محمد عريف
03-11-2010, 10:07 PM
أعضاء المنتدي الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا المقال تم نشرة في مجلة العلوم عدد فبراير / مارس عام 2003
رحلة إلى أبعد كوكب(*)
يستعد العلماء أخيرا لإرسال محطة فضائية إلى كوكب پلوتو وحزام كويپر،
الواقعين في آخر منطقة لم تُستكشف بعد من نظامنا الكوكبي.
<A .S.ستيرن>
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H03_002848.jpg
لا يمكن من الأرض رؤية تفصيلات سطح پلوتو بوضوح، لكن أفضل تخمينات الفلكيين المتعلقة بهذا الكوكب موضحة في هذه الصورة التي تخيلها فنان؛ إذ يُعتقد أن سطح پلوتو مكوَّن من نتروجين وأحادي أكسيد الكربون وغاز الميثان وجليد. ويبدو أن بعض هذه المادة يتسامى إلى جو مخلخل عندما يكون الكوكب في ذلك الجزء من مداره الذي هو أقرب ما يمكن من الشمس [المبيّن في الصفحة المقابلة]. قد ترتفع موجات من الماء الحار من وقت إلى آخر، مطلقة أعمدة من الغاز والجليد إلى ارتفاعات تقدّر بعدة كيلومترات فوق السطح. ويُرى شارون، قمر پلوتو، في الأعلى.
حتى عام 1992 تقريبا، ظل معظم علماء الكواكب يعتبرون أن پلوتو هو مجرد جسم غريب شاذ. فجميع الكواكب الأخرى تنسجم تماما مع ما عرفه الفلكيون عن بنية النظام الشمسي؛ أربعة أجرام صغيرة صخرية تسبح في أفلاك داخلية، وأربعة أجرام غازية عملاقة تطوف في مدارات خارجية، وبين هذه الأجرام وتلك حزام من الكويكبات. لكن پلوتو البعيد كان جسما جليديا غامضا يسير في مدار غريب وراء نپتون. وقد اقترح بعض الباحثين، من أشهرهم الفلكي الأمريكي من أصل هولندي <G.كويپر>، في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، أن پلوتو ربما لم يكن عالَما منفردا، إنما هو أسطع عنصر
في مجموعة واسعة من الأجرام التي تدور في أفلاكها في نفس المنطقة. وقد أصبح هذا المفهوم، الذي صار يعرف باسم حزام كويپر Kuiper Belt، شائعا في المراجع العلمية طوال عقود. لكن عمليات البحث المتكررة عن هذا الحشد الضخم من العوالم الجليدية لم تسفر عن شيء.
بيد أنه في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، توصل العلماء إلى أنه لا بد من وجود شيء شبيه بحزام كويپر لتفسير سبب الاقتراب الشديد لكثير من المذنبات القصيرة الأدوار من مستوى النظام الشمسي. إن هذه البيِّنة على وجود حزام بعيد مكون من أجسام تدور في منطقة پلوتو دفعت الراصدين للرجوع إلى مقاريبهم بحثا عن أجسام باهتة لم تكتشف بعد موجودة وراء نپتون. وبحلول الثمانينات من القرن الماضي، صارت المقاريب مجهزة بمكاشيف ضوئية إلكترونية جعلت عمليات البحث تتميز بمزيد من الحساسية مما كان عليه الحال عندما كان يُستعان بالصفائح الفوتوغرافية سابقا.
في عام 1992، اكتشف الفلكيون في مرصد ماونا كيا بهاواي أول جسم من حزام كويپر (KBO) أصغر بنحو 10 مرات وأبهت بزهاء 000 10 مرة من پلوتو [انظر: «حزام كويپر»، مجلة العلوم ، العددان11/12(1996)، صفحة52]. ومنذ ذلك الوقت، اكتشف الراصدون أكثر من 600 جسم من حزام كويپر، تتراوح أقطارها بين 50 ونحو 1200 كيلومتر. (قطر پلوتو 2400 كيلومتر تقريبا.)
