محمد عريف
03-01-2010, 07:05 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعضاء المنتدي الكرام
هذا المقال منشور بمجلة العلوم ( الترجمة العربية لمجلة ساينتفك أمريكان )
عددها الصادر ابريل 2002
http://www.oloommagazine.com/Images/Magazines/4-2002.jpg
وتلبية لطلب الأخ العزيز محمد مصطفي سأضع هذه المقال والمقالات التالية إن شاء الله بدلاً من روابطها.
البحث في الكون عن ظلال أراض أخرى
لقد عثر الفلكيون على عشرات من الكواكب العملاقة خارج نظامنا الشمسي،
بيد أنهم لم يتمكنوا، حتى الآن، من رصد كوكب بحجم كرتنا الأرضية.
<R.L. دُويل> ـ <J.H. ديگ >ـ <M.T. براون>
لم ير أحد قط كوكبا (سيارا) خارج نظامنا الشمسي. ولكن اثنين من الفلكيين شاهدا في الشهر 11/1999 شيئا مثيرا جدا، ألا وهو ظل كوكب. وقد حدث ذلك عندما كان <D. شاربونو> [وهو طالب دراسات عليا في جامعة هارڤارد] يحلل سطوع النجم الشبيه بالشمس HD 209458 بالاعتماد على بيانات جُمعت في وقت سابق. حين كان يعمل مع أحدنا (براون). وفي الوقت نفسه تقريبا، كان<G. هنري> [وهو فلكي يعمل في جامعة تينيسي الحكومية] يرصد النجم ذاته مستقلا عن شاربونو.
إن النجم HD 209458 نجم مغمور، حتى إنه لم يعط اسما خاصا به. ولكنه يستحق الشهرة لسبب وحيد هو وجود كوكب يدور حوله، كتلته تعادل على الأقل، ثلثي كتلة المشتري ـ أو هكذا ظن الفلكيون. هذا ولم يُستدل على وجود الكوكب إلا بأسلوب غير مباشر، وذلك عن طريق الارتعاشات (التراوحات) wobbles التي كان يحدثها في النجم. ولكن شاربونو وهنري طَرَقا تقنية مختلفة للتحقق من هذا الكشف. فقد طرحا السؤال التالي: «هل يمكن للكوكب أن يمر من أمام النجم عبر خط نظرنا، ويحجب عنا مؤقتا بعضا من ضوء النجم؟»
من منظورنا، لا بد للنجم عند ذلك من أن يعتم بطريقة مميزة. ويتطلب مثل هذا الحدث، الذي يسمى عبورا(1) transit، أن يكون مدار الكوكب مائلا جدا، ولكن هذا ليس بالأمر المستحيل كما قد يبدو للوهلة الأولى. والسبب أن احتمال مرور الكواكب التي تدور قريبا جدا من نجومها ـ مثل الكوكب الذي يدور حول النجم HD 209458 ـ بين الراصد وهذه النجوم هو واحد في العشرة. وبحلول الوقت الذي كان فيه شاربونو وهنري ينظران إليه، كان قد جرى البحث دون نجاح عن حوادث عبور لمعظم الكواكب الأخرى المعروفة خارج نظامنا الشمسي. وكان من نتيجة ذلك أن نفرا قليلا من الفلكيين بدأوا يفكرون: هل عدم رصد حوادث عبور يُعني ضمنا عدم وجود كواكب؟ وربما كان ثمة خطأ في تفسير أرصاد الارتعاشات.
ولكن دراسات شاربونو وهنري بددت هذه الشكوك. ففي الوقت نفسه الذي أشارت أرصاد الارتعاشات إلى احتمال حدوث عبور، أعتم النجم بنحو 1.8 في المئة مدة ثلاث ساعات. وإضافة إلى أن هذا الإعتام قدَّم دليلا واضحا على وجود كوكب، فإنه مَكن من القياس المباشر لقطر الكوكب والذي وجد أنه يعادل 1.3 مرة قطر المشتري ـ وهذه أول مرة يُقاس فيها حجم كوكب خارج نظامنا الشمسي. ويتوافق هذا القياس مع التنبؤات النظرية التي تذهب إلى أن هذا الكوكب، القريب جدا من نجمه، لا بد أن يكون قد انتفخ.
لقد وفرت طريقة العبور بداية ميمونة لكشف الكواكب. فحتى الآن، مازال صيادو الكواكب يعتمدون اعتمادا أساسيا على تقنية الارتعاش، التي تسمى تقنيا طريقة السرعة نصف القطرية radial-velocity method. وتبحث هذه الطريقة عن الانزياحات shifts الدورية الدقيقة في طيف نجم، والتي تشير إلى أن النجم يُدفع جيئة وذهابا بوساطة رفيق غير مرئي. وقد تحقق أول نجاح لها عام 1995 عند اكتشاف كوكب حول النجم 51 پيگاسي 51 Pegasi الشبيه بالشمس. ومنذ ذلك الحين، تعرَّف الفلكيون أكثر من ثلاث دستات من الكواكب (انظر الإطار في الصفحتين 28 و 29). ويمكن تطبيق طريقة السرعة نصف القطرية على أي نجم، ولكن هذه الطريقة تعاني صعوبة رؤية العوالم الصغيرة جدا أو البعيدة جدا عن نجومها.
