محمد عريف
04-11-2010, 05:48 PM
أعضاء المنتدي الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد يوليو - أغسطس 2000
وهو من المقالات المتميزة
جولة كوكبية
منذ نحو أربعة بلايين ونصف بليون عام، ولأسباب لم يتفق عليها العلماء حتى الآن، بدأت سحابة مستديرة مسطحة من الغاز والغبار بالانكماش في الفراغ بين الكوكبي لمجرتنا ـ درب التبانة (الطريق اللبنيّ) ـ التي كان عمرها حينذاك خمسة بلايين عام على الأقل. وعندما انهارت هذه السحابة مندفعة نحو مركزها، أخذ معدل تدويمها، الذي كان صغيرا نسبيا في البداية، بالازدياد، وأدى هذا التدويم بدوره إلى قذف الكتل الضخمة من الغبار إلى الخارج، وهذا مكّن هذه الكتل من مقاومة قوة جذب سديم هائل الكتلة عند مركز السحابة.
وفيما كان هذا السديم المركزي العملاق ـ وهو سلف شمسنا ـ ينهار على نفسه، كانت درجة حرارة المركز ترتفع إلى قيم هائلة. وفي نهاية المطاف ـ أصبحت الحرارة والضغط كافيين لإشعال الفرن الحراري النووي الذي جعل الحياة ممكنة، والذي سيستمر غالبا في الاحتراق خمسة بلايين عام أخرى.
وخلال عشرات الملايين من السنين، كونت الكتل الهائلة من الغبار التي تحيط بالشمس الناشئة الكواكب التسعة، والأقمار الثلاثة والستين، والأعداد الهائلة من الكويكبات والمذنبات التي تنتمي إلى نظامنا الشمسي. وأحد الألغاز العديدة حول تكوين النظام الشمسي، والتي لم تحل حتى الآن، يتعلق بترتيب هذه الكواكب ـ وعلى الخصوص، لماذا كانت الأربعة الأولى منها صخرية وأصغر حجما، والأربعة التالية غازية وضخمة. وتفسر إحدى النظريات الرئيسية ذلك بأن التأججات الشمسية الأولية القوية طيّرت العناصر الأخف وأبعدتها عن داخل النظام الشمسي. ولكن اكتشاف عمالقة غازية شبيهة بالكواكب تدور حول نجوم مماثلة للشمس وقريبة جدا منها في درب التبانة، مثَّل تحديا لهذه النظرية.
في الصفحات التالية تنظم مجلة العلوم جولة إرشادية إلى النظام الشمسي. والهدف من هذه الجولة ـ في هذا العدد المخصص لإظهار عظمة الكون وتعقيده ـ هو تأكيد الأمور المذهلة التي توجد في ركننا اللامتناهي الصغر من هذا الكون.
التحرير
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001235.jpg
الكواكب بنظرة خاطفة
عطاردالزهرةالأرضالمريخالبعد المتوسط عن الشمس (مليون كيلو متر)57.9108.2149.6227.94قطر الدائرة الاستوائية (كيلو متر)48781210012756.346.786الكتلة (كيلو غرام)10^23 × 3.310^24 × 4.910^24 × 6.010^23 × 6.4الكثافة (غرام لكل سنتيمتر مكعب)5.415.255.523.9طول اليوم (أيام وساعات أرضية)58.6 يوم243.0 يوم23.93 ساعة24.62 ساعةطول العام (أعوام وأيام أرضية)87.97 يوم224.7 يوم365.26 يوم686.98 يومعدد الأقمار المعروفة0012تركيب الغلاف الجويآثار ضئيلة من الصوديوم والهليوم والهدروجين والأكس96 % ثنائي أكسيد الكربون و 3.5% نيتروجين78 % نيتروجين و 21% أكسجين و 0.9% أرگون95% ثنائي أكسيد الكربون و 3% نيتروجين و 1.6% أرگون
اسم الكوكبالمشتريزحلأورانوسنبتونبلوتوال بعد المتوسط عن الشمس (مليون كيلو متر)778.41423.62867.04488.45909.6قط ر الدائرة الاستوائية (كيلو متر)14298412053651108495382350الكتل ة (كيلو غرام)10^27 × 1.910^26 × 5.710^25 × 8.710^26 × 1.010^22 × 1.3الكثافة (غرام لكل سنتيمتر مكعب)1.30.71.31.71.99طول اليوم (أيام وساعات أرضية)9.8 ساعة10.2 ساعة17.9 ساعة19.1 ساعة6.39 يومطول العام (أعوام وأيام أرضية)11.86 سنة29.46 سنة84 سنة164.8 سنة247.7 سنةعدد الأقمار المعروفة1619 علي الأقل1781تركيب الغلاف الجوي90% هدروجين و 10% هليوم وآثار من الميثان97% هدروجين و3% هليوم وآثار من الميثان83% هدروجين و 15% هليوم و 2% ميثان74% هدروجين و 25 % هليوم و2% ميثانغالبا ميثان ومن المحتمل نيتروجين وأحادي أكسيد الكر
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001236.jpg
فوهة كالوريس Caloris Crater
التي عرضها 1300 كيلو متر (800 ميل) والتي تكونت عندما أصابت قذيفة عملاقة كوكب عطارد منذ 3.6 بليون سنة (في اليسار). انطلقت موجات صدمية خلال الكوكب مسببة تكوين مناطق جبلية وأخرى مخططة في الجانب الآخر (في الأسفل). وفي مركز هذه المنطقة الشواشية، نشأت فوهة پترارك Petrarch Crater عن حدث تم في وقت أحدث من ذلك بكثير، وهو ارتطام عنيف بدرجة تكفي لانصهار الصخر. وجرت المادة المنصهرة خلال قناة طولها 100 كيلومتر ووصلت إلى فوهة مجاورة.
