محمد عريف
04-10-2010, 12:26 PM
أعضاء المنتدي الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد مايو - يونية 2000
مَنْحُ المناعة(*)
على الرغم من المخاوف المتصاعدة للوالدين والإشاعات بأن اللقاحات
تشكل أخطارا، فإنها آمنة أكثر من أي وقت مضى.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N5-6_H14_001190.jpg
قد تشعر بوخزة: يتزايد عدد الآباء والأمهات الذين يشاركون أبناءهم كراهيتهمللقاحات. ويعترف مسؤولو الصحة بأنهم لم يفلحوا في تهدئة المخاوف.
مع أن التقارير أثارت قليلا من الانتباه في الولايات المتحدة، فإن المسؤولين عن الصحة العامة عبر القارات يصارعون تفشي واحد من أشد الأمراض المعدية على الكرة الأرضية. ولكن يجدر بك (قبل أن تلغي خطط سفرك إلى أدغال إفريقيا أو أمريكا الجنوبية) أن تعرف أن هذه المنطقة الساخنة hot zone هي في الواقع هولندا، وأن المرض هو الحصبة. ففي السنوات المنصرمة، سجل الأطباء الهولنديون على الأقل 2300 حالة من الحصبة. ووفقا لآخر الأرقام، فقد أمات المرض ثلاثة أطفال، وأدخل المستشفيات 53 مريضا أصيبوا بمضاعفات كذات الرئة والتهاب الدماغ. وحدث معظم الحالات لدى أطفال تراوحت أعمارهم بين 6 و 10 سنوات، غالبيتهم لم تأخذ اللقاح المضاد للحصبة والمتاح للجميع.
وتتصاعد المشاعر المضادة للقاحات في كل مكان. وتؤدي أحيانا المعتقدات الدينية دورا ما في هذا المضمار، كما هي الحال في وفيات الحصبة في هولندا. والآن فإن ما يحول، على نحو متزايد، دون تلقي الأطفال للقاحات ليست المعتقدات الدينية، وإنما خوف الوالدين من أن تتسبب الجرعة في إصابة أطفالهم بالمرض المقصود منعه، أو أنها قد تسهم في إحداث اعتلالات أخرى تتفاوت بين السرطان والتصلب المتعدد. وهنالك لفيف من جماعات الرأي(1) advocacy groups، لأسمائها نفوذ واسع التأثير (كالمركز الوطني لمعلومات اللقاحات في ڤيرجينيا)، تشجع الوالِدين على إعادة النظر في إعطاء أطفالهم اللقاحات. وكرد فعل على ذلك، فإن مسؤولي المنظمات الصحية الأمريكية (كمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC) اندفعوا لإعادة طمأنة الوالِدين بأن اللقاحات ليست آمنة فحسب، بل إنها حاسمة في الحفاظ على صحة أبنائهم وعلى سلامة المجتمع.
في العام الأول من عمره، يتعرض الطفل مبكرا لجرعات عديدة. واليوم يشمل برنامج اللقاحات والمفرزات boosters القياسي سلسلة من عشر حقن تُعطى ضد الخُناق (الدفتريا) والكزاز (التيتانوس) والشاهوق (السعال الديكي)، ويطلق عليها اسم الثلاثي DTaP، والمستدمية النزلية البائية Hemophilus influenzae type b Hib ، والحصبة والنُّكاف والحصبة الألمانية (MMR)، والتهاب سنجابية النخاع(2) (IPV)؛ تُعطى كلها قبل عيد الميلاد الأول للطفل. ويوصي الأطباء بإعطاء ست جرع معززة أخرى على الأقل في أثناء مرحلتي الطفولة واليفع. وإضافة إلى ذلك، فإن بوسع الأطباء والوالِدين الآن أن يختاروا أحد لقاحين جديدين أو كليهما معا، ضد الحُماق (الجديري) ويعرف بلقاح الڤاريسيلا، وضد التهاب الكبد البائي (Hep B).
