حسن شهاب الدين
12-01-2006, 06:30 AM
الحركة مفهوم نسبي
بقلم أ- فيزياء:حسن يوسف شهاب الدين
كيف ندرس حركة الأجسام المحيطة بنا ؟
عندما ننظر حولنا إلى مختلف الأشياء (الجبال والمنزل والسيارة والطائرة والطريق والمقعد والدراجة ....... وغيرها) نقرر أن بعضها ساكن وبعضها متحرك,فما المعيار الذي نعتمده في قرارنا هذا؟ولماذا نحكم أن الجدار ساكن وأن السيارة متحركة؟وما الفرق بين حالة المقعد الذي نجلس عليه والدراجة التي يركبها زميلنا؟
عندما نفكر في حالتي الجسم الساكن والجسم المتحرك نعلم أننا ندرس في كل مرة وبنظرة سريعة المسافة التي تفصل عنا أو عن أي جسم آخر, فإذا وجدنا هذه المسافة تتغير مع الزمن قلنا عن الجسم أنه يتحرك ,وعندما تكون المسافة ثابتة لا تتغير مع الزمن قلنا أن الجسم ساكن لا يغير مكانه.
فالسيارة التي تنتقل من أمام منزل إلى آخر جسم متحرك بالنسبة للمنزل , والدراجة التي تحوم في أرض الدار جسم متحرك بالنسبة للدار , ودواسة الدراجة التي لا يتغير بعده أثناء سيرها عن محور دورانها بل تتغير استقامة القطعة الممثلة لذالك البعد عن الأفق مثلا جسم متحرك بالنسبة للأرض.
ويمكن أن يكون الجسم في الوقت نفسه متحرك وساكن معا , إذ يكون ساكنا بالنسبة لجسم ومتحرك بالنسبة لآخر,
لهذا لا بد لتحديد حركة ما من اختيار جملة مقارنة تُدرس الحركة بالنسبة لها,فمثلا يكون إنسان ما وهو في موضع ما من سطح الأرض ساكنا بالنسبة لجملة محاور مقارنة بالأرض , ومتحركة بالنسبة لجملة أخرى مرتبطة بالشمس ,
وغالبا ما تكون جملة المقارنة متحركة حتى ولو كانت مرتبطة بالأرض أو بالشمس لأن الأرض متحركة بالنسبة للشمس ,كما أن الشمس تتحرك بالنسبة للنجوم التي تعتبرها ثابتة , لذا نحن ندرس حركات نسبية وليست حركات مطلقة.
وعلى هذا نقول عن نقطة مادية أنها متحركة بالنسبة لنقطة أخرى أو لجملة مقارنة إذا تغير بعدها عنها بتغير الزمن.
وتنشأ من هذه المقدمة البسيطة فكرة مراقبة الجسم المدروس والمراقب (الباحث):
إما أن يكون داخل الجملة المدروسة وعندها يكون مراقب داخلي , ويسمى فيزيائيا (دالامبير).
أو أن يكون خارج الجملة (بعيدا عنها ) وعندها يكون مراقب خارجي ويسمى فيزيائيا (نيوتن).
بعض الأمثلة الواردة في القرآن الكريم:
(1) - المراقب الداخلي (دالامبير) , الأرض المنبسطة.
قال الله تعالى :
"و هو الذي مدَّ الأرض و جعل فيها رواسي ...". الرعد (3)
" و الأرض مددناها و ألقينا فيها رواسي .." سورة الحجر (19).
أثبت القرآن الكريم والعلم أن الأرض بلا شك كروية وهذا مما لا جدال فيه , ولكن ما هو التفسير العلمي للآيات التي تعبر عن الأرض الممدودة والمفروشة.
هذا ما شرحه الأستاذ فراس نور الحق في مقاله (كروية الأرض) في قوله:
كيف تكون الأرض ممدودة ؟ و ما معنى ذلك ؟ .
معنى ذلك أننا مهدنا السير فيها فستبقى ممدودة أمامنا ، لن تنتهي فيها إلى حاجز يحول دون ما وراءه ، أو هوة أبدية نقف عندها عاجزين .
و لقد أشار كثير من المفسرين و الفقهاء المسلمين إلى كروية الأرض مم فهموه من كتاب الله عز و جل من ذلك :
وقد أشار أئمة الإسلام منذ القديم إلى هذه الحقيقة فقد أشار الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه التبيان في أقسام القرآن إلى كروية الأرض.
