المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبدالحق برونو كيدردوني.. خبير فيزياء الفلك الفرنسي



تووومي
02-17-2010, 12:04 AM
عبدالحق برونو كيدردوني.. خبير فيزياء الفلك الفرنسي


الثقافة الإسلامية تتسع للعلم والروحانيات والآيات القرآنية فسرت ظواهر الكون
المسلمون لم يعرفوا القطيعة العلمية مثل الأوروبيين وقدموا الإعجاز العلمي في القرآن
أبحاثي عن حركة الجسيمات والمجرات جعلتني أصرخ وأقول ( سبحان الخالق العظيم )



الراية - باريس: في الوقت الذي عرفت فيه العلوم الكلاسيكية التي وصلت إلي قمة صعودها في الغرب خلال القرنين الماضيين، قطيعة كلية مع الموروث اللاهوتي، واستقالة تعسفية عن الميتافزيقيا، الأمر الذي أسس لتراكم معرفي علمي مادي استبعد أي بعد أو دور للإيمان في أي من تفاصيله، نجد الثورة العلمية الجديدة في هذا الغرب ذاته، تأتي اليوم مع مطلع هذا القرن الجديد لإعادة تطويع العلم لأبعاد روحانية وإيمانية لا تنتمي لنفس المرجعية العقلانية أو المادية السائدة حتي هذا التاريخ، وذلك أمام ذلك القلق الميتافيزيقي الذي أصاب علماء هذا القرن مع تبلور الباردجم العلمية الجديدة التي أركعت غرور العقل الإنساني، وذلك بالقياس إلي انفلات أسرار الكون عن يد العلم وعن مقاييسه التي كان يظنها نهائية!

الراية حاورت البروفسور الفرنسي المسلم برونو كيدردوني، خبير فيزياء الفلك، ومدير المرصد الفلكي الفرنسي ومدير أبحاث شؤون الكواكب والمجرات في المركز القومي للبحوث العلمية. ورئيس المؤسسة الإسلامية للدراسات العليا المتطورة، ورئيس الشبكة العالمية للبحث حول العلم والدين في الإسلام.

الذي يؤسس بذاته لمرجعية إسلامية نوعية تبلور خطابا ينتظره هذا القرن، والذي يستند إلي حوار العلم والدين، للحديث معه حول تجربته الشخصية كعالم فلك وكيف قادته أبحاثه حول الفضاء والمجرات للإيمان، والدور الذي يمكن أن يقدمه الإسلام لنجدة العلم القلق في هذا القرن.

صرت اليوم من أشهر المسلمين في فرنسا، وفق مواقفك الواضحة من ضرورة منح المسلم الأوروبي مكانته الطبيعية في السياق العام للمجتمع الأوروبي، وبالإضافة إلي مكانتك العلمية كمدير المرصد الفلكي الفرنسي، كنت تقدم برنامج "معرفة الإسلام" في القناة الرسمية فرانس 2، كيف كان دخولكم للإسلام؟

- إنني أنتمي لجيل عصف به القلق الروحي، حيث سادت العلمانية في المناخ الثقافي العام من حولنا، ولم يسعفنا الأهل ولا المدارس بإي إجابة روحية لمواجهة ذلك الضغط، لذلك دخلت بمفردي في مسيرة بحث روحية وعقلية طويلة هي التي اعتنقت بعدها الإسلام، وذلك بعد أن قرأت الكثير والكثير، وتعمقت في رسالة الإسلام، خاصة خلال فترة إقامتي في المغرب ومعايشتي لذلك المد الروحي العميق الذي يسعفنا به هذا الدين الحنيف. وكان عمري 20 عاما...عندما هداني الله إلي طريق الحق.

وكان السؤال الذي طرح علي في حينها لماذا الإسلام بالذات، أليس الأقرب أن أتجه نحو المسيحية؛ وهي الدين الغالب من حولي، وكانت الإجابة واضحة بالنسبة لي، وهي أن الإسلام وحده، وربما لأنه آخر الرسالات وأقرب الأديان عهدا بالنزول، الذي لازال يتمتع بنفح روحي دافق، ومازال ينبض بنور الخالق، ولازال في عنفوان القدرة علي تقديم كافة الإجابات الكونية علي حيرة الإنسان المعاصر، بينما نجد أن الأديان الأخري قد تجردت تقريبا عن هذا بسبب هجمات المادية والإلحاد التي توالت عليها عبر القرون.