وتشير نتائج سنوات عديدة من البحث الطبي والرصد المستمر للقاحات (قامت بها منظمات مثل المراكز CDC وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية FADوالمعاهد القومية للصحة) إلى أن المخاطر الإجمالية الناجمة عن التمنيع أقل بكثير من تلك التي تحدث فيها الإصابة بأحد الأمراض التي يمكن أن يقي اللقاح منها، كالحصبة والتهاب سنجابية النخاع. ومع هذا، وكأي إجراء طبي آخر، فقد يكون للّقاحات تأثيرات جانبية، معظمها في حدوده الدنيا، كقرحة في الذراع وربما حُمى طفيفة. ونسبة ضئيلة من الأطفال تعاني تفاعلات أرجية يستثيرها اللقاح. ولكن في مناسبات بالغة الندرة تحدث تأثيرات جانبية وخيمة، منها مثلا الإصابة بالتهاب سنجابية النخاع نتيجة تناول لقاح هذا المرض عن طريق الفم، وهو لقاح يضم ڤيروسا موهنا ولكنه حي.
ومع أنها أحداث غير شائعة، فإن الإصابة بالمرض نتيجة أخذ اللقاح قد تكون لها تأثيرات عميقة في الوالِديْن، فتثير المخاوف الكامنة. وهنالك كثرة من الروايات، تظهر بخاصة على شبكة الإنترنت، عن أطفال أصيبوا على نحو غامض، بعيد التلقيح، بالذاتوية (التوحد) أو بالداء السكري أو بالتهاب المفاصل الشبابي. وبكبسات قليلة على فأرة الحاسوب، يجد الآباء والأمهات أنفسهم أمام مواقع على الشبكة تصف ليس فقط مدى خطورة اللقاحات، بل أيضا كيف تستعمل الحكومة الفدرالية ما يفترض أنه سجلات التمنيع immunization لرصد النشاط المدني للأفراد. ومع ذلك، أخفقت الدراسات مرارا في أن تجد أي صلة بين إعطاء اللقاحات والإصابة بتوعكات جدية، كالذاتوية (الانطواء على الذات) أو الداء السكري.
ويرى <A .N. هالسي> [مدير معهد سلامة اللقاحات في كلية الصحة العامة بجامعة جونز هوپكنز] أنه بوجود هذا العدد الكبير من الأطفال الذين يُجرى تلقيحهم بمثل هذا التواتر المرتفع، فإنه لا بد من ظهور حالة مثل التهاب المفاصل خلال أسبوع أو شهر من تلقي اللقاح. ويضيف هالسي: «إنه عندما يصاب فرد ما بمرض معين لا يدري أحد من أين جاء، كالداء السكري أو الربو، فمن طبيعة الإنسان أن يتساءل: «ماذا حدث؟ ما الذي فعلوه بي؟» ويقول هالسي إن المعضلة تنشأ عندما يفترض الناس أن اللقاح بالذات هو المتهم.
واللقاحات أشياء مألوفة في البلدان المتقدمة، وغالبا ما يرجع الفضل في ذلك إلى القوانين الحكومية. ففي الولايات المتحدة يصل معدل التلقيح بمعظم اللقاحات إلى 90 في المئة. ويرجع ارتفاع هذه النسبة، كما يوضح <A .M. گربر> [من المعهد الوطني للأرجية والأمراض المعدية (الخمجية) التابع للمعاهد القومية للصحة] إلى أن الولايات تشترط تلقي الأطفال الجرع المعيارية من اللقاحات قبل التحاقهم بدور الحضانة أو بالمدارس العامة. ولكن في حالة التلقيح ضد الحُمَاق، فإن مستوى الحماية يكون أقل بكثير. وكما يقول گربر، فإن أكثر بقليل من 40 في المئة من الأطفال يتلقون لقاح الحُمَاق (الڤاريسيلا)، و«18 ولاية فقط تشترط أخذ اللقاح، بيد أن هذا الرقم يتزايد باستمرار.» وللأسباب نفسها تقريبا، فإن معدل التلقيح ضد التهاب الكبد البائي منخفض أيضا، إذ يبلغ 87 في المئة فقط.
