أستاذ / بدر العصيمي
04-29-2009, 01:55 PM
بقلم : فهد عامر الأحمدي - صحيفة : الرياض ( السعودية ) - العدد 14919
لا أذكر يوماً لم أفتح فيه كتاباً، وكأنها هوس ولدت به .. وكنت في طفولتي أمر على مكتبة تعرض في واجهتها كتباً شتى . وقد لفت انتباهي حينها كتابان مازلت أذكر طريقة عرضهما وصورة غلافيهما .. الأول بعنوان "القابضون على الجمر" والثاني "كيف تتخلص من النظارات"..
الكتاب الأول ظننته بعقلية الطفل الصغير يعلمنا طريقة سحرية للإمساك بالجمر دون أن نشعر بالألم أو نصاب بالاحتراق، (فيما نعرف اليوم أن عنوانه مقتبس من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: القابض على دينه كالقابض على الجمر).
... أما الكتاب الثاني فكان جذاباً بالنسبة لي لأنه كما يشير العنوان سيتيح لي التخلص من النظارات التي ابتليت بلبسها في عمر سبق عمليات الليزك بثلاثة عقود.
.. على أي حال لم يسمح مصروفي حينها بشراء الكتابين وشعرت بالحزن حين اختفيا لاحقا من واجهة المكتبة . وحين أصبحت كبيراً (وهو مايطمح إليه كل طفل) نفذا من الأسواق وبقيا غصة في حلقي …
ومرت أعواما كثيرة قبل أن أصادف الكتاب الثاني (كيف تتخلص من النظارات) في معرض القاهرة للكتاب فكدت أطير من الفرح فاشتريت منه ثلاث نسخ رغم أن النظارات لم تعد تشكل عقدة بالنسبة لي ... ولا أخفي عليكم أنني صدمت منذ البداية بالتاريخ القديم للكتاب ؛ فأول طبعة له كانت عام 1943 وترجمة الدكتور أمين رويحة في أواخر الستينات.. غير أنني سرعان ما اكتشف القيمة الحقيقية للكتاب وكيف أن مؤلفه الطبيب الأمريكي وليم بيتس طرح من خلاله نظرية فريدة ومختلفة عن مشاكل الإبصار .. فالتفسير الحالي لعيوب الإبصار يرتكز على ادعاء أن تعديل العين (بغرض الرؤية) يعتمد على تمدد وانقباض العدسة نتيجة عمل العضلة الهدبية . بينما يدعي الدكتور بيتس أن شكل العين بأكمله يتأقلم للرؤيا نتيجة عمل (العضلات الخارجية ككل) …
.. وكي نفهم الفرق دعونا نشبه العين بالكاميرا .. ففي الكاميرا العادية يتم الحصول على التركيز الصحيح للمنظر من خلال تعديل "العدسة" في المقدمة (وهو مايتبناه أطباء اليوم) . أما نظرية بيتس فتشبه كاميرا أكثر تطورا لاتعتمد فقط على العدسة لتركيز المنظر بل وأيضا على (تقريب وتبعيد) مؤخرة الفيلم وإمالته إلى اليمين واليسار وإلى الأعلى والأسفل وكل اتجاه تذهب إليه العين وهي ساكنة في محجرها.
ومن هذا المنطلق يُرجع بيتس مشاكل الإبصار إلى ضعف وتوتر عضلات العين الخارجية ويعتمد في علاجه على (تمارين) تعيد للعين قوتها بالتدريج .. بل إن بيتس يطالب بالتخلص من النظارات تدريجيا بحجة أنها تضعف عضلات العين وتحشرها في قالب محدد تتعود عليه مع الأيام .. فالنظارات من وجهة نظره كالعكاز الذي تستعين به العين في لحظة ضعف ثم تعتمد عليه طوال العمر.. فحين تعتمد العين على النظارات لفترة طويلة تتكيف معها وتضعف لمستواها مما يستدعي زيادة حجم العدسة عاما بعد عام (وكل من لبس النظارات يعرف هذه الحقيقة).
… وسواء صدقت فرضية الدكتور بيتس أم لا من الواضح أن الزمن تجاوزها هذه الأيام (خصوصا بعد ظهور عمليات الليزر والليزك) .. غير أن ما يهمنا فيها قضيتان لا يؤثر في صلاحيتهما الزمن:
الأولى : أن التمارين التي قدمها لتعديل البصر (والتي لم يتسع المقال لسردها) مازالت صالحة لمقاومة الاجهاد والتوتر الناجم عن العمل المكتبي والجلوس أمام الكمبيوتر لوقت طويل.
والثانية : التذكير بأن انتشار عيوب الإبصار هذه الأيام ليس مرضا أو عيبا وراثيا بقدر ما هو محاولة من العين البشرية للتأقلم مع مساحات الرؤية المحدودة والمحصورة التي تميز بيئات العمل والسكن هذه الأيام ...
فأبصارنا أيها السادة دائما ما ترتطم بحوائط وأجسام لا تبتعد عنها أكثر من مترين الأمر الذي "يجمد" عضلاتها على وضعية الرؤية القصيرة.