منحدر ديسكڤري Discovery Scarp
(الشق الموضح في الصورة اليسرى) صدع دسري thrust fault طوله 500 كيلومتر، ربما نشأ عندما تجمدت أجزاء من قلب عطارد وانكمشت. وربما تكون رؤية انبلاج الصبح من داخل الصدع مشهدا مثيرا (أسفل اليسار).
حرارة عطارد
تتجاوز نهارا 400 درجة مئوية (750 درجة فرنهايتية)، وتنخفض ليلا إلى زهاء 200 درجة مئوية تحت الصفر. تعوق درجات الحرارة العالية وجود غلاف جوي محسوس؛ لأن جزيئات الغاز تتحرك بسرعة تفوق سرعة إفلات escape velocity الكوكب.
يتميز عطارد، الذي هو أقرب الكواكب إلى الشمس في النظام الشمسي، بأقصى تطرف للصفات التي تميز الكواكب الأرضية terrestrial في ذلك النظام. تصل الحرارة على الكوكب في النهار إلى 427 درجة مئوية (801 درجة فرنهايتية) وهي درجة ينصهر عندها الزنك. ومع ذلك، ففي الليل تنخفض الحرارة بسبب عدم وجود غلاف جوي، إلى 183 درجة مئوية تحت الصفر، وهي برودة تكفي لتجميد غاز الكريپتون.
وعطارد كثيف بدرجة غير عادية، إذ تبلغ كثافته 5.44 غرام لكل سنتيمتر مكعب (0.20 باوند لكل بوصة مكعبة). ويعتقد الفلكيون أن سبب هذه الكثافة العالية هو أن للكوكب قلبا (لُبّا) كبيرا نسبيا وغنيا بالحديد بدرجة غير عادية. ومن المحتمل أنْ يشكل حجم القلب 42% من حجم عطارد، علما بأن النسبة المناظرة في حالة الأرض هي نحو 16% فقط، وفي حالة المريخ قرابة 9%.
وثمة علاقة غريبة بين الزمن الذي يستغرقه الكوكب في الدوران مرة واحدة حول محوره ـ 59 يوما أرضيا ـ وبين الزمن الذي يستغرقه في دورة واحدة حول الشمس -88 يوما أرضيا. ويبدو أن النسبة بين زمني الدوران حول المحور وحول الشمس، التي تساوي2 : 3، تنتج من أن الثقالة بين الشمس وكتلة الكوكب تكون أشد ما يمكن كلما أكمل دورة ونصف دورة حول محوره.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001237.jpg
إن غلاف الزهرة الجوي السميك من ثنائي أكسيد الكربون غير نفوذ للإشعاع تحت الأحمر، ومن ثم فهو يتصيد الحرارة عند السطح. وتنتج ثلاث طبقات من السحب من دورة متيورولجية معقدة يدخل الكبريت فيها في سلسلة من التفاعلات ليكوِّن قطرات من حامض الكبريتيك على ارتفاعات من السطح تقدر بسبعين كيلومترا تقريبا.
بعد كشف قناعها،
تمت رؤية الزهرة بالرادار أول مرة في صورة أمكن الحصول عليها باستخدام بيانات الساتل ماجلان أوربيتر Magellan orbiter عام 1991 (في أقصى اليمين). وحديثا استخدمت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية بيانات ماجلان لإنتاج خرائط طبوغرافية للسطح (أعلى اليمين) الذي يكون عادة محجوبا بالسحب (أعلى اليسار).
