المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرأت لك: الدارة الكهربية بشكل لا يصدق!!!!!



محمد عريف
07-07-2010, 10:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


أعضاء المنتدي الكرام

هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد سبتمبر - اكتوبر 2002



إلكترونيات نانوية
الدارة الكهربائية المتضائلة بشكل لا يصدق(*)
بنى الباحثون ترانزستورات نانوية وأسلاكا نانوية،
وهم لا يحتاجون حاليا إلا إلى إيجاد طريقة لجمعهما معا.
<M .Ch. ليبر>


هل نحتاج حقا إلى الاستمرار في صنع دارات أصغر؟ يبدو أن نمنمة الإلكترونيات الميكروية السيليكونية ماضية قُدُما على نحو يندر معه أن يخطر على بالنا ذلك السؤال ـ إلا ربما عندما نشتري حاسوبا جديدا، إذ ما إن نفعل ذلك حتى نجد أنه صار طرازا عتيقا قبل أن نغادر المتجر. يحتوي المعالج الميكروي الحديث على أكثر من 40 مليون ترانزستور، وقد يحتوي على 5 بلايين منها قبل عام 2015. إلا أن هذا التسارع المثير نحو الأمام سوف يُواجه خلال العقدين القادمين قيودا علمية وتقنية واقتصادية. وقد تكون ردة الفعل الأولى نحو ذلك أن نتساءل: ما المشكلة في هذا؟ أليست الخمسةبلايين ترانزستور كافية؟

وعلى الرغم من ذلك، وعندما يقف الناس وجها لوجه مع تلك القيود، فإنهم بلا ريب يرغبون في المضي إلى ما هو أبعد منها. وبالنسبة إلى أولئك الأشخاص من أمثالنا، الذين يدفعون الطاقة الحاسوبية نحو النمو المستمر، فإن حافزهم ـ في جزء منه ـ هو مجرد التحدي لاكتشاف المجهول وغزو آفاق جديدة، لكننا نرى أيضا أن الحافز إلى الثورة يكمن في الطب وحقول كثيرة أخرى، حيث تمكِّن النمنمة الشديدة البشر والآلات من التآثر بطرائق لا توفرها التقانة الموجودة حاليا.

وكما توحي الكلمة، فإن الإلكترونيات الميكروية microelectronics تتضمن مكونات تقاس أبعادها بالميكرون الواحد تقريبا (على الرغم من أنها تقلصت مؤخرا إلى حجم يقاس بمئة نانومتر). لكن المضي إلى ما بعد الإلكترونيات الميكروية يعني أكثر من مجرد تقليص المكونات بعامل من 10 إلى 1000. وهو يتضمن أيضا تغيرا أساسيا في الطريقة التي نفكر بها في جمع الأشياء كلها معا.

إن كلا من الإلكترونيات الميكروية والإلكترونيات النانوية nanoelectronics تستلزم ثلاثة مستويات من التنظيم. ذلك أن لبنة البناء الأساسية هي عادة الترانزستور أو مكافئه النانوي ـ وهو مبدال switch يستطيع فصل التيار الكهربائي ووصله؛ إضافة إلى تضخيم الإشارات. ففي الإلكترونيات الميكروية، تصنع الترانزستورات من قطع شبه موصلة ـ وهي مادة، مثل السيليكون غير النقي يمكن تطويعها للقفز بين حالتي التوصيل وعدم التوصيل. أما في الإلكترونيات النانوية، فيمكن أن تكون الترانزستورات جزيئات عضوية أو بنى غير عضوية شديدة الضآلة.

والمستوى الآخر من التنظيم هو الوصلات البينية ـ أي الأسلاك التي تصل الترانزستورات معا من أجل القيام بعمليات حسابية أو منطقية. ففي الإلكترونيات الميكروية، تكون الأسلاك عبارة عن وصلات معدنية مرسَّبة على السيليكون، ويتراوح عرضها عادة بين مئات النانومترات حتى عشرات الميكرومترات. أما في الإلكترونيات النانوية، فهي أنابيب نانوية أو أسلاك أخرى يقارب عرضها نانومترًا واحدًا.