ولطريقة العبور عيب جوهري متأصل فيها ـ هو الحاجة إلى وقوع الكوكب والنجم والراصد على استقامة واحدة، ويلزم لذلك حظ وافر. ولكن عندما تقع حوادث العبور بالفعل، فإنها تبين حجم الكوكب وخواصه الأخرى، حتى لو كان عالَما صغيرا إلى حد ما. وفي الحقيقة، إن طريقة العبور هي التقنية الوحيدة القادرة حاليا على كشف الكواكب التي يصل صغرها إلى حجم أرضنا والتي تدور حول نجوم شبيهة بالشمس. وقد استخدم اثنان منا (دويل وديگ) هذه الطريقة في نظام نجمي آخر يسمى CM دراكونيس Draconis للبحث عن عوالم شبيهة بأرضنا. ويُمْكِننا من رؤية أجسام هي من الصغر بحيث تعادل أقطارها 2.5 مرة قطر الأرض. وهكذا فإن أول بحث عن كواكب خارج نظامنا الشمسي يحتمل وجود حياة عليها كما نعرفها، ماضٍ قدما.
على الشمس حاليا بقعة سوداء صغيرة(**)
إن فكرة البحث عن حوادث عبور ليست جديدة، فالكسوف الشمسي هو أساسا عبور للقمر أمام الشمس. وفي وقت مبكر يعود إلى القرن السابع عشر توقع<J. كپلر> عبورا لعطارد أمام الشمس، ثم إن أحد أسباب توجه القبطان <J. كوك> في أول رحلة له إلى البحار الجنوبية South Seas، هو مشاهدة عبور كوكب الزهرة عام 1769. وكان فلكيو تلك الأيام يستخدمون حوادث العبور لحساب بُعْد الأرض عن الشمس. وأول من اقترح ـ في مذكرة صغيرة ـ فكرة إمكان رصد عبور الكواكب أمام نجوم أخرى غير الشمس هو<O. شتروڤي> [من مرصد يِركيس] عام 1951، ثم طور هذه الفكرة <F. روزنبلات> [من جامعة كورنيل] عام 1971 و<W. بوروكي> [من مركز إيمز للبحوث التابع للوكالة ناسا] في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
وخلال عبور لعطارد أو للزهرة، يشاهد الفلكيون نقطة سوداء صغيرة تنزلق عبر وجه الشمس. ولكن عبور كواكب من خارج نظامنا الشمسي لا يمكن كشفه إلا بطريقة غير مباشرة. وهنا يتعين على الراصدين مراقبة منحني ضوء(2) light curve النجم والبحث عن انخفاض دوري فيه، وهذه علامة مميزة على وجود كوكب يمر من أمام النجم. إن القياس الدقيق لضيائية luminosity النجم هو فرع قائم بذاته من علم الفلك، يطلق عليه اسم الفوتومترية (قياس الشدة الضوئية) photometry. ويمكن للعين المجردة أن تميز بسهولة تغير شدة سطوع نجم بمقدار 2.5 مرة تقريبا. وبمقارنة سطوع نجمين بطريقة تسمى الفوتومترية التفاضلية differential photometry، يمكن للعين المدربة كشف تغيرات أدق. وبإمكان المقاريب الصغيرة، المزودة بكاميرات حديثة تستعمل أداة قرن بالشحنة(3) charge-coupled device CCD ، بلوغ دقة قدرها 0.1 في المئة. أما المقاريب الكبيرة فيمكنها أن تؤدي ما هو حتى أفضل من هذا، وذلك بتجميعها قدرا أكبر من الضوء، وبحسابها لمتوسط الشذوذات الجوية.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002260.jpg
ربما يكون قد كُشف عن كوكب شبيه بالأرض حول النجم الثنائي CM دراكونيس. وقد رصد مؤلفو هذه المقالة إعتاما طفيفا يتكرر بانتظام لضوء النجم ـ وقد يشير ذلك إلى وجود كوكب يمر أمام النجم الثنائي. وسواء ثبت هذا الأمر أو لا، فإن تقنية البحث عن ذبذبات في السطوع النجمي هي الآن أفضل أمل للفلكيين في العثور على عوالم تصلح لوجود حياة عليها.
وفي حالة الكواكب الصغيرة، تكون قياسات العبور بالطريقة الفوتومترية أشد حساسية من طرق الكشف الأخرى. وقد تُحدَّد الحساسية بالإشارة التي يراد قياسها ـ أي بكمية الضوء النجمي المحجوب بالكوكب. وهذه الإشارة تتناسب طرديا مع مساحة المقطع العرضي للكوكب، ومن ثم فهي تتغير طرديا مع مربع نسبة نصف قطر الكوكب إلى نصف قطر النجم. وبالمقابل، فإن الارتعاش في السرعة نصف القطرية لنجم يتناسب طرديا مع نسبة كتلة الكوكب إلى كتلة النجم، ومن ثم مع النسبة بين مكعبي نصفي قطريهما. وبسبب كون الكواكب أصغر بكثير من النجوم ـ فنصف قطر المشتري يساوي نحو 10 في المئة من نصف قطر الشمس، ونصف قطر الأرض يساوي نحو 1 في المئة من نصف قطر الشمس ـ فإن النسبة بين المربعين تكون أصغر من النسبة بين المكعبين، وهذا يؤدي إلى قياسات أفضل للعبور.
