عبد الرؤوف
03-01-2009, 09:58 PM
الطاقة المتجددة: تجارب ناجحة حول العالم
لفترة طويلة ظلت الدول الصناعية الكبرى, على رأسها الولايات المتحدة, أكثر دول العالم استثمارا في مجال الطاقات المتجددة, إلا أن أحدث التقارير تشير إلى أن ذلك الحال قد لا يستمر طويلاً مع دخول كل من الصين والهند بقوه في هذا المجال, ففي خلال الربع الأخير من العام الماضي تفوقت هاتان الدولتان على دول ذوات خبرة طويلة مثل بريطانيا وإسبانيا، لتحتلان المركزين الثالث والرابع على التوالي بعد الولايات المتحدة وألمانيا.
مما لا شك فيه أن دخول دول جديدة وفقيرة نسبياً في مجال الطاقات المتجددة يعد دليلا قويا على نجاح التجارب السابقة من الناحيتين التقنية والاقتصادية، فما هي إذاً أهم هذه التجارب الناجحة حول العالم؟
على الرغم من دخولها متأخرة في هذا المجال، تعتبر ألمانيا اليوم من الدول الرائدة في الطاقات المتجددة وتغطى 15 في المائة من حاجتها الكهربائية من مصادر طاقة متنوعة، تشمل الرياح، الشمس، والكتل الحيوية. ألمانيا لديها تجربة ناجحة جداً في استخدام طاقة الرياح، حيث تحتل حالياً مركز الصدارة عالمياً بطاقة كلية تقارب 20.6 ألف ميجاوات. ونجت ألمانيا أيضاً إلى حد كبير في صنع سوق رائجة لتقنية الألواح الضوئية على مستوى الاستخدامات المنزلية، على الرغم من تميز البلاد بكثافة السحب، وبذلك أصابت الحكومة الألمانية عصفورين بحجر واحد, فصناعة الطاقات المتجددة الألمانية أيضاً استطاعت أن توفر نحو 2.5 مليون وظيفة للمواطن الألماني.
نجاح التجربة الألمانية يعزى لسببين, أولاً الحكومة الألمانية تدعم بسخاء الشركات العاملة في مجال الطاقات المتجددة. ثانياً الحكومة الألمانية تنتهج سياسة صارمة للحد من التلوث البيئي الناتج من حرق الوقود التقليدي، وهناك خطط جادة للتوقف نهائياً عن استخدام الفحم بحلول عام 2018م, ويبدو أن الألمان لا يعولون كثيراً على تقنية الفحم النظيف التي تجد اهتماما كبيراً في الولايات المتحدة, ولذلك كان لا بد من إيجاد بدائل مناسبة للطاقة.
تعد أمريكا صاحبة أكبر رصيد من التجارب الناجحة في مجال الطاقات المتجددة بلا منازع, وخصوصاً الطاقة الشمسية التي تغطى الأجزاء الجنوبية منها بكثافة معظم أيام السنة. "الاقتصادية"
أما بريطانيا, التي احتلت المركز الثاني حتى بداية القرن الحالي, فقد تراجعت إلى المركز السادس من حيث الترتيب العالمي للاستثمار في الطاقات المتجددة, ويعزى ذلك لاعتماد بريطانيا على خطط طويلة الأجل لتفعيل التحول نحو الطاقات المتجددة. هذا بالطبع لا ينفى أن أهم التجارب في هذا المجال كانت ولا تزال في بريطانيا، وهناك اليوم ما يقارب 140 ألف شخص يعملون في صناعة الطاقات المتجددة. بريطانيا لديها تجربة ناجحة في إنتاج الكهرباء بواسطة التوربينات الهوائية، والطاقة الكهربائية الإجمالية المنتجة بهذه التقنية تكفى حاجة نحو مليوني منزل، ويبلغ العدد الكلي لحقول المراوح الهوائية نحو 174 حقلاً بما فيها سبعة حقول بحرية.