وفي المستوى الأعلى، يوجد ما يسميه المهندسون «البنية» architecture ـ أي الطريقة الشاملة التي بموجبها تُوصل الترانزستورات معا على نحو يمكن معه زرع الدارة في حاسوب أو نظام آخر بحيث تعمل بشكل مستقل عن تفاصيل المستوى الأدنى. ولم يتوصل باحثو الإلكترونيات النانوية تماما إلى نقطة اختبار البنى المختلفة، لكننا نعرف القدرات التي سوف يستطيعون استغلالها ونقاط الضعف التي ينبغي لهم التغلب عليها.

أما في المناحي الأخرى، فالإلكترونيات الميكروية تختلف عن الإلكترونيات النانوية اختلافا كبيرا. ويعتقد كثيرون أن الانتقال من الأولى إلى الثانية سوف يتطلب الانتقال من التصنيع النزولي top-down إلى طريقة التصنيع الصعودي bottom-up. فمن أجل بناء شيپة سيليكونية silicon chip حاليا، تبدأ معامل التصنيع ببلّورة سيليكونية وتضع عليها أشكالا باستخدام تقانة فوتوغرافية تسمى الليثوگرافيا (الطباعة الحجرية) lithography، ثم تُستبعد المادة غير المرغوب فيها بواسطة الحفر باستخدام الحمض أو الپلازما. لكن هذا الإجراء لا يمتلك الدقة اللازمة للعناصر التي لا يزيد عرضها على بضعة نانومترات. وعوضا عن ذلك، يستخدم الباحثون طرائق الكيمياء التركيبية لإنتاج أعداد كبيرة جدا من اللبنات الأساسية تقدر بالجزيء الغرامي mole الذي يضم (1023 × 6 قطعة)، وتجميع قسم منها في بنى أكبر فأكبر. وقد كان التقدم في هذا حتى الآن مدهشا. لكن إذا مثلنا هذا البحث بتسلق جبل إڤرست، فإننا وصلنا بالكاد إلى مشارف مخيم في قاعدته.


آلات تصغير(**)

كان استخدام الجزيئات في الأدوات الإلكترونية قد اقتُرح قبل ما يزيد على ربع قرن في مقالة واعدة كتبها <A. أڤيرام> من الشركة IBM و<A .M. راتنر> من جامعة Northwestern. فقد اقترحا أنه بترتيب البنى الذرية للجزيئات العضوية حسب الطلب، يجب أن يكون من الممكن تركيب أداة تشبه الترانزستور. لكن أفكارهما بقيت نظرية عموما إلى أن حصل مؤخرا تلاق للتطورات في الكيمياء والفيزياء والهندسة.

ومن بين كافة مجموعات العمل التي جعلت من أفكار أڤيرام وراتنر حقيقة واقعية، يبرز فريقان ـ واحد في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس وفي الشركة Hewlett-Packard، والآخر في جامعات ييل ورايس وپنسلڤانيا الحكومية. وخلال عام 2000، بيَّن كل من الفريقين عمليا أن الآلاف من الجزيئات المتجمعة معا تستطيع حمل الإلكترونات من إلكترود معدني إلى آخر. ويبلغ عرض كل جزيء نحو 0.5 نانومتر، ويبلغ طوله نانومترا واحدا أو أكثر. وقد بيَّن كلا الفريقين أن تجمعات الجزيئات تستطيع العمل كمبدال وصل ـ فصل، ويمكنها بالتالي أن تكون قابلة للاستخدام في ذاكرة الحاسوب. فإن كانت في وضعية الوصل، بقيت فيها نحو 10 دقائق(1). ربما لا يبدو ذلك زمنا طويلا، لكن ذاكرة الحاسوب تفقد معلوماتها آنيا عادة لدى إيقاف تشغيل الحاسوب؛ وحتى عندما يكون الحاسوب في حالة تشغيل، فإن المعلومات المخزنة فيها تتسرب، ولذلك يجب «إنعاشها» كل 0.1 ثانية تقريبا.



http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N9-10_H06_002544.jpg

إن الأسلاك النانوية التي تراوح أقطارها ما بين 5 و 10 نانومترات قد تمثل مستقبَل الإلكترونيات. إنها الخطوط البُنية المصنوعة من فُسفيد الإنديوم التي توصل الإلكترودات الذهبية اللون في هذا الشكل. لقد وُضعت هذه الأسلاك في استخدامات متباينة فعلا ـ كذاكرة ومنطق، وكصفيف من الديودات المصدرة للضوء.