ومع أن باحثين آخرين من أقران گربر يشجعون الآباء والأمهات على تلقيح أطفالهم ضد الحماق والتهاب الكبد البائي، فإن كثرة من الآباء والأمهات يرفضون ذلك. وفي ما يخص هذين المرضين، فإن المشكلة لا تتعلق بالسلامة بقدر ما تتعلق بالضرورة. فمثلا، يروي الآباء والأمهات في مجموعات النقاش على الإنترنت، أنهم يقيمون «حفلات الحماق» بهدف تعريض أطفالهم للمرض حتى يكتسبوا المناعة ضده بالطريقة التقليدية.
بيد أن گربر يؤكد أهمية اللقاحين الآنفي الذكر: فقبل استعمال لقاح الحُماق (الڤاريسيلا) فإن هذا المرض، كما يقول گربر: «كان السبب الأكثر شيوعا في إحداث الوفاة من بين الأمراض التي يمكن الوقاية منها بالتلقيح». فالحُمَاق في صورته النموذجية مرض غير حاد لدى معظم الأطفال، غير أنه أدّى إلى نحو مئة حالة وفاة في السنة، وأحد عشر ألف حالة استشفاء وذلك قبل استعمال اللقاح. ولا نعلم بدقة وعلى وجه التأكيد كيف يصاب بعض الرضع بالتهاب الكبد البائي، الذي غالبا ما ينتقل من خلال فاعليات لا يمارسها إلا البالغون، كالاتصال الجنسي أو تَشارُك الإبر الملوثة. ولكن، بالنظر إلى أن نصف سكان العالم يواجه احتمال الإصابة بهذا المرض بنسبة 60 في المئة في مرحلة من المراحل، ولأنه لا تتوافر معالجة تقضي على الڤيروس بعد إحداثه العدوى، فإن تلقيح الأطفال ضد التهاب الكبد البائي يبدو أمرا منطقيا.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N5-6_H14_001191.jpg
يشتمل برنامج الجرعات الموصى بها على سلسلة من الحقنات تُعطى في أعمار محددة. فمثلا، يجب أن تُعطى الجرعة الأولى من اللقاح المضاد لالتهاب الكبد البائي (من النمط B) بين الولادة والشهر الثاني، والجرعة الثانية بين الشهرين الأول والرابع، والثالثة بين الشهرين السادس والثامن عشر من الولادة.
ولمقاومة المشاعر ضد اللقاحات، كما يقول هالسي، فإن على الأطباء أن يبذلوا المزيد من الجهد لإعادة الطمأنة إلى نفوس الآباء والأمهات. «إنه لمن المهم أن نخبر الوالِديْن بأنه قد تحدث مضاعفات خطيرة، ولكنها أمر نادر، وأن لدينا نظاما دقيقا لمراقبة اللقاحات. وكمثال على ذلك، يلفت هالسي النظر إلى استرداد جرى مؤخرا للقاح المضاد للڤيروس المدور (روتا) rotavirus، لأسباب تتعلق بسلامة اللقاح. وتسبب العدوى بهذا الڤيروس الإسهال والحُمى والقُياء. وفي منتصف الشهر5/1999، وبعد أن مضى على تسويق اللقاح تسعة أشهر فقط، أشار مسؤولو المراكز CDC إلى أن جهاز الإبلاغ عن التأثيرات غير الملائمة للقاحات (وهو برنامج مشترك بين المراكز CDC والإدارة FAD) تلقّى تسعة تقارير عن أطفال أصيبوا بانسداد خطر في أمعائهم إثر إعطائهم اللقاح المضاد للڤيروسات المدوّرة (وقد شفوا جميعا)، وقد طلب الباحثون فورًا تحري الأمر. وفي أواسط الشهر السابع، أوصت المراكز CDC بأن يتوقف الأطباء عن إعطاء اللقاح. وفي الشهر العاشر، قامت الشركة المنتجة باسترجاع اللقاح من السوق. وكما يقول هالسي فإن «اتخاذ القرار جرى بسرعة كبيرة، واستند إلى بيانات موثوقة.»
