sweeet
11-17-2006, 04:02 PM
أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة
اليوم حبيت اني اضع لكم عن عالم عربي ومسلم لا يعرفه كثيرون للاسف وانا عن نفسي عرفته
من خلال الزمكان خلال مسابقة كوارك ...لهذا اردت ان القي الضوء عليه حيث رأيت الموضوع في
جريدة الخليج الاماراتية وكان لزاما علي ان اضعه بين أيديكم ..
الموضوع طويل قليلا ولكنه يستحق القراءة فعلا..فهيا بنا
""القاهرة - أحمد بيومي:
ولد د. علي مصطفى مشرفة في دمياط في 11 يوليو/ تموز ،1898 والده كان
شيخاً من مشايخ الدين من مدرسة الإمام جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد
عبده. كان لأبويه اليسر المادي والجاه الاجتماعي، فنشأ “علي” على الشعور
المرهف بالجمال الذي لم يفقده حبه للخير، ومصادقة الضعفاء
والمساكين.ئفي عام 1907 حصل “علي” على الشهادة الابتدائية، وكان ترتيبه
الأول على القطر. إلا أن والده توفي في نفس العام تاركًا إياه وهو لم يتجاوز
الاثني عشر ربيعًا ربًّا لأسرته المكونة من أمه وإخوته الأربعة. ولعل هذا هو
السر فيما يُعرف عن شخصية د. “علي مشرفة” بالجلد والصبر، وحب الكفاح
وارتفاع الحس التربوي في شخصيته. حفظ “علي” القرآن الكريم منذ الصغر،
كما كان يحفظ الصحيح من الأحاديث النبوية.. كان محافظًا على صلاته مقيمًا
لشعائر دينه كما علمه والده، وظلت هذه المرجعية الدينية ملازمة له طيلة
حياته، وكان يوصي إخوته وجميع من حوله بالمحافظة على الصلاة وشعائر
الدين كلما سنحت له الفرصة، وبدا ذلك جليًّا في خطاباته التي كان يبعثها إلى
إخوته وأصدقائه أثناء سفره للخارج.. والتي طالما ختمها بمقولة: (اعمل
وإخوانك للإسلام.. لله). وعاش ملازمًا له في جيبه مصحف صغير رافقه في
السفر.
في عام 1914 التحق د. علي مشرفة بمدرسة المعلمين العليا، التي اختارها
حسب رغبته رغم مجموعه العالي في البكالوريا. وفي عام 1917 اختير لبعثة
علمية لأول مرة إلى إنجلترا بعد تخرجه، فقرر “علي” السفر بعدما اطمأن على
إخوته بزواج شقيقته، والتحاق أشقائه بالمدارس الداخلية، والتحق “علي”
بكلية “نوتنجهام” ثم بكلية “الملك” بلندن؛ حيث حصل منها على بكالوريوس
علوم مع مرتبة الشرف في عام 1923. ثم حصل على شهادة دكتوراه في
الفلسفة من جامعة لندن في أقصر مدة تسمح بها قوانين الجامعة. وقد رجع
إلى مصر بأمر من الوزارة، وعين مدرسًا بمدرسة المعلمين العليا، إلا أنه وفي
أول فرصة سنحت له، سافر ثانية إلى إنجلترا، وحصل على درجة دكتوراه
العلوم، فكان بذلك أول مصري يحصل عليها. في عام 1925 رجع إلى مصر،
وعين أستاذًا للرياضة التطبيقية بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم مُنح درجة
“أستاذ” في عام 1926 رغم اعتراض قانون الجامعة على منح اللقب لمن هو
أدنى من الثلاثين. اعتمد د. “علي” عميدًا للكلية في عام 1936 وانتخب
للعمادة أربع مرات متتالية، كما انتخب في ديسمبر/ كانون الأول 1945 وكيلاً للجامعة.