وعلى الرغم من تباين التفاصيل، يُعتقد أن آلية الفصل والوصل في كلا الجزيئين تتضمن تفاعلا كيميائيا مفهوما تماما، هو الاختزال والأكسدة oxidation reduction، وفيه يعاد توزيع الإلكترونات بين الذرات ضمن الجزيء. ويُحدِث التفاعل ثنيةً في الجزيء تؤدي إلى سد طريق الإلكترونات بشكل مؤكد تماما كما تسد ثنية في خرطوم طريقَ الماء [انظر الشكل في الصفحة 40]. وفي وضعية الوصل، يمكن لمجموعات الجزيئات نقل الكهرباء على نحو أفضل بألف ضعف مما تفعله عندما تكون في حالة الفصل. إن تلك النسبة تعد عمليا منخفضة نسبيا مقارنة بالترانزستور شبه الموصل النمطي الذي تتغير موصليته بمليون ضعف. لذلك يفتش الباحثون حاليا عن جزيئات أخرى تمتلك خصائص فصل ووصل أفضل، ويعملون من أجل فهم سيرورة الفصل والوصل ذاتها.


نظرة إجمالية إلى الإلكترونيات النانوية(***)


• الشيپات السيليكونية، لوحات الدارات، كاويات اللحام: تلك هي أيقونات الإلكترونيات الحديثة. أما إلكترونيات المستقبل فقد تبدو كمجموعة كيمياء. يمكن للتقانات التقليدية نمنمة الدارات إلى ذلك الحد فقط، وسوف يحتاج المهندسون إلى التحول إلى طريقة جديدة كليا من أجل تنظيم الأجهزة الإلكترونية وتجميعها. ويوما ما، قد يُصنع حاسوبك في كأس زجاجية.
• أوجد الباحثون مكونات إلكترونية أبعادها من رتبة النانومتر ـ ترانزستورات وديودات وحواكم وبوابات منطقية ـ انطلاقا من جزيئات عضوية وأنابيب نانوية كربونية وأسلاك نانوية شبه موصلة. والتحدي الآن هو توصيل هذه المكونات البالغة الصغر معا.
• وخلافا للتصميم التقليدي للدارات الذي ينطلق من مخطط إلى أشكال فوتوغرافية إلى شيپة، ربما يبدأ تصميم الدارات النانوية بالشيپة ـ خليط عشوائي من مكونات وأسلاك قد يصل تعدادها إلى 1024، لكن ليس جميعها صالحا ـ ويجري تشكيلها تدريجيا لتعطي أداة مفيدة.


تعتبر مجموعة البحث التابعة لي (للمؤلف) في جامعة هارڤارد واحدة من عدة مجموعات لم تركز اهتمامها على الجزيئات العضوية فحسب، بل على أسلاك لاعضوية دقيقة. وأفضل مثال معروف لها هو الأنبوب النانوي الكربوني الذي يبلغ قطره نحو 1.4 نانومتر [انظر: «استخدام الأنابيب النانوية في صناعة الإلكترونيات»، مجلة العلوم ، العددان 6/7 (2001) ، ص 30]. لا تستطيع هذه الأسلاك النانوية نقل تيار أكبر بكثير مما تنقله الأسلاك المعدنية العادية فحسب، بل تستطيع أن تعمل كترانزستورات دقيقة أيضا. وبقيام الأسلاك النانوية بأداء كل من وظيفتي الوصلات البينية والمكونات، فإنها تصيب عصفورين بحجر واحد. والميزة الأخرى فيها هي أنها تستطيع استغلال الفيزياء الأساسية نفسها التي تعتمد عليها الإلكترونيات الميكروية المعروفة، الأمر الذي يجعلها أيسر فهما ومنابلة.


الترانزستورات النانوية(****)


يمكن أن تكون الترانزستورات الجزيئية لبنات الأساس في الأجهزة الإلكترونية ذات الأبعاد النانومترية. ينقل كل من الجزيئين المبينين هنا الكهرباء مثل سلك دقيق عندما يغير تفاعل كيميائي ـ اختزال وأكسدة ـ تشكيلته الذرية ويجعله في حالة توصيل. وفي الشكل، يمثل كل خط رابطة كيميائية، وتمثل نقطة التقاء كل خطين ذرة كربون، وتمثل كل كرة ذرة غير كربونية.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N9-10_H06_002545.jpg