لقد أخذ استكشاف جزئي للعبور أمام النجم HD 209458 نحو 40000 فوتون من الطاقة الضوئية، في حين أخذ قياس ارتعاشه بنفس الدرجة من الثقة نحو 10 ملايين فوتون. وبالطبع، فقد استعملت هذه الفوتونات على نحو مختلف: ففي طريقة العبور، كانت تُعَدّ طوال الوقت بوساطة فوتومتر (مقياس الشدة الضوئية) photometer؛ وفي طريقة الارتعاش كانت تقسم جزئيا في المطياف إلى نُطُق (عصائب) bands ضيقة من الأطوال الموجية بوساطة مطياف. ولكن الميزة الجوهرية للطريقة الفوتومترية هي أنها تمكننا من استعمال مقاريب أصغر للعثور على كواكب من حجمٍ معطى. هذا وإن كوكبا بحجم المشتري يجعل نجمه يعتم بنسبة 1 في المئة تقريبا، وهذا أمر يمكن كشفه جيدا بوساطة المقاريب التي قطرها متر واحد. أما الكواكب التي هي بحجم الأرض، التي تعتم نجومها بنسبة تقرب من 0.01 في المئة، فيتعذر كشفها حتى بأكبر المقاريب المتوفرة حاليا. ومع ذلك، فالدقة المطلوبة يمكن بلوغها باستخدام حيل رصدية خاصة وتقنيات معينة لكشف الإشارات.
هذا ويجب أيضا أن تؤخذ في الاعتبار المسافة بين الكوكب ونجمه. فطريقة الارتعاشات تنخفض حساسيتها بدرجة تتناسب طرديا مع الجذر التربيعي لهذه المسافة، لأن الكواكب البعيدة تمارس شدا تثاقليا أضعف على نجومها. وهذا هو السبب في أن معظم الكواكب التي عُثِر عليها بهذه الطريقة كانت بحجم المشتري، وكانت تسير في مدارات قريبة من نجومها. ولكن حوادث العبور يمكن كشفها في حال رفيقين بعيدين على استقامة مع الراصد بالسهولة ذاتها التي يُكشف بها الرفيقان القريب أحدهما من الآخر. والتأثير الذي ينشأ عن المواقع النسبية للنجم والكوكب والراصد هندسي محض. وبمقارنة المسافة بين النجم والكوكب بالسنين الضوئية التي تفصل النجم عن الأرض، يظهر أن هذه المسافة غير مؤثرة على الإطلاق؛ ومع أنها يمكن أن تتغير بجزء كسري كبير من قيمتها، فإن مقدار الإعتام من منظورنا سيبقى دون تغيير تقريبا.
الآن أنت تراه، الآن أنت ترى منه جزءا أقل: هذه هي الفكرة التي تكمن وراء طريقة العبور في كشف الكواكب. لنأخذ كوكبا في نظام نجم ثنائي. إن الفلكيين لا يرون في الواقع نجمين منعزلين، ذلك أن ضوءيهما يتجمعان معا. وحين يمر الكوكب أمام كل من النجمين من منظورنا، يعتم النظام بأسلوب مميز. ويتوقف قدر الإعتام ومدته، المقيسين بدقة، على موقعي النجمين في مدارهما المشترك.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002261.jpg
هنا تكون المسافة الظاهرية الفاصلة بين النجمين أكبر ما يمكن. ويكون عبور الكوكب مزدوجا لأنه يمر أمام أحدهما، ثم أمام الآخر.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002262.jpg
إذا مر الكوكب من الأمام حين يكون أحد النجمين كاسفا للآخر، فيمكن للعبور أن يدوم مدة أطول ويُحْدِث نقصانا نسبيا أكبر في السطوع.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002263.jpg
إذا مر الكوكب من الأمام قبل الكسوف النجمي مباشرة، حدث عبور ثلاثي: أولا عبر النجم القريب، ثم عبر النجم البعيد (ولكن خلال مدة أقصر لأن النجم والكوكب يتحركان في اتجاهين متعاكسين)، وأخيرا عبر النجم البعيد مرة أخرى.
ما الكواكب الأخرى التي تدور حول شموس أخرى(***)
ولكن ازدياد المسافة بين النجم والكوكب يقلل من فرصة وجود الكوكب في مدار يمكِّننا من مشاهدة حوادث عبوره. وعلى سبيل المثال، إن احتمال رؤية عبور الأرض في مدارها الحالي أمام الشمس، من قبل فلكي موجود في موقع محدد عشوائيا خارج الأرض، يساوي 0.5 في المئة فقط. ولهذا السبب، فقد أُهملت طريقة العبور ردحا طويلا من الزمن. ولكن ثمة تطورين غيَّرا أفكار الفلكيين. أولهما هو الاكتشاف غير المتوقع لتلك الكواكب العملاقة خارج نظامنا الشمسي القريبة جدا من نجومها ـ خلافا للكواكب في نظامنا الشمسي التي لها مدارات واسعة. وتجدر الإشارة إلى أن المدارات القريبة من النجوم تزيد من احتمال كشف العبور 10 مرات. والأمر الآخر هو ابتكار نظم التصوير المتسع المجال (المدى) wide-field imaging systems، الذي يُمكِّن من مراقبة عشرات أو مئات الآلاف من النجوم في وقت واحد. والسبب في ذلك بسيط؛ فإذا نظرنا إلى عدد كاف من النجوم خلال وقت كاف، فلا بد أن يُكشف عن حوادث عبور لبعضها. وبهذه الطريقة، لا يتمكن الفلكيون من إعداد قوائم للكواكب فحسب، وإنما يستطيعون أيضا جمع إحصائيات عن انتشارها العام.
وتُجرى حاليا عمليات بحث كثيرة باستعمال مقاريب مقامة على الأرض، يبحث معظمها عن كواكب عملاقة مثل الكوكب الذي عثر عليه يدور حول النجم HD 209458 وقريبا منه. هذا وإن مشروع ستير STARE (الذي يديره براون)، ومشروع ڤلكان Vulcan (الذي يديره بوروكي و<D. كوش> [من مركز بحوث إيمز التابع للوكالة ناسا] و<J. جينكينز> [من معهد سيتي SETI في كاليفورنيا]) يفحصان بعناية قرص disk درب التبانة، حيث توجد النجوم بأعداد كبيرة. وفي هذه الأثناء يقوم <A. كويرينباخ> [من جامعة كاليفورنيا بسان دييگو] بالبحث عن كواكب في الحشود النجمية المفتوحة(4) open star clusters. ولأنه من الممكن تقدير عمر الحشد النجمي، يستطيع الفلكيون تقدير عمر أية كواكب يُعثر عليها في أحد الحشود.