وتماشياً مع سياسة التنوع في مصادر الطاقة، تهتم بريطانيا بشكل خاص بالكتل الحيوية كمصدر للطاقة, ففي 2007م تم بنجاح تشغيل أكبر محطة في البلاد لإنتاج الكهرباء عن طريق حرق أخشاب الغابات ومخلفات صناعة الأخشاب ومحاصيل الطاقة، وتبلغ الطاقة الإجمالية نحو 30 ميجاوات، وهذا يكفى لتغطي حاجة مدينة متوسطة الحجم. أهم ما يميز هذه المحطة هو قدرتها العالية على حرق مختلف أنواع الكتل الحيوية وبكميات هائلة تصل إلى 300 ألف طن سنوياً، وبلغت التكلفة الكلية للمشروع الذي يقع في شمال شرق إنجلترا نحو 120 مليون دولار، وبلا شك يعتبر هذا مبلغ زهيدا مقارنة بالفوائد الهائلة التي تعود على سكان المنطقة.
هذا النجاح دفع بالحكومة البريطانية إلى إعطاء الضوء الأخضر لإنشاء محطة جديدة تعتبر الأكبر في العالم لإنتاج الكهرباء من الكتل الحيوية بطاقة 350 ميجاوات، ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية نحو 800 مليون دولار. وذكرت بعض المصادر أنه نظراً لضخامة حجم المشروع قد يتم استيراد كميات إضافية من الكتل الحيوية من الولايات المتحدة وكندا لضمان استمرار الإنتاج الكهربائي على مدار العام. ومن المهم الإشارة إلى أن نجاح هذه التجربة من الناحية الاقتصادية سيكسر حاجز استحواذ الدول الزراعية على تقنية الوقود الحيوي ويفتح الباب على مصراعيه لاستيراد وتصدير الكتل الحيوية حول العالم.
أما الولايات المتحدة، فهي صاحبة أكبر رصيد من التجارب الناجحة في مجال الطاقات المتجددة بلا منازع, وخصوصاً الطاقة الشمسية التي تغطى الأجزاء الجنوبية منها بكثافة معظم أيام السنة. يرجع الفضل في ذلك إلى الدعم السخي من قبل وزارة الطاقة الأمريكية للبحوث في هذا المجال. ففي صحراء نيفادا تقدم الولايات المتحدة نموذجاً ناجحاً لإنتاج الكهرباء من الشمس بقدره 75 ميجاوات، وبلغت التكلفة الإجمالية للمشروع نحو 270 مليون دولار, وهذا يعتبر رقماً متواضعاً جداً عند الأخذ في الحسبان بساطة هذه التقنية وانعدام الأضرار البيئية المصاحبة لها. وتقبع أهمية هذه المشروع إلى أنه يمثل دليلاً قاطعاً على نجاح تقنيه الطاقة الشمسية المركزة بحجم تجاري.
كما ذكرت في بداية المقال, هذه التجارب الناجحة دفعت بدول أخرى كانت خارج المنافسة, كالصين مثلاً, لاستثمار مبالغ ضخمه للحاق بركب الطاقات المتجددة. ليس ذلك فحسب, فالصين فاجأت العالم بالإعلان عن مشروع لأكبر محطة كهربائية في العالم تعمل بالطاقة الشمسية بقدرة هائلة تعادل واحد جيجاوات (ألف ميجاوات), وبذلك تتفوق على الولايات المتحدة التي ظلت في المقدمة لفترة طويلة من الزمن.