إن مثل هذه الإجراءات جعلت الأطباء أكثر ثقة باللقاحات المتاحة، كما أن الباحثين يعيدون باستمرار تقييم هذه الأدوية، وتطوير أشكال أكثر أمانا. فمثلا، أشارت دراسة حديثة أجراها <W .D. شايفل> [من مركز تقييم اللقاحات في مستشفى أطفال كولومبيا البريطانية في ڤانكوڤر] إلى أن لقاحا جديدا للشاهوق (السعال الديكي) يستعمل الآن في كندا قد أدى إلى التخلص من معظم الحُمى والهيوجية irritability اللتين تترافقان عادة مع اللقاح الأصلي. واعتبارا من العام 2000 سوف يتحول الأطباء في الولايات المتحدة عن لقاح الپوليو الذي يعطى بالفم إلى لقاح يعطى بالحقن، يحوي ڤيروسات معطلة inactivated لا يمكن أن تسبب المرض(3). ولكن مع وجود جيل جديد من الآباء والأمهات جرت برمجته على القلق، فإن معضلة سلامة اللقاح لن تنتهي سريعا. أما في ما يتعلق بأطباء الأطفال، فإن عليهم تعزيز ثقة الوالدين باللقاحات بنفس القوة التي يعملون بها على تعزيز مناعة أطفالهم.
<S. نيميسك>
(*) Granting Immunity
(1) جماعات تدعو إلى قضية ما أو تعبر عن وجهة نظر معينة.
(2) أو الپوليو polio اختصارًا لكلمة poliomyelitis، ويسمى شلل الأطفال إذا أصاب الجهاز العصبي. وله لقاحان أحدهما مكون من ڤيروسات حية موهنة (مضعفة) ويعطى بالفم OPV، وهو الشائع في معظم دول العالم، والآخر مكون من ڤيروسات معطلة (غير حية) inactivated ويعطى بالحقن IPV. (التحرير)
(3) [انظر: «متلازمة ما بعد الپوليو»، مجلة العلوم ، العددان8/9 (1998)، ص 68]. (التحرير)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا المقال منشور بمجلة العلوم عدد مايو - يونية 2000
مَنْحُ المناعة(*)
على الرغم من المخاوف المتصاعدة للوالدين والإشاعات بأن اللقاحات
تشكل أخطارا، فإنها آمنة أكثر من أي وقت مضى.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N5-6_H14_001190.jpg
قد تشعر بوخزة: يتزايد عدد الآباء والأمهات الذين يشاركون أبناءهم كراهيتهمللقاحات. ويعترف مسؤولو الصحة بأنهم لم يفلحوا في تهدئة المخاوف.
مع أن التقارير أثارت قليلا من الانتباه في الولايات المتحدة، فإن المسؤولين عن الصحة العامة عبر القارات يصارعون تفشي واحد من أشد الأمراض المعدية على الكرة الأرضية. ولكن يجدر بك (قبل أن تلغي خطط سفرك إلى أدغال إفريقيا أو أمريكا الجنوبية) أن تعرف أن هذه المنطقة الساخنة hot zone هي في الواقع هولندا، وأن المرض هو الحصبة. ففي السنوات المنصرمة، سجل الأطباء الهولنديون على الأقل 2300 حالة من الحصبة. ووفقا لآخر الأرقام، فقد أمات المرض ثلاثة أطفال، وأدخل المستشفيات 53 مريضا أصيبوا بمضاعفات كذات الرئة والتهاب الدماغ. وحدث معظم الحالات لدى أطفال تراوحت أعمارهم بين 6 و 10 سنوات، غالبيتهم لم تأخذ اللقاح المضاد للحصبة والمتاح للجميع.
