العمري انا
05-08-2010, 10:13 AM
ما هي كيمياء الفيمتو؟
ترجمة المهندس/ عبدالحفيظ احمد العمري
...في عام 1999م حصل العالم العربي الدكتور/ احمد زويل على جائزة نوبل في تخصص علمي صرف كالكيمياء ، كثير من الناس يعرفون ذلك لكن لا يعرفون لماذا حصل عليها ؟ وما هي الإضافة التي قدمها للعلم مما أهلته للحصول على تلك الجائزة الرفيعة؟! .. نسلط الضوء على ذلك من خلال هذه المقابلة التي أجرتها مع الدكتور/ زويل صحيفة الديلي كوس والمنشورة على موقعها الالكتروني عام 2009م..
***
س:- ماذا تعني كيمياء الفيمتو ؟ ولماذا يجب أَنْ أَهتم بها؟
ج:- باختصار، هي وسيلة لتصوير التفاعلات الكيميائية كما تحْدث. لتوضيح لماذا ذلك مهم، أنا سأشرح بمثالِ:
حتى إذا كنت لا تعرف كثيرا في الكيمياء بالمرة، أنت من المحتمل تعلم بأنّ تشكيل الماسِ يتطلّب ضغوطَ عاليةَ جداً. ذلك إذا شكلت بلورات الكربون في الضغط الأوطأ، تُصبح جرافيت (الكربون كما نَراه عادة، في سواد القدر و فحم الخشب.... الخ - المادة السوداء).
الذي ليس واضحا (إلى غيرِ الكيميائي) أنّه يعني في الضغط العادي ماس غير مستقر.
تقول "ماذا؟" لَكنَّها الحقيقةُ. إن قول ان الشيءِ أكثر استقراراً في الكيمياءِ بأَنْ تقول له طاقة أوطأ، لكن في الضغطِ العادي الجرافيت لَهُ أقل طاقة - لهذا السبب فالكربون يُفضّلُ تَشكيل الجرافيت تحت تلك الظروف.
لماذا إذن ماساتكَ تتحوّلْ إلى كتل من الفحمِ؟ هو نفس السبب الذي يجعل قطع الخشب لا تشتعل آنياً (بالرغم من أنَّ حرق الخشب يبعث طاقة، يعني ذلك انّ ثاني أكسيد الكربون والُنواتج الناجمة يجِب أَن تكون أوطأ في الطاقة). إنّ السببَ في ذلك - لحدوث تفاعل كيميائي – هو التغلّب على مانع في الطاقة.
التفاعل يظهر كهذا الشكل عادة:
المدخلات هي ما تبدأُ معها (ومثال على ذلك: - خشب)، النواتج هي المنتجات الكيمائية (ومثال على ذلك: - ماء + ثاني أكسيد الكربون + رماد)، والحالة الانتقالية transition-state هي المانع الذي يجب أَنْ تعبره.لذا لحدوث تفاعل كيميائي بشكل آني فغير كاف كونه بنشاط مواتي ليحدث ذلك.
تحتاج أيضاً لاقتراض كمية معينة من الطاقةَ للتَغَلُّب على المانع، تَحتاج فتيل لإشعال نار، حتى إذا النار ستبعث حرارةَ أكثر بكثير بعد ذلك مِنْ الفتيل لديها.
هذا كان جميعه معروفا فقط قبل أكثر من قرن مِن قِبل الفيزيائي/ الكيميائي المشهورِ سيفانتارهينيوس، الذي برهن بأنّ سرعة حدوث تفاعل كيميائي تعتمد على الارتفاع النشط للمانعِ. تثب الجزيئات تقريبا في سرعات مختلفة والجزيئات التي لَها سرعةُ كافيةُ فقط (طاقة حركيّة) لعبور مانعِ الحالة الانتقالية يُمْكن أَنْ تتفاعل، والذي يَعتمد تباعاً على درجة الحرارة، لان درجة الحرارة فعلا هي المقياس بشكل عام لسرعة حركة الجزيئات. قدّم ارهينيوس معادلة التي تَحْمل اسمَه الآن، التي تصف كيف ان سرعة التفاعل تتعلق بدرجة الحرارة.
(ولأولئك الذين يَهتمّونَ بالاحتباس الحراريِ، ارهينيوس بشكل ملاحظ أول من طرح ان حرق الكربونِ الاحفوري يُمْكن أَنْ يُؤدّي إلى زيادة عالمية في درجة الحرارة).