بالطبع هناك تجارب أخرى عديدة جديرة بالإشادة مثل التجربة البرازيلية في إنتاج وقود المركبات السائل من الكتل الحيوية، والتجربة الهندية في استغلال الطاقة الشمسية على مستوى المنازل. تلك الأمثلة وغيرها ستعمل على تشجيع المزيد من الدول الغنية منها والفقيرة على السير بثقة نحو الطاقات المتجددةد. ياسر طه مكاوي ـ الاقتصادية
لفترة طويلة ظلت الدول الصناعية الكبرى, على رأسها الولايات المتحدة, أكثر دول العالم استثمارا في مجال الطاقات المتجددة, إلا أن أحدث التقارير تشير إلى أن ذلك الحال قد لا يستمر طويلاً مع دخول كل من الصين والهند بقوه في هذا المجال, ففي خلال الربع الأخير من العام الماضي تفوقت هاتان الدولتان على دول ذوات خبرة طويلة مثل بريطانيا وإسبانيا، لتحتلان المركزين الثالث والرابع على التوالي بعد الولايات المتحدة وألمانيا.
مما لا شك فيه أن دخول دول جديدة وفقيرة نسبياً في مجال الطاقات المتجددة يعد دليلا قويا على نجاح التجارب السابقة من الناحيتين التقنية والاقتصادية، فما هي إذاً أهم هذه التجارب الناجحة حول العالم؟
على الرغم من دخولها متأخرة في هذا المجال، تعتبر ألمانيا اليوم من الدول الرائدة في الطاقات المتجددة وتغطى 15 في المائة من حاجتها الكهربائية من مصادر طاقة متنوعة، تشمل الرياح، الشمس، والكتل الحيوية. ألمانيا لديها تجربة ناجحة جداً في استخدام طاقة الرياح، حيث تحتل حالياً مركز الصدارة عالمياً بطاقة كلية تقارب 20.6 ألف ميجاوات. ونجت ألمانيا أيضاً إلى حد كبير في صنع سوق رائجة لتقنية الألواح الضوئية على مستوى الاستخدامات المنزلية، على الرغم من تميز البلاد بكثافة السحب، وبذلك أصابت الحكومة الألمانية عصفورين بحجر واحد, فصناعة الطاقات المتجددة الألمانية أيضاً استطاعت أن توفر نحو 2.5 مليون وظيفة للمواطن الألماني.
نجاح التجربة الألمانية يعزى لسببين, أولاً الحكومة الألمانية تدعم بسخاء الشركات العاملة في مجال الطاقات المتجددة. ثانياً الحكومة الألمانية تنتهج سياسة صارمة للحد من التلوث البيئي الناتج من حرق الوقود التقليدي، وهناك خطط جادة للتوقف نهائياً عن استخدام الفحم بحلول عام 2018م, ويبدو أن الألمان لا يعولون كثيراً على تقنية الفحم النظيف التي تجد اهتماما كبيراً في الولايات المتحدة, ولذلك كان لا بد من إيجاد بدائل مناسبة للطاقة.
تعد أمريكا صاحبة أكبر رصيد من التجارب الناجحة في مجال الطاقات المتجددة بلا منازع, وخصوصاً الطاقة الشمسية التي تغطى الأجزاء الجنوبية منها بكثافة معظم أيام السنة. "الاقتصادية"
أما بريطانيا, التي احتلت المركز الثاني حتى بداية القرن الحالي, فقد تراجعت إلى المركز السادس من حيث الترتيب العالمي للاستثمار في الطاقات المتجددة, ويعزى ذلك لاعتماد بريطانيا على خطط طويلة الأجل لتفعيل التحول نحو الطاقات المتجددة. هذا بالطبع لا ينفى أن أهم التجارب في هذا المجال كانت ولا تزال في بريطانيا، وهناك اليوم ما يقارب 140 ألف شخص يعملون في صناعة الطاقات المتجددة. بريطانيا لديها تجربة ناجحة في إنتاج الكهرباء بواسطة التوربينات الهوائية، والطاقة الكهربائية الإجمالية المنتجة بهذه التقنية تكفى حاجة نحو مليوني منزل، ويبلغ العدد الكلي لحقول المراوح الهوائية نحو 174 حقلاً بما فيها سبعة حقول بحرية.