وتتصاعد المشاعر المضادة للقاحات في كل مكان. وتؤدي أحيانا المعتقدات الدينية دورا ما في هذا المضمار، كما هي الحال في وفيات الحصبة في هولندا. والآن فإن ما يحول، على نحو متزايد، دون تلقي الأطفال للقاحات ليست المعتقدات الدينية، وإنما خوف الوالدين من أن تتسبب الجرعة في إصابة أطفالهم بالمرض المقصود منعه، أو أنها قد تسهم في إحداث اعتلالات أخرى تتفاوت بين السرطان والتصلب المتعدد. وهنالك لفيف من جماعات الرأي(1) advocacy groups، لأسمائها نفوذ واسع التأثير (كالمركز الوطني لمعلومات اللقاحات في ڤيرجينيا)، تشجع الوالِدين على إعادة النظر في إعطاء أطفالهم اللقاحات. وكرد فعل على ذلك، فإن مسؤولي المنظمات الصحية الأمريكية (كمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC) اندفعوا لإعادة طمأنة الوالِدين بأن اللقاحات ليست آمنة فحسب، بل إنها حاسمة في الحفاظ على صحة أبنائهم وعلى سلامة المجتمع.
في العام الأول من عمره، يتعرض الطفل مبكرا لجرعات عديدة. واليوم يشمل برنامج اللقاحات والمفرزات boosters القياسي سلسلة من عشر حقن تُعطى ضد الخُناق (الدفتريا) والكزاز (التيتانوس) والشاهوق (السعال الديكي)، ويطلق عليها اسم الثلاثي DTaP، والمستدمية النزلية البائية Hemophilus influenzae type b Hib ، والحصبة والنُّكاف والحصبة الألمانية (MMR)، والتهاب سنجابية النخاع(2) (IPV)؛ تُعطى كلها قبل عيد الميلاد الأول للطفل. ويوصي الأطباء بإعطاء ست جرع معززة أخرى على الأقل في أثناء مرحلتي الطفولة واليفع. وإضافة إلى ذلك، فإن بوسع الأطباء والوالِدين الآن أن يختاروا أحد لقاحين جديدين أو كليهما معا، ضد الحُماق (الجديري) ويعرف بلقاح الڤاريسيلا، وضد التهاب الكبد البائي (Hep B).
وتشير نتائج سنوات عديدة من البحث الطبي والرصد المستمر للقاحات (قامت بها منظمات مثل المراكز CDC وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية FADوالمعاهد القومية للصحة) إلى أن المخاطر الإجمالية الناجمة عن التمنيع أقل بكثير من تلك التي تحدث فيها الإصابة بأحد الأمراض التي يمكن أن يقي اللقاح منها، كالحصبة والتهاب سنجابية النخاع. ومع هذا، وكأي إجراء طبي آخر، فقد يكون للّقاحات تأثيرات جانبية، معظمها في حدوده الدنيا، كقرحة في الذراع وربما حُمى طفيفة. ونسبة ضئيلة من الأطفال تعاني تفاعلات أرجية يستثيرها اللقاح. ولكن في مناسبات بالغة الندرة تحدث تأثيرات جانبية وخيمة، منها مثلا الإصابة بالتهاب سنجابية النخاع نتيجة تناول لقاح هذا المرض عن طريق الفم، وهو لقاح يضم ڤيروسا موهنا ولكنه حي.
ومع أنها أحداث غير شائعة، فإن الإصابة بالمرض نتيجة أخذ اللقاح قد تكون لها تأثيرات عميقة في الوالِديْن، فتثير المخاوف الكامنة. وهنالك كثرة من الروايات، تظهر بخاصة على شبكة الإنترنت، عن أطفال أصيبوا على نحو غامض، بعيد التلقيح، بالذاتوية (التوحد) أو بالداء السكري أو بالتهاب المفاصل الشبابي. وبكبسات قليلة على فأرة الحاسوب، يجد الآباء والأمهات أنفسهم أمام مواقع على الشبكة تصف ليس فقط مدى خطورة اللقاحات، بل أيضا كيف تستعمل الحكومة الفدرالية ما يفترض أنه سجلات التمنيع immunization لرصد النشاط المدني للأفراد. ومع ذلك، أخفقت الدراسات مرارا في أن تجد أي صلة بين إعطاء اللقاحات والإصابة بتوعكات جدية، كالذاتوية (الانطواء على الذات) أو الداء السكري.