وفي كل الأحوال فإن الهدي من عند الله، ولا يسعني إلا أن أحمد الله الذي هداني إلي هذا، "وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله".

كيف ترون إمكانية الجمع بين هذين الطرفين البعيدين كل عن الآخر بحسب وجهة العلم الكلاسيكي: العلم والإيمان؟

- في واقع الأمر هناك قاسم مشترك أساسي ينهض عليه العلم كما الدين، وبنفس المستوي من الأهمية والاعتماد، وهو مبحث "الحقيقة"، أو البحث عن معرفة حقائق الأشياء. وإذا أمكن فهم هذا الجانب بالنسبة للعلم ضمنا، نجد أن الدين يرتكز إليه في سياق الاعتقاد ذاته؛ فالإسلام علي سبيل المثال قد بدأ بكلمة التنزيل الأولي وهي "اقرأ"، وتعددت بعدها الآيات الداعية للبحث والمعرفة والتقصي والنظر... وضرورة التزود بالعلم؛ وهو المفهوم الذي نجده قد تتكرر 800 مرة، سواء في القرآن الكريم أو في مختلف الأحاديث النبوية؛ كل ذلك باعتباره مدخلاً وسنداً ودعامة أساسية للإيمان، بل إن طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة" في الدين الإسلامي، وقد أمرنا نبينا الكريم بطلب العلم " علي أن العلم الكلاسيكي الذي كان يتصور ضرورة الفصل بين العلم المادي والإيمان، وفق تصوره لقدرة العلم علي تفسير كل الأشياء؛ قد انتهي اليوم، ودخلنا عصر جديداً نفهم فيه العلم بشكل مختلف، أو يتعامل فيه العلم ذاته مع الواقع وفق بارديجم جديدة عرفت بذاتها، وفي ذاتها محدوديتها وحاجتها لبعد مكمل هو البعد الروحاني، والتوكل بالأحري علي صاحب السر لتفسير سر السر.

هل تقصد أن العلم بالمعني المعاصر للكلمة صار يحتاج في تفسيره للوجود بالضرورة إلي الإيمان؟
- مفهوم العلم في ذاته يتسع في الثقافة الإسلامية للدلالة علي ثلاثة أوجه للمعرفة: أولها العلم الديني؛ الذي يتأتي عن الوحي، أي عن الكتاب المنزل، ثم الوجه الثاني والذي يعني السعي لمعرفة العالم؛ وهي المعرفة التي تتم بالبحث والتدبر، ثم الوجه الثالث، وهو المتعلق بالمعرفة اللدنية الموهوبة من الله. الأمر الذي يفترض منا ضرورة الانتباه إلي ما يحمله هذا المفهوم من دلالات؛ وكيف أن مفهوم "العلم" هنا يغطي كافة أنواع المعرفة الممكنة. عكس ذلك: نجد أن "العلم" الكلاسيكي؛ لا يمثل إلا إحدي المقاربات الممكنة لمفهوم "العلم" المطروح هنا: حيث أن العلم كان يستند إلي جملة من الافتراضات المبدئية والبحث عن حد أدني من التفسيرات الطبيعية وعلي منهجية للبحث بالإضافة إلي الانتقال من وإلي النظرية والتجربة وقياس الظواهر قصد وضع أسس لقواعد رياضية قادرة علي وصف الظاهرة. علي إن هذا العلم قد اكتشف محدوديته مع الثورات العلمية الكبري التي طبعت القرن الجديد، وصار العلماء علي يقين بأنهم لن يتمكنوا من تفسير الوجود إلا من خلال الإيمان بأن وراء هذا الخلق حكمة لا يملك سرها إلا الخالق.

في هذا السياق فأن إي موقف قد يتم أخذه بالقياس إلي العلاقة بين العلم والدين، يستطيع أن يضفي إضاءات متنوعة علي هذه الملامح الثلاث للمعرفة. لكن التوجه المركزي للإسلام يبقي هو الإقرار بوحدانية الله الذي يضمن وحدانية المعرفة طالما أن كل معرفة حقيقية تعيدنا إلي الله.