في عام 1982 (في الأعلى) تم تصوير سطح الزهرة من الهابط (الجهاز الأرضي) التابع لسفينة الفضاء السوڤييتية ڤينيرا Venera 13. لقد بقي الهابط على سطح الكوكب مدة 127 دقيقة. أضيف اللون البرتقالي الملاحظ في صورة ڤينيرا فيما بعد إلى صور الكوكب الرادارية، مثلما حدث للصورة الكبيرة الموجودة في أقصى اليسار، وللمنظر الطبيعي الموجود في اليمين.
بركان ضخم يُعرف باسم مات مونز Maat Mons صُوِّر من البيانات الرادارية التي جمعها ساتل ماجلان أوربيتر. عولجت البيانات للحصول على هذا الشكل، وهو منظر من بعد يبلغ نحو 550 كيلومترا وارتفاع قدره 1.7 كيلومتر، ويبلغ ارتفاع البركان نفسه نحو ستة كيلومترات.
على الرغم من أن الزهرة أخذت اسم إلهة الحب ڤينوس Venus، فإنها أقرب إلى أن تكون الشقيقة الدميمة للأرض. فالكوكبان تكوّنا من المنطقة نفسها من السديم الشمسي. ويشير ذلك إلى أن تركيبيهما واحد بشكل عام. وللكوكبين نفس الحجم والكتلة والكثافة تقريبا. كما أن متوسط بُعْد الزهرة عن الشمس في مدارها حولها هو 70% من متوسط بُعْد الأرض عن الشمس.
ولكن، في حين أن درجة حرارة الأرض وظروفها تسمح بالحياة، ولها بيئات متنوعة وحقل مغنطيسي قوي، فإن الزهرة جافة وحرارتها كالجحيم (فهي تشبه الفرن ذا الضغط العالي)، وحقلها المغنطيسي ضعيف لدرجة أنه لا يتمكن من منع الريح الشمسية من أن تبدد الغلاف الجوي العلوي للكوكب. ولأن سطح الزهرة يقع تحت سحابات دائمة من حمض الكبريتيك وغلاف جوي سميك من ثنائي أكسيد الكربون، فإن حرارة هذا السطح تصل إلى 450 درجة مئوية (842 درجة فرنهايتية).
وأحد الأمور الغامضة الأساسية حول الزهرة هو الندرة النسبية للفوهات عليها. وتشير هذه الندرة إلى أن عمر سطح الكوكب ربما لم يتجاوز 600 مليون سنة. ولم يتوصل علماء الكواكب بعد إلى تفسير مقنع لذلك، ولكن أغلبهم يتفقون على أن هذا التفسير لابد أن يتضمن البركنة وعمليات التشويه التكتونية
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001238.jpg
تشغل المحيطات 71% من المساحة السطحية للكوكب، ولكنها لا تزال غير مستكشفة إلى حد كبير، وخلال الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين، كوّن الباحثون من مؤسسة العلوم القومية صورًا للرفِّ القاري الأمريكي U.S.continental ****f، ومنها هذه الصورة لمنطقة خليج مونتريي Monterey Bay في شمال كاليفورنيا (في اليسار).
إن تنوع الحياة على الأرض لم يكتمل اكتشافه بعد. لقد اكتُشفَ ما يقرب من 1.75 مليون نوع وتم تسميتها، يضاف إلى ذلك قرابة 000 10 من الأنواع الجديدة تكتشف كل عام (ونصف جميع الأنواع المعروفة هي حشرات، ومن هذه 40% خنافس.) وتتراوح التقديرات للعدد الكلي لأنواع الحياة على الأرض بين سبعة ملايين وأربعة عشر مليونا؛ ويعتقد علماء الحيوان أن الأنواع التي تعيش الآن على الأرض ربما مثلت واحدا في الألف فقط من الأنواع التي وُجدت فيها على مرّ الزمن.
زار قمرَ الأرض 12 شخصا، والرجل الماثل في الصورة هو <P .E. ألدرين، جونير>، وهو الشخص الثاني الذي وضع قدميه على سطح القمر. يدور القمر حول الأرض على بعد منها متوسطه 000 380 كيلو متر (000 236 ميل)، ويبلغ قطره ربع قطر الأرض تقريبا ـ وهذا يجعله تابعا طبيعيا غير عادي في الكبر.
إن النظم البيئية الرئيسية للأرض متنوعة وتتضمن الجبال والغابات الاستوائية الماطرة والصحاري والمحيطات والمناطق الحضرية التي تضخمت بنمو عدد السكان من دون التقيد بأي نسب هي، من نواح معينة، نظم بيئية معقدة في حد ذاتها.
