المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طحالب تنتج النفط



ابو عزام
03-20-2010, 06:26 PM
يعتبر الميكروب الذي طوره الدكتور فينتر، والعوامل الوراثية الاصطناعية التي طورها الدكتور بينر، مشاريع لافتة للنظر تحديداً في المؤسسة العلمية سريعة النمو وواسعة النطاق التي تمضي تحت اسم البيولوجيا الاصطناعية. وكان علماء الأحياء الجزيئية ينقلون الجينات الوراثية بين الأنواع، واحداً في كل مرة، وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي، وقدم لنا عملهم محاصيل معدلة وراثياً، وعقاقير التقنية الحيوية. وتقدم البيولوجيا الاصطناعية هندسة وراثية بسيطة لأمر ما أكثر طموحاً بكثير، بالسيطرة على أنظمة حية بالكامل لتغيير الكائنات الحية الموجودة، أو ابتكار كائنات حية جديدة.
في الوقت الذي يقدم فيه هذا المجال رؤى أساسية بشأن طبيعة الحياة، على سبيل المثال بالنسبة «لعلماء بيولوجيا الحياة الخارجية» الذين يبحثون عن كائنات حية على كواكب أخرى، وتحديداً من أجل الرعاية الصحية، والطاقة، والبيئة. وإلى جانب مجموعة من التطبيقات الطبية، فإن ثمة كثير من الإثارة بشأن الآفاق لإنتاج وقود حيوي جديد باستخدام البيولوجيا الاصطناعية.
جاء الدعم المدوي للفرصة التجارية للتكنولوجيا في الشهر الماضي، مع الإعلان أن شركة إكسون Exxon، عملاقة النفط الأمريكية، و«سينثتيك جينوميكس» Synthetic Genomics، شركة الدكتور كريغ فينتر، كانتا تؤسسان شراكة قيمتها 600 مليون دولار (423 مليون يورو، 361 مليون جنيه استرليني) لصنع الوقود الحيوي من الطحالب المهندسة وراثياً. وسوف تكون البيولوجيا الاصطناعية أساسية للنجاح طويل الأجل للمشروع، حسبما يقول الدكتور فينتر، ويضيف: «إنها الوسيلة الوحيدة التي يمكننا بواسطتها تغيير النتائج بما يفوق الطبيعة بكثير، وجعل الطحالب مقاومة لهجمات الفيروسات، وما إلى ذلك».
إن مجموعة العوامل الوراثية (مشروع منفصل عن معهد فينتر الأكاديمي على نحو أكثر، حيث يجري بناء الميكروب الاصطناعي) عملت فعلياً على هندسة أنواع من الطحالب التي تفرز النفط من خلاياها. ومن شأن ذلك أن يسمح بالإنتاج المستمر للوقود في مفاعل حيوي – أكثر كفاءة من العملية التقليدية المتمثلة في جمع الطحالب من بركة ما، ومن ثم استخراج النفط منها.
سوف تنطوي الخطوات التالية على مزيد من الكشف عن الطحالب الطبيعية لاكتشاف أنواع فاعلة تحديداً في استخدام الطاقة من ضوء الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى نفط. وبعدئذ سوف يغير الباحثون بشكل مكثف عواملها الوراثية لتحسين الناتج، وتغيير تركيبة النفط لجعله مشابهاً قدر الإمكان للوقود المكرر. غير أن الدكتور فينتر يحذر من أنه سوف تمضي عشر سنوات قبل أن يصل الإنتاج من المشروع إلى السوق.
على الأرجح أن يكون الوقود الحيوي المعلومة الأكثر وضوحاً في مجال البيولوجيا الاصطناعية التجارية، غير أن عدداً ضخماً من التطبيقات الأخرى يحضر إلى الذهن. وأحد أكثر تلك التطبيقات أهمية سوف يكون صنع العقاقير التي لا يمكن الوصول إليها بواسطة الكيمياء والبيولوجيا التقليدية.