لذا فالجواب عن سؤالِ الجرافيت – الماس هو على الرغم من ان الماسِ أعلى في الطاقة فالمانع لتَحَوُّله إلى الجرافيت مرتفع للغاية (والعكس بالعكس). لذا يأْخذ الماسِ وقت طويل جداً جدا للتَحَوُّل إلى الجرافيت في درجات الحرارة العادية لمدة طويلة كبلايين السَنَوات. أليست طويلة!
س:- حسنا ، لكن لماذا هو مهم؟
ج:- حسنا، السؤال التالي لماذا هو مهم. إنّ الجواب هو: المحفّزcatalysis . فالمحفّز في الكيمياء هو الشّيء الذي يقلل المانع فيُمكّن التفاعل من الحدوث بسرعة أعلى، أَو في درجةِ الحرارة الأوطأ، وهو يُمْكِنُ أَنْ يُسبّبَ حدوث تفاعل بطيء معيّن أسرعِ مِنْ التفاعل المنافسِ الآخرِ. المحفّز في النهاية وسيلة للتحكم في التفاعل الكيميائي. أنت يُمْكِنُ أَنْ تحوّل جرافيت ( بقليل من الطاقة) إلى ماس إذا امتلكت المحفّز المناسب. (في الحقيقة هذه هي الكيفية التي يُصنع بها الماس الصناعي بشكل تقليدي والعيب بأنّ المحفّزِ- الذي هو ذرّات معدنيةُ مثل معدنِ كروم- ينتهي به المطاف في الماس فيتركه ملونا.. وعموماً هو غير مرغوب في استعمال المجوهرات).
يقولون "أنت ما تَأْكله !" الذي يجب أَنْ لا يَكُونَ مفاجأة أذا لم تفكّرَ أن الناس كانوا مصنوعين من الهواء! لكن كَيف تُحوّل الغذاء إلى إنسان؟ من خلال المحفّز الكيميائيِ،فالمحفّزات الطبيعة هي بروتينات تسمى الإنزيمات enzymes، وهي تسيطر بإحكام تقريباً على كلّ التفاعلات الكيميائية الجارية في الكائنات الحية.
وهنا الوعد الأساسي والعملاق للكيمياء: يُمكنك أَنْ تحوّل أيّ شيء تقريبا إلى أي شيء آخر تقريباً طالما عِنْدَك الطاقةُ والمحفّز المناسب.
س:- المحفّزات باردة، فكيف اصنع واحدا؟
ج:- حَسناً. . نحن لَسنا جيدين جدا في ذلك. حتى الآن . تصوّر ! لكن لكي تفهم عمل المحفّز تحتاج لفَهْم بالضبط ماذا يجري في التفاعل الكيميائي، أنت تقريباً تَحتاج لمعرِفة ما هي الحالة الانتقالية قبل ان يمكنك أَنْ تفْهم كَيفَية خفض طاقتها.
إنّ المشكلةَ بأنّ الحالات الانتقالية - من التعريف - غير مستقرة ، فهي قمّة في الطاقة (وأيضا، على وجه التحديد: نقطة ركاب a saddle-point) - ليست وادي، لذلك جزيئات التفاعل لَنْ تَنتظر في ذلك الموقع لتسمح لك بقياس عملها.
لمعظم القرنِ العشرين، لا أحد كان عنده أيّ معرفة حقيقية عن حقيقية الحالات الانتقالية كيف تبدو فقط تخمينات مشروطة، فالعثور على المحفّزات - التي كانت منذ فترة طويلة إحدى الأشياءِ الرئيسية لعمل الكيميائيين والمهندسين الكيميائيين- هي تقريباً متروكة للمُصادفة والتجريب والتخمين المشروط.
كيمياء الفيمتو
الذي عَمِلهَ أحمد زويل انه كان رائداً لتقنية سُميت كيمياء الفيمتو Femtochemistry لقياس التفاعلات الكيميائية كما حدثت ، والسبيل الذي عمله لذلك كان باستعمال نبضات أشعة الليزرِ مفصولة بزمن قدره جزء من بليون من مليون من الثانية !
ذلك هو 10 -15 ثواني، أي فاصلة عشرية ب14 صفرِ بعدها وبعد ذلك 1 ، كمية ضئيلة من الزمن بشكل لا يُصدّق. يُمْكِنُك أَنْ تقل: ان عدد ثواني الفيمتو في الثانية الواحدة كعدد الثواني في 31 مليون سنة !