بدأت أبحاث د. “علي مشرفة” تأخذ مكانها في الدوريات العلمية وعمره لم
يتجاوز خمسة عشر عامًا. في الجامعة الملكية بلندن نشر له أول خمسة
أبحاث حول النظرية الكمية التي نال من أجلها درجتي Ph.D) دكتوراه
الفلسفة) و Dsc)دكتوراه العلوم). حيث دارت أبحاث د. مشرفة حول تطبيقه
الشروط الكمية بصورة معدلة تسمح بإيجاد تفسير لظاهرتي شتارك وزيمان.
كذلك.. كان د. مشرفة أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ؛
حيث كانت هندسة الفراغ المبنية على نظرية “اينشتاين” تتعرض فقط لحركة
الجسيم المتحرك في مجال الجاذبية. وأضاف نظريات جديدة في تفسير
الإشعاع الصادر من الشمس؛ إلا أن نظرية الدكتور مشرفة في الإشعاع
والسرعة عدت من أهم نظرياته وسببًا في شهرته وعالميته؛ حيث أثبت
الدكتور مشرفة أن المادة إشعاع في أصلها، ويمكن اعتبارهما صورتين لشيء
واحد تتحول إحداهما للآخر.. ومهدت هذه النظرية العالم ليحول المواد الذرية
إلى إشعاعات.
وكان د. “علي” أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين
حاربوا استخدامها في الحرب، بل كان أول من أضاف فكرة جديدة وهي أن
الهيدروجين يمكن أن تصنع منه مثل هذه القنبلة.. إلا أنه لم يكن يتمنى أن
تصنع القنبلة الهيدروجينية، وهو ما حدث بعد وفاته بسنوات في الولايات
المتحدة وروسيا. وتقدر أبحاث د. “علي مشرفة” المتميزة في نظريات الكم،
الذرة والإشعاع، الميكانيكا والديناميكا بنحو خمسة عشر بحثًا.. وبلغت
مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته حوالي مائتين.. ولعله كان ينوي جمعها
ليحصل بها على جائزة نوبل في العلوم الرياضية.
كان د. مصطفى يقول “خير للكلية أن تخرج عالمًا واحدًا كاملاً من أن تخرج
كثيرين أنصاف علماء” هكذا كان يؤمن د. مشرفة، وكان كفاحه المتواصل من
أجل خلق روح علمية خيرة. ويقول في سلسلة محاضراته الإذاعية (أحاديث
العلماء): “هذه العقلية العلمية تعوزنا اليوم في معالجة كثير من أمورنا، وإنما
تكمن الصعوبة في اكتسابها والدرج عليها.. فالعقلية العلمية تتميز بشيئين
أساسيين: الخبرة المباشرة، والتفكير المنطقي الصحيح”. ونادى بأفكاره هذه في كثير من مقالاته ومحاضراته في الإذاعة: مثل: كيف يحل العالم مشكلة
الفقر؟ العلم والأخلاق العلم والمال العلم والاقتصاد العلم والاجتماع..
وغيرها. كان ينادي دائماً أن على العلماء تبسيط كل جديد للمواطن العادي
حتى يكون على إحاطة كاملة بما يحدث من تطور علمي، ويوجه كلامه إلى
العلماء قائلاً: “ومن الأمور التي تؤخذ على العلماء أنهم لا يحسنون صناعة
الكلام؛ ذلك أنهم يتوخون عادة الدقة في التعبير ويفضلون الابتعاد عن طرائق
البديع والبيان، إلا أن العلوم إذا فهمت على حقيقتها ليست في حاجة إلى ثوب
من زخرف القول ليكسبها رونقًا؛ فالعلوم لها سحرها، وقصة العلم قصة رائعة
تأخذ بمجامع القلوب؛ لأنها قصة واقعية حوادثها ليست من نسج
الخيال”. فبسط د. مشرفة كتبًا عديدة منها: النظرية النسبية الذرة والقنابل
نحن والعلم العلم والحياة. واهتم خاصة بمجال الذرة والإشعاع وكان يقول:
“إن الحكومة التي تهمل دراسة الذرة إنما تهمل الدفاع عن وطنها”.
ويرى مشرفة أنه لا يزدهر حاضر أمة تهمل دراسة ماضيها، وأنه لا بد من
الوقوف عند نوابغ الإسلام والعرب، ونكون أدرى الناس بها، فساهم بذلك في
إحياء الكتب القديمة وإظهارها للقارئ العربي مثل: كتاب الخوارزمي في الجبر
والفارابي في الطب والحسن ابن الهيثم في الرياضة.. وغيرها، وكان د.