وأشار كذلك الإمام الفخر الرازي في تفسيرهمفاتيح الغيب إلى كروية الأرض فقال :
"إن مد الأرض هو بسطها إلى ما لا يدرك منتهاه ، و قد جعل الله حجم الأرض عظيماً لا يقع البصر على منتهاه ، و الكرة إذا كانت في غاية الكبير كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح المستوي الامتداد ".
من هذه العبارات ندرك أن الإمام الفخر الرازي فهم معنى المراقب الداخلي للجملة المدروسة (الأرض), وأنه يقف على سطح من الأرض وهذا السطح الموجود على محيط الكرة الأرضية هو جزء صغير منها , ويسمى هذا الجزء في لغة الرياضيات (مقدار تفاضلي ) وبمكاملة هذا المقدار( المساحة الصغيرة) تنتج مساحة سطح الكرة بكاملها , والأرض تكون ساكنة من وجهة نظر هذا المراقب.
وإلى ذلك أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه" الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " قال : "اعلم أن الأرض قد اتفقوا على أنها كروية الشكل و ليست تحت وجه الأرض إلا وسطها ونهاية التحت المركز و هو الذي يسمى محيط الأثقال ".
حيث فهم أن الأرض كروية وبالتالي الاتفاق على أنها كروية يعود إلى مراقبتها عن بعد وبالنسبة لشيخ الإسلام لم تكن المراقبة بالعيان وإنما كانت من الأدلة القرآنية والحدس مقارنة مع أشكال الكواكب والنجوم .
(2) – المراقب الخارجي (نيوتن), كروية الأرض .
قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر:5).
قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54) سورة الأعراف (53) .
الآية واضحة كل الوضوح . يكور الليل على النهار فيخفيه و يكور الليل ويكور النهار على الليل فيخفيه و يكور النهار .
وبين تكورهما على بعضهما نرى جرماً كروياً يتدحرج بينهما فيجمعهما يكوران على بعضهما . هذا الجرم هو الأرض .
لنتصور أننا في منطقة النهار . وبعد ساعات سيغشى الليل هذه المنطقة ، لكنه لا يغشاها بشكل عادي بل يكور تكويراً، أي ينحني بشكل كروي ، ومن البديهي أن المنطقة يجب أن تكون كروية ليمكن فهم الكلام .
وبما أن الليل والنهار وجدا على سطح الأرض معا فلا يمكن أن يكونا على هيئة التكوير إلا إذا كانت الأرض نفسها كروية . بحيث يكون نصف الكرة مظلما والنصف الآخر مضيئا , فلو لم تكن مساحة الليل والنهار متساوية . بحيث يبدو أحدهما شريطا رفيعا في حين يغطي الآخر معظم المساحة, ما كان الاثنان على هيئة كرة.... لأن الشريط الرفيع في هذه الحالة سيكون على شكل هندسي آخر غير الكرة حسب المساحة التي يحتلها فوق سطح الأرض.
ولم تظهر كروية الأرض للناس وهي تسبح في الفضاء إلا عندما أطلق الروس القمر الصناعي الأول " سبوتنيك " في مداره حول الأرض في أكتوبر 1957م واستطاع العلماء الحصول على صور واضحة لكوكب الأرض بواسطة آلات التصوير التي كانت مثبتة في القمر الصناعي وفي عام 1966 م هبط القمر الصناعي " لونيك 9" بأجهزته المتطورة على سطح القمر ،و أرسل لمحطات الاستقبال على الأرض صوراً عن كوكب الأرض , وهذا دليل دور المراقب الذي يدرس الجملة وهنا المراقب خارجي(بعيد عن الأرض)
والأرض بالنسبة لهذا المراقب متحركة .
إذا مما سبق نستنتج أن الأرض ساكنة بالنسبة للكائنات الموجودة على سطحها ومتحركة بالنسبة للمراقب البعيد عنها (الموجود في الفضاء).