وتماشياً مع سياسة التنوع في مصادر الطاقة، تهتم بريطانيا بشكل خاص بالكتل الحيوية كمصدر للطاقة, ففي 2007م تم بنجاح تشغيل أكبر محطة في البلاد لإنتاج الكهرباء عن طريق حرق أخشاب الغابات ومخلفات صناعة الأخشاب ومحاصيل الطاقة، وتبلغ الطاقة الإجمالية نحو 30 ميجاوات، وهذا يكفى لتغطي حاجة مدينة متوسطة الحجم. أهم ما يميز هذه المحطة هو قدرتها العالية على حرق مختلف أنواع الكتل الحيوية وبكميات هائلة تصل إلى 300 ألف طن سنوياً، وبلغت التكلفة الكلية للمشروع الذي يقع في شمال شرق إنجلترا نحو 120 مليون دولار، وبلا شك يعتبر هذا مبلغ زهيدا مقارنة بالفوائد الهائلة التي تعود على سكان المنطقة.
هذا النجاح دفع بالحكومة البريطانية إلى إعطاء الضوء الأخضر لإنشاء محطة جديدة تعتبر الأكبر في العالم لإنتاج الكهرباء من الكتل الحيوية بطاقة 350 ميجاوات، ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية نحو 800 مليون دولار. وذكرت بعض المصادر أنه نظراً لضخامة حجم المشروع قد يتم استيراد كميات إضافية من الكتل الحيوية من الولايات المتحدة وكندا لضمان استمرار الإنتاج الكهربائي على مدار العام. ومن المهم الإشارة إلى أن نجاح هذه التجربة من الناحية الاقتصادية سيكسر حاجز استحواذ الدول الزراعية على تقنية الوقود الحيوي ويفتح الباب على مصراعيه لاستيراد وتصدير الكتل الحيوية حول العالم.
أما الولايات المتحدة، فهي صاحبة أكبر رصيد من التجارب الناجحة في مجال الطاقات المتجددة بلا منازع, وخصوصاً الطاقة الشمسية التي تغطى الأجزاء الجنوبية منها بكثافة معظم أيام السنة. يرجع الفضل في ذلك إلى الدعم السخي من قبل وزارة الطاقة الأمريكية للبحوث في هذا المجال. ففي صحراء نيفادا تقدم الولايات المتحدة نموذجاً ناجحاً لإنتاج الكهرباء من الشمس بقدره 75 ميجاوات، وبلغت التكلفة الإجمالية للمشروع نحو 270 مليون دولار, وهذا يعتبر رقماً متواضعاً جداً عند الأخذ في الحسبان بساطة هذه التقنية وانعدام الأضرار البيئية المصاحبة لها. وتقبع أهمية هذه المشروع إلى أنه يمثل دليلاً قاطعاً على نجاح تقنيه الطاقة الشمسية المركزة بحجم تجاري.
كما ذكرت في بداية المقال, هذه التجارب الناجحة دفعت بدول أخرى كانت خارج المنافسة, كالصين مثلاً, لاستثمار مبالغ ضخمه للحاق بركب الطاقات المتجددة. ليس ذلك فحسب, فالصين فاجأت العالم بالإعلان عن مشروع لأكبر محطة كهربائية في العالم تعمل بالطاقة الشمسية بقدرة هائلة تعادل واحد جيجاوات (ألف ميجاوات), وبذلك تتفوق على الولايات المتحدة التي ظلت في المقدمة لفترة طويلة من الزمن.
بالطبع هناك تجارب أخرى عديدة جديرة بالإشادة مثل التجربة البرازيلية في إنتاج وقود المركبات السائل من الكتل الحيوية، والتجربة الهندية في استغلال الطاقة الشمسية على مستوى المنازل. تلك الأمثلة وغيرها ستعمل على تشجيع المزيد من الدول الغنية منها والفقيرة على السير بثقة نحو الطاقات المتجددةد. ياسر طه مكاوي ـ الاقتصادية