مشرفة ينظر إلى الأستاذية على أنها لا تقتصر على العلم فقط، وإنما توجب
الاتصال بالحياة، وأن الأستاذ يجب أن يكون ذا أثر فعال في توجيه الرأي العام
في الأحداث الكبرى التي تمر بالبلاد، وأن يحافظ على حرية الرأي عند
المواطنين، وآمن د. مشرفة بأن “العلم في خدمة الإنسان دائما وأن خير
وسيلة لاتقاء العدو أن تكون قادرًا على رده بمثله.. فالمقدرة العلمية والفنية قد صارتا كل شيء.. ولو أن الألمان توصلوا إلى صنع القنبلة الذرية قبل الحلفاء
لتغيرت نتيجة الحرب.. وهو تنوير علمي للأمة يعتمد عليه المواطن المدني
والحربي معًا”.
تمتعت كلية العلوم في عصره بشهرة عالمية واسعة؛ حيث عني عناية تامة
بالبحث العلمي وإمكاناته، فوفر كل الفرص المتاحة للباحثين الشباب لإتمام
بحوثهم، ووصل به الاهتمام إلى مراسلة أعضاء البعثات الخارجية، وسمح لأول
مرة بدخول الطلبة العرب الكلية؛ حيث كان يرى أن: “القيود القومية والفواصل
الجنسية ما هي إلا حبال الشيطان يبث بها العداوة والبغضاء بين القلوب
المتآلفة”. كذلك أنشأ قسمًا للغة الإنجليزية والترجمة بالكلية، كما حول
الدراسة في الرياضة البحتية باللغة العربية، وصنف قاموسًا لمفردات الكلمات
العلمية من الإنجليزية إلى العربية. ويقول المؤرخون: إن د. مشرفة أرسى
قواعد جامعية راقية، حافظ فيها على استقلالها وأعطى للدرس حصانته
وألغى الاستثناءات بكل صورها، وكان يقول: “إن مبدأ تكافؤ الفرص هو
المقياس الدقيق الذي يرتضيه ضميري”.
كان مشرفة حافظا للشعر، ملمًّا بقواعد اللغة العربية، عضوًا في المجمع
المصري للثقافة العلمية باللغة العربية؛ حيث ترجم مباحث كثيرة إلى اللغة
العربية. وكان يحرص على حضور المناقشات والمؤتمرات والمناظرات، وله
مناظرة شهيرة مع د. طه حسين حول: أيهما أنفع للمجتمع الآداب أم
العلوم. ونشر د. مشرفة ما يقرب من ثلاثين مقالاً منها: سياحة في فضاء
العالمين العلم والصوفية اللغة العربية كأداة علمية اصطدام حضارتين مقام
الإنسان في الكون وشارك في مشاريع مصرية تشجيعاً للصناعات الوطنية.. كما شارك في إنشاء جماعة الطفولة المشردة.. كان أول من لقن من حوله
دروساً في آداب الحديث وإدارة الجلسات.
كان د. مشرفة عازفًا بارعًا على الكمان والبيانو مغرمًا بموسيقا جلبرت
وسلفن، ألف الجمعية المصرية لهواة الموسيقا في سنة 1945؛ وكان من
أغراضها العمل على تذليل الصعوبات التي تحول دون استخدام النغمات
العربية في التأليف الحديث. وكوّن لجنة لترجمة “الأوبريتات الأجنبية” إلى
اللغة العربية، كما ألّف كتاباً في الموسيقا المصرية.
دُعيَ من قبل العالم الألماني الأصل ألبرت أينشتاين للاشتراك في إلقاء أبحاث
تتعلق بالذرة عام 1945 كأستاذ زائر لمدة عام، ولكنه اعتذر بقوله: ”في بلدي
جيل يحتاج إلي”.. وتوفي د. “علي مصطفى مشرفة” عن عمر يناهز 52 عامًا..
يوم الاثنين الموافق 15 يناير/ كانون الثاني 1950.""