(3)- كيف عبر القرآن الكريم عن الحالتين معا ؟
قال تعالى ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) سورة النمل ( 88)
الحالتين معا عندما نقرأ هذه الآية الكريمة ونحن نرى أمامنا الجبال ثابتة لا تتحرك ندرك أننا رؤيتنا للجبال الثابتة ليست يقينية لقوله جل ّوعلا: ( تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) فما دمنا نحسب فليست هذه الحقيقة , لأن الحقيقة أن الجبال تتحرك مع الأرض بحكم دوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس, وبالتالي نستقرأ من الآية الكريمة أننا والجبال والأرض جملة واحدة فتبقى الأجسام المحيطة بنا ساكنة لا تتحرك لأننا من الفئة الأولى ( المراقب الداخلي), وخير مثال على هذا الأمر السيارة المسرعة التي يقودها السائق الجالس على كرسيه ومعه صديقه الذي يحدثه والذي يظنه ساكنا لا يتحرك لأن المسافة بينهما بقيت ثابتة ,والسائق وصديقه والكرسي أجسام ساكنة بالنسبة لبعضها ,أما الإنسان الواقف على الرصيف يدرك أن السيارة وما تحويه تتحرك لأن المسافة تتغير بينه وبينها باستمرار.
- آراء المفسرين الأوائل:
قال الذهبي في مختصر العلوم، ص 73:
" الأرض في وسط السماء كبطيخة في جوف بطيخة، والسماء محيطة بها من جميع جوانبها، وأسفل العالم هو جوف كرة الأرض، وهو المركز، وهو منتهى السفل.
والتحت ـ وما دونه ـ لا يسمى تحتاً، بل لا يكون تحتاً، ويكون فوقاً، بحيث لو فرضنا خرق المركز ـ وهو سفل العالم ـ إلى تلك الجهة، لكان الخرق إلى جهة فوق.
ولو نفذ الخرق جهة السماء من تلك الجهة الأخرى، لصعد إلى جهة فوق.
وبرهان ذلك: أنا لو فرضنا مسافراً سافر على كرة الأرض من جهة المشرق إلى جهة المغرب، وامتد مسافراً، لمشى مسافراً على الكرة إلى حيث ابتدأ بالسير وقطع الكرة مما يراه الناظر أسفل منه، وهو في سفره هذا لم يبرح الأرض تحته والسماء فوقه.
فالسماء التي يشهدها الحس تحت الأرض، هي فوق الأرض لا تحتها؛ لأن السماء فوق الأرض بالذات ".
وقال ابن النفيس في شرح كتاب تشريح قانون ابن سينا، ص 112:
معللاً سبب عدم رؤية الأجسام من بعيد.. " هذا يتم سواء كانت العين مرتفعة أو منخفضة، ولكن العين المرتفعة ترى أكثر مما إذا كانت غير مرتفعة. وسبب ذلك ليس زيادة قوتها أو زيادة إدراكها، بل إن تشكُّل الأرض كرة، فالبعيد جداً ما هو على ظاهر الأرض ينستِر عن الرؤية بحدبة الأرض ".
جاء في تفسير البحر المحيط 7/80
" قال أبو عبد الله الداراني: ثبت بالدليل أنّ الأرض كرة، ولا ينافي ذلك قوله: مد الأرض، وذلك أنّ الأرض جسم عظيم. والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان قطعة منها تشاهد كالسطح
و قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله
مفاتيح الغيب ج19 ص1
في تفسير قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الرعد: 3].
قال الرازي: " المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، فقوله: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ". يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجماً عظيماً لا يقع البصر على منتهاه، لأن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به... والكرة إذا كانت في غاية الكبر، كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح "".
وقال كذلك في تفسيره مفاتيح الغيب21/142 قال: " ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك.. ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود، وأيضاً الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض ؟ إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: " تَغْرُبُ فِيْ عَيْنٍ حَمِئَةٍ "من وجوه.. أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات، وجد الشمس كأنها تغرب في عينٍ وهدةٍ مظلمةٍ ـ وإن لم تكن كذلك في الحقيقة ـ كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر.
ومن هذا كله ندرك أن الحركة مفهوم نسبي, فسبحان الذي بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكافة البشر وعلمه وأنزل على قلبه القرآن الكريم فيه آيات بينات وعبر ليعلمنا به ونتدبر ونتفكر.
والله أعلم .
المراجع:
القرآن الكريم
من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net
كروية الأرض بقلم الأستاذ فراس نور الحق.
الأرض في القرآن الكريم للأستاذ إبراهيم طرابية.
الإسلام و الحقائق العلمية تأليف : محمود القاسم.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أ. د حسن أبو العينين .
مفاتيح الغيب ج19 ص1.
كتاب الفيزياء الثاني الثانوي العلمي (وزارة التربية/سوريا)
مختصر العلوم للإمام الذهبي ، ص 73.
تفسير البحر المحيط 7/80
شرح كتاب تشريح قانون ابن سينا، ص 112.