إن كَوْن الأرض تعجّ بالحياة يجعلها حالة شاذة ثمينة بين الكواكب ـ ولكن العلماء لا يستطيعون الجَزْم بمدى هذا الشذوذ. ومن المؤكد أن الظروف التي سمحت بالحياة قد تأثرت بدرجة حرارة سطح الكوكب، ومن ثم ببعد هذا الكوكب عن الشمس.
كانت وفرة الماء السائل عاملا أساسيا في تطور الكوكب، فقد عدّلت هذه المياه درجات الحرارة، وشكَّلت الصخور بالتآكل، وأذابت المعادن، وساعدت على حدوث التفاعلات الكيميائية المعقدة التي ولّد بعضُها حياة الخلية الواحدة قبل نحو أربعة بلايين سنة. ولم تبدأ الحيوانات الماكروسكوبية (الكبرية، العيانية) بالتكاثر إلا منذ نحو 600 مليون سنة، وهذا بعد أن أدّى البناء الضوئي إلى إغناء الغلاف الجوي بالأكسجين.
ربما تكوّن قمر الأرض الكبير من الحطام المتخلف عن اصطدام الأرض ـ في عصورها الأولى ـ بجسم آخر هائل الكتلة. وكوكبنا هو الوحيد الذي يمكن فيه مشاهدة جمال إكليل الشمس خلال خسوف كلي؛ لأن القمر والشمس يظهران من الأرض بالحجم نفسه.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001239.jpg
مناظر طبيعية للمريخ
(في اليسار) صوّرها في الشهر 7/1997 الهابط الباحث عن مسار المريخ، ويظهر بعضها في أسفل هذه الصورة الپانورامية. والنتوءان الموجودان على الأفق، اللذان يسميان القمتين التوأمين، كانا على بعد كيلومتر بين جنوب وجنوب غربي الهابط. وكان على متن الهابط مركبة طوافة صغيرة تدعى «سوجورنر» (في اليمين) قامت بتحليل التربة ومجموعة من الصخور. وفي هذه الپانوراما، يمكن رؤية سوجورنر أمام إحدى الصخور التي سميت يوجي Yogi.
نيزك من المريخ ALH84001
(في الأعلى) وُجد أنه يحتوي على أجسام مقسمة segmented تصل أطوالها إلى نحو 380 نانومترا (في اليسار). وقد ظن بعض الباحثين أن هذه الأجسام هي البقايا المتحجرة لحياة بكتيرية اتصلت بالصخرة منذ أكثر من 1.3 بليون سنة. ولكن الشك راود علماء آخرين، ودللوا على وجهة نظرهم بأن للتشكيلات أصولا غير بيولوجية، وبأن الصخرة لُوثَت كيميائيا بعد سقوطها على الأرض.
قمران مريخيان صغيران هما ديموس Deimos (الأعلى في الشكل السفلي) وفوبوس Phobos (الأدنى في الشكل السفلي)، طولاهما 15 و27 كيلومترا على الترتيب. ولما كان كلا القمرين غنيا بالكربون، فقد استنتج بعض علماء الكواكب أنهما كويكبان أسِرَا من الحزام الكويكبي القريب.
نتيجة لقرب المريخ النسبي من الأرض، وَلِمَا يرتبط به من أساطير، وحتى لونه، صار هذا الكوكب أحب الكواكب إلى الناس في الثقافة الشعبية. بحثَتْ أعداد لا تُحصى من المؤلفات العلمية وأعمال الخيال العلمي احتمال وجود حياة على المريخ. ومع ذلك، فحتى عام 1976، لم يعثر مسبارا مركبة الفضاء الأمريكية ڤايكنگ Viking على أي دليل على وجود حياة في مواضع هبوطهما.
وحديثا، عاد المريخ إلى الإثارة العامة نتيجة لحدثين. ففي عام 1996 فحص فريق علمي من مركز جونسون الفضائي التابع للوكالة ناسا وجامعة ستانفورد نيزكا أتى من المريخ، وأعلنوا أن له صفات غير عادية، وأن أفضل تفسير لهذه الصفات هو أنها تتعلق بآثار حياة بكتيرية قديمة. وفي صيف 1997، قام الهابط الباحث عن مسار المريخ Mars Pathfinder Lander ومركبته الطوافة الصغيرة للغاية سوجورنر Soiourner بتحليل وتصوير تربة المريخ وغلافه الجوي وصخوره. وقد توصل الباحثون إلى أن كثيرا من الصخور ترسَّبت بوساطة فيضان هائل منذ نحو بليوني سنة على الأقل، وإلى أن بعض هذه الصخور يشبه فصيلة من الصخور الأرضية تعرف باسم أندسيت andesites، وكان هذا أمرا غريبا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد يوليو - أغسطس 2000
وهو من المقالات المتميزة
جولة كوكبية
منذ نحو أربعة بلايين ونصف بليون عام، ولأسباب لم يتفق عليها العلماء حتى الآن، بدأت سحابة مستديرة مسطحة من الغاز والغبار بالانكماش في الفراغ بين الكوكبي لمجرتنا ـ درب التبانة (الطريق اللبنيّ) ـ التي كان عمرها حينذاك خمسة بلايين عام على الأقل. وعندما انهارت هذه السحابة مندفعة نحو مركزها، أخذ معدل تدويمها، الذي كان صغيرا نسبيا في البداية، بالازدياد، وأدى هذا التدويم بدوره إلى قذف الكتل الضخمة من الغبار إلى الخارج، وهذا مكّن هذه الكتل من مقاومة قوة جذب سديم هائل الكتلة عند مركز السحابة.