وفي عام 1997 أعلنت مجموعة <C. دِكَّر> [في جامعة دِلْفت التقانية بهولندا] ومجموعة L> .P. ماك أوين> [التي كانت حينذاك في جامعة كاليفورنيا ببركلي]، وبشكل مستقل إحداهما عن الأخرى، عن ترانزستورات عالية الحساسية مصنوعة من أنابيب نانوية من الكربون المعدني. وقد أمكن وصل وفصل هذه المكونات بواسطة إلكترون مفرد، لكنها تطلبت درجة حرارة منخفضة جدا لكي تعمل. وفي الشهر 7/2001 تخلصت مجموعة دكّر من تلك القيود؛ فقد استخدم الباحثون مجهر (ميكروسكوب) القوة الذرية من أجل صنع ترانزستور ذي إلكترون مفرد يعمل عند درجة حرارة الغرفة. وقام دكَّر ومعاونوه بتصميم ترانزستور المفعول الحقلي field-effect transistor قريب من التقليدي، وهو لبنة الأساس في معظم الدارات المتكاملة حاليا، وذلك من أنبوب نانوي كربوني. وقامت مجموعة ماك أوين أيضا بجمع أنابيب معدنية وشبه موصلة نانوية لصنع ديود (ثنائي) يستطيع تمرير التيار الكهربائي باتجاه واحد فقط. وأخيرا، عرضت مجموعتي نوعا مختلفا تماما من المبدالات، وهو حاكمة relay كهربائية ميكانيكية نانوية.


سلك ساخن(*****)

تكمن المشكلة الرئيسية في الأنابيب النانوية في أنه من الصعب جعلها متسقة. ولما كان تغير طفيف في قطر الأنبوب يستطيع تحويلها من شبه موصل إلى موصل أو العكس، فإن دفعة كبيرة من الأنابيب النانوية قد لا تحتوي إلا على بضعة مكونات صالحة. إلا أنه في الشهر4/2001 قدم <P. أڤوريس> وزملاؤه [في مركز بحوث Thomas Waston التابع للشركة IBM] حلا لهذه المسألة. فقد بدءوا بمجموعة من الأنابيب النانوية الموصلة وشبه الموصلة، وبتطبيق تيار كهربائي بين إلكترودين معدنيين، أحرقوا على نحو انتقائي الأنابيب الموصلة وبقيت فقط الأنابيب شبه الموصلة. لكن هذا الحل كان جزئيا فقط لأنه يتطلب استخدام الليثوغرافيا التقليدية من أجل الوصل بين عناصر صفيف الأنابيب النانوية العشوائية، ومن ثم اختبار كل عنصر إفراديا وتعديله، علما بأن عدد تلك العناصر يمكن أن يصل في نهاية الأمر إلى بلايين.

ظل استخدام الجزيئات في التجهيزات الإلكترونية محصورا في الإطار النظري
حتى حصل مؤخرا تلاق بين التطورات في الكيمياء والفيزياء والهندسة.
وكانت مجموعتي أيضا تعالج نوعا مختلفا من الأسلاك النانوية التي نسميها السلك النانوي شبه الموصل. وهو سلك بحجم الأنبوب النانوي الكربوني نفسه تقريبا، لكن تركيبه أسهل من ناحية دقة التحكم فيه. فمن أجل صنع هذه الأسلاك، نبدأ بمحفز معدني يحدد قطر السلك النامي ويقوم بدور الموضع الذي تسعى جزيئات المادة المرغوبة إلى التجمع فيه. ومع نمو الأسلاك النانوية، نضيف شوائب كيميائية (شوائب تضيف إلكترونات أو تنزعها)، وبذلك نتحكم في ما إذا كانت الأسلاك النانوية من النوع n (تحتوي على إلكترونات إضافية) أو من النوع p (فيها نقص من الإلكترونات، أو ما يكافئ وفرة من «الثقوب» المشحونة إيجابيا).


الحوسبة بواسطة الدنا(******)