اليوم حبيت اني اضع لكم عن عالم عربي ومسلم لا يعرفه كثيرون للاسف وانا عن نفسي عرفته
من خلال الزمكان خلال مسابقة كوارك ...لهذا اردت ان القي الضوء عليه حيث رأيت الموضوع في
جريدة الخليج الاماراتية وكان لزاما علي ان اضعه بين أيديكم ..
الموضوع طويل قليلا ولكنه يستحق القراءة فعلا..فهيا بنا
""القاهرة - أحمد بيومي:
ولد د. علي مصطفى مشرفة في دمياط في 11 يوليو/ تموز ،1898 والده كان
شيخاً من مشايخ الدين من مدرسة الإمام جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد
عبده. كان لأبويه اليسر المادي والجاه الاجتماعي، فنشأ “علي” على الشعور
المرهف بالجمال الذي لم يفقده حبه للخير، ومصادقة الضعفاء
والمساكين.ئفي عام 1907 حصل “علي” على الشهادة الابتدائية، وكان ترتيبه
الأول على القطر. إلا أن والده توفي في نفس العام تاركًا إياه وهو لم يتجاوز
الاثني عشر ربيعًا ربًّا لأسرته المكونة من أمه وإخوته الأربعة. ولعل هذا هو
السر فيما يُعرف عن شخصية د. “علي مشرفة” بالجلد والصبر، وحب الكفاح
وارتفاع الحس التربوي في شخصيته. حفظ “علي” القرآن الكريم منذ الصغر،
كما كان يحفظ الصحيح من الأحاديث النبوية.. كان محافظًا على صلاته مقيمًا
لشعائر دينه كما علمه والده، وظلت هذه المرجعية الدينية ملازمة له طيلة
حياته، وكان يوصي إخوته وجميع من حوله بالمحافظة على الصلاة وشعائر
الدين كلما سنحت له الفرصة، وبدا ذلك جليًّا في خطاباته التي كان يبعثها إلى
إخوته وأصدقائه أثناء سفره للخارج.. والتي طالما ختمها بمقولة: (اعمل
وإخوانك للإسلام.. لله). وعاش ملازمًا له في جيبه مصحف صغير رافقه في
السفر.
في عام 1914 التحق د. علي مشرفة بمدرسة المعلمين العليا، التي اختارها
حسب رغبته رغم مجموعه العالي في البكالوريا. وفي عام 1917 اختير لبعثة
علمية لأول مرة إلى إنجلترا بعد تخرجه، فقرر “علي” السفر بعدما اطمأن على
إخوته بزواج شقيقته، والتحاق أشقائه بالمدارس الداخلية، والتحق “علي”
بكلية “نوتنجهام” ثم بكلية “الملك” بلندن؛ حيث حصل منها على بكالوريوس
علوم مع مرتبة الشرف في عام 1923. ثم حصل على شهادة دكتوراه في
الفلسفة من جامعة لندن في أقصر مدة تسمح بها قوانين الجامعة. وقد رجع
إلى مصر بأمر من الوزارة، وعين مدرسًا بمدرسة المعلمين العليا، إلا أنه وفي
أول فرصة سنحت له، سافر ثانية إلى إنجلترا، وحصل على درجة دكتوراه
العلوم، فكان بذلك أول مصري يحصل عليها. في عام 1925 رجع إلى مصر،
وعين أستاذًا للرياضة التطبيقية بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم مُنح درجة
“أستاذ” في عام 1926 رغم اعتراض قانون الجامعة على منح اللقب لمن هو
أدنى من الثلاثين. اعتمد د. “علي” عميدًا للكلية في عام 1936 وانتخب
للعمادة أربع مرات متتالية، كما انتخب في ديسمبر/ كانون الأول 1945 وكيلاً للجامعة.
بدأت أبحاث د. “علي مشرفة” تأخذ مكانها في الدوريات العلمية وعمره لم
يتجاوز خمسة عشر عامًا. في الجامعة الملكية بلندن نشر له أول خمسة
أبحاث حول النظرية الكمية التي نال من أجلها درجتي Ph.D) دكتوراه
الفلسفة) و Dsc)دكتوراه العلوم). حيث دارت أبحاث د. مشرفة حول تطبيقه
الشروط الكمية بصورة معدلة تسمح بإيجاد تفسير لظاهرتي شتارك وزيمان.
