطقة تَدَخُّلِها. وقد يقول قائل: وما المشكلة في ذلك؟ سوف يكون للإنسالة النانوية ذراع معالج إضافية لكل واحدة من هذه الذرات، بحيث تتحكم بواسطة هذه الأذرع، على نحو تام، في كل ما سيجري في منطقة التفاعل.

لكن لنتذكر أن هذه المنطقة التي ستتحكم الإنسالات النانوية في كيميائها صغيرة وصغيرة جدا لا تتعدى أبعادها النانومتر الواحد في كل اتجاه. ويؤدي هذا التقييد إلى مشكلتين أساسيتين على الأقل، أُسمِّي إحداهما مشكلة الأصابع السمينة، والأخرى مشكلة الأصابع اللصوقة. فلما كانت أصابع ذراع المعالج مصنوعة بالضرورة من ذرات، فإن لها أبعادا محددة لا يمكن إنقاصها، لذلك لن تتسع منطقة التفاعل ذات الأبعاد النانومترية، أو لن يكون فيها حيز كاف، لجميع الأصابع العائدة لجميع المعالِجات اللازمة للتحكم الكامل في كيمياء تلك المنطقة. ونذكر هنا الحديث الشهير (عام 1959) للفيزيائي <R. فاينمان>، الحائز جائزة نوبل، والذي ألهم التقانيين النانويين في كل مكان، حين قال: «هناك متسع من المكان في القاع» ولكننا نرى أنه لا يتوفر هذا القدر من المتسع.

إن أصابع المعالج على الإنسالة النانوية الافتراضية ذات التكاثر الذاتي ليست سمينة جدا فقط بل هي لصوقة جدا أيضا. لذا فإن ذرات هذه الأصابع ستلتصق بالذرة التي يراد نقلها، وسيكون من المستحيل غالبا وضع أحجار البناء المتناهية في الصغر في موقعها الملائم بدقة.



http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N9-10_H09_002557.jpg

يرفض ريتشارد سمولي، الحائز جائزة نوبل، تقبل مفهوم إنسالات نانوية لا يمكن التحكم فيها.


وكلتا هاتين المشكلتين أساسية ولا يمكن تفادي أي منهما؛ لذلك، وبكل بساطة، فإن الإنسالات النانوية الميكانيكية ذات التكاثر الذاتي ليست أمرا ممكنا في عالمنا. إن وضع كل ذرة في موقعها الصحيح، على النحو الذي تخيّله بعض التقانيين النانويين، يحتاج إلى أصابع سحرية، وليست الإنسالات النانوية المزودة بمثل هذه الأصابع سوى حلم يقظة لمن يفكرون في المستقبل.

والكيمياء علم دقيق في الواقع. إن دفع شاب وفتاة أحدهما نحو الآخر لا يمكن أن يوقع الحب بينهما (مع أن هذا غالبا ما يكون خطوة في الاتجاه الصحيح). وكما هي الحال في رقصة حب، فإن الكيمياء هي رقصة ڤالس لها إيقاع خاص بالخطو والانتقال. وحبذا لو كانت رقصة الڤالس (الكيمياء) مطاوعة كعجينة الحلوى أو كان بالإمكان وضع كل ذرة في موقعها الصحيح تماما، لكن مجرد التمني لا يمكن بطبيعة الحال أن يجعلها كذلك.

المؤلف
Richard E. Smalley
أستاذ كرسي Gene و Norman Hackerman في الكيمياء والفيزياء بجامعة رايس. حصل على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1996 عن اكتشافه الفوليرينات(2).

مراجع للاستزادة
The author’s Web site can be accessed at cnst.rice.edu/reshome.html
(*) OF CHEMISTRY, LOVE AND NANOBOTS

(1) ج: إنسالة، وهذه نحت من إنسان-آلي.
(2) الفوليرينات fullerenes: طائفة من الجزيئات كروية الشكل، تشكل النوع الثالث من الكربون النقي (بعد الألماس والگراڤيت)، وتتميز بثباتٍ عالٍ جدا. (التحرير)

إيمـان
07-13-2010, 11:51 PM
موضوع جميل جدا ذكرني بحجر الفلاسفة وتدخل النانو تكنولوجي في معالجة الامر

محمد عريف
07-14-2010, 07:07 PM
موضوع جميل جدا ذكرني بحجر الفلاسفة وتدخل النانو تكنولوجي في معالجة الامر


أخيراً .... رأيناك أختي في المنتدي

ما كل هذا الغياب الطويل؟؟؟

نرجو من الله أن تكوني في تمام الصحة والعافية

أشكرك علي مرورك الطيب ....

مع وافر احترامي وتقديري

Fatima Ashraf
07-14-2010, 08:31 PM
موضوع جميل و مفيد و متعمق .........و شكرا

محمد عريف
07-14-2010, 10:33 PM
موضوع جميل و مفيد و متعمق .........و شكرا


شكراً علي مرورك أختي

مع وافر احترامي وتقديري