لماذا نقصُر أنفسنا على الإلكترونيات؟ إن معظم الجهود المبذولة لنمنمة الحواسيب تفترض أن تلك الآلات سوف تستمر في طريقة عملها على غرار ما هي عليه حاليا، مستخدمة الإلكترونات لحمل المعلومات والترانزستورات لمعالجتها. لكن الحاسوب النانوي يمكن أن يعمل بطرائق مختلفة تماما، وإحدى الإمكانيات المثيرة هي استغلال حامل المعلومات الجينية في الكائنات الحية، أي الدنا DNA.
يستطيع جزيء الحياة تخزين كميات هائلة من البيانات في سلسلته المكونة من أربع قواعد (أدنين، ثيمين، گوانين، سيتوسين)، وتستطيع الإنزيمات الطبيعية معالجة تلك المعلومات بأسلوب شديد التوازي. لقد سلط الضوء على قدرة هذا النهج لأول مرة عالم الحواسيب M .L>. إدلمان< عام 1994. فقد بيَّن أن الحاسوب المبني على الدنا يمكنه حل نمط من المسائل تعد صعبة جدا بالنسبة إلى الحواسيب العادية ـ أي مسألة المسار الهاميلتوني ذات الصلة بمسألة البائع الجوال المقيتة: [انظر: «الحوسبة بوساطة الدنا»، مجلة العلوم، العدد 10/1999، ص 40].
بدأ إدلمان بإيجاد حل كيميائي للدنا. فقد كوَّدت جزيئات الدنا الإفرادية كل مسار ممكن بين نقطتين. وبالمضي عبر سلسلة من خطوات الفصل والتضخيم، تخلص إدلمان من المسارات غير الصحيحة ـ على سبيل المثال تلك المسارات التي تحتوي على نقاط يُفترض أن لا تكون فيها ـ حتى تمكن أخيرا من عزل المسار الصحيح. ومؤخرا، طبقت مجموعة M .L>. سميث< [في جامعة Wisconsin-Madison] خوارزمية مشابهة باستخدام شيپات جينية يمكن أن تخدم الحوسبة العملية على نحو أفضل [انظر الشكل في اليسار].
وعلى الرغم من مزايا استخدام الحوسبة بواسطة الدنا لحل المسائل التي يستعصي حلها بوسائل أخرى، يبقى هناك العديد من التحديات، ومنها حصول كم كبير من الأخطاء التي تنجم عن عدم توافق أزواج القاعدة، وعن العدد الهائل لعناصر الدنا النانوية اللازمة حتى لحساب متواضع. وقد تندمج الحوسبة بالدنا في نهاية الأمر مع أنماط أخرى من الإلكترونيات النانوية، مستفيدة من إمكانية التكامل والحساسية اللتين وفرتهما الأسلاك والأنابيب النانوية.

http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N9-10_H06_002546.jpg


إن توفر المواد من النوعين n و p التي تعد المكونات الأساسية للترانزستورات والديودات (الثنائيات) والأدوات الإلكترونية الأخرى فتح لنا عالما جديدا. فقد جمَّعنا تشكيلة كبيرة من الأدوات، بما في ذلك النوعان الرئيسيان من الترانزستورات (ثنائي القطبية وذو المفعول الحقلي)، والعواكس التي تغير "0" إلى "1"، والديودات المصدرة للضوء التي تمهِّد الطريق للتوصيلات البينية الضوئية. وكانت ترانزستوراتنا الثنائية القطبية أولى الأدوات ـ على النطاق الجزيئي ـ التي تضخم التيار. وفي مختبري تم تحقيق إنجاز حديث على يد <X. دوان>، تمثل في تجميع ذاكرة من شبكة من الأسلاك النانوية المتصالبة من النوعين n و p. وتستطيع هذه الذاكرة حفظ المعلومات لمدة 10 دقائق أو أكثر، وذلك باحتجاز الشحنات في مواضع التقاء الأسلاك النانوية المتقاطعة [انظر الشكل في الصفحة 42].


تجاوز الأزمة(*******)

إن صنع كمية وافرة من الجزيئات والأدوات النانوية ليس إلا الخطوة الأولى. فتحقيق الوصلات بينها ومكاملتها معا ربما يكون التحدي الأكبر. أولا، يجب وصل التجهيزات النانوية مع الأسلاك ذات القياس النانوي. وحتى الآن يجري تشبيك أدوات الجزيئات العضوية بأسلاك معدنية تقليدية يجري صنعها بطريقة الليثوغرافيا. ولن تكون الاستعاضة عن الأسلاك النانوية بالأمر اليسير، لأننا لا نعرف كيفية صنع وصلة كهربائية جيدة دون تخريب تلك الأسلاك الدقيقة في العملية. لكن استخدام الأنابيب النانوية والأسلاك النانوية في كل من الأدوات والوصلات قد يحل المشكلة.