وفيما كان هذا السديم المركزي العملاق ـ وهو سلف شمسنا ـ ينهار على نفسه، كانت درجة حرارة المركز ترتفع إلى قيم هائلة. وفي نهاية المطاف ـ أصبحت الحرارة والضغط كافيين لإشعال الفرن الحراري النووي الذي جعل الحياة ممكنة، والذي سيستمر غالبا في الاحتراق خمسة بلايين عام أخرى.
وخلال عشرات الملايين من السنين، كونت الكتل الهائلة من الغبار التي تحيط بالشمس الناشئة الكواكب التسعة، والأقمار الثلاثة والستين، والأعداد الهائلة من الكويكبات والمذنبات التي تنتمي إلى نظامنا الشمسي. وأحد الألغاز العديدة حول تكوين النظام الشمسي، والتي لم تحل حتى الآن، يتعلق بترتيب هذه الكواكب ـ وعلى الخصوص، لماذا كانت الأربعة الأولى منها صخرية وأصغر حجما، والأربعة التالية غازية وضخمة. وتفسر إحدى النظريات الرئيسية ذلك بأن التأججات الشمسية الأولية القوية طيّرت العناصر الأخف وأبعدتها عن داخل النظام الشمسي. ولكن اكتشاف عمالقة غازية شبيهة بالكواكب تدور حول نجوم مماثلة للشمس وقريبة جدا منها في درب التبانة، مثَّل تحديا لهذه النظرية.
في الصفحات التالية تنظم مجلة العلوم جولة إرشادية إلى النظام الشمسي. والهدف من هذه الجولة ـ في هذا العدد المخصص لإظهار عظمة الكون وتعقيده ـ هو تأكيد الأمور المذهلة التي توجد في ركننا اللامتناهي الصغر من هذا الكون.
التحرير
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001235.jpg
الكواكب بنظرة خاطفة
عطاردالزهرةالأرضالمريخالبعد المتوسط عن الشمس (مليون كيلو متر)57.9108.2149.6227.94قطر الدائرة الاستوائية (كيلو متر)48781210012756.346.786الكتلة (كيلو غرام)10^23 × 3.310^24 × 4.910^24 × 6.010^23 × 6.4الكثافة (غرام لكل سنتيمتر مكعب)5.415.255.523.9طول اليوم (أيام وساعات أرضية)58.6 يوم243.0 يوم23.93 ساعة24.62 ساعةطول العام (أعوام وأيام أرضية)87.97 يوم224.7 يوم365.26 يوم686.98 يومعدد الأقمار المعروفة0012تركيب الغلاف الجويآثار ضئيلة من الصوديوم والهليوم والهدروجين والأكس96 % ثنائي أكسيد الكربون و 3.5% نيتروجين78 % نيتروجين و 21% أكسجين و 0.9% أرگون95% ثنائي أكسيد الكربون و 3% نيتروجين و 1.6% أرگون
اسم الكوكبالمشتريزحلأورانوسنبتونبلوتوال بعد المتوسط عن الشمس (مليون كيلو متر)778.41423.62867.04488.45909.6قط ر الدائرة الاستوائية (كيلو متر)14298412053651108495382350الكتل ة (كيلو غرام)10^27 × 1.910^26 × 5.710^25 × 8.710^26 × 1.010^22 × 1.3الكثافة (غرام لكل سنتيمتر مكعب)1.30.71.31.71.99طول اليوم (أيام وساعات أرضية)9.8 ساعة10.2 ساعة17.9 ساعة19.1 ساعة6.39 يومطول العام (أعوام وأيام أرضية)11.86 سنة29.46 سنة84 سنة164.8 سنة247.7 سنةعدد الأقمار المعروفة1619 علي الأقل1781تركيب الغلاف الجوي90% هدروجين و 10% هليوم وآثار من الميثان97% هدروجين و3% هليوم وآثار من الميثان83% هدروجين و 15% هليوم و 2% ميثان74% هدروجين و 25 % هليوم و2% ميثانغالبا ميثان ومن المحتمل نيتروجين وأحادي أكسيد الكر
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001236.jpg
فوهة كالوريس Caloris Crater
التي عرضها 1300 كيلو متر (800 ميل) والتي تكونت عندما أصابت قذيفة عملاقة كوكب عطارد منذ 3.6 بليون سنة (في اليسار). انطلقت موجات صدمية خلال الكوكب مسببة تكوين مناطق جبلية وأخرى مخططة في الجانب الآخر (في الأسفل). وفي مركز هذه المنطقة الشواشية، نشأت فوهة پترارك Petrarch Crater عن حدث تم في وقت أحدث من ذلك بكثير، وهو ارتطام عنيف بدرجة تكفي لانصهار الصخر. وجرت المادة المنصهرة خلال قناة طولها 100 كيلومتر ووصلت إلى فوهة مجاورة.