لوصف التقنية بطريقة أسهلِ، انها تعمل بتوليد نبضتين اشعاع فائقة القصر مفصولة بكمية الوقت على مِقياس الفيمتو ثانية، التي يُمْكن أَنْ تتغير. في الحقيقة، يمكنك انشاء نبضة وتقسيمها إلى اثنتين (باستعمال قاطع شعاع) ولفصلهما في وقت مناسب تجعلهما تسلكان طرق مختلفة قليلا قبل إعادة تركيزهما في نفس البقعة،ولتأخير واحده منهما بواسطة وسائل الفيمتو ثانيةfemtosecondالتي تجعل النبضة تنتقل مجرد مسافة 0.3 ميكرومتر إضافية! الأمر صعب و لكن ليس مستحيلا على التقنية.
الذي يحدث ان النبضةُ الأولى تتصرف كمضخّة pump فيبدأُ التفاعل الكيميائي بإعطاء الجزيء طاقة كافية للتفاعل ثمّ نبضة الجس probeالثانية تضرب جزيء التفاعل الذي لَه طاقة مختلفة معتمدة إلى أي مدى التفاعل قد مضى (انظر الصورةَ فوق). فتُبعثر النبضةُ الثانيةُ مِنْ الجزيء، وتكتسب أَو تفقد الطاقة عند عمل ذلك، لان طاقة النبضة الثانية للشعاع تنتهي اعتمادا على ما يمتلكه الجزيء من طاقة التي تباعاً تعتمد على مكان التفاعل في تلك اللحظة.
ومن ثمّ تقيس طاقة نبضات الضوءِ الجاسة تلك] النبضة الثانية[، مراراً وتكراراً بتغيير كميات الوقت من نبضة المضخّة في النهاية تعرف ما هي الفترة القصيرة النشطة للتفاعل (التي تعرف بسطح الطاقة الكامنة للتفاعل)، وتحصل على شيء مماثل للصورة فوق. مِنْ ذلك، يُمكنك أَنْ تَفْهمَ كيف يبدو التفاعل بلغة مواقعِ الذرّات وهلم جرا.
(قَد لا تكون واضحة تماما من الصورة أي نوعِ من المعلومات يُمكنك الحصول عليها ؛ لكنها أيضا هي الحالة المحتملة الأسهل، بينما التفاعلات الحقيقية لَها عدّة مراحل حرجة وصغيرة في أغلب الأحيان - المراحل المتوسطة للتفاعل قصير الأجل في الوديان - وتفاعل بعدّة مراحل حرجة أو حالات انتقالية سرعته محددة بأعلاها. )
عمل زويل التطويري للكيمياء الفيمتو بدأَ في أوائل الثمانينات، وأستمر منذ ذلك الوقت .عمله الآن حقل مؤسس في البحث، طرق كيمياء الفيمتو الجديدة يجري تطويرها في كل وقت، والطرق الحالية يجري استعمالها لدراسة تفاعلات مهمة.
للمرة الأولى، الكيميائيون يمكنهم فعلا معرفةُ مباشرة ماذا يجري أثناء التفاعل الكيميائي وهي امور كثيرة لا شك لم نكن قادرين على معرفتها.
ان المعرفة التفصيلية للتفاعلات الكيميائية ستقودنا في المستقبل القريب لنكون قادرين على تطوير المحفّزات الجديدة والمُحسَّنة.
أخيرا، الكيمياء لَنْ تكون مقيدة لما الكيميائي يمكن تركيبه عملياً ، لكن ما الذي يقدر على تَخَيُّله.
***
ملاحظات المترجم:-
1/ ُنشرت هذه المقابلة يوم 13/5/2009 م على موقعها على النت
2/ فضلت بقاء بعض المصطلحات باللغة الانجليزية لعلاقتها التخصصية بالمادة العلمية.