ثانيا، بعد أن يتم ربط المكونات بالأسلاك النانوية، يجب ترتيب الأسلاك ذاتها، ضمن صفيف ثنائي الأبعاد مثلا. وفي تقرير نشر في وقت مبكر من عام 2001، حقق <دوان> وعضو آخر من مجموعتي، هو <Y. هوانگ>، نقلة مهمة جدا: لقد جمَّعا دارات نانوية بواسطة جريان سائل. فكما تستطيع الأغصان وجذوع الأشجار الجريان في نهر، يمكن صفُّ الأسلاك النانوية في خطوط متوازية باستخدام السوائل. وفي مختبري، استخدمنا الإتانول ومحاليل أخرى، وتحكمنا في جريان السائل بتمريره في قنوات جرى حفرها عبر كتل من الپوليمر يمكن وضعها بسهولة على الركيزة التي نرغب في تجميع التجهيزات عليها.

تُحدِث هذه العملية وصلات باتجاه جريان السائل: فإذا كان الجريان على طول قناة واحدة فقط، تتشكل عندئذ أسلاك نانوية متوازية. ولإضافة أسلاك باتجاهات أخرى، نغيّر توجيه الجريان ونكرر العملية، منشئين بذلك طبقات جديدة من الأسلاك النانوية. فعلى سبيل المثال، ومن أجل إنتاج شبكة متعامدة، نقوم أولا بتوضيع سلسلة من الأسلاك النانوية المتوازية، ثم نغير اتجاه الجريان 90 درجة ونوضِّع سلسلة أخرى. وباستخدام أسلاك ذات تركيب مختلف لكل طبقة، نستطيع بسرعة تجميع صفيف من الأدوات النانوية العاملة باستخدام تجهيزات ليست أكثر تعقيدا من تلك التي توجد في مختبر كيمياء في مدرسة ثانوية. فمثلا، تتألف شبكة من الديودات من طبقة من الأنابيب النانوية الموصلة فوق طبقة من الأنابيب النانوية شبه الموصلة، أو من طبقة من الأسلاك النانوية من النوع n فوق طبقة من الأسلاك النانوية من النوع p. وفي كلتا الحالتين تعمل كل وصلة عمل الديود.

إن طريقتنا التي تشبه تلك التي اتبعها فريق جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس والشركة Hewlett-Packard طريقة تتسم بالحتمية deterministic. فنحن نحاول بناء صفيفات ذات أداء معين قابل للتنبؤ به، أي إن الشكل يتبع الوظيفة. أما الطريقة التي اقترحتها مجموعة جامعات رايس وييل وپنسلڤانيا الحكومية فهي السماح لكميات من الأدوات والأسلاك بأن ترتبط معا بطريقة عشوائية. وفيما بعد، يمكن تحليل المجموعة من أجل تحديد الكيفية التي يمكن بها استخدامها للتخزين أو الحوسبة. وفي هذه الحالة، فإن الوظيفة تتبع الشكل. والمشكلة الكامنة في هذا الإجراء هي أنه يتطلب جهودا هائلة من أجل بناء شبكة معقدة، ومن ثم استنتاج الاستخدام الذي يمكن أن توظف فيه.


صفيف الأسلاك النانوية(********)


تحل الأسلاك النانوية المتصالبة على نحو جيد مشكلة رئيسية في الإلكترونيات ذات الأبعاد الجزيئية: كيف يمكنك وصل الأسلاك مع مكونات مثل الترانزستورات والديودات؟ تقوم الأسلاك بمهمة مزدوجة حيث تعمل كأسلاك وكمكونات. فكل وصلة هي مكونة، وهي في هذه الحالة حاكمة صغيرة ـ مبدال كهرميكانيكي يكون إما في حالة الوصل أو في حالة الفصل. ولقلب حالة المبدال بين الفصل والوصل نقوم بتطبيق ڤلطية كهربائية معينة على السلكين النانويين. ويبقى المبدال حينذاك في تلك الوضعية إلى أجل غير محدود. وقد استُخدمت الأسلاك النانوية المتصالبة شبه الموصلة أيضا في صنع مبدالات توضع كهربائيا في حالة الوصل أو الفصل، دون حركة ميكانيكية. ويمكنها تشكيل ذاكرة وصفيفات منطقية ـ وهي خطوات أساسية نحو تجميع حاسوب نانوي.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N9-10_H06_002547.jpg


من الواضح أن ما يتصل اتصالا وثيقا بهذه الجهود كلها هو تطوير بنى تستطيع استغلال الخصائص الفريدة للأدوات النانوية وإمكانيات التجميع الصعودي. وعلى الرغم من أننا نستطيع صنع عدد لا يحصى من البنى النانوية الزهيدة التكاليف، فإن الأدوات مازالت أقل وثوقية بكثير من نظيراتها المستخدمة في الإلكترونيات الميكروية، ومازالت أيضا مقدرتنا على التجميع والتنظيم بدائية جدا.