للمراسلة: [email protected]
بقلم أ- فيزياء:حسن يوسف شهاب الدين
كيف ندرس حركة الأجسام المحيطة بنا ؟
عندما ننظر حولنا إلى مختلف الأشياء (الجبال والمنزل والسيارة والطائرة والطريق والمقعد والدراجة ....... وغيرها) نقرر أن بعضها ساكن وبعضها متحرك,فما المعيار الذي نعتمده في قرارنا هذا؟ولماذا نحكم أن الجدار ساكن وأن السيارة متحركة؟وما الفرق بين حالة المقعد الذي نجلس عليه والدراجة التي يركبها زميلنا؟
عندما نفكر في حالتي الجسم الساكن والجسم المتحرك نعلم أننا ندرس في كل مرة وبنظرة سريعة المسافة التي تفصل عنا أو عن أي جسم آخر, فإذا وجدنا هذه المسافة تتغير مع الزمن قلنا عن الجسم أنه يتحرك ,وعندما تكون المسافة ثابتة لا تتغير مع الزمن قلنا أن الجسم ساكن لا يغير مكانه.
فالسيارة التي تنتقل من أمام منزل إلى آخر جسم متحرك بالنسبة للمنزل , والدراجة التي تحوم في أرض الدار جسم متحرك بالنسبة للدار , ودواسة الدراجة التي لا يتغير بعده أثناء سيرها عن محور دورانها بل تتغير استقامة القطعة الممثلة لذالك البعد عن الأفق مثلا جسم متحرك بالنسبة للأرض.
ويمكن أن يكون الجسم في الوقت نفسه متحرك وساكن معا , إذ يكون ساكنا بالنسبة لجسم ومتحرك بالنسبة لآخر,
لهذا لا بد لتحديد حركة ما من اختيار جملة مقارنة تُدرس الحركة بالنسبة لها,فمثلا يكون إنسان ما وهو في موضع ما من سطح الأرض ساكنا بالنسبة لجملة محاور مقارنة بالأرض , ومتحركة بالنسبة لجملة أخرى مرتبطة بالشمس ,
وغالبا ما تكون جملة المقارنة متحركة حتى ولو كانت مرتبطة بالأرض أو بالشمس لأن الأرض متحركة بالنسبة للشمس ,كما أن الشمس تتحرك بالنسبة للنجوم التي تعتبرها ثابتة , لذا نحن ندرس حركات نسبية وليست حركات مطلقة.
وعلى هذا نقول عن نقطة مادية أنها متحركة بالنسبة لنقطة أخرى أو لجملة مقارنة إذا تغير بعدها عنها بتغير الزمن.
وتنشأ من هذه المقدمة البسيطة فكرة مراقبة الجسم المدروس والمراقب (الباحث):
إما أن يكون داخل الجملة المدروسة وعندها يكون مراقب داخلي , ويسمى فيزيائيا (دالامبير).
أو أن يكون خارج الجملة (بعيدا عنها ) وعندها يكون مراقب خارجي ويسمى فيزيائيا (نيوتن).
بعض الأمثلة الواردة في القرآن الكريم:
(1) - المراقب الداخلي (دالامبير) , الأرض المنبسطة.
قال الله تعالى :
"و هو الذي مدَّ الأرض و جعل فيها رواسي ...". الرعد (3)
" و الأرض مددناها و ألقينا فيها رواسي .." سورة الحجر (19).
أثبت القرآن الكريم والعلم أن الأرض بلا شك كروية وهذا مما لا جدال فيه , ولكن ما هو التفسير العلمي للآيات التي تعبر عن الأرض الممدودة والمفروشة.
هذا ما شرحه الأستاذ فراس نور الحق في مقاله (كروية الأرض) في قوله:
كيف تكون الأرض ممدودة ؟ و ما معنى ذلك ؟ .
معنى ذلك أننا مهدنا السير فيها فستبقى ممدودة أمامنا ، لن تنتهي فيها إلى حاجز يحول دون ما وراءه ، أو هوة أبدية نقف عندها عاجزين .
و لقد أشار كثير من المفسرين و الفقهاء المسلمين إلى كروية الأرض مم فهموه من كتاب الله عز و جل من ذلك :
وقد أشار أئمة الإسلام منذ القديم إلى هذه الحقيقة فقد أشار الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه التبيان في أقسام القرآن إلى كروية الأرض.