لكن هذا ليس سوى غيض من فيض. فعندما أجرى الباحثون تقديرا استقرائيا لعدد الأجسام في حزام كويپر، بناء على مسحهم لبقعة صغيرة من السماء، توصلوا إلى أن هذا الحزام يحوي نحو 000 100 جسم، قطر كل منها أكثر من 100 كيلومتر. ونتيجة لذلك، صار حزام كويپر الأخ الأكبر لحزام الكويكبات، إذ إنه أكبر كتلة بكثير، وعدد أجسامه أكبر بكثير (وبخاصة ذات الحجوم الكبيرة)، ثم إنه يحوي قدرا أكبر من مادة قديمة جليدية وعضوية بقيت منذ ولادة النظام الشمسي.
من الواضح الآن أن بلوتو ليس كوكبا شاذا، فهو يقع ضمن حشد من الأجسام الصغيرة التي تدور على مسافة من الشمس تمتد بين 5 بلايين وما يزيد على 8 بلايين كيلومتر. ولما كانت هذه المنطقة البعيدة يمكن أن تقدم معلومات مهمة عن التطور المبكر للنظام الشمسي، فإن الفلكيين حريصون على معرفة المزيد عن پلوتو وقمره شارون، وعن الأجسام التي يتكون منها حزام كويپر. ولسوء الحظ، فإن المسافة الشاسعة بين هذه المنطقة من النظام الشمسي وكوكب الأرض تحد من جودة الأرصاد. حتى مقراب هبل الفضائي الشديد الحساسية، فإنه لا يُظهِر سوى بقع غير واضحة المعالم من النور والظلمة على سطح پلوتو. ومع أن السفن الفضائية پايونير وڤويجر وگاليليو قد زودت العلماء بصور رائعة للمشتري وزحل وأورانوس ونپتون، فلم يقم البتة أي مجس فضائي بزيارة لنظام پلوتو ـ شارون أو حزام كويپر.
إن إدراك العلماء أهمية هذه المنطقة من النظام الشمسي، جعلهم يحثون الوكالة ناسا طوال أكثر من عقد على إدراج پلوتو ضمن جدول أعمالها الذي وضعته لاستكشاف الكواكب. واستجابة لهذا قامت هذه الوكالة الفضائية بتدارس الآراء حول إرسال بعثات تستعمل سفنا فضائية حجومها كبيرة، قد تكون معادلة لحجم مركب نهري معد للسكن (منزل عائم)، تحمل التجهيزات اللازمة، وتشبه مجس كاسيني (الذي هو الآن في طريقه إلى زحل)؛ وقد تكون هذه السفن ذات حجوم قريبة من حجم جرذ، ولا تحمل سوى آلة للتصوير. وفي أواخر التسعينات من القرن الماضي اعتمدت ناسا فكرة سفينة فضائية متوسطة الحجم تسمى پلوتو ـ كويپر إكسپرس Pluto-Kuiper Express يُعهد ببنائها إلى مختبر الدفع النفاث (JPL) في پاسادينا بكاليفورنيا. لكن التكلفة المتوقعة لهذه البعثة ازدادت بسرعة لتبلغ 800 مليون دولار، وهذا مبلغ يتجاوز كثيرا المبلغ الذي كانت ناسا تنوي استثماره. ونتيجة لذلك، أقلعت الوكالة ناسا في خريف عام 2000 عن فكرة بعثة پلوتو ـ كويپر إكسپرس.
لكن إلغاء هذه البعثة لم يرض قطاعات كبيرة من الناس. فقد قام كثير من العلماء ومن دعاة استكشاف الفضاء وطلبة المدارس بإرسال سيل من الطلبات إلى ناسا لتعيد النظر في قرارها. أبدت ناسا اهتمامها بهذه الطلبات، لكن بصورة ملتوية، فبدلا من أن تعود إلى البدء بتنفيذ بعثة پلوتو ـ كويپر العالية التكلفة، توجهت بطلبات إلى الجامعات، ومختبرات البحوث، والشركات الفضائية لتتقدم باقتراحاتها الرامية إلى استكشاف پلوتو وشارون وحزام كويپر بتكلفة أقل. ولم يسبق لناسا قط أن سمحت من قبل للصناعة والجامعات بالتنافس على قيادة بعثة إلى النظام الشمسي الخارجي. وقد أوضحت ناسا أنه إذا لم يحقق أي من الاقتراحات تنفيذ القياسات العلمية المستهدفة بحلول عام 2020، وبتكلفة أقل من 500 مليون دولار، فإنها لن تلتزم باختيار أي منها.