ومنذ عهد قريب، أجريت عملية بحث أخرى باستعمال مقراب هبل الفضائي. فالفريق الذي يقوده <R. جيليلاند> [الفلكي في معهد علوم المقراب الفضائي] رصد بالتعاون مع براون، الحشد الكروي 47 توكاني 47 Tucanae طوال ثمانية أيام. وقد تعقب الباحثون 34000 نجم، وتوقعوا إحصائيا رؤية 17 عبورا، ولكنهم لم يعثروا على شيء. ومازال الفلكيون يفكرون مليا في هذه النتيجة الصفرية. وربما كان هذا الحشد لا يحوي كواكب لأن نجومه تفتقر إلى وجود العناصر الثقيلة التي تكون الكواكب، أو لأن قرب النجوم بعضها من بعض أدى إلى تشويه المدارات الكوكبية على مدى العشرة بلايين سنة أو نحوها، وذلك منذ أن تكونت المجرة.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_0071.gifhttp://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002264.jpg
تَمثل أول نجاح لطريقة العبور في تأكيد وجود كوكب حول النجم HD 209458 الشبيه بالشمس. وضمنيا، يدل الانخفاض بنسبة 1.8 في المئة في سطوع النجم (النقط ذات القضبان الرأسية الدالة على مقدار الخطأ التجريبي) على وجود كوكب قطره يعادل 1.3 مرة قطر المشتري (الخط المتصل)، ولو كان الكوكب أصغر أو أكبر بنسبة 10 في المئة لكان له الأثر نفسه تقريبا (الخطوط المتقطعة). وتوحي الأرصاد الحديثة المتعددة الألوان بأن قطر هذا الكوكب يعادل 1.6 مرة كوكب المشتري. وقد زادت أخطاء القياس بعد العبور، لأن النجم كان يقترب من الأفق.
وتوفر لنا جميع هذه المحاولات فكرة عميقة وقيمة عن الطريقة التي تتكون بها الكواكب، وعن مدى شيوعها. ولكن لما كانت عمليات البحث مقصورة على النجوم الكبيرة نسبيا، وكان الرصد يُجرى خلال وقت قصير ـ ومن ثم فهو يكشف عن عبور وحيد بدلا من عبور متكرر ـ فإن هذه العمليات تستهدف النجوم العملاقة الغازية التي لا يمكن أن توجد عليها حياة كما نعرفها. وللبحث عن عوالم يحتمل أن تكون صالحة للحياة عليها، قام دويل وديگ بسلوك أسلوب آخر. فنحن نركز اهتمامنا على النجوم الصغيرة نسبيا، التي يُعرف أنها تَشغل وضع الاستقامة اللازم لاكتشاف حوادث العبور. بعد ذلك، نقوم بمراقبتها مدة طويلة بدرجة تكفي لرصد حوادث عبور متعدد، وهذا يزودنا بإشارة واضحة، حتى لو كان كل عبور أضعف من أن يكون بالإمكان كشفه على حدة.
ولفهم مغزى السمة الأولى، لننظر فيما يلزم لنشوء موطن للأشياء الحية. إن الكيمياء الحيوية، من النمط السائد على الأرض، تتطلب ماء سائلا. ولا يمكن لكوكب أن يحوي ماء سائلا إلا إذا كان يدور على مسافة معينة من نجمه. فإذا كان كوكب قريبا جدا من نجمه، فهو يعاني تأثير احتباس حراري (دفيئة) جامح. واستنادا إلى بحث أنجزه <J. كاستينگ> [من جامعة پنسلڤانيا الحكومية] و<D. ويتماير> [من جامعة جنوب لويزيانا] و<R. رينولدز> [من مركز إيمز التابع لناسا]، يتبين أن الاستراتوسفير (الغلاف الطبقي) stratosphere للكوكب القريب من نجمه يصبح مشبعا ببخار الماء، وأن ضوء الشمس يحلل الماء إلى أكسجين وهدروجين، وأن الهدروجين يبتعد إلى أغوار الفضاء. والنتيجة الإجمالية هي كوكب جاف تماما وفائق الحرارة مثل الزهرة. وبالمثل، إذا كان كوكب بعيدا جدا عن نجمه، فما يحدث هو تأثير تبريد شديد runaway refrigerator effect. وهنا تتجمد غازات الاحتباس الحراري، كثنائي أكسيد الكربون، إلى ثلج. ولأن الجليد يعكس إشعاعا أكثر مما تعكسه الصخور، فإنه يقوي النزعة إلى التبريد. ومن ثم يدخل الكوكب في بيئة قارسة البرودة، كما هي الحال في المريخ.
والنجوم الأصغر من الشمس أبرد منها، لذا تكون المناطق الصالحة للحياة حولها أقرب إليها. ويزيد هذا القرب من احتمال رؤيتنا لحوادث العبور. إضافة إلى ذلك، فإن كوكبا من حجمٍ معطى، يوفر إشارة عبور أقوى حين يمر أمام نجم صغير. ومن ثم فإن الكواكب التي تدور حول نجوم صغيرة والتي يحتمل وجود حياة عليها، ربما كانت هي الأسهل اكتشافا من غيرها من الكواكب.