وكلمة آيات نفسها تدل في نفس الوقت علي العلامات الدالة علي الله في الكون وعلي الآيات القرآنية. فكثير من أجزاء القرآن، تلك التي يطلق عليها المفسرون الآيات الكونية تشد انتباه القارئ إلي الظواهر الطبيعية وتدفعه إلي التدرب علي تفكيك إبداع الخالق.

علي النحو الذي لا يترك أي إمكانية للتعارض بين معطيات معرفة العالم وبين معطيات الوحي، أو لتصور وجود حقيقتين متوازيتين وهو التصور الذي تم انتقاده بشدة في الغرب في القرون الوسطي، والذي تم نسبته خطأ إلي الفلاسفة المسلمين.

في دفاعك علي أهمية حوار العلم والدين في الإسلام ترد بشدة علي هذا التصور، وتؤكد علي سبق المسلمين في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية إلي هذا الحوار بين العلم والدين واستناد الحضارة الإسلامية علي مراعاة التكامل بينهما، كيف تفسر تراجع هذا التقليد عند المسلمين بعد ذلك؟

- بالفعل هذا ليس بالموضوع الجديد في الإسلام؛ فإن فلاسفة الإسلام العظماء أمثال الغزالي وابن رشد قد تناولوا - من قبل- مفهوم الاتصال بين العلم والدين.

واستخدم -هنا- كلمة الاتصال؛ لأنها نفس الكلمة التي وظفها ابن رشد في كتابه: "فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال"، فالحكمة يمكن أن نقول عنها اليوم: "العلم"، و"الشريعة" يمكن أن نطلق عليها اليوم كلمة "الدين". وكلاهما الغزالي وابن رشد؛ يؤمنان إيمانًا راسخًا "بوحدة الحقيقة" في الدين الإسلامي، وإنه لا يمكن أن تكون هناك حقيقة علمية تعارض حقيقة دينية.

وهنا، في هذا الحوار النوعي بين هذين الرجلين حول الموضوع، تتبلور هذه الفكرة الأساسية لمبحث حوار العلم والدين في الإسلام وفق دلالاته كمرشد للعقل باتجاه وحدانية الخالق، من حيث إن كلاهما قد درس العلاقات بين العقيدة الإسلامية من جهة والفلسفة والعلوم ذات المصادر الهيلينية من جهة أخري، وذلك بالقياس إلي اهتمامها بالعلاقات بين العلم والدين.

فالغزالي يدافع في كتابه المنقذ من الضلال عن الفكرة القائلة بإمكانية الوصول إلي اليقين العقلي عبر الهداية الإلهية، بينما جعل ابن رشد من بعده المعرفة الفلسفية واجباً دينياً باعتبارها تؤدي بالضرورة إلي تعميق الإيمان الفطري بدلائل عقلية.

وإذا كان ثمة من تضارب في الظاهر بين ما تتوصل إليه الفلسفة من نتائج مع التعاليم الدينية، فإن ذلك يعود إلي كون الفلاسفة قد مارسوا أبحاثهم الفلسفية خارج ميدان البحث الخاص بالفلسفة، وبذلك كانوا يتوصلون إلي بلورة اقتراحات أو تصورات خاطئة.

لذلك كان الغزالي يدعو الفلاسفة إلي معاودة النظر في أعمالهم لإتمامها وتحسينها، وينبري بدوره في الكشف عن أخطائهم مظهرا تهافت نتائجهم من جهة العقل فقط دون الاعتماد علي حجج دينية. وفي القرن الموالي أكد ابن رشد في إطار فتوي طويلة تمثل مؤلفه كتاب فصل المقال فيما بين الفلسفة والشريعة من الاتصال أن ممارسة الفلسفة والعلم لحكمة هي واجب ديني ألزم به القرآن المؤمنين.

فالنسبة له، إذا ما ظهر اختلاف بين الفلسفة والوحي، فإنه يتوجب إخضاع النصوص الدينية إلي التأويل وإلا وقع المرء في الكفر، بنسبته أشياء خاطئة إلي الله. وإذا تكلم العقل فإن الكرة ترتدّ في مرمي العلماء، وبالذات في مرمي المفسرين قبل غيرهم، الذين يجب عليهم أن يعيدوا الغوص في النص القرآني علهم يتوصلون إلي فهم أفضل له.