نظرة إجمالية/ نيو هورايزونز(**)
■ منذ وقت قريب عرف الفلكيون أن پلوتو ليس شاذا عن غيره من الكواكب، كما كان يعتقد في وقت من الأوقات، لكنه الكوكب الأشد سطوعا بين مجموعة من الأجسام التي تدور في أفلاكها حول الشمس في منطقة بعيدة تسمى حزام كويپر. ويسعى العلماء إلى استكشاف پلوتو وأجسام حزام كويپر، لأنها قد تحل ألغاز التاريخ المبكر للكواكب.
■ پلوتو وقمره شارون مثيران للاهتمام في حد ذاتهما. فهذان الجرمان متقاربان جدا في حجميهما، لذا فإن الفلكيين يعتبرونهما كوكبا مزدوجا. إضافة إلى ذلك، يحيط بپلوتو جو سريع الإفلات، ثم إن أنماطه الموسمية معقدة. ■ اختارت ناسا فريقا أُطلق عليه نيو هورايزونز(1) لبناء سفينة فضائية لدراسة پلوتو وشارون وعدة أجسام من حزام كويپر من خلال سلسلة من عمليات الطيران المنخفضة فوقها. وإذا وافق الكونگرس على رصد الأموال اللازمة، فقد تُطلَق السفينة الفضائية عام 2006 لتصل إلى پلوتو في وقت مبكر لا يتجاوز عام 2015.
في الشهر11/2001، وبعد عملية اختيار مضنية، اعتمدت ناسا فريقنا، المسمى نيو هورايزونز (الآفاق الجديدة) New Horizons، لتنفيذ بعثة پلوتو ـ حزام كويپر. يقود هذا الفريق المعهد الذي أعمل فيه، وهو معهد بحوث ساوث وست، الموجود في سان أنطونيو بتكساس، ومختبر الفيزياء التطبيقية (APL) التابع لجامعة جونز هوپكنز. ويعكف فريق من العلماء ينتمون إلى أكثر من عشر جامعات، ومراكز أبحاث، ومراكز ناسا على تخطيط الأرصاد العلمية، حيث سيقوم معهد أبحاث ساوث وست بإدارة المشروع، وسيكون مسؤولا عن فريق البعثة وعن تطوير الآلات العلمية. أما مختبر الفيزياء التطبيقية، فهو الذي سيبني ويشغِّل سفينة نيو هورايزونز الفضائية. هذا وستبني المؤسسة بول إيروسپيس ومركز گودارد للطيران الفضائي التابع لناسا وجامعة ستانفورد أجزاء من معدات السفينة الفضائية، وسيكون مختبر الدفع النفاث (JPL) مسؤولا عن تعقب السفينة الفضائية وعمليات الملاحة الفضائية لها.
وبابتكار طرائق أقل تكلفة لبناء وتشغيل السفينة الفضائية لاستكشاف النظام الشمسي الخارجي، تكون السفينة نيو هورايزونز قد حققت شروط ناسا، إذ إن التكلفة الإجمالية للبعثة انخفضت إلى 488 مليون دولار، من ضمنها ميزانية احتياطية تزيد على 80 مليون دولار. كما أن السفينة الفضائية قد تصل إلى پلوتو في وقت مبكر لا يتجاوز صيف عام 2015. إضافة إلى ذلك، ستحمل نيو هورايزونز عددا أكبر من الآلات، وتعود ببيانات رصدية حجمها أكبر بعشر مرات من تلك البيانات التي كانت ستجمعها بعثة پلوتو ـ كويپر إكسپرس، وبتكلفة أقل بكثير.
توجه إلى الخارج(***)
قد تستغرق الرحلة إلى پلوتو أقل من عشر سنوات إذا أُطلقت السفينة الفضائية نيو هورايزونز عام 2006. إن طيران السفينة على طول المسار المخطّط لها (اللون الأحمر)، يجعلها تتجه في البداية لتقوم بطيران منخفض فوق المشتري. عندئذ سيُستفاد من ثقالة الكوكب لقذف السفينة نحو پلوتو (المدار الأصفر). وبعد دراسة المشتري عام 2007 ونظام (پلوتو ـ شارون) عام 2015، سيتوجه المجس لاستطلاع عدة أجسام جليدية في حزام كويپر.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H03_002849.jpg
بيد أن إطلاق نيو هورايزونز ليس أمرا محتما بعد. ففي الشهر2/2002 ألغى الرئيس جورج بوش مبلغ ال122 مليون دولار اللازم للبعثة من ميزانية ناسا للسنة المالية 2003. لكنني وزملائي نأمل أن يقوم مجلس الكونگرس، الذي فوض ناسا لاختيار وبدء البعثة إلى پلوتو وحزام كويپر، بإعادة التمويل الكامل لبناء السفينة. وإذا تحقق أملنا، فستكون مهمة نيو هورايزونز أكبر بكثير من كونها مجرد أول بعثة إلى پلوتو. فخلال رحلتها ستطير السفينة الفضائية قريبا من المشتري لتدرسه وأقماره. وبعد اقترابها من نظام پلوتو ـ شارون، ستواصل رحلتها لاستطلاع عدة أجسام في حزام كويپر عن كثب.