أعضاء المنتدي الكرام
هذا المقال منشور بمجلة العلوم ( الترجمة العربية لمجلة ساينتفك أمريكان )
عددها الصادر ابريل 2002
http://www.oloommagazine.com/Images/Magazines/4-2002.jpg
وتلبية لطلب الأخ العزيز محمد مصطفي سأضع هذه المقال والمقالات التالية إن شاء الله بدلاً من روابطها.
البحث في الكون عن ظلال أراض أخرى
لقد عثر الفلكيون على عشرات من الكواكب العملاقة خارج نظامنا الشمسي،
بيد أنهم لم يتمكنوا، حتى الآن، من رصد كوكب بحجم كرتنا الأرضية.
<R.L. دُويل> ـ <J.H. ديگ >ـ <M.T. براون>
لم ير أحد قط كوكبا (سيارا) خارج نظامنا الشمسي. ولكن اثنين من الفلكيين شاهدا في الشهر 11/1999 شيئا مثيرا جدا، ألا وهو ظل كوكب. وقد حدث ذلك عندما كان <D. شاربونو> [وهو طالب دراسات عليا في جامعة هارڤارد] يحلل سطوع النجم الشبيه بالشمس HD 209458 بالاعتماد على بيانات جُمعت في وقت سابق. حين كان يعمل مع أحدنا (براون). وفي الوقت نفسه تقريبا، كان<G. هنري> [وهو فلكي يعمل في جامعة تينيسي الحكومية] يرصد النجم ذاته مستقلا عن شاربونو.
إن النجم HD 209458 نجم مغمور، حتى إنه لم يعط اسما خاصا به. ولكنه يستحق الشهرة لسبب وحيد هو وجود كوكب يدور حوله، كتلته تعادل على الأقل، ثلثي كتلة المشتري ـ أو هكذا ظن الفلكيون. هذا ولم يُستدل على وجود الكوكب إلا بأسلوب غير مباشر، وذلك عن طريق الارتعاشات (التراوحات) wobbles التي كان يحدثها في النجم. ولكن شاربونو وهنري طَرَقا تقنية مختلفة للتحقق من هذا الكشف. فقد طرحا السؤال التالي: «هل يمكن للكوكب أن يمر من أمام النجم عبر خط نظرنا، ويحجب عنا مؤقتا بعضا من ضوء النجم؟»
من منظورنا، لا بد للنجم عند ذلك من أن يعتم بطريقة مميزة. ويتطلب مثل هذا الحدث، الذي يسمى عبورا(1) transit، أن يكون مدار الكوكب مائلا جدا، ولكن هذا ليس بالأمر المستحيل كما قد يبدو للوهلة الأولى. والسبب أن احتمال مرور الكواكب التي تدور قريبا جدا من نجومها ـ مثل الكوكب الذي يدور حول النجم HD 209458 ـ بين الراصد وهذه النجوم هو واحد في العشرة. وبحلول الوقت الذي كان فيه شاربونو وهنري ينظران إليه، كان قد جرى البحث دون نجاح عن حوادث عبور لمعظم الكواكب الأخرى المعروفة خارج نظامنا الشمسي. وكان من نتيجة ذلك أن نفرا قليلا من الفلكيين بدأوا يفكرون: هل عدم رصد حوادث عبور يُعني ضمنا عدم وجود كواكب؟ وربما كان ثمة خطأ في تفسير أرصاد الارتعاشات.
ولكن دراسات شاربونو وهنري بددت هذه الشكوك. ففي الوقت نفسه الذي أشارت أرصاد الارتعاشات إلى احتمال حدوث عبور، أعتم النجم بنحو 1.8 في المئة مدة ثلاث ساعات. وإضافة إلى أن هذا الإعتام قدَّم دليلا واضحا على وجود كوكب، فإنه مَكن من القياس المباشر لقطر الكوكب والذي وجد أنه يعادل 1.3 مرة قطر المشتري ـ وهذه أول مرة يُقاس فيها حجم كوكب خارج نظامنا الشمسي. ويتوافق هذا القياس مع التنبؤات النظرية التي تذهب إلى أن هذا الكوكب، القريب جدا من نجمه، لا بد أن يكون قد انتفخ.
لقد وفرت طريقة العبور بداية ميمونة لكشف الكواكب. فحتى الآن، مازال صيادو الكواكب يعتمدون اعتمادا أساسيا على تقنية الارتعاش، التي تسمى تقنيا طريقة السرعة نصف القطرية radial-velocity method. وتبحث هذه الطريقة عن الانزياحات shifts الدورية الدقيقة في طيف نجم، والتي تشير إلى أن النجم يُدفع جيئة وذهابا بوساطة رفيق غير مرئي. وقد تحقق أول نجاح لها عام 1995 عند اكتشاف كوكب حول النجم 51 پيگاسي 51 Pegasi الشبيه بالشمس. ومنذ ذلك الحين، تعرَّف الفلكيون أكثر من ثلاث دستات من الكواكب (انظر الإطار في الصفحتين 28 و 29). ويمكن تطبيق طريقة السرعة نصف القطرية على أي نجم، ولكن هذه الطريقة تعاني صعوبة رؤية العوالم الصغيرة جدا أو البعيدة جدا عن نجومها.