منحدر ديسكڤري Discovery Scarp
(الشق الموضح في الصورة اليسرى) صدع دسري thrust fault طوله 500 كيلومتر، ربما نشأ عندما تجمدت أجزاء من قلب عطارد وانكمشت. وربما تكون رؤية انبلاج الصبح من داخل الصدع مشهدا مثيرا (أسفل اليسار).
حرارة عطارد
تتجاوز نهارا 400 درجة مئوية (750 درجة فرنهايتية)، وتنخفض ليلا إلى زهاء 200 درجة مئوية تحت الصفر. تعوق درجات الحرارة العالية وجود غلاف جوي محسوس؛ لأن جزيئات الغاز تتحرك بسرعة تفوق سرعة إفلات escape velocity الكوكب.
يتميز عطارد، الذي هو أقرب الكواكب إلى الشمس في النظام الشمسي، بأقصى تطرف للصفات التي تميز الكواكب الأرضية terrestrial في ذلك النظام. تصل الحرارة على الكوكب في النهار إلى 427 درجة مئوية (801 درجة فرنهايتية) وهي درجة ينصهر عندها الزنك. ومع ذلك، ففي الليل تنخفض الحرارة بسبب عدم وجود غلاف جوي، إلى 183 درجة مئوية تحت الصفر، وهي برودة تكفي لتجميد غاز الكريپتون.
وعطارد كثيف بدرجة غير عادية، إذ تبلغ كثافته 5.44 غرام لكل سنتيمتر مكعب (0.20 باوند لكل بوصة مكعبة). ويعتقد الفلكيون أن سبب هذه الكثافة العالية هو أن للكوكب قلبا (لُبّا) كبيرا نسبيا وغنيا بالحديد بدرجة غير عادية. ومن المحتمل أنْ يشكل حجم القلب 42% من حجم عطارد، علما بأن النسبة المناظرة في حالة الأرض هي نحو 16% فقط، وفي حالة المريخ قرابة 9%.
وثمة علاقة غريبة بين الزمن الذي يستغرقه الكوكب في الدوران مرة واحدة حول محوره ـ 59 يوما أرضيا ـ وبين الزمن الذي يستغرقه في دورة واحدة حول الشمس -88 يوما أرضيا. ويبدو أن النسبة بين زمني الدوران حول المحور وحول الشمس، التي تساوي2 : 3، تنتج من أن الثقالة بين الشمس وكتلة الكوكب تكون أشد ما يمكن كلما أكمل دورة ونصف دورة حول محوره.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001237.jpg
إن غلاف الزهرة الجوي السميك من ثنائي أكسيد الكربون غير نفوذ للإشعاع تحت الأحمر، ومن ثم فهو يتصيد الحرارة عند السطح. وتنتج ثلاث طبقات من السحب من دورة متيورولجية معقدة يدخل الكبريت فيها في سلسلة من التفاعلات ليكوِّن قطرات من حامض الكبريتيك على ارتفاعات من السطح تقدر بسبعين كيلومترا تقريبا.
بعد كشف قناعها،
تمت رؤية الزهرة بالرادار أول مرة في صورة أمكن الحصول عليها باستخدام بيانات الساتل ماجلان أوربيتر Magellan orbiter عام 1991 (في أقصى اليمين). وحديثا استخدمت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية بيانات ماجلان لإنتاج خرائط طبوغرافية للسطح (أعلى اليمين) الذي يكون عادة محجوبا بالسحب (أعلى اليسار).
