phy cool
11-03-2009, 09:08 PM
رؤى نانوية
تقانة نانوية في طور الآلة(*)
يتنبأ أحد روّاد التقانة النانوية الجزيئية بأن أصغر الإنسالات(1)
(الروبوتات) ستُحْدِث ثورةً في التصنيع وتحوُّلا في المجتمع.
<E .K. دركسلر>
في عام 1959 ألقى الفيزيائي <R. فاينمان> كلمة بعد عشاء يستكشف فيها حدود النمنمة. بدأ من التقانة المعروفة (في زمن كان يمكنك فيه بالكاد وضع آلة حاسبة في جيبك)، ثم تفحَّص الحدود التي وضعها القانون الفيزيائي، وانتهى إلى مناقشة إمكانية (بل وحتمية) بناء الأدوات أو المعدات «ذرة فذرة».
إن ما كان يبدو في تلك الآونة طموحا لامعقولا أو حتى شاذا أصبح في الوقت الحاضر هدفا يشارك فيه الجميع على نطاق واسع. وقد أسهمت عقود من التقدم التقاني في تقليص الإلكترونيات الميكروية لتصل إلى حدّ المقاس الجزيئي، حين أوضح التقدم العلمي الآن على المستوى الجزيئي للكثيرين (وبخاصة في الآلية الجزيئية للنظم الحيوية) ما كان يدور ببال عبقري بمفرده منذ زمن بعيد.
استلهاما من البيولوجيا الجزيئية تركزت الدراسات المتقدمة في التقانة النانوية على البناء من القاع إلى الأعلى، حيث تقوم ماكينات جزيئية بتجميع لبنات بنائية جزيئية لتشكل منتجات products، وبضمنها آلات جزيئية جديدة. ويرينا علم الأحياء إمكانية صنع نظم آلات جزيئية رخيصة الثمن وبكميات كبيرة.
وإذا تجاوزنا التشبيه البيولوجي، فسيكون هدفا طبيعيا أن نتمكن من وضع كل ذرة في مكان مختار (تعمل فيه كجزء من أحد المكوِّنات البنيوية أو الفاعلة) من دون فائض من جزيئات تشوش الأفعال. ولن يكون مثل هذا النظام سائلا أو غازا، مادامت لا توجد جزيئات سائبة تتحرك عشوائيا، كما أنه لن يكون صلبا تتثبت الجزيئات فيه بمكانها. وبدلا من ذلك فإن مادة الطور الآلي الجديد هذا ستبدي الحركة الجزيئية التي نشاهدها اليوم في السوائل والغازات فقط، إلى جانب المتانة الميكانيكية المصاحبة عادة للمواد الصلبة. أما فراغها فسيكون ممتلئا بمعدات آلية فعالة.
إن القدرة على بناء أشياء بالدقة الجزيئية سوف تحْدِث ثورة في طرق التصنيع مما يسمح بتحسين كبير في خواص المواد وأداء الأجهزة. إضافة إلى ذلك، فحينما تتحكم عملية إنتاجية ما في كل ذرة لن يكون هناك سبب لإلقاء مخلفات سامة في الهواء أو الماء. كذلك سيخفض تحسين التصنيع من تكلفة الخلايا الشمسية ونظم تخزين الطاقة فيقل الطلب على الفحم والنفط وينقص التلوث أيضا. وسيبعث مثل هذا التقدم الأمل في أن يتمكن سكان العالم النامي من الوصول إلى مستويات المعيشة في العالم الأول من دون إحداث كارثة بيئية.
هذا وإن انخفاض التكاليف وخفة الوزن والمواد الفائقة القوة سوف ترفع كثيرا من كفاءة وسائل النقل في استهلاك الطاقة، وأخيرا ستجعل من النقل في الفضاء أمرا اقتصاديا. وهكذا تبدو فجأة الأحلام القديمة لتوسيع المحيط الحيوي إلى وراء نطاق كوكبنا غير الحصين أمرا ممكنا من جديد.