وبالتعاون مع <A. دي هون> [من معهد كاليفورنيا للتقانة] عملت مجموعتي على تطوير بنى غاية في التبسيط يمكن تعميمها من أجل آلات حاسوبية عامة. فمن أجل الذاكرة، تبدأ البنية بصفيف ثنائي الأبعاد من الأسلاك النانوية المتصالبة أو المبدالات الكهرميكانيكية المعلقة التي يمكن للمرء أن يخزن معلومات في كل نقطة تقاطع منها. وهذه البنية الأساسية نفسها هي ما يسعى الباحثون إليه في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وفي الشركة Hewlett-Packard، وهي تشابه الذاكرة ذات النواة المغنطيسية التي كانت شائعة في حواسيب خمسينات القرن العشرين وستيناته.

قريبا، يمكن أن يكون للتجهيزات النانوية تطبيقات مفيدة، ومن أمثلة ذلك
المكاشيف الفائقة الحساسية التي تكشف جزيئات الغاز والمركبات البيولوجية.


قانون الأعداد الكبيرة(*********)

من أجل التغلب على عدم وثوقية التجهيزات النانوية الإفرادية، يمكننا الاعتماد على الأعداد المجردة؛ فتلك التجهيزات زهيدة التكاليف إلى درجة أن أكثرية قطعها التبديلية تكون متوفرة دائما. فقد بيّن الباحثون الذين يعملون في مجال التسامح مع الأعطال defect tolerance أن إجراء الحسابات ممكن حتى لو أخفق الكثير من المكونات، على الرغم من أن كشف الأعطال وتحديدها يمكن أن يكون بطيئا ومستهلكا للوقت. ونحن نأمل، في نهاية المطاف، تجزئة الصفيفات الهائلة إلى صفيفات جزئية يمكن مراقبة وثوقيتها بسهولة. وسيعتمد الحجم الأمثلي لهذه الصفيفات الجزئية على مستويات الأعطال الموجودة عادة في التجهيزات الجزيئية والنانوية.

وثمة عقبة مهمة أخرى تقف في وجه الإلكترونيات النانوية، وهي ضرورة الاعتماد على الذات. كيف يجعل المهندسون الدارة تؤدي الوظيفة التي يريدونها؟ في الإلكترونيات الميكروية، يعمل مصممو الدارات مثل المهندسين المعماريين: هم يُعِدّون مخطط الدارة، ويقوم معمل التصنيع ببنائها. أما في الإلكترونيات النانوية، فإن على المصممين أن يعملوا مثل مبرمجي الحواسيب. يقوم معمل التصنيع بصنع دارة نانوية خام ـ بلايين فوق بلايين من الأدوات والأسلاك ذات الوظيفة المحدودة إلى حد ما. من الخارج، تظهر هذه الدارة ككتلة من المادة التي تبرز منها حفنة من الأسلاك. ويجب على المهندسين، باستخدام تلك الأسلاك القليلة العدد، أن يُشكِّلوا تلك البلايين من الأدوات. إن تحديات من هذا القبيل هي ما يثيرني بشدة حول هذا الحقل برمته.

لكن حتى قبل أن نتمكن من حل هذه المشكلات، يمكن أن تكون هناك تطبيقات مفيدة للتجهيزات النانوية. فعلى سبيل المثال، استُخدمت الأنابيب النانوية الكربونية شبه الموصلة من قبل مجموعة <H. داي> [في جامعة ستانفورد] من أجل كشف جزيئات الغاز، واستخدم <Y. كوِي> [في مجموعتي] الأسلاك النانوية شبه الموصلة مكاشيف فائقة الحساسية لِطَيْفٍ واسع من المركَّبات البيولوجية. وفي أثناء عملنا بجامعة هارڤارد، قمنا بتحويل ترانزستورات المفعول الحقلي، المصنوعة من أسلاك نانوية، إلى محسات sensors، وذلك بتعديل سطوحها بمستقبلات جزيئية. إن لهذه التقانة المقدرة على كشف جزيئات مفردة باستخدام مقياس جهد كهربائي عادي. كما أن الحجم الصغير للأسلاك النانوية وحساسيتها يجعلان من الممكن أيضا تجميع محسّات فائقة المقدرة تستطيع، على سبيل المثال، سَلسَلة الجينوم (المجين) البشري برمته على شيپة واحدة، أو أن تُوظَّف في أدوات طبية تستخدم الحد الأدنى من الوسائل الباضعة(2) minimally invasive . وفي المستقبل الأقرب، قد نرى أدوات هجينة ميكروية ـ نانوية، أي سيليكون مع لب نانوي، ربما ذاكرة حاسوبية عالية الكثافة تستطيع حفظ محتوياتها إلى الأبد.