3/ للمزيد من التفاصيل حول كيمياء الفيمتو يمكن قراءة المراجع التالية:-
ا/ كتاب (رحلة عبر الزمن) د/ احمد زويل، مركز الأهرام للترجمة والنشر
ب/ مقالة (كاميرا احمد زويل) الملحق العلمي لمجلة العربي الكويتية عدد مايو2009م
ج/ مقالة (جوائز نوبل لعام 1999) مجلة العلوم الأمريكية عدد فبراير 2000م
د/ موقع جائزة نوبل على الانترنت (لعام 1999م في الكيمياء)
ترجمة المهندس/ عبدالحفيظ احمد العمري
...في عام 1999م حصل العالم العربي الدكتور/ احمد زويل على جائزة نوبل في تخصص علمي صرف كالكيمياء ، كثير من الناس يعرفون ذلك لكن لا يعرفون لماذا حصل عليها ؟ وما هي الإضافة التي قدمها للعلم مما أهلته للحصول على تلك الجائزة الرفيعة؟! .. نسلط الضوء على ذلك من خلال هذه المقابلة التي أجرتها مع الدكتور/ زويل صحيفة الديلي كوس والمنشورة على موقعها الالكتروني عام 2009م..
***
س:- ماذا تعني كيمياء الفيمتو ؟ ولماذا يجب أَنْ أَهتم بها؟
ج:- باختصار، هي وسيلة لتصوير التفاعلات الكيميائية كما تحْدث. لتوضيح لماذا ذلك مهم، أنا سأشرح بمثالِ:
حتى إذا كنت لا تعرف كثيرا في الكيمياء بالمرة، أنت من المحتمل تعلم بأنّ تشكيل الماسِ يتطلّب ضغوطَ عاليةَ جداً. ذلك إذا شكلت بلورات الكربون في الضغط الأوطأ، تُصبح جرافيت (الكربون كما نَراه عادة، في سواد القدر و فحم الخشب.... الخ - المادة السوداء).
الذي ليس واضحا (إلى غيرِ الكيميائي) أنّه يعني في الضغط العادي ماس غير مستقر.
تقول "ماذا؟" لَكنَّها الحقيقةُ. إن قول ان الشيءِ أكثر استقراراً في الكيمياءِ بأَنْ تقول له طاقة أوطأ، لكن في الضغطِ العادي الجرافيت لَهُ أقل طاقة - لهذا السبب فالكربون يُفضّلُ تَشكيل الجرافيت تحت تلك الظروف.
لماذا إذن ماساتكَ تتحوّلْ إلى كتل من الفحمِ؟ هو نفس السبب الذي يجعل قطع الخشب لا تشتعل آنياً (بالرغم من أنَّ حرق الخشب يبعث طاقة، يعني ذلك انّ ثاني أكسيد الكربون والُنواتج الناجمة يجِب أَن تكون أوطأ في الطاقة). إنّ السببَ في ذلك - لحدوث تفاعل كيميائي – هو التغلّب على مانع في الطاقة.
التفاعل يظهر كهذا الشكل عادة:
المدخلات هي ما تبدأُ معها (ومثال على ذلك: - خشب)، النواتج هي المنتجات الكيمائية (ومثال على ذلك: - ماء + ثاني أكسيد الكربون + رماد)، والحالة الانتقالية transition-state هي المانع الذي يجب أَنْ تعبره.لذا لحدوث تفاعل كيميائي بشكل آني فغير كاف كونه بنشاط مواتي ليحدث ذلك.
تحتاج أيضاً لاقتراض كمية معينة من الطاقةَ للتَغَلُّب على المانع، تَحتاج فتيل لإشعال نار، حتى إذا النار ستبعث حرارةَ أكثر بكثير بعد ذلك مِنْ الفتيل لديها.
هذا كان جميعه معروفا فقط قبل أكثر من قرن مِن قِبل الفيزيائي/ الكيميائي المشهورِ سيفانتارهينيوس، الذي برهن بأنّ سرعة حدوث تفاعل كيميائي تعتمد على الارتفاع النشط للمانعِ. تثب الجزيئات تقريبا في سرعات مختلفة والجزيئات التي لَها سرعةُ كافيةُ فقط (طاقة حركيّة) لعبور مانعِ الحالة الانتقالية يُمْكن أَنْ تتفاعل، والذي يَعتمد تباعاً على درجة الحرارة، لان درجة الحرارة فعلا هي المقياس بشكل عام لسرعة حركة الجزيئات. قدّم ارهينيوس معادلة التي تَحْمل اسمَه الآن، التي تصف كيف ان سرعة التفاعل تتعلق بدرجة الحرارة.
(ولأولئك الذين يَهتمّونَ بالاحتباس الحراريِ، ارهينيوس بشكل ملاحظ أول من طرح ان حرق الكربونِ الاحفوري يُمْكن أَنْ يُؤدّي إلى زيادة عالمية في درجة الحرارة).