أي إنه في رأي الغزالي وفي رأي ابن رشد لا يمكن أن يوجد أصلا أي تعارض بين الدين الحق والعلم الحقيقي. وأن التباين مرده بالأحري إلي الخطأ في التأويل: تأويل الدين أو تأويل العلم. وهذا مهم جدا، لأن ذلك يعني أن الحضارة الإسلامية لم تشهد علي الإطلاق تلك القطيعة التي عرفتها أوربا المسيحية بين العلم والدين بكل ما ترتب عليه من تبلور علم مادي "ملحد" تقريبا ومجرد عن كل الأبعاد الروحية..

فإن القطيعة التي عرفتها العلوم في أوروبا مع اللاهوت بعد محاكمة غاليليو، لم تحدث عن الاطلاق عند المسلمين، علي العكس ظل العلم معتبراً كقيمة عليا، حث عليها الوحي ذاته، وقد عرفت الفضاءات الإسلامية وفق هذا الاعتقاد عمالقة من العلماء الذين كانوا منفتحين علي كل أفق المعرفة البشرية، ابتداء من المعارف الميتافيزيقية الي أدق المعارف العلمية.

يري البعض أن تمسك المسلمين بربط العلم بالدين هو السبب في توقف تقدمهم العلمي، ما رأيك في هذا التحليل؟

- الذي أصاب الفضاء الإسلامي من جمود او نكوص، بالقياس إلي تسارع النهضة العلمية في الغرب، إنما جاء علي العكس نتيجة لاختلال التوازن بين هذين المعيارين، أقصد الوعي العلمي والوعي الميتافيزيقي.

فعبر تتابعية تاريخية يصعب اختصارها هنا، وجد المسلمون أنفسهم في حالة دفاع عن موروثهم الثقافي الديني بالذات، والذي رأوه يتهدد بهذه العلوم الملحدة أو المستقيلة عن الإيمان كما أشرنا، وقد ظهرت بالقياس إلي هذا الخوف ذاته مدارس إسلامية تحاول تطويع المعارف العلمية لإثبات حقيقة الرسالة المحمدية أو مصداقية القرآن الكريم.

وهو ما سيعرف فيما بعد بتيار الإعجاز العلمي في القرآن ، والذي حاول ويحاول أن يثبت أن كل ما جاء به العلم قد سبق وأن ذكره أو أشار إليه القرآن الكريم أو أنه يمكن إثبات وجود الله عن طريق العلم أو الرياضيات....... غير أن الذي حدث، ويحدث، أن هؤلاء قد أخطأوا الطريق، لأن القرآن من جهة ليس بحاجة إلي إثبات، وهو منزل من علي كريم وقادر. (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وهو صادق بذاته، متعال عن أي حاجة. وهو من ناحية أخري كتاب روحاني لم يحاول علي أي مستوي أن يؤسس لمعرفة علمية بالمعني البحثي للكلمة.

فإن الله العزيز القادر لو أراد أن يكتب كتباً علمية لما اتسعت لها الأرض أو الأكوان، وكل الذي أراده القرآن الكريم هو التأسيس لهذا الوصال الروحاني بين العبد وربه وفق هذا العهد القرآني الرباني المتعالي عن أي قيمة مادية أو أرضية قد يعطيها له الإنسان.

من ناحية أخري، فإن العلوم التي يوظفها هؤلاء لإضفاء قيم علمية أو مصداقية معرفية للقرآن قد انكشف اليوم إنها علوم محدودة وقاصرة وعاجزة عن تقديم إي إجابة علمية نهائية، أي انهم قد وقعوا في خطأ اللجوء لما هو قاصر للتأكيد علي ما هو الكمال بذاته.

بل هم يكونون علي هذا النحو؛ قد تدخلوا من ناحية أخري، لإعطاء قيمة إيجابية لعلوم قاصرة، ومتواضعة بما عرقل مسألة النقد العقلي الضروري الذي قاد لمعارف القرن الواحد والعشرين الخرافية ، مروراً بثورات سابقة كانت مقدمة لها.

أما التخلف أو الجمود الذي أصاب المنطقة، بالقياس إلي ترددها في الأخذ بهذه المعارف التي كانت قد أدخلت الغرب إلي مرحلة حيوية من البحث العلمي، هو إن بعض التيارات قد حاولت أسلمة العلوم، أو مطاوعتها للإسلام حتي في سياق المزاوجة بينها وبين معطيات الرسالة المحمدية الروحانية. حيث كان تدخل علماء الدين مؤثراً باتجاه عرقلة البحث العلمي الحر، وفق القيود التي كانوا يفرضونها علي بعض من نواحي البحث، خشية عدم مطابقتها أو معارضتها للدين الإسلامي.