ولطريقة العبور عيب جوهري متأصل فيها ـ هو الحاجة إلى وقوع الكوكب والنجم والراصد على استقامة واحدة، ويلزم لذلك حظ وافر. ولكن عندما تقع حوادث العبور بالفعل، فإنها تبين حجم الكوكب وخواصه الأخرى، حتى لو كان عالَما صغيرا إلى حد ما. وفي الحقيقة، إن طريقة العبور هي التقنية الوحيدة القادرة حاليا على كشف الكواكب التي يصل صغرها إلى حجم أرضنا والتي تدور حول نجوم شبيهة بالشمس. وقد استخدم اثنان منا (دويل وديگ) هذه الطريقة في نظام نجمي آخر يسمى CM دراكونيس Draconis للبحث عن عوالم شبيهة بأرضنا. ويُمْكِننا من رؤية أجسام هي من الصغر بحيث تعادل أقطارها 2.5 مرة قطر الأرض. وهكذا فإن أول بحث عن كواكب خارج نظامنا الشمسي يحتمل وجود حياة عليها كما نعرفها، ماضٍ قدما.
على الشمس حاليا بقعة سوداء صغيرة(**)
إن فكرة البحث عن حوادث عبور ليست جديدة، فالكسوف الشمسي هو أساسا عبور للقمر أمام الشمس. وفي وقت مبكر يعود إلى القرن السابع عشر توقع<J. كپلر> عبورا لعطارد أمام الشمس، ثم إن أحد أسباب توجه القبطان <J. كوك> في أول رحلة له إلى البحار الجنوبية South Seas، هو مشاهدة عبور كوكب الزهرة عام 1769. وكان فلكيو تلك الأيام يستخدمون حوادث العبور لحساب بُعْد الأرض عن الشمس. وأول من اقترح ـ في مذكرة صغيرة ـ فكرة إمكان رصد عبور الكواكب أمام نجوم أخرى غير الشمس هو<O. شتروڤي> [من مرصد يِركيس] عام 1951، ثم طور هذه الفكرة <F. روزنبلات> [من جامعة كورنيل] عام 1971 و<W. بوروكي> [من مركز إيمز للبحوث التابع للوكالة ناسا] في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
وخلال عبور لعطارد أو للزهرة، يشاهد الفلكيون نقطة سوداء صغيرة تنزلق عبر وجه الشمس. ولكن عبور كواكب من خارج نظامنا الشمسي لا يمكن كشفه إلا بطريقة غير مباشرة. وهنا يتعين على الراصدين مراقبة منحني ضوء(2) light curve النجم والبحث عن انخفاض دوري فيه، وهذه علامة مميزة على وجود كوكب يمر من أمام النجم. إن القياس الدقيق لضيائية luminosity النجم هو فرع قائم بذاته من علم الفلك، يطلق عليه اسم الفوتومترية (قياس الشدة الضوئية) photometry. ويمكن للعين المجردة أن تميز بسهولة تغير شدة سطوع نجم بمقدار 2.5 مرة تقريبا. وبمقارنة سطوع نجمين بطريقة تسمى الفوتومترية التفاضلية differential photometry، يمكن للعين المدربة كشف تغيرات أدق. وبإمكان المقاريب الصغيرة، المزودة بكاميرات حديثة تستعمل أداة قرن بالشحنة(3) charge-coupled device CCD ، بلوغ دقة قدرها 0.1 في المئة. أما المقاريب الكبيرة فيمكنها أن تؤدي ما هو حتى أفضل من هذا، وذلك بتجميعها قدرا أكبر من الضوء، وبحسابها لمتوسط الشذوذات الجوية.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002260.jpg
ربما يكون قد كُشف عن كوكب شبيه بالأرض حول النجم الثنائي CM دراكونيس. وقد رصد مؤلفو هذه المقالة إعتاما طفيفا يتكرر بانتظام لضوء النجم ـ وقد يشير ذلك إلى وجود كوكب يمر أمام النجم الثنائي. وسواء ثبت هذا الأمر أو لا، فإن تقنية البحث عن ذبذبات في السطوع النجمي هي الآن أفضل أمل للفلكيين في العثور على عوالم تصلح لوجود حياة عليها.
وفي حالة الكواكب الصغيرة، تكون قياسات العبور بالطريقة الفوتومترية أشد حساسية من طرق الكشف الأخرى. وقد تُحدَّد الحساسية بالإشارة التي يراد قياسها ـ أي بكمية الضوء النجمي المحجوب بالكوكب. وهذه الإشارة تتناسب طرديا مع مساحة المقطع العرضي للكوكب، ومن ثم فهي تتغير طرديا مع مربع نسبة نصف قطر الكوكب إلى نصف قطر النجم. وبالمقابل، فإن الارتعاش في السرعة نصف القطرية لنجم يتناسب طرديا مع نسبة كتلة الكوكب إلى كتلة النجم، ومن ثم مع النسبة بين مكعبي نصفي قطريهما. وبسبب كون الكواكب أصغر بكثير من النجوم ـ فنصف قطر المشتري يساوي نحو 10 في المئة من نصف قطر الشمس، ونصف قطر الأرض يساوي نحو 1 في المئة من نصف قطر الشمس ـ فإن النسبة بين المربعين تكون أصغر من النسبة بين المكعبين، وهذا يؤدي إلى قياسات أفضل للعبور.