كذلك.. كان د. مشرفة أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ؛
حيث كانت هندسة الفراغ المبنية على نظرية “اينشتاين” تتعرض فقط لحركة
الجسيم المتحرك في مجال الجاذبية. وأضاف نظريات جديدة في تفسير
الإشعاع الصادر من الشمس؛ إلا أن نظرية الدكتور مشرفة في الإشعاع
والسرعة عدت من أهم نظرياته وسببًا في شهرته وعالميته؛ حيث أثبت
الدكتور مشرفة أن المادة إشعاع في أصلها، ويمكن اعتبارهما صورتين لشيء
واحد تتحول إحداهما للآخر.. ومهدت هذه النظرية العالم ليحول المواد الذرية
إلى إشعاعات.
وكان د. “علي” أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين
حاربوا استخدامها في الحرب، بل كان أول من أضاف فكرة جديدة وهي أن
الهيدروجين يمكن أن تصنع منه مثل هذه القنبلة.. إلا أنه لم يكن يتمنى أن
تصنع القنبلة الهيدروجينية، وهو ما حدث بعد وفاته بسنوات في الولايات
المتحدة وروسيا. وتقدر أبحاث د. “علي مشرفة” المتميزة في نظريات الكم،
الذرة والإشعاع، الميكانيكا والديناميكا بنحو خمسة عشر بحثًا.. وبلغت
مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته حوالي مائتين.. ولعله كان ينوي جمعها
ليحصل بها على جائزة نوبل في العلوم الرياضية.
كان د. مصطفى يقول “خير للكلية أن تخرج عالمًا واحدًا كاملاً من أن تخرج
كثيرين أنصاف علماء” هكذا كان يؤمن د. مشرفة، وكان كفاحه المتواصل من
أجل خلق روح علمية خيرة. ويقول في سلسلة محاضراته الإذاعية (أحاديث
العلماء): “هذه العقلية العلمية تعوزنا اليوم في معالجة كثير من أمورنا، وإنما
تكمن الصعوبة في اكتسابها والدرج عليها.. فالعقلية العلمية تتميز بشيئين
أساسيين: الخبرة المباشرة، والتفكير المنطقي الصحيح”. ونادى بأفكاره هذه في كثير من مقالاته ومحاضراته في الإذاعة: مثل: كيف يحل العالم مشكلة
الفقر؟ العلم والأخلاق العلم والمال العلم والاقتصاد العلم والاجتماع..
وغيرها. كان ينادي دائماً أن على العلماء تبسيط كل جديد للمواطن العادي
حتى يكون على إحاطة كاملة بما يحدث من تطور علمي، ويوجه كلامه إلى
العلماء قائلاً: “ومن الأمور التي تؤخذ على العلماء أنهم لا يحسنون صناعة
الكلام؛ ذلك أنهم يتوخون عادة الدقة في التعبير ويفضلون الابتعاد عن طرائق
البديع والبيان، إلا أن العلوم إذا فهمت على حقيقتها ليست في حاجة إلى ثوب
من زخرف القول ليكسبها رونقًا؛ فالعلوم لها سحرها، وقصة العلم قصة رائعة
تأخذ بمجامع القلوب؛ لأنها قصة واقعية حوادثها ليست من نسج
الخيال”. فبسط د. مشرفة كتبًا عديدة منها: النظرية النسبية الذرة والقنابل
نحن والعلم العلم والحياة. واهتم خاصة بمجال الذرة والإشعاع وكان يقول:
“إن الحكومة التي تهمل دراسة الذرة إنما تهمل الدفاع عن وطنها”.
ويرى مشرفة أنه لا يزدهر حاضر أمة تهمل دراسة ماضيها، وأنه لا بد من
الوقوف عند نوابغ الإسلام والعرب، ونكون أدرى الناس بها، فساهم بذلك في
إحياء الكتب القديمة وإظهارها للقارئ العربي مثل: كتاب الخوارزمي في الجبر
والفارابي في الطب والحسن ابن الهيثم في الرياضة.. وغيرها، وكان د.