العوالم النائية(****)
يولي الفلكيون اهتماما بالغا بالحصول على مناظر عن كثب لپلوتو وقمره شارون، الممثلين هنا بصورة ابتدعها خيال فنان (في الأعلى) يستند فيها إلى معرفتنا الحالية بالجرمين. وبسبب البعد الكبير لنظام پلوتو ـ شارون عن الأرض، فحتى مقراب هبل الفضائي لا يكشف سوى صورتين مشوهتين لهذين الجرمين (في الأسفل).
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H03_002850.jpg
توضح هذه الصورة الحجمين النسبيين لپلوتو وشارون،لكن المسافة بينهما على الصورة لا تتناسب مع المسافة الحقيقية بينهما.
حقائق أساسية
قطر پلوتو: 2400 كيلومتر
قطر شارون: 1200 كيلومتر
متوسط المسافة بين نظام پلوتو ـ شارون والشمس: 5.9 بليون كيلومتر
الدور المداري حول الشمس: 248 سنة
متوسط المسافة بين پلوتو وشارون: 19.600 كيلومتر
الدور المداري لشارون حول پلوتو: 6.39 يوم
الدور المغزلي (الدوران حول محوره) لكل من پلوتو وشارون: 6.39 يوم
التركيب السطحي لپلوتو: نتروجين، أحادي أكسيد الكربون، ميثان، جليد.
التركيب السطحي لشارون: جليد، وربما مركبات أخرى
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H03_002851.jpg
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا المقال تم نشرة في مجلة العلوم عدد فبراير / مارس عام 2003
رحلة إلى أبعد كوكب(*)
يستعد العلماء أخيرا لإرسال محطة فضائية إلى كوكب پلوتو وحزام كويپر،
الواقعين في آخر منطقة لم تُستكشف بعد من نظامنا الكوكبي.
<A .S.ستيرن>
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H03_002848.jpg
لا يمكن من الأرض رؤية تفصيلات سطح پلوتو بوضوح، لكن أفضل تخمينات الفلكيين المتعلقة بهذا الكوكب موضحة في هذه الصورة التي تخيلها فنان؛ إذ يُعتقد أن سطح پلوتو مكوَّن من نتروجين وأحادي أكسيد الكربون وغاز الميثان وجليد. ويبدو أن بعض هذه المادة يتسامى إلى جو مخلخل عندما يكون الكوكب في ذلك الجزء من مداره الذي هو أقرب ما يمكن من الشمس [المبيّن في الصفحة المقابلة]. قد ترتفع موجات من الماء الحار من وقت إلى آخر، مطلقة أعمدة من الغاز والجليد إلى ارتفاعات تقدّر بعدة كيلومترات فوق السطح. ويُرى شارون، قمر پلوتو، في الأعلى.
حتى عام 1992 تقريبا، ظل معظم علماء الكواكب يعتبرون أن پلوتو هو مجرد جسم غريب شاذ. فجميع الكواكب الأخرى تنسجم تماما مع ما عرفه الفلكيون عن بنية النظام الشمسي؛ أربعة أجرام صغيرة صخرية تسبح في أفلاك داخلية، وأربعة أجرام غازية عملاقة تطوف في مدارات خارجية، وبين هذه الأجرام وتلك حزام من الكويكبات. لكن پلوتو البعيد كان جسما جليديا غامضا يسير في مدار غريب وراء نپتون. وقد اقترح بعض الباحثين، من أشهرهم الفلكي الأمريكي من أصل هولندي <G.كويپر>، في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، أن پلوتو ربما لم يكن عالَما منفردا، إنما هو أسطع عنصر
في مجموعة واسعة من الأجرام التي تدور في أفلاكها في نفس المنطقة. وقد أصبح هذا المفهوم، الذي صار يعرف باسم حزام كويپر Kuiper Belt، شائعا في المراجع العلمية طوال عقود. لكن عمليات البحث المتكررة عن هذا الحشد الضخم من العوالم الجليدية لم تسفر عن شيء.