لذا فالجواب عن سؤالِ الجرافيت – الماس هو على الرغم من ان الماسِ أعلى في الطاقة فالمانع لتَحَوُّله إلى الجرافيت مرتفع للغاية (والعكس بالعكس). لذا يأْخذ الماسِ وقت طويل جداً جدا للتَحَوُّل إلى الجرافيت في درجات الحرارة العادية لمدة طويلة كبلايين السَنَوات. أليست طويلة!
س:- حسنا ، لكن لماذا هو مهم؟
ج:- حسنا، السؤال التالي لماذا هو مهم. إنّ الجواب هو: المحفّزcatalysis . فالمحفّز في الكيمياء هو الشّيء الذي يقلل المانع فيُمكّن التفاعل من الحدوث بسرعة أعلى، أَو في درجةِ الحرارة الأوطأ، وهو يُمْكِنُ أَنْ يُسبّبَ حدوث تفاعل بطيء معيّن أسرعِ مِنْ التفاعل المنافسِ الآخرِ. المحفّز في النهاية وسيلة للتحكم في التفاعل الكيميائي. أنت يُمْكِنُ أَنْ تحوّل جرافيت ( بقليل من الطاقة) إلى ماس إذا امتلكت المحفّز المناسب. (في الحقيقة هذه هي الكيفية التي يُصنع بها الماس الصناعي بشكل تقليدي والعيب بأنّ المحفّزِ- الذي هو ذرّات معدنيةُ مثل معدنِ كروم- ينتهي به المطاف في الماس فيتركه ملونا.. وعموماً هو غير مرغوب في استعمال المجوهرات).
يقولون "أنت ما تَأْكله !" الذي يجب أَنْ لا يَكُونَ مفاجأة أذا لم تفكّرَ أن الناس كانوا مصنوعين من الهواء! لكن كَيف تُحوّل الغذاء إلى إنسان؟ من خلال المحفّز الكيميائيِ،فالمحفّزات الطبيعة هي بروتينات تسمى الإنزيمات enzymes، وهي تسيطر بإحكام تقريباً على كلّ التفاعلات الكيميائية الجارية في الكائنات الحية.
وهنا الوعد الأساسي والعملاق للكيمياء: يُمكنك أَنْ تحوّل أيّ شيء تقريبا إلى أي شيء آخر تقريباً طالما عِنْدَك الطاقةُ والمحفّز المناسب.
س:- المحفّزات باردة، فكيف اصنع واحدا؟
ج:- حَسناً. . نحن لَسنا جيدين جدا في ذلك. حتى الآن . تصوّر ! لكن لكي تفهم عمل المحفّز تحتاج لفَهْم بالضبط ماذا يجري في التفاعل الكيميائي، أنت تقريباً تَحتاج لمعرِفة ما هي الحالة الانتقالية قبل ان يمكنك أَنْ تفْهم كَيفَية خفض طاقتها.
إنّ المشكلةَ بأنّ الحالات الانتقالية - من التعريف - غير مستقرة ، فهي قمّة في الطاقة (وأيضا، على وجه التحديد: نقطة ركاب a saddle-point) - ليست وادي، لذلك جزيئات التفاعل لَنْ تَنتظر في ذلك الموقع لتسمح لك بقياس عملها.
لمعظم القرنِ العشرين، لا أحد كان عنده أيّ معرفة حقيقية عن حقيقية الحالات الانتقالية كيف تبدو فقط تخمينات مشروطة، فالعثور على المحفّزات - التي كانت منذ فترة طويلة إحدى الأشياءِ الرئيسية لعمل الكيميائيين والمهندسين الكيميائيين- هي تقريباً متروكة للمُصادفة والتجريب والتخمين المشروط.
كيمياء الفيمتو
الذي عَمِلهَ أحمد زويل انه كان رائداً لتقنية سُميت كيمياء الفيمتو Femtochemistry لقياس التفاعلات الكيميائية كما حدثت ، والسبيل الذي عمله لذلك كان باستعمال نبضات أشعة الليزرِ مفصولة بزمن قدره جزء من بليون من مليون من الثانية !
ذلك هو 10 -15 ثواني، أي فاصلة عشرية ب14 صفرِ بعدها وبعد ذلك 1 ، كمية ضئيلة من الزمن بشكل لا يُصدّق. يُمْكِنُك أَنْ تقل: ان عدد ثواني الفيمتو في الثانية الواحدة كعدد الثواني في 31 مليون سنة !