كان الإثبات البارز للبيولوجيا الاصطناعية في مجال الطب يجري منذ خمس سنوات في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، تحت رعاية «ون وورد هيلث» OneWorld Health، وهي شركة غير ربحية للمنتجات الدوائية تعمل على تطوير العقاقير للأمراض المعدية المهملة. وعمل جاي كسيلينغ، قائد البحث، بشكل مكثف على إعادة هندسة الخميرة – بتغيير عدة جينات وراثية وطرق بيولوجية – من أجل إنتاج عقار أرتيمسينين artemisinin، العلاج الأكثر فاعلية لمرض الملاريا، في مخمر ميكروبي. ويمكن أن يبدأ الإنتاج الشامل لعلاج أرتيمسينين الرائع في العام المقبل بالتعاون مع «سانوفي – أفنتس» Sanofi-Aventis، شركة الأدوية الفرنسية. وفي الوقت الحالي فإن علاج أرتيمسينين باهظ الثمن، ولا يتوافر كثير منه لأن مصدره الوحيد هو نبتة دودة الخشب الحلو، وهي نبتة طبية صينية. ويتمثل شعار الأستاذ كسيلينغ في العبارة التالية: «بوجود أدوات البيولوجيا الاصطناعية، فليس علينا أن نقبل فقط ما تعطينا الطبيعة إياه».
يقول درو أندي، وهو مهندس بيولوجي في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا: «بالكاد قمنا فعليا بلمس السطح لما تستطيع التقنية الحيوية أن تفعله. وإن السؤال بشأن تطبيقات البيولوجيا الاصطناعية في يومنا هذا أشبه بسؤال فون نيومان (رائد الحوسبة) في عام 1952 عما ستكون عليه تطبيقات الكمبيوتر».
إن الميزة البارزة للبيولوجيا الاصطناعية هي الدور الرئيس الذي يلعبه المهندسون، مثل الأستاذ أندي. فهم يقدمون نظاماً وصلابة لا تتوافر في معظم العلوم الحيوية. ويقول بول فريمونت، المدير المشارك لمركز البيولوجيا الاصطناعية والابتكار في كلية إمبيريال بلندن، إن الهدف سوف يكون خلال الأعوام العشرين المقبلة هو منح البيولوجيا الاصطناعية دقة الإلكترونيات. ويقول: «إن فهمنا للكيفية التي تعمل بها الخلايا الحية ليس بجودة فهمنا للأجهزة الإلكترونية. ونريد أن نصل إلى المرحلة التي تكون لدينا فيها جميع الأجزاء التي نحتاج إليها لبناء أية آلة بيولوجية نريدها».
هناك المئات من القطع البيولوجية المعيارية متوافرة فعلياً من خلال المؤسسة غير الربحية، «بيو بريكس» BioBricks Foundation، التي أسسها الأستاذ أندي، وعلماء بيولوجيا اصطناعية آخرون. و«بيوبريكس» عبارة عن سلسلة عوامل وراثية تبرمج الوظائف الأساسية البيولوجية. والفكرة هي أن وظيفة كل جزء في نهاية المطاف يجب أن توثق, إضافة إلى عنصر كمبيوتري بورقة مواصفات. وبإمكان المستخدمين بعدئذ تجميع «بيوبريكس» بشكل متناسب معاً، وتقوم الوحدات الوراثية المعيارية الأخرى بأي عمل يرغبون فيه.
ما زلنا بعيدين للغاية عن أي دقة في يومنا هذا. غير أن طلبة الجامعات يستخدمون فعلياً بشكل مكثف الأجزاء البيولوجية المعيارية، من خلال منافسة الآلة المهندسة وراثياً الدولية International Genetically Engineered Machine السنوية التي تم إطلاقها في عام 2005. وتتضمن إنجازاتهم الطب الاصطناعي، ومجسات بيولوجية لاكتشاف الزرنيخ والبكتيريا اللذين يمكن أن يعملا «ككمبيوترات حية» لحل المشكلات الحسابية في أطباق المختبر. وفي هذا العام، يشارك نحو 120 فريقاً من الطلبة من كافة أرجاء العالم.