بل ان بعضهم قد ذهب إلي ضرورة جعل القرآن المصدر الوحيد لكل المعرفة الإنسانية (العلمية والتطبيقية أو الفكرية) الإسلامية علي أنه يجب أن نسجل هنا أن العلوم "المادية" في الغرب لم تؤد لتقدم هذه الفضاءات فقط، بل لقد أدت أيضا للكثير من الكوارث والقنابل النووية والحروب والاستعمار... وذلك وفق تخليها عن أخلاق الإيمان والقيم الدينية العليا. كما أنها قد انتهت إلي طريق مسدود وصارت بنفسها محتاجة لإجابات روحية تنقدها من هذا الشك الصاعق الذي أخذ يعصف بها.

ما الذي تعنيه بوصول العلم إلي إدراك محدوديته؟

- إن وصول العلوم الكلاسيكية لإدراك محدوديتها، يعني إدراك هذه العلوم أو تأكد عجزها عن تقديم إجابات أبعد أمام بعض المعضلات التي تحكم قوانين الكون، وبالتالي توضح نسبية المعرفة التي تؤدي إليها، وقصورها عن شرح ألغاز الوجود. وهذا يعني من الناحية العلمية إن العلوم التي كانت تعرف بالعلوم البحتة، وفق تصور استنادها إلي قوانين لا شك فيها؛ قد فقدت هذه المصداقية، وصارت كغيرها من العلوم النسبية التي لا تملك إلا قدر محدود من الإجابات، والتي لن تكون بحال إجابات نهائية ولا كاملة.

وهذا ينطبق علي كل العلوم الكلاسيكية، بما في ذلك علم الرياضيات، والذي كان إلي فترة غير بعيدة يُعد العلم الذي لا يحتمل الشك، بل أنه أسس للأرضية الضرورية لصياغة كافة القوانين والنظريات المتعلقة بهيكلية العلوم الأخري، وبالتالي فإن الهزة التي أصابت الرياضيات سرعان ما انسحبت علي كافة النظريات الفيزيائية والكوسمولوجية.... حيث برهن العلم الحديث ومنذ نظرية غودل، انه لا يوجد أي نظام رياضي مغلق منطقياً.

أي أن أي نظام رياضي لا بد أن يحتوي علي قضايا لا يمكن إثبات صحتها أو عدم صحتها، وبالتالي سقوط "وهم" المعرفة البحتة، أو قدرة العلم الكلاسيكي علي تفسير كل الحقيقة. فبعد اكتشاف غودل، بدأ الهيكل العام للرياضيات وكأنه مغمور بالحفر، والتي لن يكون في مقدرة العقل الإنساني يوماً ما أن يملأها، وهي النظرية التي طورها وأكد علي أهميتها علماء كثيرون من بعده.

ولا تمثل هذه البراديجم العلمية الجديدة هزيمة أو تحدياً للعقل، بقدر ما تعكس بالأحري قدرة العقل الخارقة التي كانت وراء هذا التطور العلمي الخلاق، لكنها قد استدعت تأويلات "للوعي العلمي بواقع الوجود" ذات طبيعة فلسفية؛ لا تملك نفس السهولة التي اتصفت بها تأويلات الباراديجم العلمية السابقة، والتي كان يدعي العلم وفقها؛ أنه يملك القدرة علي الوصول إلي كافة الحقائق.

وبطبيعة الحال يمكننا عدم الخوض في طرح أي تساؤلات فلسفية كبري ، والاكتفاء باعتبار العلم بمثابة مجموعة من الوصفات المضمونة النجاح حسب تعبير بول فاليري. لكن العديد من العلماء المعاصرين الذين يرفضون مثل هذا الخيار " العملياتي" كما يتم وصفه، يعتقدون حقا بوجود "حقيقة مستقلة" عنهم؛ مما دفعهم للبحث عن حقيقة " المعني"؛ معني ممارساتهم العلمية ومعني نتائج أبحاثهم. أي إنهم في واقع الأمر صاروا بقدر ما هم بحاجة لمعرفة أسباب نجاح العلم،هم في نفس الوقت بحاجة لمعرفة أسباب حدوده/ أو محدوديته، وعدم قدرته علي تجاوز هذه الحدود، وذلك من خلال طرح الأسئلة باتجاه آفاق أوسع بكثير هي التي تقود إلي أفق الإيمان.