لقد أخذ استكشاف جزئي للعبور أمام النجم HD 209458 نحو 40000 فوتون من الطاقة الضوئية، في حين أخذ قياس ارتعاشه بنفس الدرجة من الثقة نحو 10 ملايين فوتون. وبالطبع، فقد استعملت هذه الفوتونات على نحو مختلف: ففي طريقة العبور، كانت تُعَدّ طوال الوقت بوساطة فوتومتر (مقياس الشدة الضوئية) photometer؛ وفي طريقة الارتعاش كانت تقسم جزئيا في المطياف إلى نُطُق (عصائب) bands ضيقة من الأطوال الموجية بوساطة مطياف. ولكن الميزة الجوهرية للطريقة الفوتومترية هي أنها تمكننا من استعمال مقاريب أصغر للعثور على كواكب من حجمٍ معطى. هذا وإن كوكبا بحجم المشتري يجعل نجمه يعتم بنسبة 1 في المئة تقريبا، وهذا أمر يمكن كشفه جيدا بوساطة المقاريب التي قطرها متر واحد. أما الكواكب التي هي بحجم الأرض، التي تعتم نجومها بنسبة تقرب من 0.01 في المئة، فيتعذر كشفها حتى بأكبر المقاريب المتوفرة حاليا. ومع ذلك، فالدقة المطلوبة يمكن بلوغها باستخدام حيل رصدية خاصة وتقنيات معينة لكشف الإشارات.
هذا ويجب أيضا أن تؤخذ في الاعتبار المسافة بين الكوكب ونجمه. فطريقة الارتعاشات تنخفض حساسيتها بدرجة تتناسب طرديا مع الجذر التربيعي لهذه المسافة، لأن الكواكب البعيدة تمارس شدا تثاقليا أضعف على نجومها. وهذا هو السبب في أن معظم الكواكب التي عُثِر عليها بهذه الطريقة كانت بحجم المشتري، وكانت تسير في مدارات قريبة من نجومها. ولكن حوادث العبور يمكن كشفها في حال رفيقين بعيدين على استقامة مع الراصد بالسهولة ذاتها التي يُكشف بها الرفيقان القريب أحدهما من الآخر. والتأثير الذي ينشأ عن المواقع النسبية للنجم والكوكب والراصد هندسي محض. وبمقارنة المسافة بين النجم والكوكب بالسنين الضوئية التي تفصل النجم عن الأرض، يظهر أن هذه المسافة غير مؤثرة على الإطلاق؛ ومع أنها يمكن أن تتغير بجزء كسري كبير من قيمتها، فإن مقدار الإعتام من منظورنا سيبقى دون تغيير تقريبا.
الآن أنت تراه، الآن أنت ترى منه جزءا أقل: هذه هي الفكرة التي تكمن وراء طريقة العبور في كشف الكواكب. لنأخذ كوكبا في نظام نجم ثنائي. إن الفلكيين لا يرون في الواقع نجمين منعزلين، ذلك أن ضوءيهما يتجمعان معا. وحين يمر الكوكب أمام كل من النجمين من منظورنا، يعتم النظام بأسلوب مميز. ويتوقف قدر الإعتام ومدته، المقيسين بدقة، على موقعي النجمين في مدارهما المشترك.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002261.jpg
هنا تكون المسافة الظاهرية الفاصلة بين النجمين أكبر ما يمكن. ويكون عبور الكوكب مزدوجا لأنه يمر أمام أحدهما، ثم أمام الآخر.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002262.jpg
إذا مر الكوكب من الأمام حين يكون أحد النجمين كاسفا للآخر، فيمكن للعبور أن يدوم مدة أطول ويُحْدِث نقصانا نسبيا أكبر في السطوع.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002263.jpg
إذا مر الكوكب من الأمام قبل الكسوف النجمي مباشرة، حدث عبور ثلاثي: أولا عبر النجم القريب، ثم عبر النجم البعيد (ولكن خلال مدة أقصر لأن النجم والكوكب يتحركان في اتجاهين متعاكسين)، وأخيرا عبر النجم البعيد مرة أخرى.
ما الكواكب الأخرى التي تدور حول شموس أخرى(***)
ولكن ازدياد المسافة بين النجم والكوكب يقلل من فرصة وجود الكوكب في مدار يمكِّننا من مشاهدة حوادث عبوره. وعلى سبيل المثال، إن احتمال رؤية عبور الأرض في مدارها الحالي أمام الشمس، من قبل فلكي موجود في موقع محدد عشوائيا خارج الأرض، يساوي 0.5 في المئة فقط. ولهذا السبب، فقد أُهملت طريقة العبور ردحا طويلا من الزمن. ولكن ثمة تطورين غيَّرا أفكار الفلكيين. أولهما هو الاكتشاف غير المتوقع لتلك الكواكب العملاقة خارج نظامنا الشمسي القريبة جدا من نجومها ـ خلافا للكواكب في نظامنا الشمسي التي لها مدارات واسعة. وتجدر الإشارة إلى أن المدارات القريبة من النجوم تزيد من احتمال كشف العبور 10 مرات. والأمر الآخر هو ابتكار نظم التصوير المتسع المجال (المدى) wide-field imaging systems، الذي يُمكِّن من مراقبة عشرات أو مئات الآلاف من النجوم في وقت واحد. والسبب في ذلك بسيط؛ فإذا نظرنا إلى عدد كاف من النجوم خلال وقت كاف، فلا بد أن يُكشف عن حوادث عبور لبعضها. وبهذه الطريقة، لا يتمكن الفلكيون من إعداد قوائم للكواكب فحسب، وإنما يستطيعون أيضا جمع إحصائيات عن انتشارها العام.
وتُجرى حاليا عمليات بحث كثيرة باستعمال مقاريب مقامة على الأرض، يبحث معظمها عن كواكب عملاقة مثل الكوكب الذي عثر عليه يدور حول النجم HD 209458 وقريبا منه. هذا وإن مشروع ستير STARE (الذي يديره براون)، ومشروع ڤلكان Vulcan (الذي يديره بوروكي و<D. كوش> [من مركز بحوث إيمز التابع للوكالة ناسا] و<J. جينكينز> [من معهد سيتي SETI في كاليفورنيا]) يفحصان بعناية قرص disk درب التبانة، حيث توجد النجوم بأعداد كبيرة. وفي هذه الأثناء يقوم <A. كويرينباخ> [من جامعة كاليفورنيا بسان دييگو] بالبحث عن كواكب في الحشود النجمية المفتوحة(4) open star clusters. ولأنه من الممكن تقدير عمر الحشد النجمي، يستطيع الفلكيون تقدير عمر أية كواكب يُعثر عليها في أحد الحشود.