ربما يكون الهدف الأكثر إثارة هو الإصلاح الجزيئي لجسم الإنسان. ويُنْظر إلى الإنسالات النانوية الطبية على أنها ستستطيع إبادة الڤيروسات والخلايا السرطانية وإصلاح البنى التالفة وإزالة الفضلات المتراكمة من المخ وإعادة الجسم إلى حالة الصحة الشبابية.
وهناك تطبيق طبي مذهل آخر يتمثل في الإمكانية الافتراضية لإصلاح وإنعاش أولئك الرواد القلائل الذين هم في حالة حياة معلَّقة suspended animation (ويعتبرون حاليا موتى من الناحية القانونية)، وحتى أولئك الذين جرى حفظهم باستخدام تقانة الخزن القرّي cryogenic storage الفَجَّة التي أتيحت منذ ستينات القرن العشرين. وفي هذه الأيام ستجعل تقنية التزجُّج)3) vitrification (التي تمنع تشكُّل بلورات الثلج المخرِّبة) الإصلاح أكثر سهولة، ولكن حتى العملية الأصلية يظهر أنها تحفظ بنية المخ في حالة جيدة بالقدر الذي يكفي للتمكّن من استعادتها.
يقول دركسلر: «إن منظومة بناء جزيئية تدعى
مُجمِّعا assembler(2) تستطيع بناء أي شيء، بما في ذلك بناء نُسخ منها.»
ويَعتبر أولئك الباحثون الأكثر اطلاعا في مجال التقانة النانوية الجزيئية أن تحقيق الأساس التقاني الداعم لمثل هذه المقدرات مازال يبعد عنا بما يتراوح بين عقد واحد وثلاثة عقود. ويتركز العمل حاليا على المراحل المبكرة: الاستهداء إلى كيفية تشييد بنى كبيرة ذات دقة ذرية، وتعلُّم تصميم آلات جزيئية، وتحقيق أهداف بينية intermediate بربحية عالية.
من المفيد أن نتفحص نظم الماكينات الكبيرة المستخدمة حاليا في الصناعة بغية فهم إمكانات تقانة التصنيع الجزيئي. تخيَّل ذراعا إنسالية ممتدة إلى حزام ناقل وتلتقط أداة يحملها الحزام، ثم تولجها في جهاز يجري بناؤه، وبعد ذلك تأخذ الأداة الفارغة لتضعها على الحزام ثم تستبدل بها أخرى محمولة على الحزام وهكذا ـ على غرار ما يجري في المصانع المؤتمتة الحالية.
والآن قلِّص ذهنيا هذه الآلية بأكملها إلى مستوى جزيئي لتشكّل صورة لمنظومة بناء نانوية المقياس. فبوجود تنوع كافٍ من الأدوات المستخدمة ستمثل هذه المنظومة أداة بناء متنوعة الاستعمال يمكن أن تسمى المُجمِّع assembler. ومن حيث المبدأ تستطيع هذه المنظومة بناء أي شيء تقريبا، بما في ذلك نُسَخ من ذاتها.
لا تعتمد التقانة النانوية الجزيئية (باعتبارها أحد التخصصات المعرفية) على إمكانية تحقيق هذا المقترح بالذات، إذ تستطيع مجموعة من النبائط (الأدوات) البنائية الأكثر تخصصا أن تنفِّذ الوظائف المذكورة آنفا ـ ولكن لما كانت فكرة «المُجمِّع» لاتزال خلافية فإن الاعتراضات المثارة حولها تبقى جديرة بالذكر.