وأشار كذلك الإمام الفخر الرازي في تفسيرهمفاتيح الغيب إلى كروية الأرض فقال :
"إن مد الأرض هو بسطها إلى ما لا يدرك منتهاه ، و قد جعل الله حجم الأرض عظيماً لا يقع البصر على منتهاه ، و الكرة إذا كانت في غاية الكبير كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح المستوي الامتداد ".
من هذه العبارات ندرك أن الإمام الفخر الرازي فهم معنى المراقب الداخلي للجملة المدروسة (الأرض), وأنه يقف على سطح من الأرض وهذا السطح الموجود على محيط الكرة الأرضية هو جزء صغير منها , ويسمى هذا الجزء في لغة الرياضيات (مقدار تفاضلي ) وبمكاملة هذا المقدار( المساحة الصغيرة) تنتج مساحة سطح الكرة بكاملها , والأرض تكون ساكنة من وجهة نظر هذا المراقب.
وإلى ذلك أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه" الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " قال : "اعلم أن الأرض قد اتفقوا على أنها كروية الشكل و ليست تحت وجه الأرض إلا وسطها ونهاية التحت المركز و هو الذي يسمى محيط الأثقال ".
حيث فهم أن الأرض كروية وبالتالي الاتفاق على أنها كروية يعود إلى مراقبتها عن بعد وبالنسبة لشيخ الإسلام لم تكن المراقبة بالعيان وإنما كانت من الأدلة القرآنية والحدس مقارنة مع أشكال الكواكب والنجوم .
(2) – المراقب الخارجي (نيوتن), كروية الأرض .
قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر:5).
قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54) سورة الأعراف (53) .
الآية واضحة كل الوضوح . يكور الليل على النهار فيخفيه و يكور الليل ويكور النهار على الليل فيخفيه و يكور النهار .
وبين تكورهما على بعضهما نرى جرماً كروياً يتدحرج بينهما فيجمعهما يكوران على بعضهما . هذا الجرم هو الأرض .
لنتصور أننا في منطقة النهار . وبعد ساعات سيغشى الليل هذه المنطقة ، لكنه لا يغشاها بشكل عادي بل يكور تكويراً، أي ينحني بشكل كروي ، ومن البديهي أن المنطقة يجب أن تكون كروية ليمكن فهم الكلام .
وبما أن الليل والنهار وجدا على سطح الأرض معا فلا يمكن أن يكونا على هيئة التكوير إلا إذا كانت الأرض نفسها كروية . بحيث يكون نصف الكرة مظلما والنصف الآخر مضيئا , فلو لم تكن مساحة الليل والنهار متساوية . بحيث يبدو أحدهما شريطا رفيعا في حين يغطي الآخر معظم المساحة, ما كان الاثنان على هيئة كرة.... لأن الشريط الرفيع في هذه الحالة سيكون على شكل هندسي آخر غير الكرة حسب المساحة التي يحتلها فوق سطح الأرض.
ولم تظهر كروية الأرض للناس وهي تسبح في الفضاء إلا عندما أطلق الروس القمر الصناعي الأول " سبوتنيك " في مداره حول الأرض في أكتوبر 1957م واستطاع العلماء الحصول على صور واضحة لكوكب الأرض بواسطة آلات التصوير التي كانت مثبتة في القمر الصناعي وفي عام 1966 م هبط القمر الصناعي " لونيك 9" بأجهزته المتطورة على سطح القمر ،و أرسل لمحطات الاستقبال على الأرض صوراً عن كوكب الأرض , وهذا دليل دور المراقب الذي يدرس الجملة وهنا المراقب خارجي(بعيد عن الأرض)
والأرض بالنسبة لهذا المراقب متحركة .
إذا مما سبق نستنتج أن الأرض ساكنة بالنسبة للكائنات الموجودة على سطحها ومتحركة بالنسبة للمراقب البعيد عنها (الموجود في الفضاء).