ومنذ عهد قريب، أجريت عملية بحث أخرى باستعمال مقراب هبل الفضائي. فالفريق الذي يقوده <R. جيليلاند> [الفلكي في معهد علوم المقراب الفضائي] رصد بالتعاون مع براون، الحشد الكروي 47 توكاني 47 Tucanae طوال ثمانية أيام. وقد تعقب الباحثون 34000 نجم، وتوقعوا إحصائيا رؤية 17 عبورا، ولكنهم لم يعثروا على شيء. ومازال الفلكيون يفكرون مليا في هذه النتيجة الصفرية. وربما كان هذا الحشد لا يحوي كواكب لأن نجومه تفتقر إلى وجود العناصر الثقيلة التي تكون الكواكب، أو لأن قرب النجوم بعضها من بعض أدى إلى تشويه المدارات الكوكبية على مدى العشرة بلايين سنة أو نحوها، وذلك منذ أن تكونت المجرة.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_0071.gifhttp://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002264.jpg
تَمثل أول نجاح لطريقة العبور في تأكيد وجود كوكب حول النجم HD 209458 الشبيه بالشمس. وضمنيا، يدل الانخفاض بنسبة 1.8 في المئة في سطوع النجم (النقط ذات القضبان الرأسية الدالة على مقدار الخطأ التجريبي) على وجود كوكب قطره يعادل 1.3 مرة قطر المشتري (الخط المتصل)، ولو كان الكوكب أصغر أو أكبر بنسبة 10 في المئة لكان له الأثر نفسه تقريبا (الخطوط المتقطعة). وتوحي الأرصاد الحديثة المتعددة الألوان بأن قطر هذا الكوكب يعادل 1.6 مرة كوكب المشتري. وقد زادت أخطاء القياس بعد العبور، لأن النجم كان يقترب من الأفق.
وتوفر لنا جميع هذه المحاولات فكرة عميقة وقيمة عن الطريقة التي تتكون بها الكواكب، وعن مدى شيوعها. ولكن لما كانت عمليات البحث مقصورة على النجوم الكبيرة نسبيا، وكان الرصد يُجرى خلال وقت قصير ـ ومن ثم فهو يكشف عن عبور وحيد بدلا من عبور متكرر ـ فإن هذه العمليات تستهدف النجوم العملاقة الغازية التي لا يمكن أن توجد عليها حياة كما نعرفها. وللبحث عن عوالم يحتمل أن تكون صالحة للحياة عليها، قام دويل وديگ بسلوك أسلوب آخر. فنحن نركز اهتمامنا على النجوم الصغيرة نسبيا، التي يُعرف أنها تَشغل وضع الاستقامة اللازم لاكتشاف حوادث العبور. بعد ذلك، نقوم بمراقبتها مدة طويلة بدرجة تكفي لرصد حوادث عبور متعدد، وهذا يزودنا بإشارة واضحة، حتى لو كان كل عبور أضعف من أن يكون بالإمكان كشفه على حدة.
ولفهم مغزى السمة الأولى، لننظر فيما يلزم لنشوء موطن للأشياء الحية. إن الكيمياء الحيوية، من النمط السائد على الأرض، تتطلب ماء سائلا. ولا يمكن لكوكب أن يحوي ماء سائلا إلا إذا كان يدور على مسافة معينة من نجمه. فإذا كان كوكب قريبا جدا من نجمه، فهو يعاني تأثير احتباس حراري (دفيئة) جامح. واستنادا إلى بحث أنجزه <J. كاستينگ> [من جامعة پنسلڤانيا الحكومية] و<D. ويتماير> [من جامعة جنوب لويزيانا] و<R. رينولدز> [من مركز إيمز التابع لناسا]، يتبين أن الاستراتوسفير (الغلاف الطبقي) stratosphere للكوكب القريب من نجمه يصبح مشبعا ببخار الماء، وأن ضوء الشمس يحلل الماء إلى أكسجين وهدروجين، وأن الهدروجين يبتعد إلى أغوار الفضاء. والنتيجة الإجمالية هي كوكب جاف تماما وفائق الحرارة مثل الزهرة. وبالمثل، إذا كان كوكب بعيدا جدا عن نجمه، فما يحدث هو تأثير تبريد شديد runaway refrigerator effect. وهنا تتجمد غازات الاحتباس الحراري، كثنائي أكسيد الكربون، إلى ثلج. ولأن الجليد يعكس إشعاعا أكثر مما تعكسه الصخور، فإنه يقوي النزعة إلى التبريد. ومن ثم يدخل الكوكب في بيئة قارسة البرودة، كما هي الحال في المريخ.
والنجوم الأصغر من الشمس أبرد منها، لذا تكون المناطق الصالحة للحياة حولها أقرب إليها. ويزيد هذا القرب من احتمال رؤيتنا لحوادث العبور. إضافة إلى ذلك، فإن كوكبا من حجمٍ معطى، يوفر إشارة عبور أقوى حين يمر أمام نجم صغير. ومن ثم فإن الكواكب التي تدور حول نجوم صغيرة والتي يحتمل وجود حياة عليها، ربما كانت هي الأسهل اكتشافا من غيرها من الكواكب.