تساءل كيميائي بارز وهو يتحدث في إحدى المناسبات الأخيرة تحت رعاية الاتحاد الأمريكي لتقدم العلوم، كيف يستطيع المرء أن يُشغِّل ويدير مجمِّعا ما، وهل يمكن حقا لهذا المُجمِّع أن يفكك ويعيد تكوين الروابط الجزيئية القوية. إنهما سؤالان منطقيان يمكن فقط الإجابة عنهما بوضع تصاميم وحسابات يضيق عنها حيز هذه المقالة. ولحسن الحظ فقد غدت المطبوعات العلمية التي تقدِّم إجابات مناسبة عنهما متاحة منذ عام 1992 على الأقل، حينما نُشِر كتابِي بعنوان «المنظومات النانوية» Nanosystems.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N9-10_H08_002556.jpg
وضع الكاتب النانوي< K. إيريك دركسلر> فكرة المنظومات الآلية الجزيئية (يظهر في الخلفية أحد مكوِّنات واحدة من هذه المنظومات).
كما اعترض كيميائي مشهور آخر بأن «المُجمِّع»، أيا كان، سيحتاج إلى عشر أصابع إنسالية كي ينفِّذ عملياته، ولا يوجد متسع لها جميعا. ولكن الحاجة إلى عدد كبير من المنابل manipulators لم يتأكد قط أو حتى لم يناقش بجدية. وعلى النقيض من ذلك، فإن التصاميم التي حظيت بموافقة العدد الأكبر من النظراء المختصين تستخدم أداة واحدة في كل مرة، وتمسك بأدواتها دون استخدام لأي أصابع على الإطلاق.
تشير هذه الأمثلة إلى صعوبة العثور على دراسات نقدية ملائمة لتصاميم التقانة النانوية. إن كثيرا من الباحثين الذين تبدو أعمالهم وثيقة الصلة بالتقانة النانوية هم في الواقع خبراءٌ خطأ، فهم ممتازون في فرع المعرفة الخاص بهم ولكنهم قليلو الخبرة بهندسة المنظومات. ويحتمل أن يشكّل النقص في المهندسين المتخصصين بالمنظومات الجزيئية عاملا يحد من سرعة تطوير التقانة النانوية.
ومن المهم أن يجري تنفيذ الدراسات النقدية الموجَّهة للتقانة النانوية بشكل جيد؛ لأن القرارات الحيوية التي يتخذها المجتمع تعتمد عليها. فإذا كانت التقانة النانوية الجزيئية على النحو الذي وُصفت به هنا صحيحة يكون من الممكن أن تبدو قضايا السياسات بشكل يختلف تماما عما هو متوقع بوجه عام. إن معظم الناس اليوم يعتقدون أن الاحترار العالمي سيصعب إصلاحه، ولكن بفضل التقانة النانوية يمكن إزالة فائض غازات الدفيئة (الاحتباس الحراري) greenhouse من الجو بكلفة قليلة. إن التوقعات الحالية للأمن الاجتماعي تفترض أن أعداد المواطنين المسنين ذوي الصحة الضعيفة آخذ بالازدياد. ويمكن بفضل التقانة النانوية الطبية المتقدمة أن يصير مسنو الغد أكثر نشاطا وصحة مما هم عليه اليوم، الأمر الذي يضفي معنى جديدا إلى تعبير «الأعوام الذهبية».
وبالمثل، فإننا نحتاج إلى التركيز على تجنب الحوادث الطارئة ومنع سوء استخدام هذه التقانة الجبارة. لقد تمّ القيام بعمل وطيد فيما يخص مشكلة تفادي الحوادث الرئيسية للتقانة النانوية. وتُجمِل «الإرشادات التدبّرية» ـ التي يمكن الحصول عليها عن طريق الإنترنت ـ قواعد الأمان المقترحة (انظر الموقع في «مراجع للاستزادة» أدناه).
ولكن لايزال منع سوء استغلال هذه التقانة من طرف الحكومات العدوانية أو الجماعات الإرهابية أو حتى الأفراد لخدمة أغراضهم الخاصة يمثل تحديا كبيرا. ولعل أقرب مشابهة لهذه المشكلة في هذه الأيام تتمثل في صعوبة التحكم في الانتشار المفرط للأسلحة الكيميائية والبيولوجية. ويُبْرزُ التقدم باتجاه التقانة النووية الجزيئية الحاجة الملحة إلى إيجاد طرق فعالة لإنتاج تقانات قوية قيّمة ولا يحوطُها سوء الاستخدام.