بيد أنه في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، توصل العلماء إلى أنه لا بد من وجود شيء شبيه بحزام كويپر لتفسير سبب الاقتراب الشديد لكثير من المذنبات القصيرة الأدوار من مستوى النظام الشمسي. إن هذه البيِّنة على وجود حزام بعيد مكون من أجسام تدور في منطقة پلوتو دفعت الراصدين للرجوع إلى مقاريبهم بحثا عن أجسام باهتة لم تكتشف بعد موجودة وراء نپتون. وبحلول الثمانينات من القرن الماضي، صارت المقاريب مجهزة بمكاشيف ضوئية إلكترونية جعلت عمليات البحث تتميز بمزيد من الحساسية مما كان عليه الحال عندما كان يُستعان بالصفائح الفوتوغرافية سابقا.
في عام 1992، اكتشف الفلكيون في مرصد ماونا كيا بهاواي أول جسم من حزام كويپر (KBO) أصغر بنحو 10 مرات وأبهت بزهاء 000 10 مرة من پلوتو [انظر: «حزام كويپر»، مجلة العلوم ، العددان11/12(1996)، صفحة52]. ومنذ ذلك الوقت، اكتشف الراصدون أكثر من 600 جسم من حزام كويپر، تتراوح أقطارها بين 50 ونحو 1200 كيلومتر. (قطر پلوتو 2400 كيلومتر تقريبا.)
لكن هذا ليس سوى غيض من فيض. فعندما أجرى الباحثون تقديرا استقرائيا لعدد الأجسام في حزام كويپر، بناء على مسحهم لبقعة صغيرة من السماء، توصلوا إلى أن هذا الحزام يحوي نحو 000 100 جسم، قطر كل منها أكثر من 100 كيلومتر. ونتيجة لذلك، صار حزام كويپر الأخ الأكبر لحزام الكويكبات، إذ إنه أكبر كتلة بكثير، وعدد أجسامه أكبر بكثير (وبخاصة ذات الحجوم الكبيرة)، ثم إنه يحوي قدرا أكبر من مادة قديمة جليدية وعضوية بقيت منذ ولادة النظام الشمسي.
من الواضح الآن أن بلوتو ليس كوكبا شاذا، فهو يقع ضمن حشد من الأجسام الصغيرة التي تدور على مسافة من الشمس تمتد بين 5 بلايين وما يزيد على 8 بلايين كيلومتر. ولما كانت هذه المنطقة البعيدة يمكن أن تقدم معلومات مهمة عن التطور المبكر للنظام الشمسي، فإن الفلكيين حريصون على معرفة المزيد عن پلوتو وقمره شارون، وعن الأجسام التي يتكون منها حزام كويپر. ولسوء الحظ، فإن المسافة الشاسعة بين هذه المنطقة من النظام الشمسي وكوكب الأرض تحد من جودة الأرصاد. حتى مقراب هبل الفضائي الشديد الحساسية، فإنه لا يُظهِر سوى بقع غير واضحة المعالم من النور والظلمة على سطح پلوتو. ومع أن السفن الفضائية پايونير وڤويجر وگاليليو قد زودت العلماء بصور رائعة للمشتري وزحل وأورانوس ونپتون، فلم يقم البتة أي مجس فضائي بزيارة لنظام پلوتو ـ شارون أو حزام كويپر.