ويرى <A .N. هالسي> [مدير معهد سلامة اللقاحات في كلية الصحة العامة بجامعة جونز هوپكنز] أنه بوجود هذا العدد الكبير من الأطفال الذين يُجرى تلقيحهم بمثل هذا التواتر المرتفع، فإنه لا بد من ظهور حالة مثل التهاب المفاصل خلال أسبوع أو شهر من تلقي اللقاح. ويضيف هالسي: «إنه عندما يصاب فرد ما بمرض معين لا يدري أحد من أين جاء، كالداء السكري أو الربو، فمن طبيعة الإنسان أن يتساءل: «ماذا حدث؟ ما الذي فعلوه بي؟» ويقول هالسي إن المعضلة تنشأ عندما يفترض الناس أن اللقاح بالذات هو المتهم.
واللقاحات أشياء مألوفة في البلدان المتقدمة، وغالبا ما يرجع الفضل في ذلك إلى القوانين الحكومية. ففي الولايات المتحدة يصل معدل التلقيح بمعظم اللقاحات إلى 90 في المئة. ويرجع ارتفاع هذه النسبة، كما يوضح <A .M. گربر> [من المعهد الوطني للأرجية والأمراض المعدية (الخمجية) التابع للمعاهد القومية للصحة] إلى أن الولايات تشترط تلقي الأطفال الجرع المعيارية من اللقاحات قبل التحاقهم بدور الحضانة أو بالمدارس العامة. ولكن في حالة التلقيح ضد الحُمَاق، فإن مستوى الحماية يكون أقل بكثير. وكما يقول گربر، فإن أكثر بقليل من 40 في المئة من الأطفال يتلقون لقاح الحُمَاق (الڤاريسيلا)، و«18 ولاية فقط تشترط أخذ اللقاح، بيد أن هذا الرقم يتزايد باستمرار.» وللأسباب نفسها تقريبا، فإن معدل التلقيح ضد التهاب الكبد البائي منخفض أيضا، إذ يبلغ 87 في المئة فقط.
ومع أن باحثين آخرين من أقران گربر يشجعون الآباء والأمهات على تلقيح أطفالهم ضد الحماق والتهاب الكبد البائي، فإن كثرة من الآباء والأمهات يرفضون ذلك. وفي ما يخص هذين المرضين، فإن المشكلة لا تتعلق بالسلامة بقدر ما تتعلق بالضرورة. فمثلا، يروي الآباء والأمهات في مجموعات النقاش على الإنترنت، أنهم يقيمون «حفلات الحماق» بهدف تعريض أطفالهم للمرض حتى يكتسبوا المناعة ضده بالطريقة التقليدية.
بيد أن گربر يؤكد أهمية اللقاحين الآنفي الذكر: فقبل استعمال لقاح الحُماق (الڤاريسيلا) فإن هذا المرض، كما يقول گربر: «كان السبب الأكثر شيوعا في إحداث الوفاة من بين الأمراض التي يمكن الوقاية منها بالتلقيح». فالحُمَاق في صورته النموذجية مرض غير حاد لدى معظم الأطفال، غير أنه أدّى إلى نحو مئة حالة وفاة في السنة، وأحد عشر ألف حالة استشفاء وذلك قبل استعمال اللقاح. ولا نعلم بدقة وعلى وجه التأكيد كيف يصاب بعض الرضع بالتهاب الكبد البائي، الذي غالبا ما ينتقل من خلال فاعليات لا يمارسها إلا البالغون، كالاتصال الجنسي أو تَشارُك الإبر الملوثة. ولكن، بالنظر إلى أن نصف سكان العالم يواجه احتمال الإصابة بهذا المرض بنسبة 60 في المئة في مرحلة من المراحل، ولأنه لا تتوافر معالجة تقضي على الڤيروس بعد إحداثه العدوى، فإن تلقيح الأطفال ضد التهاب الكبد البائي يبدو أمرا منطقيا.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N5-6_H14_001191.jpg
يشتمل برنامج الجرعات الموصى بها على سلسلة من الحقنات تُعطى في أعمار محددة. فمثلا، يجب أن تُعطى الجرعة الأولى من اللقاح المضاد لالتهاب الكبد البائي (من النمط B) بين الولادة والشهر الثاني، والجرعة الثانية بين الشهرين الأول والرابع، والثالثة بين الشهرين السادس والثامن عشر من الولادة.