في عام 1982 (في الأعلى) تم تصوير سطح الزهرة من الهابط (الجهاز الأرضي) التابع لسفينة الفضاء السوڤييتية ڤينيرا Venera 13. لقد بقي الهابط على سطح الكوكب مدة 127 دقيقة. أضيف اللون البرتقالي الملاحظ في صورة ڤينيرا فيما بعد إلى صور الكوكب الرادارية، مثلما حدث للصورة الكبيرة الموجودة في أقصى اليسار، وللمنظر الطبيعي الموجود في اليمين.
بركان ضخم يُعرف باسم مات مونز Maat Mons صُوِّر من البيانات الرادارية التي جمعها ساتل ماجلان أوربيتر. عولجت البيانات للحصول على هذا الشكل، وهو منظر من بعد يبلغ نحو 550 كيلومترا وارتفاع قدره 1.7 كيلومتر، ويبلغ ارتفاع البركان نفسه نحو ستة كيلومترات.
على الرغم من أن الزهرة أخذت اسم إلهة الحب ڤينوس Venus، فإنها أقرب إلى أن تكون الشقيقة الدميمة للأرض. فالكوكبان تكوّنا من المنطقة نفسها من السديم الشمسي. ويشير ذلك إلى أن تركيبيهما واحد بشكل عام. وللكوكبين نفس الحجم والكتلة والكثافة تقريبا. كما أن متوسط بُعْد الزهرة عن الشمس في مدارها حولها هو 70% من متوسط بُعْد الأرض عن الشمس.
ولكن، في حين أن درجة حرارة الأرض وظروفها تسمح بالحياة، ولها بيئات متنوعة وحقل مغنطيسي قوي، فإن الزهرة جافة وحرارتها كالجحيم (فهي تشبه الفرن ذا الضغط العالي)، وحقلها المغنطيسي ضعيف لدرجة أنه لا يتمكن من منع الريح الشمسية من أن تبدد الغلاف الجوي العلوي للكوكب. ولأن سطح الزهرة يقع تحت سحابات دائمة من حمض الكبريتيك وغلاف جوي سميك من ثنائي أكسيد الكربون، فإن حرارة هذا السطح تصل إلى 450 درجة مئوية (842 درجة فرنهايتية).
وأحد الأمور الغامضة الأساسية حول الزهرة هو الندرة النسبية للفوهات عليها. وتشير هذه الندرة إلى أن عمر سطح الكوكب ربما لم يتجاوز 600 مليون سنة. ولم يتوصل علماء الكواكب بعد إلى تفسير مقنع لذلك، ولكن أغلبهم يتفقون على أن هذا التفسير لابد أن يتضمن البركنة وعمليات التشويه التكتونية
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001238.jpg
تشغل المحيطات 71% من المساحة السطحية للكوكب، ولكنها لا تزال غير مستكشفة إلى حد كبير، وخلال الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين، كوّن الباحثون من مؤسسة العلوم القومية صورًا للرفِّ القاري الأمريكي U.S.continental ****f، ومنها هذه الصورة لمنطقة خليج مونتريي Monterey Bay في شمال كاليفورنيا (في اليسار).
إن تنوع الحياة على الأرض لم يكتمل اكتشافه بعد. لقد اكتُشفَ ما يقرب من 1.75 مليون نوع وتم تسميتها، يضاف إلى ذلك قرابة 000 10 من الأنواع الجديدة تكتشف كل عام (ونصف جميع الأنواع المعروفة هي حشرات، ومن هذه 40% خنافس.) وتتراوح التقديرات للعدد الكلي لأنواع الحياة على الأرض بين سبعة ملايين وأربعة عشر مليونا؛ ويعتقد علماء الحيوان أن الأنواع التي تعيش الآن على الأرض ربما مثلت واحدا في الألف فقط من الأنواع التي وُجدت فيها على مرّ الزمن.
زار قمرَ الأرض 12 شخصا، والرجل الماثل في الصورة هو <P .E. ألدرين، جونير>، وهو الشخص الثاني الذي وضع قدميه على سطح القمر. يدور القمر حول الأرض على بعد منها متوسطه 000 380 كيلو متر (000 236 ميل)، ويبلغ قطره ربع قطر الأرض تقريبا ـ وهذا يجعله تابعا طبيعيا غير عادي في الكبر.
إن النظم البيئية الرئيسية للأرض متنوعة وتتضمن الجبال والغابات الاستوائية الماطرة والصحاري والمحيطات والمناطق الحضرية التي تضخمت بنمو عدد السكان من دون التقيد بأي نسب هي، من نواح معينة، نظم بيئية معقدة في حد ذاتها.