من المؤكد أن تعمل أية تكنولوجيا تملك قوة البيولوجيا الاصطناعية على إثارة المخاوف بشأن ما سوف يحدث إذا حصل خطأ ما – عن طريق المصادفة، أو من خلال إساءة الاستخدام. وترديداً للمخاوف التي علا صوتها في أواسط سبعينيات القرن الماضي، حين اكتشف علماء البيولوجيا لأول مرة كيفية نقل العامل الوراثي بين الكائنات الحية، فإن الناشطين يقولون إن من شأن البيولوجيا الاصطناعية أن تطلق العنان للحشرات فائقة الحجم مع عواقب بيئية مدمرة. وعبروا أيضاً عن المخاوف بشأن الاستخدام المحتمل للتكنولوجيا من قبل الإرهابيين المتخصصين في البيولوجيا، وابتكار احتكارات غير عادلة من خلال حماية الكائنات الحية الاصطناعية بموجب براءات الاختراع، والتأثير في التجارة والعدالة الاجتماعية.
على سبيل المثال، فإن مجموعة الضغط «إي تي سي جروب» ETCGroup ومقرها في تورنتو بكندا، قلقة تحديداً بشأن استغلال الشركات لما يطلق عليه «الهندسة الوراثية المتطرفة». وتقول بات موني من مجموعة إي تي سي: «على الرغم من أن معظم الناس لم يسمعوا على الإطلاق بالبيولوجيا الاصطناعية، إلا أنها تمضي بكامل سرعتها إلى الأمام، وتشعلها أعمال الزراعة العملاقة، والطاقة والمؤسسات الكيماوية، بوجود القليل من الجدل بشأن من سوف يسيطر على التكنولوجيا، وكيف سوف يتم تنظيمها (أو لن يتم تنظيمها)، وعلى الرغم من المخاوف الجدية المحيطة بسلامة وأمن مخاطر الكائنات الحية للمصمم».
إن البيولوجيا الاصطناعية تكنولوجيا «مزدوجة الاستخدام» بشكل نموذجي – بتطبيقات واسعة النطاق ومتنوعة مفيدة، ولكنها قادرة كذلك على التحول إلى استخدام شرير ومدمر. وإن فكرة الإرهابيين وهم يقومون بتجميع حشرة فائقة الحجم من البيوبريكس فكرة مزعجة، رغم أن هناك تقريراً صدر الشهر الماضي عن المكتب البرلماني للعلوم والتكنولوجيا في بريطانيا استنتج التالي: «إن عديدا من علماء المملكة المتحدة، وخبراء عدم الانتشار، يعتقدون أن المخاطر الإرهابية من الميزة الاصطناعية للعوامل الوراثية مبالغ فيها للغاية في الولايات المتحدة».
في وجه مثل تلك المخاوف – والقضايا الدينية والأخلاقية إلى حد ما بشأن ابتكار حياة اصطناعية – فإن عديدا من علماء البيولوجيا الاصطناعية يبذلون جهوداً كبيرة لتفسير أبحاثهم إلى الجمهور، والمشاركة مع النقاد.
على سبيل المثال، عقد الأستاذ أندي مناظرة مفتوحة مع مجموعة إي تي سي. وجعلت جامعة كاليفورنيا، بيركلي، المشاركة الجماهيرية جزءاً رسمياً من مركزها للبيولوجيا الاصطناعية. وأشرك الدكتور فنتور علماء البيولوجيا في عمله منذ البداية. وفي المملكة المتحدة، فإن الجمعية الملكية، والأكاديمية الملكية للهندسة، ومجالس الأبحاث في البلاد (التي توجه الأموال العامة نحو العلوم) تعمل جميعها جاهدة للفت انتباه الجمهور إلى القضايا.
في غضون ذلك، فإن وتيرة الأبحاث تتسارع. وفي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، نشر علماء البيولوجيا في جامعة هارفارد في مجلة الطبيعة طريقة جديدة فائقة السرعة لتغيير مجموعة العوامل الوراثية البكتيرية. وإذا سار كل شيء على ما يرام، فلن يكون فرانكشتاين أفضل تعبير مجازي لعلماء البيولوجيا الاصطناعية، وربما يكونون على الأرجح أشبه بشخصية بانادورا (من الأساطير الإغريقية وقد عُهد إليها بصندوق وحين فتحته بدافع الفضول أطلقت العنان للأمراض والمعاناة البشرية) حين فتحت علبتها – ولكن بإطلاق الآمال دون المعاناة.

http://www.aleqt.com/css/img/large_****.png http://www.aleqt.com/css/img/small_****.png