(3)- كيف عبر القرآن الكريم عن الحالتين معا ؟
قال تعالى ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) سورة النمل ( 88)
الحالتين معا عندما نقرأ هذه الآية الكريمة ونحن نرى أمامنا الجبال ثابتة لا تتحرك ندرك أننا رؤيتنا للجبال الثابتة ليست يقينية لقوله جل ّوعلا: ( تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) فما دمنا نحسب فليست هذه الحقيقة , لأن الحقيقة أن الجبال تتحرك مع الأرض بحكم دوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس, وبالتالي نستقرأ من الآية الكريمة أننا والجبال والأرض جملة واحدة فتبقى الأجسام المحيطة بنا ساكنة لا تتحرك لأننا من الفئة الأولى ( المراقب الداخلي), وخير مثال على هذا الأمر السيارة المسرعة التي يقودها السائق الجالس على كرسيه ومعه صديقه الذي يحدثه والذي يظنه ساكنا لا يتحرك لأن المسافة بينهما بقيت ثابتة ,والسائق وصديقه والكرسي أجسام ساكنة بالنسبة لبعضها ,أما الإنسان الواقف على الرصيف يدرك أن السيارة وما تحويه تتحرك لأن المسافة تتغير بينه وبينها باستمرار.
- آراء المفسرين الأوائل:
قال الذهبي في مختصر العلوم، ص 73:
" الأرض في وسط السماء كبطيخة في جوف بطيخة، والسماء محيطة بها من جميع جوانبها، وأسفل العالم هو جوف كرة الأرض، وهو المركز، وهو منتهى السفل.
والتحت ـ وما دونه ـ لا يسمى تحتاً، بل لا يكون تحتاً، ويكون فوقاً، بحيث لو فرضنا خرق المركز ـ وهو سفل العالم ـ إلى تلك الجهة، لكان الخرق إلى جهة فوق.
ولو نفذ الخرق جهة السماء من تلك الجهة الأخرى، لصعد إلى جهة فوق.
وبرهان ذلك: أنا لو فرضنا مسافراً سافر على كرة الأرض من جهة المشرق إلى جهة المغرب، وامتد مسافراً، لمشى مسافراً على الكرة إلى حيث ابتدأ بالسير وقطع الكرة مما يراه الناظر أسفل منه، وهو في سفره هذا لم يبرح الأرض تحته والسماء فوقه.
فالسماء التي يشهدها الحس تحت الأرض، هي فوق الأرض لا تحتها؛ لأن السماء فوق الأرض بالذات ".
وقال ابن النفيس في شرح كتاب تشريح قانون ابن سينا، ص 112:
معللاً سبب عدم رؤية الأجسام من بعيد.. " هذا يتم سواء كانت العين مرتفعة أو منخفضة، ولكن العين المرتفعة ترى أكثر مما إذا كانت غير مرتفعة. وسبب ذلك ليس زيادة قوتها أو زيادة إدراكها، بل إن تشكُّل الأرض كرة، فالبعيد جداً ما هو على ظاهر الأرض ينستِر عن الرؤية بحدبة الأرض ".
جاء في تفسير البحر المحيط 7/80
" قال أبو عبد الله الداراني: ثبت بالدليل أنّ الأرض كرة، ولا ينافي ذلك قوله: مد الأرض، وذلك أنّ الأرض جسم عظيم. والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان قطعة منها تشاهد كالسطح
و قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله
مفاتيح الغيب ج19 ص1
في تفسير قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الرعد: 3].
قال الرازي: " المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، فقوله: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ". يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجماً عظيماً لا يقع البصر على منتهاه، لأن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به... والكرة إذا كانت في غاية الكبر، كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح "".
وقال كذلك في تفسيره مفاتيح الغيب21/142 قال: " ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك.. ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود، وأيضاً الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض ؟ إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: " تَغْرُبُ فِيْ عَيْنٍ حَمِئَةٍ "من وجوه.. أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات، وجد الشمس كأنها تغرب في عينٍ وهدةٍ مظلمةٍ ـ وإن لم تكن كذلك في الحقيقة ـ كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر.
ومن هذا كله ندرك أن الحركة مفهوم نسبي, فسبحان الذي بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكافة البشر وعلمه وأنزل على قلبه القرآن الكريم فيه آيات بينات وعبر ليعلمنا به ونتدبر ونتفكر.
والله أعلم .
المراجع:
القرآن الكريم
من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net
كروية الأرض بقلم الأستاذ فراس نور الحق.
الأرض في القرآن الكريم للأستاذ إبراهيم طرابية.
الإسلام و الحقائق العلمية تأليف : محمود القاسم.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أ. د حسن أبو العينين .
مفاتيح الغيب ج19 ص1.
كتاب الفيزياء الثاني الثانوي العلمي (وزارة التربية/سوريا)
مختصر العلوم للإمام الذهبي ، ص 73.
تفسير البحر المحيط 7/80
شرح كتاب تشريح قانون ابن سينا، ص 112.
للمراسلة: [email protected]