إن إدراك العلماء أهمية هذه المنطقة من النظام الشمسي، جعلهم يحثون الوكالة ناسا طوال أكثر من عقد على إدراج پلوتو ضمن جدول أعمالها الذي وضعته لاستكشاف الكواكب. واستجابة لهذا قامت هذه الوكالة الفضائية بتدارس الآراء حول إرسال بعثات تستعمل سفنا فضائية حجومها كبيرة، قد تكون معادلة لحجم مركب نهري معد للسكن (منزل عائم)، تحمل التجهيزات اللازمة، وتشبه مجس كاسيني (الذي هو الآن في طريقه إلى زحل)؛ وقد تكون هذه السفن ذات حجوم قريبة من حجم جرذ، ولا تحمل سوى آلة للتصوير. وفي أواخر التسعينات من القرن الماضي اعتمدت ناسا فكرة سفينة فضائية متوسطة الحجم تسمى پلوتو ـ كويپر إكسپرس Pluto-Kuiper Express يُعهد ببنائها إلى مختبر الدفع النفاث (JPL) في پاسادينا بكاليفورنيا. لكن التكلفة المتوقعة لهذه البعثة ازدادت بسرعة لتبلغ 800 مليون دولار، وهذا مبلغ يتجاوز كثيرا المبلغ الذي كانت ناسا تنوي استثماره. ونتيجة لذلك، أقلعت الوكالة ناسا في خريف عام 2000 عن فكرة بعثة پلوتو ـ كويپر إكسپرس.
لكن إلغاء هذه البعثة لم يرض قطاعات كبيرة من الناس. فقد قام كثير من العلماء ومن دعاة استكشاف الفضاء وطلبة المدارس بإرسال سيل من الطلبات إلى ناسا لتعيد النظر في قرارها. أبدت ناسا اهتمامها بهذه الطلبات، لكن بصورة ملتوية، فبدلا من أن تعود إلى البدء بتنفيذ بعثة پلوتو ـ كويپر العالية التكلفة، توجهت بطلبات إلى الجامعات، ومختبرات البحوث، والشركات الفضائية لتتقدم باقتراحاتها الرامية إلى استكشاف پلوتو وشارون وحزام كويپر بتكلفة أقل. ولم يسبق لناسا قط أن سمحت من قبل للصناعة والجامعات بالتنافس على قيادة بعثة إلى النظام الشمسي الخارجي. وقد أوضحت ناسا أنه إذا لم يحقق أي من الاقتراحات تنفيذ القياسات العلمية المستهدفة بحلول عام 2020، وبتكلفة أقل من 500 مليون دولار، فإنها لن تلتزم باختيار أي منها.
نظرة إجمالية/ نيو هورايزونز(**)
■ منذ وقت قريب عرف الفلكيون أن پلوتو ليس شاذا عن غيره من الكواكب، كما كان يعتقد في وقت من الأوقات، لكنه الكوكب الأشد سطوعا بين مجموعة من الأجسام التي تدور في أفلاكها حول الشمس في منطقة بعيدة تسمى حزام كويپر. ويسعى العلماء إلى استكشاف پلوتو وأجسام حزام كويپر، لأنها قد تحل ألغاز التاريخ المبكر للكواكب.
■ پلوتو وقمره شارون مثيران للاهتمام في حد ذاتهما. فهذان الجرمان متقاربان جدا في حجميهما، لذا فإن الفلكيين يعتبرونهما كوكبا مزدوجا. إضافة إلى ذلك، يحيط بپلوتو جو سريع الإفلات، ثم إن أنماطه الموسمية معقدة. ■ اختارت ناسا فريقا أُطلق عليه نيو هورايزونز(1) لبناء سفينة فضائية لدراسة پلوتو وشارون وعدة أجسام من حزام كويپر من خلال سلسلة من عمليات الطيران المنخفضة فوقها. وإذا وافق الكونگرس على رصد الأموال اللازمة، فقد تُطلَق السفينة الفضائية عام 2006 لتصل إلى پلوتو في وقت مبكر لا يتجاوز عام 2015.
في الشهر11/2001، وبعد عملية اختيار مضنية، اعتمدت ناسا فريقنا، المسمى نيو هورايزونز (الآفاق الجديدة) New Horizons، لتنفيذ بعثة پلوتو ـ حزام كويپر. يقود هذا الفريق المعهد الذي أعمل فيه، وهو معهد بحوث ساوث وست، الموجود في سان أنطونيو بتكساس، ومختبر الفيزياء التطبيقية (APL) التابع لجامعة جونز هوپكنز. ويعكف فريق من العلماء ينتمون إلى أكثر من عشر جامعات، ومراكز أبحاث، ومراكز ناسا على تخطيط الأرصاد العلمية، حيث سيقوم معهد أبحاث ساوث وست بإدارة المشروع، وسيكون مسؤولا عن فريق البعثة وعن تطوير الآلات العلمية. أما مختبر الفيزياء التطبيقية، فهو الذي سيبني ويشغِّل سفينة نيو هورايزونز الفضائية. هذا وستبني المؤسسة بول إيروسپيس ومركز گودارد للطيران الفضائي التابع لناسا وجامعة ستانفورد أجزاء من معدات السفينة الفضائية، وسيكون مختبر الدفع النفاث (JPL) مسؤولا عن تعقب السفينة الفضائية وعمليات الملاحة الفضائية لها.