لا أذكر يوماً لم أفتح فيه كتاباً، وكأنها هوس ولدت به .. وكنت في طفولتي أمر على مكتبة تعرض في واجهتها كتباً شتى . وقد لفت انتباهي حينها كتابان مازلت أذكر طريقة عرضهما وصورة غلافيهما .. الأول بعنوان "القابضون على الجمر" والثاني "كيف تتخلص من النظارات"..
الكتاب الأول ظننته بعقلية الطفل الصغير يعلمنا طريقة سحرية للإمساك بالجمر دون أن نشعر بالألم أو نصاب بالاحتراق، (فيما نعرف اليوم أن عنوانه مقتبس من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: القابض على دينه كالقابض على الجمر).
... أما الكتاب الثاني فكان جذاباً بالنسبة لي لأنه كما يشير العنوان سيتيح لي التخلص من النظارات التي ابتليت بلبسها في عمر سبق عمليات الليزك بثلاثة عقود.
.. على أي حال لم يسمح مصروفي حينها بشراء الكتابين وشعرت بالحزن حين اختفيا لاحقا من واجهة المكتبة . وحين أصبحت كبيراً (وهو مايطمح إليه كل طفل) نفذا من الأسواق وبقيا غصة في حلقي …
ومرت أعواما كثيرة قبل أن أصادف الكتاب الثاني (كيف تتخلص من النظارات) في معرض القاهرة للكتاب فكدت أطير من الفرح فاشتريت منه ثلاث نسخ رغم أن النظارات لم تعد تشكل عقدة بالنسبة لي ... ولا أخفي عليكم أنني صدمت منذ البداية بالتاريخ القديم للكتاب ؛ فأول طبعة له كانت عام 1943 وترجمة الدكتور أمين رويحة في أواخر الستينات.. غير أنني سرعان ما اكتشف القيمة الحقيقية للكتاب وكيف أن مؤلفه الطبيب الأمريكي وليم بيتس طرح من خلاله نظرية فريدة ومختلفة عن مشاكل الإبصار .. فالتفسير الحالي لعيوب الإبصار يرتكز على ادعاء أن تعديل العين (بغرض الرؤية) يعتمد على تمدد وانقباض العدسة نتيجة عمل العضلة الهدبية . بينما يدعي الدكتور بيتس أن شكل العين بأكمله يتأقلم للرؤيا نتيجة عمل (العضلات الخارجية ككل) …
.. وكي نفهم الفرق دعونا نشبه العين بالكاميرا .. ففي الكاميرا العادية يتم الحصول على التركيز الصحيح للمنظر من خلال تعديل "العدسة" في المقدمة (وهو مايتبناه أطباء اليوم) . أما نظرية بيتس فتشبه كاميرا أكثر تطورا لاتعتمد فقط على العدسة لتركيز المنظر بل وأيضا على (تقريب وتبعيد) مؤخرة الفيلم وإمالته إلى اليمين واليسار وإلى الأعلى والأسفل وكل اتجاه تذهب إليه العين وهي ساكنة في محجرها.
ومن هذا المنطلق يُرجع بيتس مشاكل الإبصار إلى ضعف وتوتر عضلات العين الخارجية ويعتمد في علاجه على (تمارين) تعيد للعين قوتها بالتدريج .. بل إن بيتس يطالب بالتخلص من النظارات تدريجيا بحجة أنها تضعف عضلات العين وتحشرها في قالب محدد تتعود عليه مع الأيام .. فالنظارات من وجهة نظره كالعكاز الذي تستعين به العين في لحظة ضعف ثم تعتمد عليه طوال العمر.. فحين تعتمد العين على النظارات لفترة طويلة تتكيف معها وتضعف لمستواها مما يستدعي زيادة حجم العدسة عاما بعد عام (وكل من لبس النظارات يعرف هذه الحقيقة).
… وسواء صدقت فرضية الدكتور بيتس أم لا من الواضح أن الزمن تجاوزها هذه الأيام (خصوصا بعد ظهور عمليات الليزر والليزك) .. غير أن ما يهمنا فيها قضيتان لا يؤثر في صلاحيتهما الزمن:
الأولى : أن التمارين التي قدمها لتعديل البصر (والتي لم يتسع المقال لسردها) مازالت صالحة لمقاومة الاجهاد والتوتر الناجم عن العمل المكتبي والجلوس أمام الكمبيوتر لوقت طويل.
والثانية : التذكير بأن انتشار عيوب الإبصار هذه الأيام ليس مرضا أو عيبا وراثيا بقدر ما هو محاولة من العين البشرية للتأقلم مع مساحات الرؤية المحدودة والمحصورة التي تميز بيئات العمل والسكن هذه الأيام ...
فأبصارنا أيها السادة دائما ما ترتطم بحوائط وأجسام لا تبتعد عنها أكثر من مترين الأمر الذي "يجمد" عضلاتها على وضعية الرؤية القصيرة.