تقانة نانوية في طور الآلة(*)
يتنبأ أحد روّاد التقانة النانوية الجزيئية بأن أصغر الإنسالات(1)
(الروبوتات) ستُحْدِث ثورةً في التصنيع وتحوُّلا في المجتمع.
<E .K. دركسلر>
في عام 1959 ألقى الفيزيائي <R. فاينمان> كلمة بعد عشاء يستكشف فيها حدود النمنمة. بدأ من التقانة المعروفة (في زمن كان يمكنك فيه بالكاد وضع آلة حاسبة في جيبك)، ثم تفحَّص الحدود التي وضعها القانون الفيزيائي، وانتهى إلى مناقشة إمكانية (بل وحتمية) بناء الأدوات أو المعدات «ذرة فذرة».
إن ما كان يبدو في تلك الآونة طموحا لامعقولا أو حتى شاذا أصبح في الوقت الحاضر هدفا يشارك فيه الجميع على نطاق واسع. وقد أسهمت عقود من التقدم التقاني في تقليص الإلكترونيات الميكروية لتصل إلى حدّ المقاس الجزيئي، حين أوضح التقدم العلمي الآن على المستوى الجزيئي للكثيرين (وبخاصة في الآلية الجزيئية للنظم الحيوية) ما كان يدور ببال عبقري بمفرده منذ زمن بعيد.
استلهاما من البيولوجيا الجزيئية تركزت الدراسات المتقدمة في التقانة النانوية على البناء من القاع إلى الأعلى، حيث تقوم ماكينات جزيئية بتجميع لبنات بنائية جزيئية لتشكل منتجات products، وبضمنها آلات جزيئية جديدة. ويرينا علم الأحياء إمكانية صنع نظم آلات جزيئية رخيصة الثمن وبكميات كبيرة.
وإذا تجاوزنا التشبيه البيولوجي، فسيكون هدفا طبيعيا أن نتمكن من وضع كل ذرة في مكان مختار (تعمل فيه كجزء من أحد المكوِّنات البنيوية أو الفاعلة) من دون فائض من جزيئات تشوش الأفعال. ولن يكون مثل هذا النظام سائلا أو غازا، مادامت لا توجد جزيئات سائبة تتحرك عشوائيا، كما أنه لن يكون صلبا تتثبت الجزيئات فيه بمكانها. وبدلا من ذلك فإن مادة الطور الآلي الجديد هذا ستبدي الحركة الجزيئية التي نشاهدها اليوم في السوائل والغازات فقط، إلى جانب المتانة الميكانيكية المصاحبة عادة للمواد الصلبة. أما فراغها فسيكون ممتلئا بمعدات آلية فعالة.
إن القدرة على بناء أشياء بالدقة الجزيئية سوف تحْدِث ثورة في طرق التصنيع مما يسمح بتحسين كبير في خواص المواد وأداء الأجهزة. إضافة إلى ذلك، فحينما تتحكم عملية إنتاجية ما في كل ذرة لن يكون هناك سبب لإلقاء مخلفات سامة في الهواء أو الماء. كذلك سيخفض تحسين التصنيع من تكلفة الخلايا الشمسية ونظم تخزين الطاقة فيقل الطلب على الفحم والنفط وينقص التلوث أيضا. وسيبعث مثل هذا التقدم الأمل في أن يتمكن سكان العالم النامي من الوصول إلى مستويات المعيشة في العالم الأول من دون إحداث كارثة بيئية.
هذا وإن انخفاض التكاليف وخفة الوزن والمواد الفائقة القوة سوف ترفع كثيرا من كفاءة وسائل النقل في استهلاك الطاقة، وأخيرا ستجعل من النقل في الفضاء أمرا اقتصاديا. وهكذا تبدو فجأة الأحلام القديمة لتوسيع المحيط الحيوي إلى وراء نطاق كوكبنا غير الحصين أمرا ممكنا من جديد.