وبابتكار طرائق أقل تكلفة لبناء وتشغيل السفينة الفضائية لاستكشاف النظام الشمسي الخارجي، تكون السفينة نيو هورايزونز قد حققت شروط ناسا، إذ إن التكلفة الإجمالية للبعثة انخفضت إلى 488 مليون دولار، من ضمنها ميزانية احتياطية تزيد على 80 مليون دولار. كما أن السفينة الفضائية قد تصل إلى پلوتو في وقت مبكر لا يتجاوز صيف عام 2015. إضافة إلى ذلك، ستحمل نيو هورايزونز عددا أكبر من الآلات، وتعود ببيانات رصدية حجمها أكبر بعشر مرات من تلك البيانات التي كانت ستجمعها بعثة پلوتو ـ كويپر إكسپرس، وبتكلفة أقل بكثير.
توجه إلى الخارج(***)
قد تستغرق الرحلة إلى پلوتو أقل من عشر سنوات إذا أُطلقت السفينة الفضائية نيو هورايزونز عام 2006. إن طيران السفينة على طول المسار المخطّط لها (اللون الأحمر)، يجعلها تتجه في البداية لتقوم بطيران منخفض فوق المشتري. عندئذ سيُستفاد من ثقالة الكوكب لقذف السفينة نحو پلوتو (المدار الأصفر). وبعد دراسة المشتري عام 2007 ونظام (پلوتو ـ شارون) عام 2015، سيتوجه المجس لاستطلاع عدة أجسام جليدية في حزام كويپر.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H03_002849.jpg
بيد أن إطلاق نيو هورايزونز ليس أمرا محتما بعد. ففي الشهر2/2002 ألغى الرئيس جورج بوش مبلغ ال122 مليون دولار اللازم للبعثة من ميزانية ناسا للسنة المالية 2003. لكنني وزملائي نأمل أن يقوم مجلس الكونگرس، الذي فوض ناسا لاختيار وبدء البعثة إلى پلوتو وحزام كويپر، بإعادة التمويل الكامل لبناء السفينة. وإذا تحقق أملنا، فستكون مهمة نيو هورايزونز أكبر بكثير من كونها مجرد أول بعثة إلى پلوتو. فخلال رحلتها ستطير السفينة الفضائية قريبا من المشتري لتدرسه وأقماره. وبعد اقترابها من نظام پلوتو ـ شارون، ستواصل رحلتها لاستطلاع عدة أجسام في حزام كويپر عن كثب.
العوالم النائية(****)
يولي الفلكيون اهتماما بالغا بالحصول على مناظر عن كثب لپلوتو وقمره شارون، الممثلين هنا بصورة ابتدعها خيال فنان (في الأعلى) يستند فيها إلى معرفتنا الحالية بالجرمين. وبسبب البعد الكبير لنظام پلوتو ـ شارون عن الأرض، فحتى مقراب هبل الفضائي لا يكشف سوى صورتين مشوهتين لهذين الجرمين (في الأسفل).
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H03_002850.jpg
توضح هذه الصورة الحجمين النسبيين لپلوتو وشارون،لكن المسافة بينهما على الصورة لا تتناسب مع المسافة الحقيقية بينهما.
حقائق أساسية
قطر پلوتو: 2400 كيلومتر
قطر شارون: 1200 كيلومتر
متوسط المسافة بين نظام پلوتو ـ شارون والشمس: 5.9 بليون كيلومتر
الدور المداري حول الشمس: 248 سنة
متوسط المسافة بين پلوتو وشارون: 19.600 كيلومتر
الدور المداري لشارون حول پلوتو: 6.39 يوم
الدور المغزلي (الدوران حول محوره) لكل من پلوتو وشارون: 6.39 يوم
التركيب السطحي لپلوتو: نتروجين، أحادي أكسيد الكربون، ميثان، جليد.
التركيب السطحي لشارون: جليد، وربما مركبات أخرى
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H03_002851.jpg