لوصف التقنية بطريقة أسهلِ، انها تعمل بتوليد نبضتين اشعاع فائقة القصر مفصولة بكمية الوقت على مِقياس الفيمتو ثانية، التي يُمْكن أَنْ تتغير. في الحقيقة، يمكنك انشاء نبضة وتقسيمها إلى اثنتين (باستعمال قاطع شعاع) ولفصلهما في وقت مناسب تجعلهما تسلكان طرق مختلفة قليلا قبل إعادة تركيزهما في نفس البقعة،ولتأخير واحده منهما بواسطة وسائل الفيمتو ثانيةfemtosecondالتي تجعل النبضة تنتقل مجرد مسافة 0.3 ميكرومتر إضافية! الأمر صعب و لكن ليس مستحيلا على التقنية.
الذي يحدث ان النبضةُ الأولى تتصرف كمضخّة pump فيبدأُ التفاعل الكيميائي بإعطاء الجزيء طاقة كافية للتفاعل ثمّ نبضة الجس probeالثانية تضرب جزيء التفاعل الذي لَه طاقة مختلفة معتمدة إلى أي مدى التفاعل قد مضى (انظر الصورةَ فوق). فتُبعثر النبضةُ الثانيةُ مِنْ الجزيء، وتكتسب أَو تفقد الطاقة عند عمل ذلك، لان طاقة النبضة الثانية للشعاع تنتهي اعتمادا على ما يمتلكه الجزيء من طاقة التي تباعاً تعتمد على مكان التفاعل في تلك اللحظة.
ومن ثمّ تقيس طاقة نبضات الضوءِ الجاسة تلك] النبضة الثانية[، مراراً وتكراراً بتغيير كميات الوقت من نبضة المضخّة في النهاية تعرف ما هي الفترة القصيرة النشطة للتفاعل (التي تعرف بسطح الطاقة الكامنة للتفاعل)، وتحصل على شيء مماثل للصورة فوق. مِنْ ذلك، يُمكنك أَنْ تَفْهمَ كيف يبدو التفاعل بلغة مواقعِ الذرّات وهلم جرا.
(قَد لا تكون واضحة تماما من الصورة أي نوعِ من المعلومات يُمكنك الحصول عليها ؛ لكنها أيضا هي الحالة المحتملة الأسهل، بينما التفاعلات الحقيقية لَها عدّة مراحل حرجة وصغيرة في أغلب الأحيان - المراحل المتوسطة للتفاعل قصير الأجل في الوديان - وتفاعل بعدّة مراحل حرجة أو حالات انتقالية سرعته محددة بأعلاها. )
عمل زويل التطويري للكيمياء الفيمتو بدأَ في أوائل الثمانينات، وأستمر منذ ذلك الوقت .عمله الآن حقل مؤسس في البحث، طرق كيمياء الفيمتو الجديدة يجري تطويرها في كل وقت، والطرق الحالية يجري استعمالها لدراسة تفاعلات مهمة.
للمرة الأولى، الكيميائيون يمكنهم فعلا معرفةُ مباشرة ماذا يجري أثناء التفاعل الكيميائي وهي امور كثيرة لا شك لم نكن قادرين على معرفتها.
ان المعرفة التفصيلية للتفاعلات الكيميائية ستقودنا في المستقبل القريب لنكون قادرين على تطوير المحفّزات الجديدة والمُحسَّنة.
أخيرا، الكيمياء لَنْ تكون مقيدة لما الكيميائي يمكن تركيبه عملياً ، لكن ما الذي يقدر على تَخَيُّله.
***
ملاحظات المترجم:-
1/ ُنشرت هذه المقابلة يوم 13/5/2009 م على موقعها على النت
2/ فضلت بقاء بعض المصطلحات باللغة الانجليزية لعلاقتها التخصصية بالمادة العلمية.
3/ للمزيد من التفاصيل حول كيمياء الفيمتو يمكن قراءة المراجع التالية:-
ا/ كتاب (رحلة عبر الزمن) د/ احمد زويل، مركز الأهرام للترجمة والنشر
ب/ مقالة (كاميرا احمد زويل) الملحق العلمي لمجلة العربي الكويتية عدد مايو2009م
ج/ مقالة (جوائز نوبل لعام 1999) مجلة العلوم الأمريكية عدد فبراير 2000م
د/ موقع جائزة نوبل على الانترنت (لعام 1999م في الكيمياء)