لماذا يري غودل أن هذه الثغرات التي تتخلل هيكل الرياضيات مما لا يمكن سده بمعرفة علمية مستقبلية متطورة؟ وهل العجز الذي يبدو الآن في العلوم ما لا يمكن تداركه بتطوير معارف أو آليات علمية مستقبلية؟

- في الواقع تستند ضخامة الثورة العلمية المعاصرة، إلي هذا الاكتشاف بالذات، وهو محدودية العلم، وعجزه علي التقدم إلي أبعد من خط "سري" مرسوم من قبل صاحب السر. فقد تأكد للعلم اليوم بأننا كبشر لن نتمكن علي الإطلاق من سد هذه الثغرات التي كشف عنها غودل في الرياضيات، فهي موجودة، وستبقي هكذا، أي إن العقل، والمعرفة البشرية قد وصلت إلي حدها الأقصي، وأن قدراتها عاجزة عن الإجابات العقلية أو المنطقية التي يمكن لها أن تستمدها من قدراتها بما هي عقل أو فكر أو من المعطيات المادية المباشرة، بالقياس إلي أن مثل هذه المعرفة لا يمكن أن تتم إلا من خارج دائرة الوجود ومع اهتزاز الإطار الرياضي اهتزت الكثير من النظريات العلمية في العلوم الأخري كما ذكرت، ومنها العلوم الفيزيائية بطبيعة الحال، حيث تأكد اليوم عجزها ومحدوديتها بدورها؛ بالنظر إلي اكتشافات أخري داخل الفيزياء بالذات.

منها تأكد حقيقة اللاممكن تحديده بدقة ؛ وهذا بدوره لا يعود إلي عجز الأجهزة التي يوظفها الإنسان والتي لو انه تمكن من تطويرها لوصل إلي مستوي أفضل من الأداء العلمي، بل إلي عجز في القدرة العقلية أو العلمية بشأن تحديد مستقبل الظاهرة الكونية، فقدراتنا تنصب علي التأكد من الآن دون القدرة علي الجزم بمستقبل الظاهرة في الزمان.

غير الفيزياء تأكد لنا في مجال علم الفلك علي سبيل المثال، أن ما يمكن أن نعرفه، أو ما تيسر لنا معرفته، أو سيتيسر لنا معرفة ما هو جزء خرافي الصغر، بالقياس إلي " كون "أو "أكوان" خرافية الضخامة ووفق هذه الاكتشافات العلمية الكبري، نجد أن المشروع العلمي في الغرب، والذي تأسس كمشروع يملك الإجابة علي كل الأسئلة انطلاقاً من معطيات أساسية محددة، كما في الرياضيات انطلاقاً من بعض المسلمات أو من الفيزياء انطلاقاً من بعض القوانين النهائية: هذا المشروع قد تحطم نهائياً.

وبالتالي فإن الذين أسسوا تصوراتهم العلمية بناء علي مقدمات هذا المشروع وجدوا أنفسهم فجأة في حالة من عدم التوازن وعدم اليقين: (يعترف الفيزيائي الرياضي الشهير فايل: بأن الشك الذي تحمله في طياتها مبرهنه غودل حول الرياضيات قد كبح وبشكل كبير الحماس والعزيمة اللذين كنتُ أواصل بهما أبحاثي)، رغم انه قد كان علي العلماء الانتظار حوالي مائة عام أخري لإدراك خطورة هذه الأزمة الأساسية في العلم.

ولهذا السبب نجد أن العلم والعلماء في الغرب؛ قد استشعروا الحاجة للبحث عن مفاهيم أخري خارج هذه الأطر (العلمغراتية) التي أظهرت محدوديتها وقصورها المقلق، وتوجهوا نحو الروحانيات والميتافيزيقيا للبحث عن مخارج لأزماتهم الفيزيائية والعلمية، وإعطاء معني لكل ذلك المتعسر علي الفهم في مكونات الوجود...




لي عنده اي أضافه عن (فيزياء الفضاء النووي ) أرجوا أفادتي

و شكرا

chahrazad
03-04-2010, 10:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مشكوووووور والله يعطيك الف عافية