ربما يكون الهدف الأكثر إثارة هو الإصلاح الجزيئي لجسم الإنسان. ويُنْظر إلى الإنسالات النانوية الطبية على أنها ستستطيع إبادة الڤيروسات والخلايا السرطانية وإصلاح البنى التالفة وإزالة الفضلات المتراكمة من المخ وإعادة الجسم إلى حالة الصحة الشبابية.
وهناك تطبيق طبي مذهل آخر يتمثل في الإمكانية الافتراضية لإصلاح وإنعاش أولئك الرواد القلائل الذين هم في حالة حياة معلَّقة suspended animation (ويعتبرون حاليا موتى من الناحية القانونية)، وحتى أولئك الذين جرى حفظهم باستخدام تقانة الخزن القرّي cryogenic storage الفَجَّة التي أتيحت منذ ستينات القرن العشرين. وفي هذه الأيام ستجعل تقنية التزجُّج)3) vitrification (التي تمنع تشكُّل بلورات الثلج المخرِّبة) الإصلاح أكثر سهولة، ولكن حتى العملية الأصلية يظهر أنها تحفظ بنية المخ في حالة جيدة بالقدر الذي يكفي للتمكّن من استعادتها.
يقول دركسلر: «إن منظومة بناء جزيئية تدعى
مُجمِّعا assembler(2) تستطيع بناء أي شيء، بما في ذلك بناء نُسخ منها.»
ويَعتبر أولئك الباحثون الأكثر اطلاعا في مجال التقانة النانوية الجزيئية أن تحقيق الأساس التقاني الداعم لمثل هذه المقدرات مازال يبعد عنا بما يتراوح بين عقد واحد وثلاثة عقود. ويتركز العمل حاليا على المراحل المبكرة: الاستهداء إلى كيفية تشييد بنى كبيرة ذات دقة ذرية، وتعلُّم تصميم آلات جزيئية، وتحقيق أهداف بينية intermediate بربحية عالية.
من المفيد أن نتفحص نظم الماكينات الكبيرة المستخدمة حاليا في الصناعة بغية فهم إمكانات تقانة التصنيع الجزيئي. تخيَّل ذراعا إنسالية ممتدة إلى حزام ناقل وتلتقط أداة يحملها الحزام، ثم تولجها في جهاز يجري بناؤه، وبعد ذلك تأخذ الأداة الفارغة لتضعها على الحزام ثم تستبدل بها أخرى محمولة على الحزام وهكذا ـ على غرار ما يجري في المصانع المؤتمتة الحالية.
والآن قلِّص ذهنيا هذه الآلية بأكملها إلى مستوى جزيئي لتشكّل صورة لمنظومة بناء نانوية المقياس. فبوجود تنوع كافٍ من الأدوات المستخدمة ستمثل هذه المنظومة أداة بناء متنوعة الاستعمال يمكن أن تسمى المُجمِّع assembler. ومن حيث المبدأ تستطيع هذه المنظومة بناء أي شيء تقريبا، بما في ذلك نُسَخ من ذاتها.
لا تعتمد التقانة النانوية الجزيئية (باعتبارها أحد التخصصات المعرفية) على إمكانية تحقيق هذا المقترح بالذات، إذ تستطيع مجموعة من النبائط (الأدوات) البنائية الأكثر تخصصا أن تنفِّذ الوظائف المذكورة آنفا ـ ولكن لما كانت فكرة «المُجمِّع» لاتزال خلافية فإن الاعتراضات المثارة حولها تبقى جديرة بالذكر.
تساءل كيميائي بارز وهو يتحدث في إحدى المناسبات الأخيرة تحت رعاية الاتحاد الأمريكي لتقدم العلوم، كيف يستطيع المرء أن يُشغِّل ويدير مجمِّعا ما، وهل يمكن حقا لهذا المُجمِّع أن يفكك ويعيد تكوين الروابط الجزيئية القوية. إنهما سؤالان منطقيان يمكن فقط الإجابة عنهما بوضع تصاميم وحسابات يضيق عنها حيز هذه المقالة. ولحسن الحظ فقد غدت المطبوعات العلمية التي تقدِّم إجابات مناسبة عنهما متاحة منذ عام 1992 على الأقل، حينما نُشِر كتابِي بعنوان «المنظومات النانوية» Nanosystems.
http://www.oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N9-10_H08_002556.jpg
وضع الكاتب النانوي< K. إيريك دركسلر> فكرة المنظومات الآلية الجزيئية (يظهر في الخلفية أحد مكوِّنات واحدة من هذه المنظومات).