ولمقاومة المشاعر ضد اللقاحات، كما يقول هالسي، فإن على الأطباء أن يبذلوا المزيد من الجهد لإعادة الطمأنة إلى نفوس الآباء والأمهات. «إنه لمن المهم أن نخبر الوالِديْن بأنه قد تحدث مضاعفات خطيرة، ولكنها أمر نادر، وأن لدينا نظاما دقيقا لمراقبة اللقاحات. وكمثال على ذلك، يلفت هالسي النظر إلى استرداد جرى مؤخرا للقاح المضاد للڤيروس المدور (روتا) rotavirus، لأسباب تتعلق بسلامة اللقاح. وتسبب العدوى بهذا الڤيروس الإسهال والحُمى والقُياء. وفي منتصف الشهر5/1999، وبعد أن مضى على تسويق اللقاح تسعة أشهر فقط، أشار مسؤولو المراكز CDC إلى أن جهاز الإبلاغ عن التأثيرات غير الملائمة للقاحات (وهو برنامج مشترك بين المراكز CDC والإدارة FAD) تلقّى تسعة تقارير عن أطفال أصيبوا بانسداد خطر في أمعائهم إثر إعطائهم اللقاح المضاد للڤيروسات المدوّرة (وقد شفوا جميعا)، وقد طلب الباحثون فورًا تحري الأمر. وفي أواسط الشهر السابع، أوصت المراكز CDC بأن يتوقف الأطباء عن إعطاء اللقاح. وفي الشهر العاشر، قامت الشركة المنتجة باسترجاع اللقاح من السوق. وكما يقول هالسي فإن «اتخاذ القرار جرى بسرعة كبيرة، واستند إلى بيانات موثوقة.»
إن مثل هذه الإجراءات جعلت الأطباء أكثر ثقة باللقاحات المتاحة، كما أن الباحثين يعيدون باستمرار تقييم هذه الأدوية، وتطوير أشكال أكثر أمانا. فمثلا، أشارت دراسة حديثة أجراها <W .D. شايفل> [من مركز تقييم اللقاحات في مستشفى أطفال كولومبيا البريطانية في ڤانكوڤر] إلى أن لقاحا جديدا للشاهوق (السعال الديكي) يستعمل الآن في كندا قد أدى إلى التخلص من معظم الحُمى والهيوجية irritability اللتين تترافقان عادة مع اللقاح الأصلي. واعتبارا من العام 2000 سوف يتحول الأطباء في الولايات المتحدة عن لقاح الپوليو الذي يعطى بالفم إلى لقاح يعطى بالحقن، يحوي ڤيروسات معطلة inactivated لا يمكن أن تسبب المرض(3). ولكن مع وجود جيل جديد من الآباء والأمهات جرت برمجته على القلق، فإن معضلة سلامة اللقاح لن تنتهي سريعا. أما في ما يتعلق بأطباء الأطفال، فإن عليهم تعزيز ثقة الوالدين باللقاحات بنفس القوة التي يعملون بها على تعزيز مناعة أطفالهم.
<S. نيميسك>
(*) Granting Immunity
(1) جماعات تدعو إلى قضية ما أو تعبر عن وجهة نظر معينة.
(2) أو الپوليو polio اختصارًا لكلمة poliomyelitis، ويسمى شلل الأطفال إذا أصاب الجهاز العصبي. وله لقاحان أحدهما مكون من ڤيروسات حية موهنة (مضعفة) ويعطى بالفم OPV، وهو الشائع في معظم دول العالم، والآخر مكون من ڤيروسات معطلة (غير حية) inactivated ويعطى بالحقن IPV. (التحرير)
(3) [انظر: «متلازمة ما بعد الپوليو»، مجلة العلوم ، العددان8/9 (1998)، ص 68]. (التحرير)