وعلى الرغم من أن هناك عملا هائلا يجب إنجازه قبل أن تشق الإلكترونيات النانوية سبيلها إلى الحواسيب، فإن هذا الهدف يبدو الآن أقل ضبابية مما كان قبل نحو عام. فمع اكتسابنا الثقة، سوف نتعلم ليس نمنمة الإلكترونيات الميكروية الرقمية فحسب، بل الذهاب أيضا إلى حيث لم تذهب دارة رقمية من قبل. فالتجهيزات النانوية التي تُبدي الظاهرة الكمومية، على سبيل المثال، يمكن أن تُستغل في التعمية الكمومية والحساب الكمومي. إن غنى العالم النانوي سوف يغيّر عالم الأشياء الكبيرة.

المؤلف

Charles M. Lieber
أمضى معظم طفولته يركب ـ ويكسر ـ أجهزة الستيريو والسيارات ونماذج الطائرات. وهو حاليا أستاذ «مارك هايمان» Mark Hyman للكيمياء في جامعة هارڤارد، حيث يرأس مجموعة من 25 فردا من الطلبة الجامعيين وطلبة الدراسات العليا وباحثي ما بعد الدكتوراه، ممن يسلطون الضوء على العلم والتقانة في المجال النانوي. أسس ليبر الشركة NanoSys, Inc. مع كل من <L. بُك> [من الشركة CW Ventures] و<H. بارك> من Harvard. وقد كان هدفهم المتواضع إحداث ثورة في الاستشعار الكيميائي والبيولوجي وفي الإلكترونيات والإلكترونيات البصرية وخزن المعلومات.

مراجع للاستزادة
The author’s Web site: cmliris.harvard.edu (http://www.oloommagazine.com/Articles/cmliris.harvard.edu)
The Avouris group: www.research.ibm.com/nanoscience (http://www.research.ibm.com/nanoscience)
The Dai group: www.chem.stanford.edu/group/dai (http://www.chem.stanford.edu/group/dai)
The DeHon group: www.cs.caltech.edu/-andre (http://www.cs.caltech.edu/-andre)
The Dekker group: www.mb.tn.tudelft.ni/user/dekker (http://www.mb.tn.tudelft.ni/user/dekker)
The McEuen group: www.lassp.cornell.edu/lassp_data/mceuen/homepage/welcome.html (http://www.lassp.cornell.edu/lassp_data/mceuen/homepage/welcome.html)
The Penn State team: stmi.chem.psu.edu (http://www.oloommagazine.com/Articles/stmi.chem.psu.edu)
The Rice / Yale team: www.jmtour.com (http://www.jmtour.com/) and www.eng.yale.edu/reedlab (http://www.eng.yale.edu/reedlab)
The Smith group: www.chem.wisc.edu/-smith (http://www.chem.wisc.edu/-smith)
The U.C.L.A./Hewlett-Packard team: www.chem.ucla.edu/-schung/hgrp (http://www.chem.ucla.edu/%E2%80%A2schung/hgrp)
and www.hpl.hp.com/research/qsr/staff/kuekes.html (http://www.hpl.hp.com/research/qsr/staff/kuekes.html)

(*) THE INCREDIBLE SHRINKING CIRCUIT
(**) Smallifying Machines
(***) Overview/ Nanoelectronics
(****) Hot Wire
(*****) Nano Transistor
(******) DNA Computing
)*******)) Breaking the Logjam
(********) Nanowire Array
(*********) Law of Large Number

(1) [انظر: "Computing with Molecules," by M. A. Reed - J. M. Tour; Scientific (American, June, 2000](2) وسائل تشخيصية أو علاجية تعتمد الحد الأدنى من السبل الجراحية أو الأدوات الجارحة. (التحرير)