كما اعترض كيميائي مشهور آخر بأن «المُجمِّع»، أيا كان، سيحتاج إلى عشر أصابع إنسالية كي ينفِّذ عملياته، ولا يوجد متسع لها جميعا. ولكن الحاجة إلى عدد كبير من المنابل manipulators لم يتأكد قط أو حتى لم يناقش بجدية. وعلى النقيض من ذلك، فإن التصاميم التي حظيت بموافقة العدد الأكبر من النظراء المختصين تستخدم أداة واحدة في كل مرة، وتمسك بأدواتها دون استخدام لأي أصابع على الإطلاق.
تشير هذه الأمثلة إلى صعوبة العثور على دراسات نقدية ملائمة لتصاميم التقانة النانوية. إن كثيرا من الباحثين الذين تبدو أعمالهم وثيقة الصلة بالتقانة النانوية هم في الواقع خبراءٌ خطأ، فهم ممتازون في فرع المعرفة الخاص بهم ولكنهم قليلو الخبرة بهندسة المنظومات. ويحتمل أن يشكّل النقص في المهندسين المتخصصين بالمنظومات الجزيئية عاملا يحد من سرعة تطوير التقانة النانوية.
ومن المهم أن يجري تنفيذ الدراسات النقدية الموجَّهة للتقانة النانوية بشكل جيد؛ لأن القرارات الحيوية التي يتخذها المجتمع تعتمد عليها. فإذا كانت التقانة النانوية الجزيئية على النحو الذي وُصفت به هنا صحيحة يكون من الممكن أن تبدو قضايا السياسات بشكل يختلف تماما عما هو متوقع بوجه عام. إن معظم الناس اليوم يعتقدون أن الاحترار العالمي سيصعب إصلاحه، ولكن بفضل التقانة النانوية يمكن إزالة فائض غازات الدفيئة (الاحتباس الحراري) greenhouse من الجو بكلفة قليلة. إن التوقعات الحالية للأمن الاجتماعي تفترض أن أعداد المواطنين المسنين ذوي الصحة الضعيفة آخذ بالازدياد. ويمكن بفضل التقانة النانوية الطبية المتقدمة أن يصير مسنو الغد أكثر نشاطا وصحة مما هم عليه اليوم، الأمر الذي يضفي معنى جديدا إلى تعبير «الأعوام الذهبية».
وبالمثل، فإننا نحتاج إلى التركيز على تجنب الحوادث الطارئة ومنع سوء استخدام هذه التقانة الجبارة. لقد تمّ القيام بعمل وطيد فيما يخص مشكلة تفادي الحوادث الرئيسية للتقانة النانوية. وتُجمِل «الإرشادات التدبّرية» ـ التي يمكن الحصول عليها عن طريق الإنترنت ـ قواعد الأمان المقترحة (انظر الموقع في «مراجع للاستزادة» أدناه).
ولكن لايزال منع سوء استغلال هذه التقانة من طرف الحكومات العدوانية أو الجماعات الإرهابية أو حتى الأفراد لخدمة أغراضهم الخاصة يمثل تحديا كبيرا. ولعل أقرب مشابهة لهذه المشكلة في هذه الأيام تتمثل في صعوبة التحكم في الانتشار المفرط للأسلحة الكيميائية والبيولوجية. ويُبْرزُ التقدم باتجاه التقانة النووية الجزيئية الحاجة الملحة إلى إيجاد طرق فعالة لإنتاج تقانات قوية قيّمة ولا يحوطُها سوء الاستخدام.