مشرفة ينظر إلى الأستاذية على أنها لا تقتصر على العلم فقط، وإنما توجب
الاتصال بالحياة، وأن الأستاذ يجب أن يكون ذا أثر فعال في توجيه الرأي العام
في الأحداث الكبرى التي تمر بالبلاد، وأن يحافظ على حرية الرأي عند
المواطنين، وآمن د. مشرفة بأن “العلم في خدمة الإنسان دائما وأن خير
وسيلة لاتقاء العدو أن تكون قادرًا على رده بمثله.. فالمقدرة العلمية والفنية قد صارتا كل شيء.. ولو أن الألمان توصلوا إلى صنع القنبلة الذرية قبل الحلفاء
لتغيرت نتيجة الحرب.. وهو تنوير علمي للأمة يعتمد عليه المواطن المدني
والحربي معًا”.
تمتعت كلية العلوم في عصره بشهرة عالمية واسعة؛ حيث عني عناية تامة
بالبحث العلمي وإمكاناته، فوفر كل الفرص المتاحة للباحثين الشباب لإتمام
بحوثهم، ووصل به الاهتمام إلى مراسلة أعضاء البعثات الخارجية، وسمح لأول
مرة بدخول الطلبة العرب الكلية؛ حيث كان يرى أن: “القيود القومية والفواصل
الجنسية ما هي إلا حبال الشيطان يبث بها العداوة والبغضاء بين القلوب
المتآلفة”. كذلك أنشأ قسمًا للغة الإنجليزية والترجمة بالكلية، كما حول
الدراسة في الرياضة البحتية باللغة العربية، وصنف قاموسًا لمفردات الكلمات
العلمية من الإنجليزية إلى العربية. ويقول المؤرخون: إن د. مشرفة أرسى
قواعد جامعية راقية، حافظ فيها على استقلالها وأعطى للدرس حصانته
وألغى الاستثناءات بكل صورها، وكان يقول: “إن مبدأ تكافؤ الفرص هو
المقياس الدقيق الذي يرتضيه ضميري”.
كان مشرفة حافظا للشعر، ملمًّا بقواعد اللغة العربية، عضوًا في المجمع
المصري للثقافة العلمية باللغة العربية؛ حيث ترجم مباحث كثيرة إلى اللغة
العربية. وكان يحرص على حضور المناقشات والمؤتمرات والمناظرات، وله
مناظرة شهيرة مع د. طه حسين حول: أيهما أنفع للمجتمع الآداب أم
العلوم. ونشر د. مشرفة ما يقرب من ثلاثين مقالاً منها: سياحة في فضاء
العالمين العلم والصوفية اللغة العربية كأداة علمية اصطدام حضارتين مقام
الإنسان في الكون وشارك في مشاريع مصرية تشجيعاً للصناعات الوطنية.. كما شارك في إنشاء جماعة الطفولة المشردة.. كان أول من لقن من حوله
دروساً في آداب الحديث وإدارة الجلسات.
كان د. مشرفة عازفًا بارعًا على الكمان والبيانو مغرمًا بموسيقا جلبرت
وسلفن، ألف الجمعية المصرية لهواة الموسيقا في سنة 1945؛ وكان من
أغراضها العمل على تذليل الصعوبات التي تحول دون استخدام النغمات
العربية في التأليف الحديث. وكوّن لجنة لترجمة “الأوبريتات الأجنبية” إلى
اللغة العربية، كما ألّف كتاباً في الموسيقا المصرية.
دُعيَ من قبل العالم الألماني الأصل ألبرت أينشتاين للاشتراك في إلقاء أبحاث
تتعلق بالذرة عام 1945 كأستاذ زائر لمدة عام، ولكنه اعتذر بقوله: ”في بلدي
جيل يحتاج إلي”.. وتوفي د. “علي مصطفى مشرفة” عن عمر يناهز 52 عامًا..
يوم الاثنين الموافق 15 يناير/ كانون الثاني 1950.""