إن كَوْن الأرض تعجّ بالحياة يجعلها حالة شاذة ثمينة بين الكواكب ـ ولكن العلماء لا يستطيعون الجَزْم بمدى هذا الشذوذ. ومن المؤكد أن الظروف التي سمحت بالحياة قد تأثرت بدرجة حرارة سطح الكوكب، ومن ثم ببعد هذا الكوكب عن الشمس.
كانت وفرة الماء السائل عاملا أساسيا في تطور الكوكب، فقد عدّلت هذه المياه درجات الحرارة، وشكَّلت الصخور بالتآكل، وأذابت المعادن، وساعدت على حدوث التفاعلات الكيميائية المعقدة التي ولّد بعضُها حياة الخلية الواحدة قبل نحو أربعة بلايين سنة. ولم تبدأ الحيوانات الماكروسكوبية (الكبرية، العيانية) بالتكاثر إلا منذ نحو 600 مليون سنة، وهذا بعد أن أدّى البناء الضوئي إلى إغناء الغلاف الجوي بالأكسجين.
ربما تكوّن قمر الأرض الكبير من الحطام المتخلف عن اصطدام الأرض ـ في عصورها الأولى ـ بجسم آخر هائل الكتلة. وكوكبنا هو الوحيد الذي يمكن فيه مشاهدة جمال إكليل الشمس خلال خسوف كلي؛ لأن القمر والشمس يظهران من الأرض بالحجم نفسه.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N7_8_H04_001239.jpg
مناظر طبيعية للمريخ
(في اليسار) صوّرها في الشهر 7/1997 الهابط الباحث عن مسار المريخ، ويظهر بعضها في أسفل هذه الصورة الپانورامية. والنتوءان الموجودان على الأفق، اللذان يسميان القمتين التوأمين، كانا على بعد كيلومتر بين جنوب وجنوب غربي الهابط. وكان على متن الهابط مركبة طوافة صغيرة تدعى «سوجورنر» (في اليمين) قامت بتحليل التربة ومجموعة من الصخور. وفي هذه الپانوراما، يمكن رؤية سوجورنر أمام إحدى الصخور التي سميت يوجي Yogi.
نيزك من المريخ ALH84001
(في الأعلى) وُجد أنه يحتوي على أجسام مقسمة segmented تصل أطوالها إلى نحو 380 نانومترا (في اليسار). وقد ظن بعض الباحثين أن هذه الأجسام هي البقايا المتحجرة لحياة بكتيرية اتصلت بالصخرة منذ أكثر من 1.3 بليون سنة. ولكن الشك راود علماء آخرين، ودللوا على وجهة نظرهم بأن للتشكيلات أصولا غير بيولوجية، وبأن الصخرة لُوثَت كيميائيا بعد سقوطها على الأرض.
قمران مريخيان صغيران هما ديموس Deimos (الأعلى في الشكل السفلي) وفوبوس Phobos (الأدنى في الشكل السفلي)، طولاهما 15 و27 كيلومترا على الترتيب. ولما كان كلا القمرين غنيا بالكربون، فقد استنتج بعض علماء الكواكب أنهما كويكبان أسِرَا من الحزام الكويكبي القريب.
نتيجة لقرب المريخ النسبي من الأرض، وَلِمَا يرتبط به من أساطير، وحتى لونه، صار هذا الكوكب أحب الكواكب إلى الناس في الثقافة الشعبية. بحثَتْ أعداد لا تُحصى من المؤلفات العلمية وأعمال الخيال العلمي احتمال وجود حياة على المريخ. ومع ذلك، فحتى عام 1976، لم يعثر مسبارا مركبة الفضاء الأمريكية ڤايكنگ Viking على أي دليل على وجود حياة في مواضع هبوطهما.
وحديثا، عاد المريخ إلى الإثارة العامة نتيجة لحدثين. ففي عام 1996 فحص فريق علمي من مركز جونسون الفضائي التابع للوكالة ناسا وجامعة ستانفورد نيزكا أتى من المريخ، وأعلنوا أن له صفات غير عادية، وأن أفضل تفسير لهذه الصفات هو أنها تتعلق بآثار حياة بكتيرية قديمة. وفي صيف 1997، قام الهابط الباحث عن مسار المريخ Mars Pathfinder Lander ومركبته الطوافة الصغيرة للغاية سوجورنر Soiourner بتحليل وتصوير تربة المريخ وغلافه الجوي وصخوره. وقد توصل الباحثون إلى أن كثيرا من الصخور ترسَّبت بوساطة فيضان هائل منذ نحو بليوني سنة على الأقل، وإلى أن بعض هذه الصخور يشبه فصيلة من الصخور الأرضية تعرف باسم أندسيت andesites، وكان هذا أمرا غريبا.